Skip to Content
الخميس 18 رمضان 1445 هـ الموافق لـ 28 مارس 2024 م

الكلمة الشهرية رقم: ٨١

في حكم التشهير بالحكام والتشنيع عليهم

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فلا يخفى أنَّ مِنْ وراءِ نَصْبِ إمامِ المسلمين العدلِ القادرِ على تَحمُّلِ الأمانةِ العُظْمى فوائدَ عامَّةً ومَنافِعَ كُبْرَى على جميعِ مَناحي الحياةِ وكافَّةِ الأَصْعِدَة، ومِنْ أَعْظَمِ تلك المَنافِعِ وأَوْلاها على الإطلاقِ إقامةُ شَرْعِ اللهِ تعالى وأَمْرِه وجَعْلُه مُهَيْمِنًا على كافَّةِ الشرائع الوضعية والدساتيرِ القانونية ليَشْمَلَ جميعَ سُبُلِ الحياة؛ فإنَّ ذلك ـ بلا شكٍّ ـ مَطْلَبٌ أساسيٌّ وعزيزٌ تَأْمَلُه الرعيَّةُ وينشده كُلُّ مسلمٍ غيورٍ على دِينِه يُؤْمِنُ بالله ربًّا وبمحمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم نبيًّا وبالإسلام دِينًا؛ لِمَا في حُكْمِ الله تعالى وبَسْطِ أَمْرِه مِنْ تحقيقِ العبودية لله وَحْدَه، وحِفْظِ الدِّينِ والأخلاق والحقوق، وإقامةِ الحدود، وصيانةِ الأعراض، وإزالةِ الظلم بمُخْتَلَفِ مَظاهِرِه، ونَشْرِ الفضيلةِ وقَمْعِ الرذيلة، على أساسِ العدل والشورى والمُساواةِ وَفْقَ الشريعةالإسلامية؛ وذلك لأنَّ في صلاحِ الإمامِ صلاحَ العِبادِ والبلاد، قال تعالى:﴿ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ ٤١ [الحج]؛ فهذه مُنْيَةُ الرعيَّةِ المسلمةِ تَأْمَلُها وترجو تحقيقَها في حياةِ الناس؛ فكان مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ إمامٌ عدلٌ يجتمع عليه الناسُ ويرضَوْن عنه ويُحِبُّونه ويُحِبُّهم ويدخل في عِدَادِ مَنْ يُظِلُّهم اللهُ في ظِلِّه يوم لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّه(١)، ولكِنْ قد تُعْقَدُ الإمامةُ ـ أيضًا ـ لِمَنْ تَلينُ لهم الجلودُ ولا تَطْمَئِنُّ إليهم القلوبُ، أو إلى حُكَّامٍ تَشْمئِزُّ منهم القلوبُ وتَقْشعِرُّ منهم الجلودُ(٢) مِنْ أهلِ الجَوْرِ والظلم والفساد، وأهلِ الغَلَبةِ والقهر والسلطان، تلك هي سنَّةُ اللهِ جاريةً في خَلْقه.

وفي هذه الأحوال، ومِنْ مُقْتضَيَاتِ الإيمانِ وجوبُ طاعةِ وُلَاةِ الأمورِ على ما هُمْ عليه مِنْ عدلٍ أو جَوْرٍ كما نصَّتْ عليه الأحاديثُ الكثيرةُ في هذا الباب، وليس معنى ذلك أَنْ تكون الطاعةُ مُطْلَقةً، وإنما هي مُقيَّدةٌ بالمعروف دون معصيةٍ، فإِنْ كان وليُّ الأمرِ يأمر بالمَعاصي ومُحْدَثاتِ الأمورِ مِنَ البِدَعِ والضلالات والفساد، يُجيزُ إظهارَها والترويجَ لها؛ فإنه لا طاعةَ له في المعصيةلقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ؛ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ»(٣)، وقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»(٤).

وضِمْنَ موقفِ أهل السنَّة مِنَ الإمام الحاكم قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «أنهم لا يُوجِبون طاعةَ الإمامِ في كُلِّ ما يأمر به، بل لا يُوجِبون طاعتَه إلَّا فيما تَسوغُ طاعتُه فيه في الشريعة؛ فلا يُجوِّزون طاعتَه في معصيةِ الله وإِنْ كان إمامًا عادلًا، وإذا أَمَرَهم بطاعةِ الله فأطاعوه ـ مِثْلَ أَنْ يأمرهم بإقامةِ الصلاة وإيتاءِ الزكاة والصدق والعدل والحجِّ والجهاد في سبيل الله ـ فهُمْ في الحقيقةِ إنما أطاعوا اللهَ، والكافرُ والفاسق إذا أَمَرَ بما هو طاعةٌ لله لم تَحْرُمْ طاعةُ اللهِ ولا يَسْقُطُ وجوبُها لأجلِ أَمْرِ ذلك الفاسقِ بها، كما أنه إذا تَكَلَّمَ بحقٍّ لم يَجُزْ تكذيبُه ولا يَسْقُطُ وجوبُ اتِّباعِ الحقِّ لكونه قد قالَهُ فاسقٌ؛ فأهلُ السنَّةِ لا يُطيعون وُلَاةَ الأمورِ مطلقًا، إنما يُطيعونهم في ضِمْنِ طاعةِ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم كما قال تعالى: ﴿أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ  [النساء: ٥٩]»(٥).

ولذلك وَجَبَ التفريقُ بين أَنْ يكون وليُّ الأمرِ فاسقًا في ذاتِه ظالمًا جائرًا في نَفْسِه، وبين أَنْ يأمر بمَعْصيةٍ أو يَنْشُرَها ويُروِّجَ لها؛ فإنَّ طريقةَ أهلِ السنَّة السلفيِّين في الإنكار على وُلَاةِ الأمرِ ومَوْقِفَهم مِنْ إبداءِ النصيحةِ لهم هي وَسَطٌ بين الخوارجِ والروافض، حيث إنَّ الخوارج والمعتزلة يُجيزون الخروجَ على الحاكم إذا فَعَلَ مُنْكَرًا، بينما الروافضُ يَكْسُون حُكَّامَهم ثوبَ القداسة، ويُنْزِلونهم مرتبةَ العصمة؛ أمَّا سبيـلُ أهلِ السنَّة والجماعة السلفيِّين فوجوبُ الإنكار، لكِنْ بالضوابط الشرعية الواردةِ في السنَّة المطهَّرة التي كان عليها سَلَفُ الأُمَّة.

فمَنْهَجُ أهلِ السنَّة والجماعة في مُناصَحةِ وُلَاةِ الأمر فيما صَدَرَ منهم مِنْ مُنْكَراتٍ أَنْ يُنـاصِحُوهم بالخطاب وعظًا وتخويفًا مِنْ مَقامِ الله تعالى وبالسرِّ وبالرِّفق لقوله تعالى ـ مُخاطِبًا موسى وهارون عليهما السلام حين أَرْسَلَهما إلى فرعون ـ: ﴿فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ ٤٤ [طه]، هذا إِنْ وصلوا إليهم، أو بالكتابة والوساطة إِنْ تَعَذَّرَ الوصولُ إليهم؛ إذ الأصلُ في وَعْظِهم أَنْ يكون سِرًّا، وإذا طلبوا تقديمَ النصيحةِ أمامهم عَلَنًا وفَتَحوا على أَنْفُسهم بابَ إبداءِ الرأي والانتقادِ وأَذِنوا فيه؛ فيجوزُ نصيحتُهم بالحقِّ مِنْ غيرِ هَتْكٍ للأستار ولا تعييرٍ لمُنافاتِهما للجانب الأخلاقيِّ، ولا خروجٍ ـ بالقول أو الفعل ـ لمُخالَفتِه لمنهج الإسلام في الحكم والسياسة، قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «وقال جماهيرُ أهلِ السنَّةِ مِنَ الفُقَهاءوالمُحدِّثين والمتكلِّمين: لا ينعزل بالفسق والظلمِ وتعطيلِ الحقوق، ولا يُخْلَعُ ولا يجوز الخروجُ عليه بذلك، بل يجب وَعْظُه وتخويفُه للأحاديثِ الواردةِ في ذلك»(٦)، مع تحذيرِ الناسِ مِنْ هذه المُنْكَراتِ والبِدَعِ والمَعاصي عمومًا دون تعيينِ الفاعل أو الإشارةِ إليه أو تخصيصِ بعضِ صفاته التي يُعْرَفُ بها، كالتحذير مِنَ الزِّنا والرِّبا والظلمِ وشُرْبِ الخمر ومُحْدَثات الأمور ونحوِها عمومًا مِنْ غيرِ تعيينٍ، أي: يكفي الإنكارُ على المَعاصي والبِدَعِ والتحذيرُ منها دون تعيينِ فاعِلِها بالسبِّ أو اللعن أو التقبيح؛ فإنه يُفْضي إلى الحرمان مِنَ الخير والعدل، قال بعضُ السلف: «ما سَبَّ قومٌ أميرَهم إلَّا حُرِموا خيرَه»(٧)، وقال آخَرُ: «مَنْ لَعَنَ إمامَه حُرِمَ عَدْلَه»(٨).

ومعنى ذلك أنَّ أهل السنَّةِ السلفيِّين يُنْكِرون ما يأمر به الإمامُ مِنَ البِدَعِ والمَعاصي ويُحذِّرون الناسَ منها ويأمرونهم بالابتعاد عنها مِنْ غيرِ أَنْ يكون إنكارُهم على وُلَاةِ الأمور في مَجامِعِ الناسِ ومَحافِلِهم، ولا على رؤوسِ المَنابِرِ ومَجالِسِ الوعظ، ولا التشهيرِ بعيوبهم ولا التشنيعِ عليهم في وسائلِ الإعلام بأنواعها المُخْتَلِفةِ: المَرْئيَّةِ والمسموعةِ والمكتوبة، بالكتابة في الصُّحُف والمَجَلَّات أو بالصُّوَرِ الكاريكاتورية ونحوِ ذلك؛ لأنَّ ذلك يُؤدِّي إلى تأليبِ العامَّة، وإثارةِ الرَّعاع، وإيغارٍ لصدور الرعيَّة على وُلَاةِ الأمور وإشعالِ الفتنة، ويُوجِبُ الفُرْقةَ بين الإخوان، وهذه النتائجُ الضارَّةُ يأباها الشرعُ وينهى عنها، و«كُلُّ مَا يُفْضِي إِلَى حَرَامٍ فَهُوَ حَرَامٌ»، و«الوَسَائِلُ لَهَا حُكْمُ المَقَاصِدِ»، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: «إنَّ أوَّلَ نِفاقِ المرءِ طَعْنُه على إمامه»(٩)، وقال أنسُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه: «نَهَانَا كُبَرَاؤُنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قَالَ: «لَا تَسُبُّوا أُمَرَاءَكُمْ وَلَا تَغِشُّوهُمْ(١٠) وَلَا تَبْغَضُوهُمْ، وَاتَّقُوا اللهَ وَاصْبِرُوا؛ فَإِنَّ الأَمْرَ قَرِيبٌ»»(١١)، وضِمْنَ هذا المعنى قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «مذهبُ أهلِ الحديث: تَرْكُ الخروجِ بالقتال على الملوك البُغاةِ والصبرُ على ظُلْمِهم إلى أَنْ يَسْتريحَ بَرٌّ أو يُسْتراحَ مِنْ فاجرٍ»(١٢).

فكان منهجُ أهلِ السنَّةِ السلفيِّين: جَمْعَ قلوبِ الناسِ على وُلَاتهم، والأمرَ بالصبر على ما يَصْدُرُ عنهم مِنْ ظُلْمٍ للعباد أو استئثارٍ بالمال، والدعاءَ لهم بالصلاح والعافية؛ ففي ذلك لزومُ جماعةِ المسلمين وإمامِهم وعدمُ الشذوذِ عنهم، قال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ ١٠٥ [آل عمران]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗا لَّسۡتَ مِنۡهُمۡ فِي شَيۡءٍۚ إِنَّمَآ أَمۡرُهُمۡ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ ١٥٩ [الأنعام]، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ»(١٣).

ولزومُ الإمام والجماعةِ هو حَبْلُ اللهِ الذي أَمَرَ اللهُ بالاعتصام به كما جاء عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه(١٤) في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ ١٠٢ وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ ١٠٣ [آل عمران]، وفي الحديث:«الدِّينُ النَّصِيحَةُ»، قُلْنَا: «لِمَنْ؟» قَالَ: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»(١٥)، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا: يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَكُمْ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَإِضَاعَةَ المَالِ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ»(١٦).

ويُشْتَرَطُ في الآمرِ بالمعروف والناهي عن المُنْكَرِ: أَنْ يكون على علمٍ بما يأمر به وما ينهى عنه، موضوعًا وزمنًا ومكانًا واستعدادًا، وأَنْ يكون رفيقًا فيما يأمر به وينهى عنه، صابرًا على ما يَلْقاهُ مِنَ الأذى، سواءٌ مِنْ حاكمٍ أو محكومٍ، قال تعالى: ﴿وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ ٣ [العصر]، وقال تعالى ـ حاكيًا قولَ لقمانَ الحكيمِ لابنه وهو يَعِظُه ـ: ﴿يَٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَۖ [لقمان: ١٧].

وأَخْتِمُ بقولِ عمرِو بنِ العاصِ لابنه رضي الله عنهما: «يا بُنَيَّ، احْفَظْ عنِّي ما أُوصِيكَ به: إمامٌ عدلٌ خيرٌ مِنْ مَطَرٍ وَبْلٍ، وأَسَدٌ حَطومٌ خيرٌ مِنْ إمامٍ ظَلومٍ، وإمامٌ ظَلومٌ غَشومٌ خيرٌ مِنْ فتنةٍ تدوم»(١٧).

والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٦ ربيع الأوَّل ١٤٣٤ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٧ فبراير ٢٠١٣م


(١) للحديث المُتَّفَقِ عليه الذي أخرجه البخاريُّ في «الحدود» بابُ فضلِ مَنْ تَرَك الفواحشَ(٦٨٠٦)، ومسلمٌ في «الزكاة» (١٠٣١)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظُه: «سَبْعَةٌيُظِلُّهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ فِي خَلَاءٍ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسْجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍإِلَى نَفْسِهَا، قَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ».

(٢) انظر: «السنَّة» لابن أبي عاصم (١٠٧٧).

(٣) أخرجه البخاريُّ في «الأحكام» بابُ السمعِ والطاعة للإمام ما لم تكن معصيةً (٧١٤٤)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٨٣٩)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنه.

(٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأحكام» بابُ السمعِ والطاعة للإمام ما لم تكن معصيةً (٧١٤٥)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٨٤٠)، مِنْ حديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه.

(٥) «منهاج السنَّة النبوية» لابن تيمية (٣/ ٣٨٧).

(٦) «شرح مسلم» للنووي (١٢/ ٢٢٩).

(٧) انظر: «التمهيد» لابن عبد البرِّ (٢١/ ٢٨٧).

(٨) انظر: «سِيَر أعلام النُّبَلاء» للذهبي (٩/ ٣٤٢).

(٩) «التمهيد» لابن عبد البرِّ (٢١/ ٢٨٧).

(١٠) غَشَّ صَدْرُه يَغِشُّ غِشًّا: غَلَّ مِنَ الغِلِّ، [انظر: «لسان العرب» لابن منظور (٦/ ٣٢٣)].

(١١) «السنَّة» لابن أبي عاصم (١٠١٥)، «التمهيد» لابن عبد البرِّ (٢١/ ٢٨٧).

(١٢) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٤/ ٤٤٤).

(١٣) أخرجه الترمذيُّ في «الفِتَن» بابُ ما جاء في لزوم الجماعة (٢١٦٥) مِنْ حديثِ عمر ابنِ الخطَّاب رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٢٥٤٦).

(١٤) عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه أنه قال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَالجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّهُمَا حَبْلُ اللهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ، وَإِنَّ مَا تَكْرَهُونَ فِي الطَّاعَةِ وَالجَمَاعَةِ خَيْرٌ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ» [أخرجه الطبرانيُّ في «الكبير» (٩/ ١٩٨)، والآجُرِّيُّ في «الشريعة» (١٧)، واللَّالَكائيُّ في «شرح أصول اعتقاد أهل السنَّة والجماعة» (١/ ١٢١)].

والأثر ـ وإِنْ وَرَدَ ضعيفًا كما في «الضعيفة» للألباني (١٢/ ٧٤٢) ـ إلَّا أنَّ مَعْناهُ صحيحٌ لا يخرج مِنْ عمومِ تفسيرات السلف لمَعْنَى «حبل الله» منها: تفسيرُ «حبل الله» بالقرآنلِمَا روى مسلمٌ (٢٤٠٨) عن زيد بنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه مرفوعًا: «كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ حَبْلُ اللهِ، مَنِ اتَّبَعَهُ كَانَ عَلَى الهُدَى، وَمَنْ تَرَكَهُ كَانَ عَلَى ضَلَالَةٍ»؛ ذلك لأنَّ القرآنَ الكريمَ يأمر بالاعتصام بالإسلام، وإنما يكون ذلك بلزومِ جماعة المسلمين وإمامِهم، قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ في [«منهاج السنَّة النبوية» (٥/ ١٣٤)]: «وقد فُسِّر «حَبْلُه» بكتابه وبدِينِه وبالإسلام وبالإخلاص وبأمرِه وبعهده وبطاعته وبالجماعة؛ وهذه كُلُّها منقولةٌ عن الصحابةوالتابعين لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين، وكُلُّها صحيحةٌ؛ فإنَّ القرآن يأمر بدِينِ الإسلام، وذلك هو عَهْدُه وأَمْرُه وطاعتُه، والاعتصامُ به جميعًا إنما يكون في الجماعة، ودِينُ الإسلام حقيقتُه الإخلاصُ لله».

(١٥) أخرجه مسلمٌ في «الإيمان» (٥٥) مِنْ حديثِ تميمِ بنِ أوسٍ الداريِّ رضي الله عنه.

(١٦) أخرجه مسلمٌ في «الأقضية» (١٧١٥)، وأحمد في «مسنده» (٨٧٩٩) واللفظُ له، مِنْحديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. ولم تَرِدْ عند مسلمٍ جملةُ: «وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَكُمْ».

(١٧) انظر: «الآداب الشرعية» لابن مُفْلِح (١/ ١٧٦).