في بيـان قاعدة: «حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال» | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
السبت 11 شوال 1445 هـ الموافق لـ 20 أبريل 2024 م



الفتوى رقم: ٣٤٨

الصنف: فتاوى الأصول والقواعد - أصول الفقه

في بيـان قاعدة:
«حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال»

السؤال: نرجو من شيخنا أبي عبد المعز –حفظه الله- أن يبين لنا ضابط قاعدة: " حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال" ؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما، أمّا بعد:

فهذه القاعدة مروية عن الإمام الشافعي - رحمه الله-: "حكاية الحال إذا تطرَّق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال، وسقط بها الاستدلال"، ونقل عنه –رحمه الله- عبارة أخرى مخالفة للأولى وهي: " ترك الاستفصال في حكاية الحال، مع قيام الاحتمال يُنزَّل منزلة العموم في المقال، ويحسن به الاستدلال"، والمراد بهذه القاعدة الثانية: أنَّ الجواب غير المستقل لا يتبع السؤال في خصوصه، إذ لو اختصَّ به لما احتيج إلى خصوصه.

وقد أشكل ذلك على بعض العلماء وتبيانت أجوبتهم، فحمل بعضهم العبارة الأولى على الفعل لأنه لا عموم له، والثانية على القول الذي يحال عليه العموم، وهو اختيار البُلقيني وابن دقيق والسبكي، وقال آخرون أنه يُحمل على الأولى إن كان الاحتمال قريبًا فيسقط به الاستدلال، والعبارة الثانية إن كان الاحتمال بعيدًا فيعمل بعمومه.

والاحتمال إنَّما يكون قريبًا إن دلَّ عليه دليل غيره يقويه ويكسوه ثوب الإجمال، وشأن الإجمال التعطيل، ومثاله قصة الرجل الذي كان يتخطَّى الرِّقاب والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب، فقال له: «اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ»(١) فقد استدلَّ به بعضهم على عدم وجوب تحية المسجد، إذ لو كانت واجبة لما أمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجلس، بل أن يصلي ركعتين، فهذا دليل طرأ عليه احتمال صلاته قبل تخطي الرقاب ثمَّ أمره بالجلوس، ويقوي هذا الاحتمال أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم - في قصة أخرى- رأى سليك الغطفاني- جلس فأمره أن يركع ركعتين، ثمَّ قال: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَلْيُجَوِّزْ فِيهِمَا»(٢)، فكان الاحتمال السابق قويًّا من جهة أنه قد صلى قبل تخطيه للرقاب الأمر الذي يجعل الدليل مكسوًّا بثوب الإجمال، والإجمال يسقط اعتباره، ولا يستدل به لتردده بين معنين، لا مزيَّةَ لأحد المعنين على الآخرما لم يرد دليل خارجي مبين لأحد المعنيين على نحو ما تقدَّم من قصته سليك الغطفاني رضي الله عنه.  

والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.

الجزائر في: ٢٤ صفر ١٤٢٧ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٤ مارس ٢٠٠٦م


(١) أخرجه ابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها (١١٦٩)، من حديث جابر رضي الله عنه،  وأحمد (١٨١٤٣)، وابن خزيمة (١٧٠٨)، والحاكم (١٠١٢)، والبيهقي (٦٠٩٧)، من حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه. وصححه الألباني في صحيح الجامع (٧١٤).

(٢) أخرجه مسلم في الجمعة (٢٠٦١)، وابن خزيمة (١٧٣١)، وابن حبان (٢٥٤٩)، والدارقطني (١٤٠٠)، والبيهقي (٥٩٠٢)، من حديث جابر رضي الله عنه