في حكم دعوةٍ إلى وليمةٍ بالهاتف | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الثلاثاء 7 شوال 1445 هـ الموافق لـ 16 أبريل 2024 م



الفتوى رقم: ٧٩٩

الصنف: فتاوى الأسرة ـ عقد الزواج ـ آداب الزواج

في حكم دعوةٍ إلى وليمةٍ بالهاتف

السؤال:

بعد زواجي بثلاثِ سنواتٍ مِنْ أخٍ مستقيمٍ تزوَّجَتْ أختي مِنْ رجلٍ لم يُبْدِ رغبةً في التعرُّف عليه، وبعد سنةٍ تقريبًا وُلِد لأختي مولودٌ، وعندما طلَبْتُ مِنْ زوجي أَخْذِي لزيارتها رَفَضَ بحُجَّةِ أنه لا يعرف زوجَها ولا أهلَه، وممَّا زاد مِنْ إصرارِ زوجي على رَفْضِ زيارته أنَّ زوجَ أختي قام بدعوته إلى نسيكةِ ابنه بالهاتف في آخِرِ لحظةٍ؛ فهل تُعتبَرُ الدعوةُ بالهاتف مُلْزِمةً لإجابتها؟ وبارك الله فيكم.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فلا ينبغي للزوج أَنْ يمنع زوجتَه مِنْ صِلَةِ رَحِمها؛ لأنَّ الله تعالى أَمَرَ بصِلَةِ الرَّحِمِ وإِنْ قطعوه، وبعيادةِ المريض منهم، وتهنئةِ المُعافى، ومواساةِ المنكوب، وتعزيةِ المُصاب ونحوِ ذلك، ويلين لهم وإِنْ قَسَوْا عليه؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ[النحل: ٩٠]، وقال تعالى: ﴿فَهَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن تَوَلَّيۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرۡحَامَكُمۡ ٢٢[محمَّد]، وقال تعالى: ﴿إِلَّا ٱلۡفَٰسِقِينَ ٢٦ ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِۦ وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ[البقرة: ٢٦ ـ ٢٧]، وقال صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «قَالَ اللهُ: أَنَا الرَّحْمَنُ وَهِيَ الرَّحِمُ، شَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنِ اسْمِي، مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ»(١)، ومَنْ مَنَعَ مِنْ واجبٍ مِنْ واجبات الشرع وحدودِه فهو صادٌّ عن سبيل الله، وهي خَصْلةُ أهلِ الكفر، يصدُّون عن سبيل الله ويبغونها عِوَجًا، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلۡنَٰهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلۡعَٰكِفُ فِيهِ وَٱلۡبَادِ[الحج: ٢٥]، ولا يجوز أَنْ يتَّصِف المسلمُ بصفاتِ أهلِ الكفر والنِّفاق.

والمسلمُ ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ إِنْ لم يُدْعَ إلى وليمةِ أخيه المسلمِ ـ وإِنْ كانت بينهما صِلَةٌ ـ فالواجبُ عليه أَنْ يحمل تصرُّفَ أخيه على أَحْسَنِ المَحامل؛ فقَدْ يكون ـ في أثناءِ انشغاله بإعدادِ وليمته ـ شارِدَ الفكر مشغولَ البال؛ فلا ينبغي أَنْ يَظُنَّ به سوءًا؛ لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞ[الحُجُرات: ١٢]، وقولِه تعالى: ﴿لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡرٗا[النور: ١٢]، وقولِه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ»(٢).

هذا، وتقع الدعوةُ إلى الولائم وغيرِها بالتخاطب الشفهيِّ باللسان ـ وهو الأصلُ في الدلالة على الأشياء ـ وبالتعبير عن إرادته بواسطةِ وسائطِ التوصيل كالهواتف أو ما يقوم مَقامَ اللفظ مِنْ مَظاهِرَ خارجيَّةٍ أخرى كالرسالة والكتابة والإشارة مِنَ الأخرس فإنَّها في حكمِ المخاطَبات الشَّفَهيَّة؛ ولهذا قِيلَ: «القَلَمُ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ»، و«الكِتَابَةُ مِمَّنْ نَأَى بِمَنْزِلَةِ الخِطَابِ مِمَّنْ دَنَا»، وقد صاغ الفقهاءُ على ذلك قاعدةَ: «الكِتَابُ كَالخِطَابِ»، وقاعدةَ: «الإِشَارَةُ المَعْهُودَةُ مِنَ الأَخْرَسِ كَالبَيَانِ بِاللِّسَانِ»، قال ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ: «والألفاظ لم تُقْصَدْ لذواتها، وإنما هي أدلَّةٌ يُستدَلُّ بها على مرادِ المتكلِّم؛ فإذا ظَهَرَ مُرادُه ووَضَحَ بأيِّ طريقٍ كان عُمِلَ بمُقتضاه، سواءٌ كان بإشارةٍ، أو كتابةٍ، أو بإيماءَةٍ، أو دلالةٍ عقليَّةٍ، أو قرينةٍ حاليَّةٍ، أو عادةٍ له مُطَّرِدةٍ لا يُخِلُّ بها»(٣)؛ وإذا كانتِ الإشارةُ تقوم مَقامَ العبارة عند العجز عنها، والكتابةُ تقوم مَقامَ العبارة عند الحاجة؛ فالأقربُ منهما أَوْلى بالحكم.

وعليه، فإذا دُعِيَ المسلمُ بالهاتف كوسيلةِ تخاطُبٍ فإنَّه يَلْزَم إجابةُ الدعوةِ لقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «مَنْ دُعِيَ إِلَى عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلْيُجِبْ»(٤).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٢ مِن ذي القعدة ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٢ ديسمبر ٢٠٠٧م

 



(١) أخرجه أبو داود في «الزكاة» بابٌ في صِلَةِ الرَّحِم (١٦٩٤)، والترمذيُّ في «البرِّ والصِّلَة» بابُ ما جاء في قطيعة الرَّحِم (١٩٠٧)، مِنْ حديثِ عبد الرحمن بنِ عوفٍ رضي الله عنه. والحديث صحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ﻟ «مسند أحمد» (٣/ ١٣٩)، والألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٥٢٠).

(٢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «النكاح» باب: لا يخطب على خِطْبة أخيه حتَّى ينكح أو يَدَعَ (٥١٤٣)، و«الأدب» باب: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ وَ لَا تَجَسَّسُواْ[الحُجُرات: ١٢] (٦٠٦٦)، ومسلمٌ في «البرِّ والصِّلَة والآداب» (٢٥٦٣)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(٣) «إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (١/ ٢١٨).

(٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه مسلمٌ في «النكاح» (١٤٢٩) مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما؛ وبنحوه البخاريُّ في «النكاح» بابُ حقِّ إجابة الوليمة والدعوة (٥١٧٣) بلفظ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا».