«التصفيف الرابع والأربعون: الإيمان بكتب الله تعالى (٢)» | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
السبت 11 شوال 1445 هـ الموافق لـ 20 أبريل 2024 م

العقائد الإسلامية
مِنَ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية

للشيخ عبد الحميد بن باديس (ت: ١٣٥٩ﻫ)

بتحقيق وتعليق د: أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ

«التصفيف الرابع والأربعون: الإيمان بكُتُبِ الله ـ تعالى ـ (٢)»

[الفصل الرابع والستُّون: حفظُ اللهِ القرآنَ دونَ غيرِه](١)

حَفِظَ اللهُ القُرْآنَ [دُونَ غَيْرِهِ: حَفِظَهُ](٢) مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَالتَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ؛ فَبَقِيَ كَمَا أَنْزَلَهُ اللهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ؛ فَهُوَ كُلُّهُ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَلَمْ يَحْفَظْ غَيْرَهُ مِنَ الكُتُبِ فَدَخَلَتْ عَلَيْهَا الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ وَالتَّحْرِيفُ وَالتَّبْدِيلُ؛ فَفِيهَا حَقٌّ [وَفِيهَا بَاطِلٌ](٣)؛ [وَلِهَذَا جَعَلَ اللهُ القُرْآنَ شَاهِدًا عَلَيْهَا: فَمَا وَافَقَهُ فَهُوَ حَقٌّ، وَمَا خَالَفَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ](٤)؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ ٩[الحِجْر](٥)، وَلِقَوْلِهِ(٦): ﴿وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمُهَيۡمِنًا عَلَيۡهِ[المائدة: ٤٨].



(١) «م.ف»: «أنزل اللهُ القرآنَ وحَفِظه»، وفي «م.ر.أ»: بزيادةِ عنوانٍ فرعيٍّ: «حِفْظُ اللهِ للقرآن».

(٢) ما بين المعقوفين ساقطٌ مِنْ «م.ر».

(٣) «م.ف»: «وَبَاطِلٌ».

(٤) ما بين المعقوفين ساقطٌ مِنْ «م.ر.ش».

القرآنُ الكريمُ هو كلامُ اللهِ ووحيُه وتنزيلُه غيرُ مخلوقٍ، تَكلَّمَ اللهُ به حقيقةً، منه بَدَا وإليه يعود، مُعْجِزٌ في ذاته ونَظْمِه، لا يُشْبِهُ شيئًا مِنْ كلام المربوبين، ولا يقدر على مِثْلِه أحَدٌ مِنَ المخلوقين؛ قال تعالى: ﴿قُل لَّئِنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ظَهِيرٗا ٨٨[الإسراء]، وهو المكتوبُ في المصاحف، المحفوظُ في الصدور، المنقولُ بالتواتر، المتعبَّدُ بتلاوته بإقامةِ حروفه وتحسينِه عند قراءته، والإيمانُ بالقرآن إنما يكون بامتثالِ أوامِرِه واجتنابِ نواهيه، وتحليلِ حلالِه وتحريمِ حرامِه، والوقوفِ عند حدوده، «والذبِّ عنه في تأويل المحرِّفين له وطعنِ الطاعنين عليه، والتصديقِ بوَعْدِه ووعيدِه، والاعتبارِ بمَواعِظِه، والتفكُّرِ في عجائبه، والعلمِ بفرائضه وسُنَنِه وآدابه، والعملِ بمُحْكَمِه، والتسليمِ لمُتَشَابِهِه، والتفقُّهِ في علومه، والتبيُّنِ لمَواضِعِ المُرادِ به مِنْ خاصِّه وعامِّه، وناسخِه وسائرِ وجوهه» [«أعلام الحديث» للخطَّابي (١/ ١٩١ ـ ١٩٢)].

والمصنِّف ـ رحمه الله ـ أراد بيانَ مَنْزِلةِ القرآن الكريم ومكانتِه بين الكُتُبِ المُنْزَلةِ الأخرى؛ فبيَّن أَهَمَّ فَرْقٍ وأَعْظَمَه، وهو: أنَّ القرآن الكريم «الذي في مَصاحِفِ المسلمين لم يَفُتْ منه شيءٌ، ولم يَضِعْ بنسيانِ ناسٍ ولا ضلالِ صحيفةٍ، ولا موتِ قارئٍ، ولا كتمانِ كاتمٍ، ولم يُحرَّفْ منه شيءٌ، ولم يُزَدْ فيه حرفٌ، ولم يُنْقَصْ منه حرفٌ» [«شُعَب الإيمان» للبيهقي (١/ ٣٢٦)].

فإنَّ القرآن الكريم كُلَّه حقٌّ مِنْ عندِ الله، وقد تَعَهَّدَ اللهُ تعالى بحِفْظِه إلى أَنْ يَرْفَعَه إليه؛ فقيَّضَ له رجالًا أُمَنَاءَ حَفِظوه في الصدور والسطور؛ فصَانَهُ مِنْ أَنْ تَمْتَدَّ إليه يدٌ بالتحريف أو التصحيف، أو التغييرِ أو التبديل؛ ﻓ «بقي في أُمَّتِه محفوظًا لم تَجْرِ عليه زيادةٌ ولا نقصانٌ؛ كما وَعَدَ اللهُ بقوله: ﴿إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ ٩[الحِجْر]، وهو كما قال: ﴿وَإِنَّهُۥ لَكِتَٰبٌ عَزِيزٞ ٤١ لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٞ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٖ ٤٢[فُصِّلَتْ]» [«الاعتقاد» للبيهقي (١١٧)].

وهذا بخلافِ غيرِه مِنَ الكُتُب الأولى المُنْزَلة، فلم يَبْقَ فيها ما يُجْزَمُ بصحَّةِ نسبته إلى الله تعالى؛ لِمَا داخَلَها مِنْ تحريفٍ وتبديلٍ، وما أصابَهَا مِنْ تضييعٍ ونسيانٍ، إلَّا ما وافَقَهُ القرآنُ وصحَّحه ونصَّ عليه:

ـ فالتوراة المُتداوَلةُ ـ مثلًا ـ ليسَتْ كُلُّها هي التوراةَ التي نَزَلَتْ على موسى عليه السلام نورًا وهدًى، على ما جاءَ ثناءُ اللهِ تعالى عليها بقوله: ﴿وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ٱلۡفُرۡقَانَ وَضِيَآءٗ وَذِكۡرٗا لِّلۡمُتَّقِينَ ٤٨[الأنبياء]؛ فقَدْ أَثْبَتَ اللهُ تحريفَ التوراةِ، ونَعَى على اليهودِ التغييرَ وعابَ عليهم التبديلَ الذي أدخلوه عليها ليُخْفُوا ما في كتاب الله مِنَ الحقِّ، ونَسُوا قَدْرًا ممَّا ذكَّرهم اللهُ به في التوراة؛ قال تعالى: ﴿أَفَتَطۡمَعُونَ أَن يُؤۡمِنُواْ لَكُمۡ وَقَدۡ كَانَ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَسۡمَعُونَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ ٧٥[البقرة]، وقال تعالى: ﴿مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ[النساء: ٤٦].

ـ أمَّا الإنجيل فقَدْ لَحِقَهُ مِنَ التحريفِ أَعْظَمُ ممَّا لَحِقَ التوراة؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰٓ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَهُمۡ فَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَأَغۡرَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَسَوۡفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ ١٤ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ كَثِيرٗا مِّمَّا كُنتُمۡ تُخۡفُونَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖ[المائدة: ١٤ ـ ١٥].

لذلك جاء القرآنُ الكريمُ مصدِّقًا لِمَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الكُتُبِ السماويةِ السابقة، أي: مُؤيِّدًا للحقِّ الذي فيها مِنْ: توحيدِ الله في عبادته، والإيمانِ برُسُلِه، والتصديقِ باليومِ الآخِرِ وما يقعُ فيه مِنَ الجزاء، ورعايةِ الحقِّ والعدل، والتخلُّقِ بالأخلاق الفاضلة ونحوِ ذلك.

وفي الوقت ذاتِه جاءَ القرآنُ الكريمُ مُهَيْمِنًا عليها رقيبًا وشهيدًا ومبيِّنًا ما وَقَعَ فيها مِنْ تحريفٍ وزيادةٍ ونقصٍ، وأخطاءٍ وأغلاطٍ، وتغييرٍ وتبديلٍ وتصحيفٍ؛ فكان ما صحَّحه القرآنُ الكريمُ منها وأقرَّه صحَّ وأُقِرَّ، وما أَبْطَلَهُ منها ونَفَاهُ ـ لكونه زورًا وزَيْغًا ودخيلًا ـ بَطَلَ وانتفى، وما سَكَت عنه فلم يصحِّحه ولم يُبْطِلْه فلا يُقَرُّ ولا يُنْفى، ويجوز حكايتُه؛ فتَبَلْوَرَتْ هيمنةُ القرآنِ على الكُتُب الأولى المُبدَّلةِ بالرقابة والشهادة، وتحقَّقَتْ هيمنتُه على شرائعها وأحكامِها بالإلغاء والنسخ.

فالحاصلُ: أنَّ الكُتُبَ السماوية الأولى فَقَدَتِ الكثيرَ مِنَ الهدى والنور والرحمة والموعظة التي حَمَلَتْها لأجيالها الأوَّلين، ولم تَعُدْ تُمَثِّلُ ـ حقيقةً ـ كُتُبَ اللهِ تعالى، ولا باستطاعتها الإصلاحُ، ولا هي قادرةٌ على الهداية لأهلها فضلًا عن سائر الخَلْق؛ بالنظر إلى ما تَطَرَّقَ إليها مِنَ الزيادة والنقص، والتحريف والتبديل والتغيير.

علمًا أنَّ تشريعاتِها وأحكامَها خاصَّةٌ ببني إسرائيل؛ فهي معيَّنةُ الأجيالِ، ومحدَّدةُ الأوقات والأزمنة، وخاصَّةُ البقاع والأمكنة، بخلاف التشريع القرآنيِّ، فهو عامٌّ للعالَمِين مكانًا وزمانًا. ويدلُّ على عمومِ رسالةِ النبيِّ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم: قولُه تعالى: ﴿تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا ١[الفرقان]، وقولُه تعالى: ﴿قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡ جَمِيعًا[الأعراف: ١٥٨]، وقولُه تعالى: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا[سبأ: ٢٨].

لذلك أَنْزَلَ اللهُ تعالى على نبيِّنا محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم القرآنَ الكاملَ الجامعَ المحفوظَ بالحقِّ مُصدِّقًا لِمَا بين يَدَيْهِ مِنَ الكتاب ومُهَيْمِنًا عليه، وأَمَرَ اللهُ تعالى رسولَه صلَّى الله عليه وسلَّم أَنْ يحكم بالقرآنِ بين الناسِ كافَّةً على اختلافِ أجناسِهم ولُغاتِهم ودياناتِهم؛ قال تعالى: ﴿وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمُهَيۡمِنًا عَلَيۡهِۖ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ [المائدة: ٤٨]، وقال تعالى: ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِتَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَىٰكَ ٱللَّهُ[النساء: ١٠٥]؛ فعُلِمَ بذلك: نَسْخُ القرآنِ الكريم لكُلِّ ما سَبَقَهُ مِنْ كُتُبِ اللهِ تعالى الأولى لفظًا وحُكْمًا؛ فلا يُعْمَلُ بما فيها مِنْ شرائعَ ولا يُتحاكمُ إليها ولا يُتَعبَّدُ بتلاوتها، ونَسْخُ الدينِ الإسلاميِّ سائرَ الأديانِ والشرائع السابقة؛ مِصْدَاقًا لقوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُ[آل عمران: ١٩]، وقولِه تعالى: ﴿وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٨٥[آل عمران].

ويدلُّ على ذلك مِنَ السنَّةِ: قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم لعُمَرَ بنِ الخطَّاب رضي الله عنه لمَّا أتاهُ بكتابٍ أصابَهُ مِنْ بعضِ أهلِ الكتاب فقَرَأه عليه؛ فغَضِبَ صلَّى الله عليه وسلَّم وقال: «أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ [أي: أهلَ الكتاب] عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي» [أخرجه أحمد في «مسنده» (٣/ ٣٨٧)، والدارميُّ في «سننه» (١/ ١١٥)، وابنُ أبي عاصمٍ في «السنَّة» (١/ ٢٧)، مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «إرواء الغليل» (٦/ ٣٤) رقم: (١٥٨٩)].

ويُؤكِّد ما جَزَمَ به النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ وجوبِ اتِّباعِ موسى عليه السلام له ـ فضلًا عن أُمَّته ـ قولُه تعالى: ﴿وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم مِّن كِتَٰبٖ وَحِكۡمَةٖ ثُمَّ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مُّصَدِّقٞ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَٰلِكُمۡ إِصۡرِيۖ قَالُوٓاْ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡهَدُواْ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّٰهِدِينَ ٨١ فَمَن تَوَلَّىٰ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٨٢[آل عمران]. قال الحافظ ابنُ كثيرٍ ـ رحمه الله ـ في [«تفسيره» (١/ ٣٧٨)]: «قال عليُّ بنُ أبي طالبٍ وابنُ عمِّه عبدُ الله بنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: ما بَعَثَ اللهُ نبيًّا مِنَ الأنبياء إلَّا أخَذَ عليه الميثاقَ: لَئِنْ بَعَثَ اللهُ محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم وهو حيٌّ لَيُؤمِنَنَّ به ولَيَنْصُرَنَّه، وأَمَرَه أَنْ يأخذ الميثاقَ على أُمَّتِه: لَئِنْ بُعِثَ محمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم وهُمْ أحياءٌ لَيُؤْمِنُنَّ به ولَيَنْصُرُنَّه»؛ فكان ذلك بيانًا لنَسْخِ «القرآنِ» لغيرِه مِنَ الكُتُب، ونَسْخِ دينِ «الإسلامِ» لغيرِه مِنَ الأديان.

(٥) قال السعديُّ ـ رحمه الله ـ في [«تفسيره» (٤٩٨)]: «﴿إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ﴾ أي: القرآنَ الذي فيه ذِكْرَى لكُلِّ شيءٍ مِنَ المَسائِلِ والدلائل الواضحة، وفيه يتذكَّرُ مَنْ أراد التذكُّرَ، ﴿وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ ٩﴾ أي: في حالِ إنزاله وبَعْدَ إنزاله:

ـ ففي حالِ إنزاله: حافظون له مِنِ اسْتِرَاقِ كُلِّ شيطانٍ رجيمٍ.

ـ وبَعْدَ إنزالِه أَوْدَعَهُ اللهُ في قلبِ رسوله واستودعه فيها، ثمَّ في قلوب أُمَّتِه، وحَفِظَ اللهُ ألفاظَه مِنَ التغيير فيها والزيادةِ والنقص، ومَعانِيَه مِنَ التبديل؛ فلا يُحرِّفُ مُحرِّفٌ معنًى مِنْ مَعانِيهِ إلَّا وقيَّض اللهُ له مَنْ يُبيِّنُ الحقَّ المُبينَ، وهذا مِنْ أَعْظَمِ آيات الله ونِعَمِه على عباده المؤمنين، ومِنْ حِفْظِه: أنَّ الله يحفظ أَهْلَه مِنْ أعدائهم، ولا يُسلِّطُ عليهم عَدُوًّا يجتاحهم».

(٦) ساقطةٌ مِنْ «م.ر».