«التصفيف السادس والأربعون: الإيمان بكُتُبِ الله تعالى (٤)» | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الثلاثاء 7 شوال 1445 هـ الموافق لـ 16 أبريل 2024 م

العقائد الإسلامية
مِنَ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية

للشيخ عبد الحميد بن باديس (ت: ١٣٥٩ﻫ)

بتحقيق وتعليق د: أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ

«التصفيف السادس والأربعون: الإيمان بكُتُبِ الله تعالى (٤)»

الفصل السادس والستُّون: [الإيمان بالسُّنَّة إيمانٌ بالقرآن](١)

وَمِنَ الإِيمَانِ بِكِتَابِ اللهِ: أَنْ نُؤْمِنَ بِأَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَبَيَانٌ لِكِتَابِ اللهِ، وَأَنَّ الأَخْذَ بِهِ أَخْذٌ بِالقُرْآنِ، وَأَنَّ التَّرْكَ لَهُ تَرْكٌ لِلْقُرْآنِ(٢)؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْ[الحشر: ٧]، وَلِقَوْلِهِ(٣): ﴿وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ ٤٤[النحل]، [وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى](٤): ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا ٥٩[النساء]، وَلِقَوْلِهِ(٥): ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ(٦) لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا ٣٦[الأحزاب]، [وَلِقَوْلِهِ: ﴿وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدۡخِلۡهُ(٧) نَارًا خَٰلِدٗا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٞ مُّهِينٞ ١٤[النساء]، وَلِقَوْلِهِ: ﴿وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ٢٣[الجن]، وَلِقَوْلِهِ](٨): ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا ٦٥[النساء].



(١) «م.ف»: «ترجمة: الإيمان»، وفي «م.ر.أ»: بزيادةِ عنوانٍ فرعيٍّ: «حقُّ ما ثَبَت عن النبيِّ»، وفي «م.ر.ب» بزيادةِ: «حُجِّيَّةُ السنَّة».

(٢) المُصنِّفُ ـ رحمه الله ـ بعدما أَظْهَرَ ـ في فصلٍ سابقٍ ـ منزلةَ القرآنِ مِنَ الكُتُبِ المُنْزَلةِ الأخرى، تَناوَلَ ـ في هذا الفصل ـ منزلةَ السنَّةِ في التشريعِ ومرتبتَها مِنَ القرآن الكريم؛ فإنَّ الله تعالى امتنَّ على هذه الأمَّةِ بالبعثة المحمَّدية التي تُعَدُّ مِنْ أعظمِ النِّعَمِ وأجَلِّها؛ قال تعالى: ﴿لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ ١٦٤[آل عمران]؛ فجَعَل اللهُ تعالى لنبيِّه الأمِّيِّ الأمين آيةً علميةً وحجَّةً خالدةً، وهي القرآنُ الكريم: آخِرُ الكُتُبِ وخاتمُها، وأعظمُها وأكملها وأشملُها؛ فأَنْزَلَهُ اللهُ تعالى على أكملِ صورةٍ مِنْ صُوَرِ الوحي، وضمَّن فيه محاسنَ ما قبله مِنَ الكُتُبِ المُنْزَلة، وزاده مِنَ الكمالات ما ليس في غيره؛ فجَمَع فيه الحِكَمَ والأحكامَ، والعلومَ والمعارفَ التي لا تنقضي عجائبُها ولا تنتهي فوائدُها، ووضَّح النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الحلالَ والحرام، وأصَّل الأصولَ وفصَّلها، حتَّى استتمَّ هذا الدِّينُ واستقام، وقد وجَّه العلماءُ عنايتَهم الفائقةَ إلى الاشتغال بالسنَّة المطهَّرة، وأظهروا مرتبتَها مِنَ القرآن الكريمِ ومنزلتَها في التشريع، ومِنْ مُنطلَقات النصوصِ الشرعيةِ المتضافِرة بيَّنوا بيانًا شافيًا أنَّ مِنْ مُقتضَيَاتِ الإيمانِ بكتاب الله: الإيمانَ بأنَّ كُلَّ ما ثَبَتَ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فهو حقٌّ مِنْ عندِ الله، وبيانٌ لكتابِ الله، وأنَّ الأخذَ به أخذٌ بالقرآن، وأنَّ التركَ له تركٌ للقرآن.

وقد بيَّن المصنِّف ـ رحمه الله ـ ـ في هذا الفصل ـ أنَّ السنَّة المُطهَّرةَ وحيٌ، وهي مصدرٌ تشريعيٌّ مُسْتقِلٌّ، وحجَّةٌ كاملةٌ في ثبوت الأحكام؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ ٣ إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ ٤[النجم]، وقولِه تعالى: ﴿وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْ[الحشر: ٧].

ولهذا لا تَقِلُّ السنَّةُ النبويةُ منزلةً عن القرآن في إثبات الأحكام؛ فما جاء عنه صلَّى الله عليه وسلَّم في سُنَنِه فهو تبليغٌ للقرآن؛ فهي حقٌّ وصدقٌ، وكُلُّ حكمٍ في السنَّةِ يُعَدُّ حكمًا مِنْ عندِ الله تعالى، وأحكامُ الله تعالى متساويةٌ في العلم والاعتقاد والقول والعمل، لا تقبل التفاوتَ بينها ولا التمييزَ لأحَدِها عن الآخَر، وقد أوضح ابنُ حزمٍ ـ رحمه الله ـ هذا المعنى في [«الإحكام في أصول الأحكام» (١/ ١٣٥)] بقولـه: «فصحَّ أنَّ كلام رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم كُلَّـه في الدِّين وحيٌ مِنْ عندِ الله عزَّ وجلَّ ـ لا شكَّ في ذلك ـ ولا خلافَ بين أحَدٍ مِنْ أهل اللغة والشريعةِ في أنَّ كُلَّ وحيٍ نَزَلَ مِنْ عندِ الله تعالى فهو ذِكْرٌ مُنزَّلٌ؛ فالوحيُ كُلُّه محفوظٌ بحفظِ الله تعالى له بيقينٍ».

ذلك لأنَّ القرآن والسنَّة صنوانِ مِنْ جهةِ وجوب الاتِّباع والتسليم بما جاء به اللهُ تعالى ورسولُه صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لذلك أَمَرَ اللهُ تعالى بطاعة الرسول وجَعَلَ طاعتَه مِنْ طاعةِ الله تعالى في قوله تعالى: ﴿قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٣٢[آل عمران]، وقولِه تعالى: ﴿مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَ[النساء: ٨٠]، وأَمَرَ بالردِّ إلى الرسول عند النزاع وجَعَلَ الردَّ إليه مِنْ مُوجَباتِ الإيمان ولوازِمِه في قوله تعالى: ﴿فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ[النساء: ٥٩]، وقولِه تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا ٦٥[النساء]، وجَعَلَ الخيارَ مُنْتفِيًا عن المؤمنين إذا صَدَرَ حكمٌ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كما رتَّبَ الوعيدَ على مَنْ خالَفَ أَمْرَه في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡ[الأحزاب: ٣٦]، وقولِه تعالى: ﴿فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٦٣[النور].

أمَّا مِنَ السنَّةِ فيدلُّ على تأكيدِ طاعة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ووجوبِ اتِّباعه: قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا فَقَالَ: «يَا قَوْمِ، إِنِّي رَأَيْتُ الجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ العُرْيَانُ؛ فَالنَّجَاءَ»، فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا، فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي فَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الحَقِّ» [أخرجه البخاريُّ في «الاعتصام» (١٣/ ٢٥٠) بابُ الاقتداءِ بسنن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ومسلمٌ في «الفضائل» (١٥/ ٤٨) بابُ شفقته صلَّى الله عليه وسلَّم على أمَّتِه، ومُبالَغتِه في تحذيرهم ممَّا يضرُّهم، مِنْ حديثِ أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه]، وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي» [أخرجه البخاريُّ في «الأحكام» (١٣/ ١١١) بابُ قول الله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡ[النساء: ٥٩]، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٢/ ٢٢٣) بابُ وجوبِ طاعةِ الأمراء في غيرِ معصيةٍ، وتحريمِها في المعصية، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه]، وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» [أخرجه البخاريُّ في «النكاح» (٩/ ١٠٤) باب الترغيب في النكاح، ومسلمٌ في «النكاح» (٩/ ١٧٥ ـ ١٧٦) بابُ استحباب النكاح لمَنْ تاقَتْ نَفْسُه إليه ووَجَدَ مُؤَنةً، واشتغالِ مَنْ عَجَزَ عن المُؤَن بالصوم، مِنْ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه ، وفيه قولُه: «لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ..»]، ونحوُ ذلك مِنَ الأحاديث الصحيحة، وسيأتي مَزيدٌ منها قريبًا.

وبهذا المعنى الصحيح والفهم السليمِ لوجوب الاتِّباعِ والتسليمِ والطاعة اتَّصف صحابةُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أثناءَ تَلَقِّيهم لأحكامِ الله تعالى، ولم يُفرِّقوا ـ في العمل ـ بين حكمِ الله تعالى وحكمِ رسوله، بل عَمِلوا بهما جميعًا؛ لعِلْمِهم بأنَّ كِلَيْهما مِنَ الله تعالى في الأوامرِ والنواهي والحلالِ والحرام والوعدِ والوعيد وغيرِها، وقد وَصَفَهم اللهُ تعالى بذلك في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوۡلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ أَن يَقُولُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٥١[النور]؛ فمَنْ جَمَعَ بين طاعةِ الله وطاعةِ رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم وخشيةِ الله وتَقْواهُ فازَ بالمطلوب ونَجَا مِنَ المكروه؛ لأنَّ الله حَصَرَ الفلاحَ والفوزَ فيمَنْ حكَّم اللهَ ورسوله، وأطاعَ الله ورسولَه، وخَشِيَ اللهَ واتَّقاهُ؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَخۡشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقۡهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ ٥٢[النور].

لذلك كان المؤمنُ مُكلَّفًا بالإيمان بكُلِّ ما جاء به الرسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم وبلزومِ طريقته في العلم والاعتقاد والقولِ والعمل، فما عَرَفَ مَعْناهُ آمَنَ به إيمانًا مُجْمَلًا ومُفصَّلًا، وما لم يعرف مَعْناهُ المُفصَّلَ آمَنَ به إيمانًا مُجْمَلًا.

كما أنَّ المؤمن مُطالَبٌ ـ شرعًا ـ باتِّباعِ الوحيين وطاعةِ الله وطاعةِ رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم بتطبيق الأحكام الشرعية والعملِ بمُقْتضاها كُلِّها، سواءٌ جاءَتْ في الكتاب العزيز أو وَرَدَتْ بها السنَّةُ الصحيحة الثابتةُ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إجماعًا، قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ في [«مجموع الفتاوى» (١٩/ ٨٥ ـ ٨٦)]: «وهذه السنَّةُ إذا ثَبَتَتْ فإنَّ المسلمين كُلَّهم مُتَّفِقون على وجوبِ اتِّباعِها».

والمؤمن مُطالَبٌ ـ أيضًا ـ بأَنْ لا يُقدِّمَ أيَّ شيءٍ بين يَدَيِ الله ورسولِه، وذلك هو ميزانُ الإيمانِ واليقين، ولا عُذْرَ له ـ ألبتَّةَ ـ في تركِ السنَّةِ اكتفاءً بالقرآن، أو الابتعادِ عنها بعدَمِ الرجوعِ إليها أو عدَمِ الاحتجاج بها، أو تأويلِها بدونِ مُسوِّغٍ شرعيٍّ؛ ذلك لأنَّ الأخذ بالسنَّة هو الأخذُ بالقرآن، والتركَ لها هو التركُ للقرآن، قال الشوكانيُّ ـ رحمه الله ـ في [«إرشاد الفحول» (٣٣)]: «اعْلَمْ أنه قد اتَّفقَ مَنْ يُعْتَدُّ به مِنْ أهل العلم على أنَّ السنَّة المُطهَّرةَ مُسْتقِلَّةٌ بتشريع الأحكام وأنها كالقرآن في تحليل الحلال وتحريم الحرام»، وقد وَرَدَتْ ـ في هذا الشأنِ ـ نصوصٌ شرعيةٌ كثيرةٌ تَقدَّمَ بعضُها، والمُصنِّفُ ـ رحمه الله ـ ذَكَرَ بعضَ الآيات القرآنية الدالَّةِ على هذا المعنى، ويمكن ـ تكملةً للنصوص القرآنية ـ إضافةُ بعضِ الأحاديثِ الصحيحة منها:

ـ حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ سُؤَالُهُمْ وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ؛ فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» [أخرجه البخاريُّ في «الاعتصام» (١٣/ ٢٥١) بابُ الاقتداء بسُنَنِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ومسلمٌ في «الفضائل» (١٥/ ١٠٩) بابُ وجوبِ اتِّباعه صلَّى الله عليه وسلَّم].

ـ حديث العرباض بنِ ساريةَ رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في وصيَّتِه: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ المَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» [أخرجه أبو داود في «السنَّة» (٥/ ١٣) بابٌ في لزوم السنَّة، والترمذيُّ في «العلم» (٥/ ٤٤) بابُ ما جاء في الأخذ بالسنَّة واجتناب البِدَع، وابنُ ماجه في «المقدِّمة» (١/ ١٥) بابُ اتِّباعِ سنَّةِ الخلفاء الراشدين المهديِّين. والحديثُ صحَّحه الألبانيُّ في «صحيح أبي داود» (٣/ ١١٩) برقم: (٤٦٠٧)].

ـ حديث أبي رافعٍ رضي الله عنه: عَنِ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قَالَ: «لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ: لَا نَدْرِي، مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللهِ اتَّبَعْنَاهُ» [أخرجه أبو داود في «السنَّة» (٥/ ١٢) بابٌ في لزوم السنَّة، والترمذيُّ في «العلم» (٥/ ٣٧) بابُ ما نُهِيَ عنه أَنْ يقال عند حديثِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وابنُ ماجه في «المقدِّمة» (١/ ٦) بابُ تعظيمِ حديثِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والتغليظِ على مَنْ عارَضَه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الترمذي» (٣/ ٦٤) وفي «صحيح ابن ماجه» (١/ ٢١)].

ـ حديث المقدام بنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: «عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ؛ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ»»، وفي رواية الترمذيِّ وابنِ ماجه بزيادةِ: «أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللهُ» [أخرجه أبو داود في «السنَّة» (٥/ ١٠) بابٌ في لزوم السنَّة، والترمذيُّ في «العلم» (٥/ ٣٨) بابُ ما نُهِيَ عنه أَنْ يقال عند حديثِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وابنُ ماجه في «المقدِّمة» (١/ ٦) بابُ تعظيمِ حديثِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والتغليظِ على مَنْ عارَضَه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٢/ ٣٧٩) و«صحيح الترمذي» (٣/ ٦٤) و«صحيح ابنِ ماجه» (١/ ٢١)].

ـ حديث العرباض بنِ ساريةَ رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «أَيَحْسَبُ أَحَدُكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، قَدْ يَظُنُّ أَنَّ اللهَ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا إِلَّا مَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ، أَلَا وَإِنِّي ـ وَاللهِ ـ قَدْ وَعَظْتُ وَأَمَرْتُ وَنَهَيْتُ عَنْ أَشْيَاءَ، إِنَّهَا لَمِثْلُ الْقُرْآنِ أَوْ أَكْثَرُ» [أخرجه أبو داود في «الخَراج والإمارة والفيء» (٣/ ٤٣٦) بابٌ في تعشير أهل الذمَّةِ إذا اختلفوا بالتجارات، والبيهقيُّ في «السنن الكبرى» (٩/ ٣٤٣). والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٢/ ٥٧٠) رقم: (٨٨٢)، وصحَّحه الأرناؤوط في «سنن أبي داود» برقم: (٣٠٥٠)].

وهذه النصوص الحديثية تدلُّ على تحريم الإعراض عن حديثِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنه مهما ثَبَتَ عنه صلَّى الله عليه وسلَّم كان حجَّةً بنَفْسِه، ولأنَّ المُعْرِض عنه إنما هو مُعْرِضٌ ـ في حقيقة الأمر ـ عن القرآن، ويؤكِّد ـ هذه الحقيقةَ ـ الخطَّابيُّ ـ رحمه الله ـ في [«مَعالِمِ السنن» (٥/ ١٠)] بقوله: «يُحذِّرُ بذلك مُخالَفةَ السنن التي سنَّها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ممَّا ليس له في القرآنِ ذِكْرٌ على ما ذَهَبَتْ إليه الخوارجُ والروافضُ؛ فإنهم تَعلَّقوا بظاهِرِ القرآن، وتركوا السننَ التي قد ضُمِّنَتْ بيانًا للكتاب؛ فتَحيَّرُوا وضلُّوا».

وهذه النصوصُ السابقة ظاهرةٌ ـ أيضًا ـ في ثبوتِ حجِّيَّةِ السنَّة المُسْتقِلَّة، وهو ما أشار إليه الشوكانيُّ ـ رحمه الله ـ في [«إرشاد الفحول» (٣٣)] بقوله: «إنَّ ثبوت حجِّيَّةِ السنَّة المُطهَّرةِ واستقلالِهَا بتشريع الأحكام ضرورةٌ دينيةٌ، ولا يُخالِفُ في ذلك إلَّا مَنْ لا حَظَّ له في دين الإسلام».

والسلف مُتَّفِقون على أنَّ سنَّة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يجب اتِّباعُها مطلقًا، مِنْ غيرِ تفريقٍ بين السنَّة المُوافِقةِ للكتاب أو المُبيِّنةِ له، وبين السنَّةِ الزائدة على ما في القرآن، أي: الثابتة بتشريعٍ ابتدائيٍّ مِنَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فكُلُّ ذلك وحيٌ مِنْ عندِ الله تعالى، تجب طاعةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فيه ولا تَحِلُّ معصيتُه، وقَدْ أَفْصَحَ الشافعيُّ ـ رحمه الله ـ في [«الرسالة» (١٠٤)] عن هذا المعنى بقوله: «فقَدْ بَيَّنَ اللهُ أنه فَرَضَ فيه طاعةَ رسوله، ولم يجعل لأحَدٍ مِنْ خَلْقه عُذْرًا بخلافِ أمرٍ عَرَفَه مِنْ أمرِ رسول الله، وأَنْ قد جَعَلَ اللهُ بالناسِ كُلِّهم الحاجةَ إليه في دينهم، وأقامَ عليهم حُجَّتَه بما دلَّهُمْ عليه مِنْ سنن رسول الله مَعانِيَ ما أراد اللهُ بفرائضه في كتابه؛ ليَعْلَمَ مَنْ عَرَفَ منها ما وَصَفْنا أنَّ سنَّتَه صلَّى الله عليه وسلَّم إذا كانَتْ سنَّةً مُبيِّنةً عن الله مَعْنَى ما أرادَ مِنْ مفروضه فيما فيه كتابٌ يَتْلُونَه، وفيما ليس فيه نصُّ كتابٍ أُخْرَى؛ فهي كذلك أين كانَتْ، لا يختلف حكمُ الله ثمَّ حكمُ رسوله، بل هو لازمٌ بكُلِّ حالٍ».

وأكَّد ابنُ عبد البرِّ ـ رحمه الله ـ في [«جامع بيان العلم وفضله» (٢/ ١٩٠)] وجوبَ طاعةِ الرسول واتِّباعِه مُطْلقًا بقولـه: «وقد أَمَرَ الله جلَّ وعزَّ بطاعته واتِّباعِه أمرًا مطلقًا مُجْمَلًا لم يُقيَّدْ بشيءٍ كما أَمَرَنا باتِّباع كتاب الله، ولم يقل: «وافَقَ كتابَ الله» كما قال بعضُ أهلِ الزيغ، قال عبد الرحمن بنُ مهديٍّ: «الزنادقةُ والخوارج وضعوا ذلك الحديثَ»، يعني: ما رُوِيَ عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «ما أتاكم عنِّي فاعْرِضُوهُ على كتاب الله، فإِنْ وافَقَ كتابَ الله فأنا قُلْتُه، وإِنْ خالَفَ كتابَ الله فلم أَقُلْه، وإنما أنا مُوافِقٌ كتابَ الله، وكيف أُخالِفُ كتابَ الله وبه هداني اللهُ؟!». وهذه الألفاظُ لا تصحُّ عنه صلَّى الله عليه وسلَّم عند أهل العلم بصحيح النقل مِنْ سقيمه، وقد عارَضَ هذا الحديثَ قومٌ مِنْ أهل العلم وقالوا: نحن نعرض هذا الحديثَ على كتاب الله قبل كُلِّ شيءٍ ونعتمد على ذلك، قالوا: فلمَّا عَرَضْناهُ على كتاب الله عزَّ وجلَّ وَجَدْناه مُخالِفًا لكتاب الله؛ لأنَّا لم نجد في كتاب الله ألَّا نقبل مِنْ حديثِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلَّا ما وافَقَ كتابَ الله، بل وجَدْنا كتابَ الله يُطْلِقُ التأسِّيَ به والأمرَ بطاعته، ويُحذِّرُ المُخالَفةَ عن أَمْرِه جملةً على كُلِّ حالٍ».

قلت: وحديث الأمر بعَرْضِ الأحاديث على القرآن ضعَّفه يحيى بنُ مَعينٍ وقال: «إنه موضوعٌ وضَعَتْه الزنادقةُ»، ومثلُه عبد الرحمن بنُ مهديٍّ كما تَقدَّمَ، [انظر: «إرشاد الفحول» للشوكاني (٣٣)]، وقال الخطَّابيُّ في [«مَعالِمِ السنن» (٥/ ١١)]: «باطلٌ لا أصلَ له».

وقد ألَّف السيوطيُّ ـ رحمه الله ـ في هذا الشأنِ رسالتَه الموسومة ﺑ: «مفتاح الجنَّة في الاحتجاج بالسنَّة»، ضمَّن فيها ردًّا على هؤلاء الزنادقةِ والخوارج والروافض الذين تركوا السننَ ولم يعملوا بها؛ اكتفاءً بظواهر القرآن.

ولا يخفى أنَّ الأمر بلزوم السنَّةِ واتِّباعِ ما جاء به النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ أَوْجَبِ الواجبات؛ إذ ليس مِنْ سبيلٍ في تَلَقِّي الدِّين إلَّا عنه، كما رتَّبَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الهلاكَ والذِّلَّةَ والصَّغارَ على التقاعس عنِ اتِّباع السنَّةِ أو تَرْكِها؛ فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ؛ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدِ اهْتَدَى، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ» [أخرجه أحمد في «مسنده» (٢/ ١٨٨، ٢١٠)، وابنُ حِبَّان (١/ ١٨٧)، وابنُ خزيمة (٣/ ٢٩٣)، وابنُ أبي عاصمٍ في «السنَّة» (١/ ٢٨)، والبزَّار في «مسنده» (٦/ ٣٣٧)، والبيهقيُّ في «شُعَب الإيمان» (٥/ ٢٩٠)، مِنْ حديثِ عبد الله بنِ عمرِو بنِ العاص رضي الله عنهما. قال الألبانيُّ ـ رحمه الله ـ: «إسنادُه صحيحٌ»، انظر: «ظلال الجنَّة» (١/ ٢٨) رقم: (٥١)]، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «.. وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي» [عَلَّقه البخاريُّ بصيغةِ التمريض في «الجهاد والسِّيَر» (٦/ ٩٨) بابُ ما قِيلَ في الرماح، وأخرجه أحمد (٢/ ٥٠، ٩٢)، والخطيب في «الفقيه والمتفقِّه» (٢/ ٧٣)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما. قال ابنُ حجرٍ في «فتح الباري» (٦/ ٩٨): «وله شاهدٌ مُرْسَلٌ بإسنادٍ حَسَنٍ أخرجه ابنُ أبي شيبة». وانظر: «جلباب المرأة المسلمة» للألباني (٢٠٤)].

هذا، وإذا تَقرَّرَ أنَّ كُلَّ ما صحَّ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هو واجبُ الاتِّباع ـ سواءٌ كان شرعًا ابتدائيًّا أو بيانًا لِمَا شَرَعه اللهُ في كتابه ـ فإنه يَحْسُنُ ـ إكمالًا لهذا الفصل ـ أَنْ نختمه بمَراتِبِ السنَّةِ باعتبارِ علاقتها بالقرآن الكريم، فهي تنقسم ـ مِنْ حيث مَراتِبُها ـ إلى أقسامٍ ثلاثةٍ:

المرتبة الأولى: السنَّةُ المُقرِّرةُ لحكمِ القرآن المؤكِّدةُ له، وهي السنَّةُ المُوافِقةُ للقرآن مِنْ جميعِ الوجوه؛ فإنَّ الحكم المُترتِّبَ عليها يَثْبُتُ بدليلين: القرآن والسنَّة، وهذا القسمُ مِنَ السنَّة كثيرُ التطبيق، مثل وجوبِ الصلاة والزكاة والصوم والحجِّ، ومثل النهيِ عن الشرك وعقوقِ الوالدين وقتلِ النفس بغيرِ حقٍّ وغيرِها.

المرتبة الثانية: السنَّةُ المُبيِّنةُ لحكمٍ وَرَدَ في القرآن الكريم، وفي هذه المرتبةِ يَرِدُ البيانُ مُتنوِّعًا مِنْ وجوهٍ:

• فقَدْ يَرِدُ البيانُ على وجه التفسير لِمَا أُجْمِلَ مِنْ حكمٍ في القرآن، مثل قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ[البقرة: ٤٣؛ وغيرها]، وقولِه تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ[البقرة: ١٨٣]، وقولِه تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ[آل عمران: ٩٧]، فلم يُبيِّنِ القرآنُ كيفيةَ الصلاةِ ولا مِقْدارَ الزكاةِ ولا مفهومَ الصومِ ولا مَناسِكَ الحجِّ؛ فأتَتِ السنَّةُ رافعةً للإجمال الحاصل في هذه الأحكامِ بالبيان والتوضيح والتفصيل.

• وقد يَرِدُ البيانُ على وجه التخصيص لحكمٍ عامٍّ في القرآن، مثل قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡ[النساء: ١١]؛ فالآيةُ ـ بعمومها ـ تدلُّ على أنَّ جميعَ الأولادِ يَرِثُون مِنْ آبائهم، وجاءَتِ السنَّةُ فبيَّنَتْ أنَّ هذا العمومَ مخصوصٌ فلا يَسْتَحِقُّ الولدُ الكافرُ ولا القاتلُ لمورثِّه الإرثَ، وكذلك آيات الزكاةِ شاملةٌ لكُلِّ مالٍ، فخصَّصَتْها السنَّةُ بأموالٍ واجبةٍ الزكاةُ فيها دون غيرِها، وقولِه تعالى ـ أيضًا ـ بعد آية المحرَّمات مِنَ النساء: ﴿وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ[النساء: ٢٤]؛ فخصَّصَتِ السنَّةُ العمومَ بتحريمِ نكاحِ المرأةِ على عمَّتِها وخالَتِها، أي: الجمعِ بينهما.

• وقد يَرِدُ البيانُ على وجه التقييد لحكمٍ مطلقٍ في القرآن، مثل قوله تعالى: ﴿وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ[النساء: ٢٣]؛ فالرضاعُ مُطْلَقٌ؛ فبيَّنَتِ السنَّةُ العددَ المُحرِّمَ المُقيِّدَ للرضاع وهو خمسُ رضعاتٍ مُشْبِعاتٍ على الصحيح، وكذلك في قوله تعالى: ﴿وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا[المائدة: ٣٨]؛ فاليدُ مُطْلَقةٌ، وجاءَتِ السنَّةُ مُقيِّدةً للإطلاق، فبَيَّنَتْ مَحَلَّ القطعِ وهو مِنْ كُوعِ اليد اليمنى.

المرتبة الثالثة: السنَّة المُسْتقِلَّةُ بشرعٍ ابتدائيٍّ، وتُسمَّى ـ أيضًا ـ: السنَّةَ الزائدة على ما في القرآن؛ فهي تُنْشِئُ حكمًا جديدًا سَكَتَ القرآنُ الكريم عن إيجابه أو تحريمه، مثل: أحكام الشفعة، والقضاءِ بشاهدٍ ويمينٍ، ونحوِ ذلك.

وقد نصَّ الشافعيُّ ـ رحمه الله ـ على هذه المَراتبِ الثلاث في [«الرسالة» (٩١ ـ ٩٢)] بقوله: «فلم أَعْلَمْ مِنْ أهل العلم مُخالِفًا في أنَّ سنن النبيِّ مِنْ ثلاثة وجوهٍ، فاجتمعوا منها على وجهين.

والوجهان يجتمعان ويتفرَّعان: أحَدُهما: ما أَنْزَلَ اللهُ فيه نصَّ كتابٍ فبَيَّنَ رسولُ الله مِثْلَ ما نصَّ الكتابُ، والآخَرُ مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ فيه جملةَ كتابٍ فبَيَّنَ عن الله مَعْنَى ما أراد، وهذانِ الوجهان اللَّذان لم يختلفوا فيهما.

والوجه الثالث: ما سنَّ رسولُ الله فيما ليس فيه نصُّ كتابٍ».

هذا، وقد أضافَ بعضُ العُلَماء على ما تَقدَّمَ مرتبةً رابعةً وهي:

السنَّة الناسخةُ للحكم الوارد في القرآن الكريم، وهذه المرتبةُ مَحَلُّ اختلافٍ بين العُلَماء، وذَهَبَ أَكْثَرُ الفُقَهاء إلى جوازِ نَسْخِ القرآن بالخبر المُتواتِر، مثل قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ إِن تَرَكَ خَيۡرًا ٱلۡوَصِيَّةُ لِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ[البقرة: ١٨٠]؛ فهو منسوخٌ ـ عندهم ـ بحديثِ: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ؛ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» [أخرجه أحمد (٥/ ٢٦٧)، وأبو داود في «البيوع والإجارات» (٣/ ٨٢٤) بابٌ في تضمين العارية، والترمذيُّ في «الوصايا» (٤/ ٤٣٣) بابُ ما جاء: لا وصيَّةَ لوارثٍ، وابنُ ماجه في «الوصايا» (٢/ ٩٠٥) باب: لا وصيَّةَ لوارثٍ، والبيهقيُّ في «السنن الكبرى» (٦/ ٢٦٤)، مِنْ حديثِ أبي أُمامة الباهليِّ رضي الله عنه. والحديث رواهُ جمعٌ مِنَ الصحابة، وله طُرُقٌ مُتعدِّدةٌ، وإِنْ كان سندُه قويًّا في موضعٍ وفي آخَرَ وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ لا يخلو إسنادٌ منها مِنْ مَقالٍ، لكِنْ بمجموعها يعتضدُ الحديثُ ليَثْبُتَ تواترُه بالانضمام ـ كما تَقرَّرَ في أصول الحديث ـ انظر: «نصب الراية» للزيلعي (٤/ ٤٠٣)، «الدراية» (٢/ ٢٩٠) و«التلخيص الحبير» (٣/ ٩٢) كلاهما لابن حجر، «فيض القدير» للمُناوي (٢/ ٢٤٥)، «إرواء الغليل» للألباني (٦/ ٨٧)].

كما يجوز نَسْخُ القرآنِ الكريم بخبر الآحاد على الراجح؛ لأنَّ الجميع وحيٌ مِنَ الله تعالى، واللهُ هو الناسخُ حقيقةً، وقد ثَبَتَ وجوبُ التعبُّدِ بالوحي عن طريق القطع، لكنَّ غايةَ ما في الأمرِ أنه ـ بعد تَتبُّعِ الأدلَّةِ واستقرائها ـ لا يُوجَدُ مثالٌ في الشرع يدلُّ على الوقوع، [انظر المصادرَ الأصولية التالية: «الإحكام» لابن حزم (٤/ ١٠٧)، «الإشارة» للباجي (٣٠٨)، «التبصرة» للشيرازي (٢٦٤)، «المستصفى» للغزَّالي (١/ ١٢٦)، «التمهيد» للكلواذاني (٢/ ٣٨٢)، «الوصول» لابن بَرهان (٢/ ٤٧)، «روضة الناظر» لابن قدامة (٢/ ٢٢٧)، «المسوَّدة» لآل تيمية (٢٠١، ٢٠٧)، «شرح الكوكب المنير» للفتوحي (٣/ ٥٦١)، «فواتح الرحموت» للأنصاري (٢/ ٧٦)، «إرشاد الفحول» للشوكاني (١٩٠)].

وبمجموعِ مراتب السنَّة المتقدِّمة يظهر ـ جليًّا ـ أنَّ حاجة القرآنِ أكيدةٌ إلى السنَّة النبوية مِنَ الوجوه السالفة البيان، وضِمْنَ هذا المنظورِ قال الأوزاعيُّ ـ رحمه الله ـ: «الكتابُ أحوجُ إلى السنَّة مِنَ السنَّة إلى الكتاب» [انظر: «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البرِّ (٢/ ١٩١). وجاء ـ أيضًا ـ عن مكحولٍ: أورده ابنُ عبد البرِّ في «جامع بيان العلم وفضله» (٢/ ١٩١)]، قال ابنُ عبد البرِّ ـ رحمه الله ـ موضِّحًا ذلك بما نصُّه في [المصدر السابق (٢/ ١٩١)]: «يريد أنها تقضي عليه وتُبيِّنُ المرادَ منه، وهذا نحوُ قولهم: تَرَك الكتابُ موضعًا للسنَّة، وتركَتِ السنَّةُ موضعًا للرأي».

وأخيرًا، فإنَّ ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ السنَّة المُطهَّرةَ مصدرٌ تشريعيٌّ مُسْتَقِلٌّ بالتشريع والبيانِ؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ[النحل: ٤٤]، وقولِه تعالى: ﴿وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْ[الحشر: ٧]، على ما تَقدَّمَ بيانُه.

غيرَ أنَّ السنَّة الصحيحة الثابتة ـ وإِنْ كانَتْ قطعيةَ الثبوتِ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم جملةً ـ إلَّا أنها مِنْ جهةِ التفصيل فمنها: ما هو قطعيُّ الثبوتِ كالحديث المتواتر، ومنها: ما هو ظنِّيُّ الثبوت كخبر الآحاد المُجرَّدِ عن القرائن، وهو الغالبُ في السنَّة، بخلاف القرآن فهو قطعيُّ الثبوتِ جملةً وتفصيلًا؛ لذلك فأحاديثُ الآحادِ بما حفَّ بها مِنْ ظنونٍ في طريقِ ثبوتها يجعل السنَّةَ في الدرجة الثانية بعد القرآن الكريم، ويُؤكِّدُ هذه الدرجةَ أنَّ السنَّةَ تأتي مُبيِّنةً للقرآن ومُقرِّرةً له ومُفسِّرةً لإجماله ونحوِ ذلك ممَّا سَبَقَ ذِكْرُه، ومَعْنَى ذلك أنَّ القرآن أصلٌ والسنَّةَ تَبَعٌ له تأتي في الدرجة الثانية مِنْ هذه الحيثية؛ لأنَّ البيان تابعٌ للمُبيَّن ـ كما تَقرَّر أصوليًّا ـ.

وأمَّا مِنْ حيث الاجتهادُ والفتوى وفهمُ النصوص فيَلْزَمُ الرجوعُ إلى السنَّةِ الثابتةِ قبل العمل بنصوص القرآن وتنفيذِها؛ لاحتمالِ كونِ النصِّ القرآنيِّ العامِّ مُخصَّصًا بالسنَّة، أو مُطْلَقِهُ مُقيَّدًا بها، أو نحوِ ذلك مِنْ وجوه البيان والتفسير والنسخ التي ثَبَتَتْ في السنَّة.

فالسنَّةُ ـ بالنظر إلى مُقابَلةِ نصوصها بنصوص القرآن والجمعِ والتوفيق بينهما ـ مُتساوِيةٌ مع القرآن الكريم، لا نزاعَ في ذلك بين العُلَماءِ ممَّنْ يحتجُّ بالسنَّة الصحيحة، ومِنْ هذه الحيثيةِ نُدْرِكُ أنَّ علاقة السنَّة بالقرآن علاقةٌ تكامليةٌ في التشريع والبيان، ينتفي بينهما الاختلافُ والتعارضُ الحقيقيُّ؛ ذلك لأنَّ الوحي مُنزَّهٌ عن ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا ٨٢[النساء]، ولقوله تعالى مُخْبِرًا عن نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ ٣ إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ ٤[النجم]، ولأنَّ اللهَ أَمَرَ بالرجوع ـ عند الاختلاف ـ إلى الكتاب والسنَّة ليرتفع الخلافُ في قوله تعالى: ﴿فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ[النساء: ٥٩]؛ فدلَّ ذلك على انتفاءِ التعارض الحقيقيِّ، وإنما المُرادُ به التعارضُ الظاهريُّ الذي هو وهمٌ يقوم في ذهنِ الناظر ولا وجودَ له في الواقع، ويزول هذا الوهمُ بمُجرَّدِ إظهارِ التوفيق بين الدليلين وحصولِ الائتلاف بينهما.

فعُلِمَ أنَّ أدلَّةَ الشرعِ لا تَتناقَضُ في نَفْسِها، بل يُصدِّقُ بعضُها بعضًا؛ فهي مُتَّفِقةٌ لا تختلف ومُتلازِمةٌ لا تفترق؛ مصداقًا لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا؛ فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ» [أخرجه أحمد (٢/ ١٨١) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ عمرو بنِ العاص رضي الله عنهما، قال محقِّقو طبعةِ الرسالة (١١/ ٣٠٥): «صحيحٌ، وهذا إسنادٌ حسنٌ»]، وفي هذا المعنى قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ في [«مجموع الفتاوى» (٧/ ٤٠)]: «وكذلك إذا قلنا: «الكتاب والسنَّةُ والإجماع» فمدلولُ الثلاثةِ واحدٌ؛ فإنَّ كُلَّ ما في الكتاب فالرسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم مُوافِقٌ له والأمَّةُ مُجْمِعةٌ عليه مِنْ حيث الجملةُ؛ فليس في المؤمنين إلَّا مَنْ يُوجِبُ اتِّباعَ الكتاب، وكذلك كُلُّ ما سَنَّهُ الرسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم فالقرآنُ يأمر باتِّباعه فيه والمؤمنون مُجْمِعون على ذلك، وكذلك كُلُّ ما أَجْمَعَ عليه المسلمون فإنه لا يكون إلَّا حقًّا مُوافِقًا لِمَا في الكتاب والسنَّة، لكِنِ المسلمون يَتَلَقَّوْنَ دينَهم كُلَّه عن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، وأمَّا الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم فينزل عليه وحيُ القرآن ووحيٌ آخَرُ هو الحكمةُ، كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» [تقدَّم تخريجه، انظر: (الرابط)]».

(٣) ساقطةٌ مِنْ «م.ر».

(٤) ما بين المعقوفين ساقطٌ مِنْ «م.ر.أ»، و«تعالى»: ساقطةٌ مِنْ «م.ف».

(٥) ساقطةٌ مِنْ «م.ر».

(٦) «م.ر.أ، م.ر.ب، م.ف»: «تَكُونَ»، وهي قراءةُ نافعٍ.

(٧) كذا في قراءةِ عاصمٍ، والمُثْبَتُ في المتن: «نُدۡخِلۡهُ» على قراءةِ نافعٍ.

(٨) ما بين المعقوفين ساقطٌ مِنْ «م.ر».