أعمال الحلق والتقصير | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
السبت 11 شوال 1445 هـ الموافق لـ 20 أبريل 2024 م

أعمال الحلق والتقصير

وتظهر أعمال الحلق والتقصير في العمرة فيما يلي:

· أولا: إِنْ أَتَمَّ المُعتمِرُ سعيَه سبعةَ أشواطٍ فله الاختيارُ بين الحلق والتقصير، ويدلُّ عليه حديثُ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما: «فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً وَيَطُوفُوا ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا»(١)، وفي حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطُوفُوا بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، ثُمَّ يَحِلُّوا وَيَحْلِقُوا أَوْ يُقَصِّرُوا»(٢)؛ والحلقُ أفضلُ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تَرحَّم على المُحلِّقِين ثلاثًا وعلى المُقصِّرِين مرَّةً(٣)؛ إلَّا إذا كان متمتِّعًا قاصدَ الحجِّ وقَرُبَ وقتُ حَجِّه، فيقصِّر ليبقى له شَعْرٌ يحلقه في مناسك الحجِّ، فالتقصيرُ أفضلُ مِنْ هذه الجهة، قال ابنُ قدامة رحمه الله: «المُستحَبُّ في حقِّ المتمتِّع عند حِلِّه مِنْ عمرته: التقصيرُ ليكون الحلقُ للحجِّ»(٤)؛ أمَّا إذا كان بين عمرته وحَجِّه فترةٌ كافيةٌ يطول الشعرُ خِلالَهَا فإنَّ الأفضلية تبقى للحلق(٥).

· ثانيا: والمرأة لا تَحْلِقُ، وإنما تُقَصِّر شعرَها مِنْ كُلِّ قرنٍ أنملةً(٦) لقوله صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ الحَلْقُ، إِنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ»(٧)، قال ابنُ عبد البرِّ رحمه الله: «وقد أجمعَ العلماءُ على أنَّ النساءَ لا يَحْلِقْنَ، وأنَّ سُنَّتَهُنَّ التقصير»(٨).

· ثالثا: ويكون الحلق والتقصير شاملًا لجميع الرأس، ويدلُّ على ما تقدَّم قولُه تعالى: ﴿لَّقَدۡ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءۡيَا بِٱلۡحَقِّۖ لَتَدۡخُلُنَّ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمۡ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَۖ[الفتح: ٢٧]، وقد حلَقَ صلى الله عليه وسلم جميعَ رأسه، وقال: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»(٩).

قال ابنُ قدامة رحمه الله: «يَلزَم التقصيرُ أو الحلقُ مِنْ جميعِ شعره، وكذلك المرأة، نصَّ عليه، وبه قال مالكٌ... ولنا: قولُ الله تعالى: ﴿مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمۡ﴾، وهذا عامٌّ في جميعه، ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حلَقَ جميعَ رأسه، تفسيرًا لمُطلَق الأمر به، فيجب الرجوعُ إليه، ولأنه نُسُكٌ تعلَّق بالرأس فوَجَب استيعابُه به كالمسح، فإِنْ كان الشعرُ مضفورًا قصَّر مِنْ رؤوس ضفائره كذلك، قال مالكٌ: تُقَصِّر المرأةُ مِنْ جميعِ قُرونها، ولا يجب التقصيرُ مِنْ كُلِّ شعرةٍ؛ لأنَّ ذلك لا يُعلَم إلَّا بحلقه»(١٠).

· رابعا: ويُستحَبُّ له البدايةُ عند الحلق أو التقصير بالشقِّ الأيمن لِمَا روى أنسٌ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نَاوَلَ الحَالِقَ شِقَّهُ الأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ، ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الأَيْسَرَ فَقَالَ: «احْلِقْ» فَحَلَقَهُ فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ»(١١).

· خامسا: قال ابنُ قدامة رحمه الله: «يُستحَبُّ لمَنْ حلَقَ أو قصَّر تقليمُ أظافره، والأخذُ مِنْ شاربه؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَله. قال ابنُ المنذر: ثَبَت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا حلَقَ رأسَه قلَّم أظفاره(١٢)، وكان ابنُ عمر يأخذ مِنْ شاربه وأظفاره، وكان عطاءٌ وطاوسٌ والشافعيُّ يُحِبُّون لو أَخَذ مِنْ لحيته شيئًا(١٣)، ويُستحَبُّ إذا حلَقَ أَنْ يبلغ العظمَ الذي عند مُنقطَع الصدغ مِنَ الوجه، كان ابنُ عمر يقول للحالق: ابْلُغِ العظمين، افْصِلِ الرأسَ مِنَ اللحية»(١٤).

· سادسا: ومَنْ لا شعرَ على رأسه لا حَلْقَ عليه ولا فديةَ، ويُشرَع له إمرارُ المُوسَى على رأسه، ونَقَل ابنُ المنذر رحمه الله الإجماعَ على أنَّ الأصلع يُمِرُّ على رأسه المُوسَى(١٥)، وليس ذلك واجبًا(١٦).

وبذلك يُنهِي المعتمر أعمالَ عُمرته.



(١) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» باب: تقضي الحائضُ المناسكَ كُلَّها إلَّا الطوافَ بالبيت (١٦٥١)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٢١٦)، مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.

(٢) أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» بابُ تقصيرِ المتمتِّع بعد العمرة (١٧٣١) مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

(٣) انظر الحديثَ المُتَّفَقَ عليه الذي أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» باب الحلق والتقصير عند الإحلال (١٧٢٧)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٠١)، مِنْ حديثِ عبد الله بنِ عمر رضي الله عنهما.

(٤) «المغني» لابن قدامة (٣/ ٣٩٢).

(٥) «فتح الباري» لابن حجر (٣/ ٥٦٧).

(٦) الأَنْمَلَةُ: وهي رأسُ الأصبع مِنَ المفصل الأعلى؛ والقرن: الخصلة مِنَ الشعر، أي: الضفيرة، [«مختار الصِّحاح» للرازي (٦٨٠) (٥٣٢)، وانظر: «المغني» لابن قدامة (٣/ ٤٣٩ ـ ٤٤٠)].

(٧) أخرجه أبو داود في «المناسك» باب الحلق والتقصير (١٩٨٤، ١٩٨٥) مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. والحديث ذَكَر له ابنُ الملقِّن في «البدر المنير» (٦/ ٢٦٧) مُتابَعاتٍ يتقوَّى بها، وحَسَّن إسنادَه الحافظ ابنُ حجرٍ في «التلخيص الحبير» (٢/ ٥٢٩)، وصحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٢/ ١٥٧).

(٨) «الاستذكار» لابن عبد البرِّ (٤/ ٣١٣).

(٩) أخرجه مسلمٌ في «الحجِّ» (١٢٩٧)، والبيهقيُّ بلفظِ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» في «السنن الكبرى» (٩٥٢٤)، مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.

(١٠) «المغني» لابن قدامة (٣/ ٣٩٣).

(١١) أخرجه مسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٠٥) مِنْ حديثِ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه.

(١٢) أخرجه أحمد (١٦٤٧٥) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ زيد بنِ عبد ربِّه صاحبِ الأذان رضي الله عنه. قال الهيثميُّ في «مَجْمَع الزوائد» (٤/ ١٢): «رواه أحمد، ورجالُه رجالُ الصحيح»، وقوَّاه الشوكانيُّ بشواهده في «نيل الأوطار» (١/ ٧٣).

(١٣) انظر أيضًا: فتوى «في حكم تقصير اللحية بأمرٍ إداريٍّ مِن ولاة الأمر» على الموقع الرسميِّ.

(١٤) «المغني» لابن قدامة (٣/ ٤٣٧).

(١٥) انظر: «الإجماع» لابن المنذر (٥٢).

(١٦) انظر: «المغني» لابن قدامة (٣/ ٤٣٧).