Skip to Content
الخميس 18 رمضان 1445 هـ الموافق لـ 28 مارس 2024 م

توجيهاتٌ قبل الشروع في أعمال الحجِّ والعمرة

وتتمثَّل هذه التوجيهات في النقاط التالية:

· أولا: تجريد النفس وتصفِيَتُها مِنَ الشرك والحذرُ منه وتجنُّبُ أسبابه؛ إذ المعلوم أنه قد سَرَى في العديد مِنَ الطَّغام والعوامِّ الغُلُوُّ في الصالحين حتَّى أَضْفَوْا عليهم خصائصَ الرُّبوبية، وأنزلوهم فوق منزلتهم التي أَنزلَهُم اللهُ إلى ما لا يجوز أَنْ يكون إلَّا لله: مِنْ طلب المدد منهم عند حصول المكاره، والاستغاثةِ بهم في الشدائد، والتبرُّك بتربتهم والطواف بقبورهم، وذبح القرابينِ لأَضرِحَتِهم، ودعائهم والتوسُّل بهم وسؤالهم الشفاعةَ مِنْ دون الله، حتَّى أضحَتْ قبورُ الصالحين أوثانًا تُعَلَّق عليها القناديلُ والسُّرُجُ، وتُسدَلُ عليها الستورُ، واتُّخِذَتْ أعيادًا ومناسكَ ـ واللهُ المستعان ـ.

ولا يخفى أنَّ الشرك أكبرُ الكبائر وأعظمُ الظلم، وهو مُبطِلٌ للأعمال ومُفسِدٌ للعبادات؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ٦٥[الزُّمَر]؛ لذلك ينبغي الاجتهادُ في تصفية النفس بالتخلُّص مِنْ أدران الشرك وتطهير المعتقد منه، والوقاية مِنَ الوقوع فيه، مع أخذ الحذر منه، وسدِّ كُلِّ طريقٍ يؤدِّي إليه، لا سيَّما لمَنْ عَزَم على الحجِّ أو العمرة؛ فإنه إِنْ لم يطهِّر نَفْسَه مِنَ الشركيَّات المُقترِنة بمُعتقَده وأعمالِه فيُخشى عليه ـ فضلًا عن ارتكابه لأعظم الذنوب ـ أَنْ يضيِّع جُهدَه ومالَه سُدًى بلا أجرٍ ولا ثوابٍ؛ لقوله تعالى: ﴿وَقَدِمۡنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنۡ عَمَلٖ فَجَعَلۡنَٰهُ هَبَآءٗ مَّنثُورًا٢٣[الفرقان].

· ثانيا: المبادرة بالتوبة النصوح، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي، والعزمُ على عدم العودة إليها أبدًا، والاستكثار مِنَ الحسنات الماحيات؛ فباب التوبة مفتوحٌ(١)؛ لقوله تعالى: ﴿قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ٥٣[الزُّمَر]، ولقوله تعالى: ﴿وَتُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ٣١[النور]؛ فعلَّق الفلاحَ بالتوبة تعليقَ المسبَّب بسببه، ثمَّ أتى بأداةِ: «لعلَّ» المُشعِرة بالترجِّي؛ فكان المعنى: أنه لا يرجو الفلاحَ إلَّا التائبون.

والتوبة التي تُعالِج الذنبَ وتمحو أثرَه هي التوبة النصوح بشروطها، المُستتبِعةُ للاستكثار مِنَ الحسنات والعملِ الصالح؛ قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمۡ سَيِّ‍َٔاتِكُمۡ وَيُدۡخِلَكُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ[التحريم: ٨]، والحسناتُ تكفِّر كثيرًا مِنَ السيِّئات؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِۚ إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِۚ ذَٰلِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّٰكِرِينَ١١٤[هود]، ولقوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامٗا٦٨ يُضَٰعَفۡ لَهُ ٱلۡعَذَابُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَيَخۡلُدۡ فِيهِۦ مُهَانًا٦٩ إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحٗا فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّ‍َٔاتِهِمۡ حَسَنَٰتٖۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا٧٠[الفرقان: ٦٨ ـ ٧٠]، ويؤكِّده قولُه تعالى: ﴿وَمَن يَأۡتِهِۦ مُؤۡمِنٗا قَدۡ عَمِلَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَٰتُ ٱلۡعُلَىٰ٧٥ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ٧٦[طه: ٧٥ ـ ٧٦].

ومِنْ تمام التوبة: قطعُ الصِّلَة بالماضي الآثم وهجرُ أماكن المعصية وتركُ قُرَناءِ السوء؛ فإنَّ ذلك مِنْ تقوى الله التي هي أساسُ القَبول؛ قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ٢٧[المائدة: ٢٧]؛ لذلك لا ينال الحاجُّ أو المُعتمِرُ نصيبَه مِنَ المثوبة والأجرِ عند الله تعالى إلَّا بالامتثال للطاعة والإقلاع عن المعصية؛ قال تعالى: ﴿ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرٞ مَّعۡلُومَٰتٞۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلۡحَجِّۗ[البقرة: ١٩٧]، وفي حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه قال: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ حَجَّ للهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»»(٢).

تنبيه: ومِنْ أخطر المعاصي التي يجب أَنْ يُبادر بالتوبة منها: البدعةُ في الدِّين؛ فهي ضلالةٌ وبريدٌ إلى الشِّرك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»(٣)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»(٤)، وفي روايةٍ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»(٥)، قال البربهاريُّ رحمه الله: «واحْذَرْ صِغارَ المُحْدَثات؛ فإنَّ صِغارَ البِدَع تعود حتَّى تصير كبارًا، وكذلك كُلُّ بدعةٍ أُحْدِثَتْ في هذه الأُمَّةِ كان أَوَّلُهَا صغيرًا يُشبِهُ الحقَّ؛ فاغترَّ بذلك مَنْ دَخَل فيها، ثمَّ لم يستطع المَخْرَجَ منها، فعَظُمَتْ وصارَتْ دِينًا يُدانُ بها»(٦).

والبدعةُ درجاتٌ مُتفاوِتةٌ، وأسبابُها ترجع إلى: الجهل بالدِّين، واتِّباع الهوى، والتعصُّب للآراء والأشخاص، والتشبُّه بالكُفَّار وتقليدهم.

ووجهُ كونِ البدعة أخطرَ مِنَ المعصية: أنَّ صاحِبَ المعصية يعلم بتحريم اعتدائه على حدود الله وحُرُماته، ويُرجى له الرجوعُ والتوبة والاستغفار، ومنزلتُه أخفُّ وأهونُ مِنْ صاحب البدعة الذي يتعدَّى حدودَ الله بالتشريع والافتراء على الله سبحانه ويحسب أنه مِنَ المهتدين؛ فيُخشى عليه البقاءُ على بدعته والاستمرارُ على الباطل والضلال ظنًّا منه أنه على حقٍّ وصوابٍ؛ قال تعالى: ﴿قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِينَ أَعۡمَٰلًا١٠٣ ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعۡيُهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا١٠٤[الكهف: ١٠٣ ـ ١٠٤].

ومِنَ الفوارق ـ أيضًا ـ أنَّ صاحب البدعة مُحتجَزُ التوبةِ حتَّى يتركَها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ احْتَجَزَ التَّوْبَةَ عَنْ صَاحِبِ كُلِّ بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَتَهُ»(٧).

· ثالثا: إخلاص النيَّة لله تعالى في العبادة المتقرَّب بها؛ لقوله تعالى: ﴿قُلۡ إِنِّيٓ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱللَّهَ مُخۡلِصٗا لَّهُ ٱلدِّينَ١١ وَأُمِرۡتُ لِأَنۡ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ١٢[الزُّمَر: ١١ ـ ١٢]؛ لذلك لا يجوز أَنْ يقصد بحَجِّه أو عُمرته رِيَاءً أو سُمعةً أو مُفاخَرةً أو مباهاةً، أو أَنْ يطمع في غرضٍ دنيويٍّ؛ فهذه كُلُّها مِنَ الشِّرك الأصغر المُنافي لكمال التوحيد، المُحبِطِ للعمل، كما قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلَا تُبۡطِلُوٓاْ أَعۡمَٰلَكُمۡ٣٣[محمَّد]، وقال تعالى: ﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا١١٠[الكهف: ١١٠]، وقد توعَّد اللهُ المُرائِينَ بالويل في قوله تعالى: ﴿فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ٤ ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ٥ ٱلَّذِينَ هُمۡ يُرَآءُونَ٦ وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ٧[الماعون:٤ -٧]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»(٨)، وفي الحديث: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللهُ بِهِ»(٩).

وضِمنَ هذا المعنى يقول ابنُ رجبٍ رحمه الله: «اعْلَمْ أنَّ العمل لغير الله أقسامٌ:

فتارةً يكون رياءً محضًا بحيث لا يُراد به سوى مراءاةِ المخلوقين لغرضٍ دنيويٍّ كحال المنافقين في صلاتهم؛ قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِذَا قَامُوٓاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ[النساء: ١٤٢]، وقال تعالى: ﴿فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ٤[الماعون]، وكذلك وَصَف اللهُ تعالى الكُفَّارَ بالرِّياء المحض في قوله: ﴿وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بَطَرٗا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ[الأنفال: ٤٧]، وهذا الرِّياء المحض لا يكاد يصدر مِنْ مؤمنٍ في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة والحجِّ وغيرِهما مِنَ الأعمال الظاهرة والتي يتعدَّى نفعُها؛ فإنَّ الإخلاص فيها عزيزٌ، وهذا العملُ لا يشكُّ مسلمٌ أنه حابطٌ، وأنَّ صاحِبَه يَستحِقُّ المقتَ مِنَ الله والعقوبةَ.

وتارةً يكون العمل لله ويُشارِكه الرياء، فإِنْ شاركه مِنْ أصله فالنصوصُ الصحيحة تدلُّ على بطلانه ـ أيضًا ـ وحبوطِه...

وأمَّا إِنْ كان أصلُ العمل لله ثمَّ طرَأَتْ عليه نيَّةُ الرِّياء فلا يضرُّه، فإِنْ كان خاطرًا ودفَعَه فلا يضرُّه بغير خلافٍ، فإِنِ استرسل معه فهل يحبط عمله أم لا يضرُّه ذلك ويُجازَى على أصل نيَّته؟ في ذلك اختلافٌ بين العلماء مِنَ السلف قد حَكَاه الإمام أحمد وابنُ جريرٍ الطبريُّ، وأرجو أنَّ عمله لا يَبْطُل بذلك وأنه يُجازى بنيَّته الأولى، وهو مرويٌّ عن الحسن البصريِّ وغيرِه»(١٠).

لذلك وَجَب أَنْ تكون كُلُّ الأعمال التي يُبتغى بها وجهُ الله مصروفةً لله تعالى على وجه الإخلاص؛ فالإخلاصُ شرطٌ لصِحَّة العمل وقَبولِه بلا خلافٍ(١١)، قال الحطَّاب المالكيُّ رحمه الله: «فالمُخلِص في عبادته هو الذي يخلِّصها مِنْ شوائب الشرك والرياء، وذلك لا يتأتَّى له إلَّا بأَنْ يكون الباعثُ له على عملها قَصْدَ التقرُّب إلى الله تعالى وابتغاءَ ما عنده، فأمَّا إذا كان الباعثُ عليها غيرَ ذلك مِنْ أغراض الدنيا فلا تكون عبادةً، بل مصيبةً مُوبِقةً لصاحبها»(١٢). ويؤكِّد هذا المعنى قولُه صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ العَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ»(١٣)، والأمور بمقاصدها، وقد جاء في الحديث: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»(١٤).

تنبيه: يَحْسُنُ بمَنْ شرَّفَه اللهُ بزيارة المدينة النبوية(١٥) أَنْ يتقصَّد في سفره زيارةَ مسجد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإنَّ ذلك هو المشروعُ بنصِّ قوله صلى الله عليه وسلم: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى»(١٦)، أمَّا شدُّ الرِّحال تقصُّدًا لزيارة قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم فلم يصحَّ فيه حديثٌ، مع اتِّفاق العلماء على أنَّ زيارة القبور عامَّةً مشروعةٌ لتذكُّر الموت والآخرة، مِنْ غيرِ سفرٍ مِنْ أجلها أو شدِّ الرِّحال إليها.

والأَوْلى أَنْ يجعل الزائرُ قَصْدَه لزيارة مسجد النبيِّ صلى الله عليه وسلم والصلاةِ فيه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا المَسْجِدَ الحَرَامَ»(١٧)، وله ـ بعد ذلك ـ أَنْ يزور قبرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ويُسَلِّم عليه ثمَّ على أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما ثمَّ ينصرف، كما له أَنْ يزور مقبرةَ البقيع؛ إذ كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يزور أهلَها ويسلِّم عليهم؛ فهذا هو الموافق للسنَّة والآثار.



(١) تنبيه: باب التوبة مُنقطِعٌ في ثلاثة أحوال:

· الحالة الأولى: عند نزول العذاب لقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَا قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥ وَكَفَرۡنَا بِمَا كُنَّا بِهِۦ مُشۡرِكِينَ٨٤ فَلَمۡ يَكُ يَنفَعُهُمۡ إِيمَٰنُهُمۡ لَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَاۖ سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدۡ خَلَتۡ فِي عِبَادِهِۦۖ[غافر: ٨٤ ـ ٨٥].

· والحالة الثانية: إذا بلغَتِ الروحُ الحلقومَ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمَ يُغَرْغِرْ» [أخرجه الترمذيُّ في «الدعوات» بابٌ في فضل التوبة والاستغفار وما ذُكِر مِنْ رحمة الله بعباده (٣٥٣٧) مِنْ حديث ابنِ عمر رضي الله عنهما، وأخرجه ابنُ ماجه في «الزهد» بابُ ذِكر التوبة (٤٢٥٣) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ عمرٍو رضي الله عنهما. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «صحيح سنن الترمذي» (٣/ ٤٥٣ ـ ٤٥٤) وفي «صحيح سنن ابنِ ماجه» (٣/ ٣٨٣)].

· والحالة الثالثة: إذا طلعَتِ الشمسُ مِنْ مغربها لقوله تعالى: ﴿هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ رَبُّكَ أَوۡ يَأۡتِيَ بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَۗ يَوۡمَ يَأۡتِي بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفۡسًا إِيمَٰنُهَا لَمۡ تَكُنۡ ءَامَنَتۡ مِن قَبۡلُ أَوۡ كَسَبَتۡ فِيٓ إِيمَٰنِهَا خَيۡرٗاۗ[الأنعام: ١٥٨]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» [أخرجه أبو داود في «الجهاد» بابٌ في الهجرة: هل انقطعَتْ؟ (٢٤٧٩) مِنْ حديثِ معاوية بنِ أبي سفيان رضي الله عنهما. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «صحيح سنن أبي داود» (٢/ ٩٠)].

(٢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» بابُ فضلِ الحجِّ المبرور (١٥٢١)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٥٠)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(٣) أخرجه أبو داود في «السنَّة» بابٌ في لزوم السنَّة (٤٦٠٧)، والترمذيُّ في «العلم» بابُ ما جاء في الأخذ بالسنَّة واجتنابِ البِدَع (٢٦٧٦)، وابنُ ماجه في «المقدِّمة» بابُ اتِّباع سنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين (٤٢)، مِنْ حديثِ العِرْباض بنِ سارية رضي الله عنه. والحديث صحَّحه ابنُ الملقِّن في «البدر المنير» (٩/ ٥٨٢)، وابنُ حجرٍ في «موافقة الخُبْرِ الخَبرَ» (١/ ١٣٦)، والألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٢٧٣٥)، وشعيب الأرناؤوط في تحقيقه ﻟ «مسند أحمد» (٤/ ١٢٦)، وحسَّنه الوادعيُّ في «الصحيح المسند» (٩٣٨).

(٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الصلح» باب: إذا اصطلحوا على صُلحِ جَوْرٍ فالصلحُ مردودٌ (٢٦٩٧)، ومسلمٌ في «الأقضية» (١٧١٨)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

(٥) أخرجه مسلمٌ في «الأقضية» (١٧١٨) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

(٦) «شرح السنَّة» للبربهاري (٢٣).

(٧) أخرجه الطبرانيُّ في «الأوسط» (٤٣٦٠)، والمنذريُّ في «الترغيب والترهيب» وحسَّنه (١/ ٨٦). وصحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٤/ ١٥٤).

(٨) أخرجه مسلمٌ في «الزهد والرقائق» (٢٩٨٥).

(٩) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الرِّقاق» باب الرِّياء والسُّمعة (٦٤٩٩)، ومسلمٌ في «الزهد والرقائق» (٢٩٨٧)، مِنْ حديثِ جندب بنِ عبد الله بنِ سفيان العَلَقيِّ البَجَليِّ رضي الله عنه.

(١٠) «جامع العلوم والحِكَم» لابن رجب (١٣ـ ١٦) [بتصرُّف].

(١١) انظر: «الدِّين الخالص» لصدِّيق حسن خان (٢/ ٣٨٥).

(١٢) «مواهب الجليل» للحطَّاب (٣/ ٥٠٣).

(١٣) أخرجه النسائيُّ في «الجهاد» بابُ مَنْ غَزَا يَلتمِسُ الأجرَ والذِّكر (٣١٤٠)، مِنْ حديثِ أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه. والحديث حسَّنه الألبانيُّ، انظر: «السلسلة الصحيحة» (١/ ١١٨) رقم: (٥٢).

(١٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «بدء الوحي» باب: كيف كان بدءُ الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ (١)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٩٠٧)، مِنْ حديثِ عمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنه.

(١٥) وممَّا يجدر التنبيه له ولفتُ النظر إليه: أنَّ زيارة مسجد النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليس هو الحجَّ ولا جزءًا مِنَ الحجِّ كما يعتقده مُعظَمُ العوامِّ عندنا، وإنما هو عملٌ مُستقِلٌّ بذاته مرغَّبٌ فيه، ولا علاقةَ له بالحجِّ ولا ارتباطَ له بمناسكه، فلْتَنتبِهْ!!

(١٦) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الصلاة» بابُ فضل الصلاة في مسجد مكَّة والمدينة (١١٨٩)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٩٧)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(١٧) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الصلاة» بابُ فضل الصلاة في مسجد مكَّة والمدينة (١١٩٠)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٩٤)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.