الفتوى رقم: ٦٥٨

الصنف: فتاوى الزكاة

في حكم زكاة الخضروات

السؤال:

هل في الخضروات مثلِ البطاطا والفلفل زكاةٌ؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فليس في البطاطا والفُلْفُل ونحوِهما زكاةٌ، سواءٌ عند مَنْ قال: لا زكاةَ إلَّا في الأصناف الأربعة مِنَ الزروع والثمار وهي: الحنطةُ والشعير والتمر والزبيب فقط، ولا شيءَ فيما عَدَاها، وهو مذهبُ كثيرٍ مِنَ السلف وروايةٌ عن أحمد، واختاره ابنُ حَزْمٍ والشوكانيُّ وغيرُهم، كما ليس فيها زكاةٌ عند مَنْ قال: إنَّ الزكاةَ في كُلِّ ما يُقْتَاتُ ويُدَّخَرُ، وهو مذهبُ مالكٍ والشافعيِّ، ولا على مذهبِ مَنْ قال: إنَّ الزَّكاةَ في كُلِّ ما يَيْبَسُ ويبقى وَيُكَالُ، وهو قول أحمد في أَشْهَرِ الروايات عنه.

وإنما أَوْجَبَ الزكاةَ فيها مَنْ قال: إنَّ الزكاةَ تجب في كُلِّ ما أخرجَتِ الأرضُ ممَّا يزرعه الآدميُّ، وهو مذهبُ أبي حنيفةَ وداودَ الظاهريِّ.

والصحيحُ: المذهبُ الأوَّل؛ لحديثِ أبي موسى ومُعاذٍ رضي الله عنهما حين بَعَثهما رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى اليمن يُعلِّمان الناسَ أَمْرَ دِينِهم فكان ممَّا قال: «لَا تَأْخُذُوا الصَّدَقَةَ إِلَّا مِنْ هذِهِ الأَرْبَعةِ: الشَّعيرِ والحِنْطَةِ والزَّبيبِ وَالتَّمْرِ»(١)، وهي مُجْمَعٌ عليها، قد خصَّها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأَعْرَضَ عمَّا سِواها، وقد كان يعلم أنَّ للناس أقواتًا وأموالًا ممَّا تُخْرِجُ الأرضُ سِواها؛ فكان تركُه ذلك وإعراضُه عنه عفوًا منه كعفوه عن صدقة الخيل والرقيق.

وغايةُ ما يستدِلُّ به مَنْ أَوْجَبَ الزكاةَ فيها ـ وهو مذهبُ أبي حنيفةَ ـ نصوصٌ عامَّةٌ، ولا يخفى أنَّ الخاصَّ قاضٍ على العامِّ في مَحَلِّ التعارُض كما هو مُقرَّرٌ في القواعد، ومع ذلك فله أَنْ يُخْرِجَ الزكاةَ المطلقة أي: الصدقةَ غيرَ الواجبةِ ولا المقيَّدةِ بزمنٍ أو كمِّيةٍ، ويُخْرِجُ منها ما تطيبُ نفسُ صاحِبِها به؛ لعموم النصوص الآمرة بالإنفاق كقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللهم أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللهم أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا»(٢).

كما يَلْزَمُه إخراجُ الزكاة مِنْ مداخيلِ الخضروات المَبيعة بشرطها مِنْ بلوغِ النِّصاب وحَوَلان الحول، سواءٌ كانَتْ مالًا أصليًّا أو مستفادًا.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في ٢٥ مِنْ ذي القعدة ١٤٢٧ﻫ
الموافق ﻟ: ١٦ ديسمبر ٢٠٠٦م

 


(١) أخرجه الحاكم في «المستدرَك» (١٤٥٩)، والدارقطنيُّ في «سننه» (١٩٢١)، مِنْ حديثِ أبي بُرْدةَ بنِ أبي موسى عن أبي موسى ومُعاذ بنِ جبلٍ رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (٣/ ٢٧٨) وفي «السلسلة الصحيحة» (٨٧٩).

(٢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» بابُ قولِ الله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ ٥وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ ٦..﴾ [الليل] (١٤٤٢)، ومسلمٌ في «الزكاة» (١٠١٠)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)