الفتوى رقم: ٥٧٨

الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية

في حكم الاشتراك في الأضحية

السؤال:

ما حُكمُ الشرعِ في الاشتراك في الأضحية سواءٌ مِنْ حيث الثمنُ أو مِنْ حيث الثوابُ، وذلك في البَدَنَة والبقرة والشِّيَاه، خاصَّةً وأنَّ حديثَ جابرٍ رضي الله عنه تَطرَّق للحديث عن البَدَنة والبقرة فقط(١)؟

هل تَمَّ الاشتراكُ في الأُضحية في عهدِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أو في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم خاصَّةً في الشاة؟

هل أجمع العلماءُ خاصَّةً الأئمَّة الأربعة على عدم الاشتراك في الشاة مِثْل ما جاء في «بداية المجتهد»(٢)؟

هل تَكلَّم العلماءُ في الاشتراك في الشاة ممَّنْ كانَتْ تجمعهم نفقةٌ واحدةٌ أي: أنَّ ربَّ البيت يأخذ كُلَّ شهرٍ نصيبًا مِنِ ابنه للنفقة على البيت وحين يَحِلُّ العيدُ يأخذ مِنْ ذلك لشراء الشاة؟

هل يصحُّ الاستدلالُ بحديثِ مِخْنَف بنِ سُلَيمٍ رضي الله عنه: «كُنَّا وَقُوفًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بِعَرَفَةَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍّ أُضْحِيَةً وَعَتِيرَةً»»(٣)، وسندُه حَسَنٌ عند بعضِ العلماء، إلَّا أنَّنا سَمِعْنا أنه ضعيفٌ على هذا المنوال، وإنما الصحيحُ قولُه ابتداءً مِنْ: «عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ».

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالاشتراكُ في البَدَنة والبقرة جائزٌ لِمَا أخرجه الخمسةُ إلَّا أبا داود مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فِي سَفَرٍ فَحَضَرَ الأَضْحَى فَاشْتَرَكْنَا فِي البَقَرَةِ سَبْعَةً، وَفِي البَعِيرِ عَشَرَةً»(٤)، والحديثُ يَدُلُّ على جواز الاشتراك بالعدد المخصوص: سبعة أنفارٍ للبقرة، وعشر أَنْفُسٍ للبَدَنة، ويشهد له ما في الصحيحين مِنْ حديثِ رافع بنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه أنهُ صلَّى الله عليه وسلَّم «عَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الغَنَمِ بِبَعِيرٍ»(٥).

أمَّا الشاة فالاشتراك فيها محلُّ خِلافٍ بين أهل العلم، وذَهَب بعضُ أهلِ العلم إلى أنَّ الشاة لا تُجْزئ إلَّا عن نفسٍ واحدةٍ، وهو قولُ عبد الله بنِ المبارَك وغيرِه مِنْ أهل العلم، وقد ادَّعى كُلٌّ مِنِ ابنِ رُشْدٍ والنوويِّ الإجماعَ على ذلك، وهو إجماعٌ مُنْتَقِضٌ بما حكاه الترمذيُّ في «سُنَنِه» أنَّ الشاة تجزئ عن أهل البيت، قال: «والعملُ على هذا عند أهل العلم»، وهو قولُ أحمد وإسحاق، واحتجَّا بحديثِ جابرٍ رضي الله عنه قال: «شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم الأَضْحَى بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ مِنْ مِنْبَرِهِ وأُتِيَ بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بِيَدِهِ، وَقَالَ: «بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي»»(٦).

وأصحُّ الأقوال أنَّ الشاة تجزئ عن المضحِّي وأهلِ بيته لِمَا رواه ابنُ ماجه والترمذيُّ وصحَّحه مِنْ حديثِ أبي أيُّوب الأنصاريِّ رضي الله عنه قال: «كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ فَصَارَتْ كَمَا تَرَى»(٧)، غير أنَّ المضحِّيَ يحصل على الثواب أصالةً وأهلَ بيته تُجْزئهم بالتَّبَعِ، ودليلُه حديثُ رافع بنِ خَدِيجٍ وحديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهم، ففيهما دلالةٌ واضحةٌ على أنَّ البعير يجزئ عن العشرة بذواتهم وأعيانهم حقيقةً؛ إذ ليس مقرونًا بلفظِ أهلِ البيت المذكور في حديثِ أبي أيُّوب رضي الله عنه السابق، فإنَّ ذلك يفيد دخولَهم بالتبع والإضافة لا بالأصالة والحقيقة، ويؤيِّد ما ذكَرْنا أنَّ الزوجة مثلًا لو تَمَتَّعَتْ بالحجِّ أو قَرَنَتْ لَمَا كان يكفي هديُ زوجها في الإجزاء عنها؛ فَدَلَّ على أنَّ إجزاءه في الأضحية ليس بالأصالة، وثوابُ الأصيل فوق ثواب التابع كما لا يخفى.

أمَّا حديثُ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ رضي الله عنه فقَدْ أخرجه أبو داود والترمذيُّ والنسائيُّ وغيرُهم وفي إسناده أبو رملة واسْمُه عامرٌ، قال الخطَّابيُّ ـ رحمه الله ـ: هو مجهولٌ والحديثُ ضعيفُ المَخْرَج(٨)، وقال أبو بكر بنُ العربيِّ المالكيُّ ـ رحمه الله ـ: «حديثُ مِخْنَفِ بنِ سُلَيْمٍ ضعيفٌ فلا يُحتجُّ به»(٩)، كما ضعَّفه عبد الحقِّ وابنُ القطَّان لعلَّةِ الجهل بحالِ أبي رملة، ورواه عنه ابنُه حبيبُ بنُ مِخْنَفٍ وهو مجهولٌ أيضًا(١٠)، وقد رواه مِنْ هذا الطريقِ عبدُ الرزَّاق في «مصنَّفه»، ومِنْ طريق عبد الرزَّاق رواه الطبرانيُّ في «معجمه» بسنده، والبيهقيُّ في «المعرفة»؛ لذلك حسَّنه الألبانيُّ في «صحيح أبي داود»(١١) وفي «صحيح سنن الترمذي»(١٢) وفي «صحيح ابن ماجه»(١٣).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٧ ذو الحجَّة ١٤١٧ﻫ
الموافق ﻟ: ١٥ أفريل ١٩٩٧م

 


(١) انظر أحاديثَ جابرٍ رضي الله عنه التي رواها مسلمٌ في «الحجِّ» (١٢١٣، ١٣١٨).

(٢) (١/ ٤٢٠).

(٣) أخرجه أبو داود في «الضحايا» بابُ ما جاء في إيجاب الأضاحي (٢٧٨٨)، والترمذيُّ في «الأضاحي» (١٥١٨)، والنسائيُّ في «الفَرَع والعتيرة» (٤٢٢٤)، وابنُ ماجه في «الأضاحي» باب الأضاحي: واجبةٌ هي أم لا؟ (٣١٢٥)، مِنْ حديثِ مِخْنَف بنِ سُلَيمٍ رضي الله عنه. وقوَّاه ابنُ حجرٍ في «الفتح» (٩/ ٥٩٧)، والأرناؤوط في تحقيق «جامع الأصول» (٣/ ٣١٦)، وحسَّنه الألبانيُّ في «المشكاة» ـ التحقيق الثاني ـ (١٤٧٨).

(٤) أخرجه الترمذيُّ في «الأضاحي» بابُ ما جاء في الاشتراك في الأضحية (١٥٠١)، والنسائيُّ في «الضحايا» بابُ ما تجزئ عنه البَدَنةُ في الضحايا (٤٣٩٢)، وابنُ ماجه في «الأضاحي» باب: عن كم تجزئ البدنة والبقرة؟ (٣١٣١)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. وصحَّحه ابنُ القطَّان في «الوهم والإيهام» (٥/ ٤١٠)، وقال ابنُ الملقِّن في «البدر المنير» (٩/ ٣٠٤): «جميعُ رجالِه ثِقَاتٌ»، وصحَّحه الألبانيُّ في «المشكاة» (١٤٦٩).

(٥) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الشركة» بابُ قسمةِ الغنم (٢٤٨٨)، ومسلمٌ في «الأضاحي» (١٩٦٨)، مِنْ حديثِ رافع بنِ خديجٍ رضي الله عنه.

(٦) أخرجه أبو داود في «الضحايا» بابٌ في الشاة يُضحَّى بها عن جماعةٍ (٢٨١٠)، والترمذيُّ في «الأضاحي» (١٥٢١)، مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما. وحسَّنه ابنُ حجرٍ في «المطالب العالية» (٣/ ٣٢)، وصحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (٤/ ٣٤٩) رقم: (١١٣٨).

(٧) أخرجه الترمذيُّ في «الأضاحي» بابُ ما جاء: أنَّ الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت (١٥٠٥)، وابنُ ماجه في «الأضاحي» بابُ مَنْ ضحَّى بشاةٍ عن أهله (٣١٤٧)، مِنْ حديثِ أبي أيُّوب الأنصاريِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (١١٤٢).

(٨) انظر: «معالم السنن» للخطَّابي (٣/ ٢٢٦).

(٩) «عارضة الأحوذي» لابن العربي (٦/ ٣٠٤).

(١٠) انظر: «نصب الراية» للزيلعي (٤/ ٢١١).

(١١) «صحيح أبي داود» (٢/ ١٨٣) رقم: (٢٧٨٨).

(١٢) «صحيح سنن الترمذي» (٢/ ١٦٥) رقم: (١٥١٨).

(١٣) «صحيح ابن ماجه» (٣/ ٨٢) رقم: (٣١٢٥).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)