الفتوى رقم: ٩٥١

الصنـف: فتاوى الصلاة - صلاة التطوُّع

في صفة القراءة في نوافل الليل والنهار

السـؤال:

هل يُشْرَعُ للنوافل التي ليس لها جماعةٌ الإسرارُ بالقراءة أم الجهرُ بها؟ وما حكمُ قراءة المرأة فيها؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فأهل العلم يفرِّقون بين النوافل النهارية التي لا يُشْرَعُ لها عقدُ جماعةٍ والنوافلِ الليلية:

فأمَّا النوافل النهارية فعلى أَرْجَحِ المذاهب أنه يُسْتَحَبُّ الإسرارُ بالقراءة فيها ولا يجب، والجهرُ بها خلافُ الأَوْلى، وهو أحَدُ قولَيِ المالكية والأصحُّ عند الشافعية(١)، وقد استدلُّوا على مذهبهم بحديث: «صَلاَةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ»(٢) على عموم استحباب الإسرار في الفرائض والنوافل النهارية التي لا تُعْقَدُ لها جماعةٌ وذلك لعَجَميَّتِها بحيث لا تُسْمَعُ فيها قراءةٌ، وهذا الاستدلال ـ وإِنْ كان لا يتمُّ لعدَمِ ثبوته عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ إلاَّ أنَّ إلحاق نوافل النهار بفرائض النهار أَلْصَقُ قياسًا؛ ذلك لأنَّ الحكم فيها إذا كان واحدًا فإنَّ «مَا ثَبَتَ فِي الفَرْضِ يَثْبُتُ فِي النَّفْلِ» مِن غير تفريقٍ إلاَّ ما استثناهُ الدليل، ولم يَرِدْ ما يفرِّقُ.

وأمَّا نوافل الليل فللمُتَنفِّل الخيارُ بين الجهر والإسرار فيها، و«لَا يَلْزَمُ مِنَ التَّخْيِيرِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا»، ويكون الجهرُ فيها أَفْضَلُ إذا كان جالبًا للنشاط وفائدةِ المراجعة والحفظ، ويكون الإسرارُ أَفْضَلَ إذا تَرتَّبَ في جهره بالقراءة مَفْسدةُ التشويش على مُصَلٍّ آخَرَ، أو التعكيرِ على باحثٍ بالجهر، أو إيقاظِ نائمٍ ونحوِ ذلك، وهو مذهبُ الجمهور، ويدلُّ عليه ما رواهُ أبو هريرة رضي الله عنه قال: «كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ يَرْفَعُ طَوْرًا وَيَخْفِضُ طَوْرًا»(٣)، وقد سُئِلَتْ عائشةُ رضي الله عنها عن قراءة النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بالليل؟ فقالت: «كُلَّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يَفْعَلُ، رُبَّمَا أَسَرَّ بِالقِرَاءَةِ، وَرُبَّمَا جَهَرَ»(٤)، ويدلُّ على أنَّ الإسرار في القراءة بالليل أَفْضَلُ إذا كان سببًا في ترتُّب مفسدةٍ عليه ما رواهُ أبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ رضي الله عنه قال: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ: «أَلاَ إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلاَ يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلاَ يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ في القِرَاءَةِ» أو قال: «في الصَّلاَةِ»(٥).

وحكمُ المرأةِ في القراءة بالإسرار والجهر يستوي مع الرجل، سواءٌ فرضًا أو نفلاً لقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»(٦)، أي في الأحكام، ويُستثنى فيها حالةُ ما إذا كان صوتُها بالجهر يسمعه الرجالُ الأجانبُ فإنها تخفضه ولا ترفعه، وتُسِرُّ به ولا تجهر للقراءة في الفرض والنفل احترازًا مِن الافتتان.

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٦ شوَّال ١٤٢٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٥ أكتوبر ٢٠٠٨م


(١) انظر: «الشرح الكبير» للدردير و«حاشية الدسوقي» عليه (١/ ٣١٣)، «شرح مِنَح الجليل» لعلِّيش (١/ ٢٠٥)، «المجموع» للنووي (٣/ ٣٩١)، «مغني المحتاج» للشربيني (١/ ١٦٢)، «الإنصاف» للمرداوي (٢/ ٥٧)، «الفروع» لابن مفلح (١/ ٥٦٦).

(٢) قال النوويُّ في «الخلاصة» (١/ ٣٩٤): «باطلٌ لا أصلَ له»، وقال الزيلعيُّ في «نصب الراية» (٢/ ٦): «قلت: غريبٌ، ورواهُ عبد الرزَّاق في «مصنَّفه» مِن قول مجاهدٍ وأبي عبيدة...».

(٣) أخرجه أبو داود في «الصلاة» بابٌ في رفعِ الصوت بالقراءة في صلاة الليل (١٣٢٨) مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الألبانيُّ في «المشكاة» (١/ ٣٧٧): «بإسنادٍ ضعيفٍ، لكنَّ معناهُ صحيحٌ، فإنَّ له شاهدًا مِن حديث عائشة أخرجه مسلمٌ».

(٤) أخرجه أبو داود في «الصلاة» بابٌ في وقت الوتر (١٤٣٧)، والترمذيُّ في «الصلاة» بابُ ما جاء في القراءة بالليل (٤٤٩)، والنسائيُّ في «قيام الليل وتطوُّع النهار» باب: كيف القراءة بالليل؟ (١٦٦٢)، مِن حديث عائشة رضي الله عنها.

(٥) أخرجه أبو داود في «الصلاة» بابُ رفعِ الصوت بالقراءة في صلاة الليل (١٣٣٢)، مِن حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه. والحديث صحَّحه ابنُ عبد البرِّ في «التمهيد» (٢٣/ ٣١٨)، والألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٤/ ١٢٩).

(٦) أخرجه أبو داود في «الطهارة» بابٌ في الرجل يجد البِلَّةَ في مَنامِه (٢٣٦)، والترمذيُّ في «الطهارة» بابٌ فيمَنْ يستيقظ فيرى بللًا ولا يذكر احتلامًا (١١٣). والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٢٣٣٣) وفي «السلسلة الصحيحة» (٢٨٦٣).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)