فصل
[في ورود الأمر بعد الحَظْر]

• قال المصنِّف -رحمه الله- في [ص ١٦٩]:

«إِذَا وَرَدَتْ لَفْظَةُ «ﭐفْعَلْ» بَعْدَ الحَظْرِ اقْتَضَتِ الوُجُوبَ أَيْضًا عَلَى أَصْلِهَا، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابنَا: إِنَّهَا تَقْتَضِي الإِبَاحَةَ، وَبهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ».

[م] مسألة ورود الأمر بعد الحظر خلافية، وهي على الوجوب عند عامَّة الحنفية والمعتزلة، وهذا القول مروي عن الباقلاني(١) ورجَّحه المصنِّف والفخر الرازي، وتوقّف فيه الجويني(٢)، أمَّا ما عليه أكثر الفقهاء والمتكلِّمين أنها تقتضي الإباحة، وهو ظاهر قول الشافعي وأحمد(٣)، واختاره الآمدي(٤) ورجَّحه ابن الحاجب.

هذا، ولعلَّ أقرب الأقوال إلى الصواب مذهب القائلين بأنَّ الأمر بعد الحَظْرِ يفيد رجوع الفعل إلى ما كان عليه قبل الحظر، فإن كان قبله جائزًا رجع إلى الجواز، وإن كان واجبًا رجع إلى الوجوب، وهذا المذهب هو المعروف عند السلف والأئمَّة، ويدلُّ عليه الاستقراء، فمن ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا[المائدة: ٢]، فرجع إلى ما كان عليه قبل التحريم وهو الإباحة، وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ[التوبة: ٥]، فرجع إلى ما كان عليه قبل المنع وهو الوجوب، قال ابن كثير(٥) -رحمه الله-: «والصحيح الذي تثبت على السير أنه يَرُدُّ الحكمَ إلى ما كان عليه قبل النهي، فإن كان واجبًا ردَّه واجبًا، وإن كان مستحبًّا فمستحب أو مباحًا فمباح، ومن قال بالوجوب ينتقض عليه بآيات كثيرة، ومن قال إنه للإباحة ترد عليه آيات أخرى، والذي ينتظم الأدلة كلّها هذا الذي ذكرناه»(٦)، وهذا القول هو اختيار محمَّد الأمين الشنقيطي(٧) -رحمه الله-.

 



(١) انظر ترجمته على هامش كتاب «الإشارة» (١٦٧).

(٢) أبو المعالي، ضياء الدين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله الجويني الشافعي، الملقب بإمام الحرمين، كان فقيهًا أصوليًّا متكلِّمًا على مذهب الأشاعرة، له تصانيف كثيرة في الفقه والأصلين، منها: «الشامل»، و«الإرشاد» في أصول الدين، و«البرهان» و«الورقات» في أصول الفقه، و«نهاية المطلب» في الفقه، و«غياث الأمم» في الأحكام السلطانية، توفي سنة (٤٧٨ﻫ).

انظر ترجمته في: «تبيين كذب المفتري» لابن عساكر (٢٧٨)، «الكامل» لابن الأثير (١٠/ ١٤٥)، «اللباب» لابن الأثير (١/ ٣١٥)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (٣/ ١٦٧)، «سير أعلام النبلاء» (١٨/ ٤٦٨)، «دول الإسلام» كلاهما للذهبي (٢/ ٨)، «البداية والنهاية» لابن كثير (١٢/ ١٢٣)، «طبقات الشافعية» للسبكي (٥/ ١٦٥)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٣/ ٣٥٨).

(٣) هو أبو عبد الله أحمد بن محمَّد بن حنبل الشيباني الوالي المروزي، ثمَّ البغدادي، المحدِّث الفقيه، أحد الأئمة الأعلام، وصاحب المذهب الرابع في الفقه السُّنِّي، ومذهبه مُفضَّلٌ عند أصحاب الحديث، له فضائلُ ومناقبُ وخصالٌ كثيرةٌ، من كتبه: «المسند»، و«التاريخ»، و«الناسخ والمنسوخ»، و«علل الحديث»، توفي سنة (٢٤١ﻫ).

انظر ترجمته في: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (١/ ٢٩٢ ـ ٣١٣)، «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (٤/ ٤١٢ ـ ٤٢٣)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (١/ ٦٣ ـ ٦٥)، «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (٧/ ٨٠)، «البداية والنهاية» لابن كثير (١٠/ ٣٢٥ ـ ٣٤٣)، «مرآة الجنان» لليافعي (٢/ ١٣٢ ـ ١٣٤)، «سير أعلام النبلاء» للذهبي (١١/ ١٧٧ ـ ٣٥٨)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٢/ ٩٦ ـ ٩٨).

(٤) هو أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمَّد بن سالم التغلبي، سيف الدين الآمدي، الفقيه الأصولي، قال سبط ابن الجوزي: «لم يكن في زمانه من يجاريه في الأصلين وعلم الكلام»، وقال الذهبي: «وبكل قد كان السيف غاية ومعرفته بالمعقول نهاية»، من كتبه: «الإحكام في أصول الأحكام»، و«منتهى السول في الأصول» وغيرهما. توفي سنة (٦٣١ﻫ).

انظر ترجمته في: «سير أعلام النبلاء» (٢٢/ ٣٦٤)، «دول الإسلام» كلاهما للذهبي (٢/ ١٠٣)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (٣/ ٢٩٣)، «البداية والنهاية» لابن كثير (١٣/ ١٤٠)، «طبقات الشافعية» للسبكي (٨/ ٣٠٦)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٥/ ١٤٢).

(٥) هو أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، الإمام الحافظ، أخذ عن ابن عساكر والمِزِّي وابن تيمية، وبرع في علم التفسير والفقه والحديث والنحو والتاريخ، وصنّف في هذه العلوم تصنيفًا مفيدًا انتفع به الناس، ومن مصنفاته: «تفسير القرآن العظيم» و«البداية والنهاية»، و«مختصر معرفة علوم الحديث»، و«تحفة الطالب في تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب»، و«طبقات الشافعية»، توفي سنة (٧٧٤ﻫ).

انظر ترجمته في: «الدرر الكامنة» لابن حجر (١/ ٣٧٣)، «البدر الطالع» للشوكاني (١/ ١٥٣)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٦/ ٢٣١)، «الأعلام» للزركلي (١/ ٣١٧)، «معجم المؤلفين (١/ ٣٧٣)، «الرسالة المستطرفة» للكتاني (١٧٥).

(٦) «تفسير ابن كثير» (٢/ ٦، ٧).

(٧) «أضواء البيان» للشنقيطي (٣/ ٢ ـ ٤)، «المذكرة الأصولية» للشنقيطي (١٩٢).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)