فصل
[في حكم العمل بالعموم]

• قال الإمام الباجي -رحمه الله- في [ص ١٨٦]:

«فَإِذَا وَرَدَ شَيْءٌ مِنْ أَلْفَاظِ العُمُومِ المَذْكُورَةِ وَجَبَ حَمْلُهَا عَلَى عُمُومِهَا إِلاَّ أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَخْصِيصِ شَيْءٍ مِنْهَا، فَيُصَارُ إِلَى مَا يَقْتَضيهِ الدَّلِيلُ».

[م] العموم ـ في اللغة ـ له صيغة خاصَّة به، موضوعة له، تدلُّ على العموم حقيقة، ولا تحمل على غيره إلَّا بقرينة، وهي الصيغ السابقة، وهذا مذهب الجمهور الذي رجَّحه المصنِّف وهو الصحيح، ويكفي للدلالة على صحَّته: إجماع الصحابة رضي الله عنهم أنَّ تلك الصيغ للعموم، فقد كانوا يجرُونها حال ورودها في الكتاب والسنَّة على العموم ويأخذون بها، ولا يطلبون دليل العموم، بل كانوا في اجتهاداتهم يطلبون دليل الخصوص، وفهمهم للعموم إنما كان من صِيَغِهِ وألفاظه، جرى ذلك عندهم من غير نكير، ومن الوقائع التي عمل الصحابة فيها بالعموم قوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ[النور: ٢]، وقوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا[المائدة: ٣٨]، وقوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ[النساء: ٣٤]، فهذه الآيات وغيرها تفيد العموم بسبب وجود الألف واللام غير العهدية، فالاسم المحلى بالألف واللام يفيد الاستغراق والعموم سواء مفردًا أو جمعًا، وقد استدلّ أبو بكر رضي الله عنه على الأنصار بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ»(١)، وسَلَّم له بقية الصحابة رضي الله عنهم احتجاجه بهذا العموم، واحتجاجه ـ أيضًا ـ بلفظ «الناس» من قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ»(٢)، ولم ينكر عليه أحدٌ منهم إفادته للعموم، ونظائره كثيرة.

وأثر هذه المسألة يظهر في أنَّ هذه الألفاظَ تفيد العموم من غير حاجة إلى قرائن على مذهب الجمهور، وتفتقر إلى قرينة عند غيرهم(٣)، فإن قال رجل لزوجته: «إذا قدم الحاج فأنت طالق»، فهي لا تطلق إلَّا بعد قدوم جميع الحجاج، فلو رجع بعضهم، أو مات أحدهم فلا تُطلَّق على مذهب الجمهور خلافًا لغيرهم.

هذا، وحرِيٌّ بالتنبيه أنَّ اللفظ العامَّ يجب اعتقاد عمومه قبل ظهور المخصِّص، فإذا ظهر فإنَّه يتغيَّر الاعتقاد السابق؛ لأنَّ الأصل عدم المخصِّص، ويكفي ظنّ عدم المخصِّص في إثبات اللفظ العامِّ.

 



(١) أخرجه أحمد في «مسنده» (٣/ ١٢٩)، وغيره من حديث أنس رضي الله عنه، وله طرق أخرى من حديث علي بن أبي طالب وأبي برزة الأسلمي رضي الله عنهما، والحديث صحَّحه الألباني في «الإرواء» (٢/ ٢٩٨)، وفي«صحيح الجامع الصغير» (٢/ ٤٠٦).

(٢) متفق عليه: أخرجه البخاري (٣/ ٢٦٢)، ومسلم (١/ ٢٦٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(٣) انظر اختلاف العلماء و أدلَّتهم في صيغة العموم و محاملها في المصادر المثبتة على هامش كتاب «الإشارة» (ص ١٨٧).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)