الفتوى رقم: ٣٩٢

الصنف: فتاوى الصيام ـ صوم التطوُّع

في وجه الجمع بين حديث النهي عن صوم الجمعة
وصومِ المرأة تطوُّعًا في غير رمضان إلَّا بإذن زوجها

السؤال:

عرَضَتْ لي شبهةٌ فأرَدْتُ مِنْ فضيلةِ شيخِنا أَنْ يَشفِيَ غليلي منها بالجواب الشافي وهي: هل نستطيع الجمعَ بين الحديثين:

ـ حديثِ أمِّ المِؤمنين جُوَيْرِيَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ: «أَصُمْتِ أَمْسِ؟» قَالَتْ: «لَا»، قَالَ: «تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟» قَالَتْ: «لَا»؛ قَالَ: «فَأَفْطِرِي»(١).

ـ وحديثِ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «لَا تَصُومُ المَرْأَةُ يَوْمًا تَطَوُّعًا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ»(٢).

هل نستطيع القولَ ـ واللهُ أعلمُ بالصواب ـ: بأنَّ صيامها يومَ الجمعة كان صيامَ فرضٍ لا صيامَ نفلٍ؛ لعدم طلبِها الإذنَ بالصيام مِنْ زوجها صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، لأنَّه لم يكن يعلم عن صيامها شيئًا؛ بارك الله فيك وجزاك اللهُ عنَّا وعن الإسلام والمسلمين كُلَّ خيرٍ، وأطال اللهُ في عُمُرك لخدمةِ راية التوحيد.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فاعْلَمْ أنَّ هذا الجمعَ والتأويل لا يستقيم؛ لأنَّ صيامَ جُوَيْرِيَةَ رضي الله عنها كان تطوُّعًا بلا خلافٍ أَعلمُه، إذ لو كان فرضًا لَمَا سألها عن صيامِ يومٍ قبلَه أو يومٍ بعدَه، وهذا الاقتران إنما يكون في النفل دون الفرض لقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ»(٣)، والخطابُ عامٌّ للذكور والإناث، ولأنَّ الفرض يجوز صيامُه مُنفرِدًا أو صومُه بيومٍ قبلَه أو يومٍ بعدَه، والشأنُ في ذلك كقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ»(٤) أي: يُوافِقُ يومًا معتادًا؛ وعلى هذا المعنى يلحق القضاءُ والنذرُ والكفَّارةُ إلحاقًا قياسيًّا أولويًّا لوجوبها؛ لأنَّ الأدلَّةَ قطعيَّةٌ على وجوب القضاء والكفَّارة والوفاء بالنذر؛ إذ تقرَّر أصوليًّا أنَّ القطعيَّ لا يَبطُل بالظنِّيَّ ولا يُعارِضُه.

هذا، وأمَّا حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه فمُشتبِهٌ، إذ يحتمل قولُه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم لجُوَيْرِيَةَ رضي الله عنها أَنْ يكون ذلك قبل حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه، وإِنْ سُلِّمَ أنَّه كان بعده فإنَّه يحتمل ـ أيضًا ـ أنَّه إنَّما يجب الإذنُ إذا كان زوجُها حاضرًا أو كان يومُه عندها لقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ» أي: حاضرٌ لاحتمالِ حاجته إليها؛ ومفهومُه: أنَّها لا تحتاج إلى الإذن إِنْ كان غائبًا أو لم يكن يومُه عندها، لأنَّ التقرُّبَ بالنوافل والتطوُّعات لا يحتاج ـ في الأصل ـ إلى إذن الزوج إلَّا إذا تَعارَضَ حقُّه معها؛ وعليه فإذا ورَدَتْ مِثلُ هذه الاحتمالاتِ فلا يُترَك المُحكَمُ للمُتشابِه.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٢ مِنَ المحرَّم ١٤٢٧ﻫ
الموافق ﻟ: ١٧ فبراير ٢٠٠٦م

 



(١) أخرجه البخاريُّ في «الصوم» (٤/ ٢٣٢) بابُ صومِ يوم الجمعة (١٩٨٦) مِنْ حديثِ جُوَيْرِيَةَ بنتِ الحارث المُصطلِقيَّة رضي الله عنهما.

(٢) أخرجه أبو داود في «الصوم» بابُ المرأة تصوم بغيرِ إذنِ زوجها (٢٤٥٨)، والترمذيُّ في «الصوم» بابُ ما جاء في كراهِيَةِ صوم المرأة إلَّا بإذنِ زوجها (٧٨٢)، وابنُ ماجه في «الصيام» بابٌ في المرأة تصوم بغيرِ إذنِ زوجِها (١٧٦١)، والدارميُّ ـ واللفظُ له ـ (١٧٦١)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٣٩٥).

(٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الصوم» (٤/ ٢٣٢) بابُ صومِ يوم الجمعة (١٩٨٥) واللفظُ له، ومسلمٌ في «الصيام» (٨/ ١٨) بابُ كراهةِ إفرادِ يومِ الجمعة بصومٍ لا يُوافِقُ عادَتَه (١١٤٤)، وأبو داود في «الصوم» (٢/ ٨٠٥) باب النهي أَنْ يُخَصَّ يومُ الجمعة بصومٍ، والترمذيُّ في «الصوم» (٣/ ١١٩) بابُ ما جاء في كراهِيَةِ صومِ يوم الجمعة وَحْدَه، وابنُ ماجه في «الصيام» (١/ ٥٤٩) بابٌ في صيامِ يوم الجمعة بلفظِ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم..»، وابنُ خزيمة في «صحيحه» (٣/ ٣١٥)، وأحمد في «مسنده» (٢/ ٤٩٥)، والبيهقيُّ في «سُنَنه الكبرى» (٤/ ٣٠٢)، ونَسَبه المنذريُّ في «الترغيب والترهيب» (٢/ ٨١) للنسائي، وهو في «سُنَنه الكبرى» (٣/ ٢٠٨)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(٤) جزءٌ مِنْ حديثٍ مُتَّفَقٍ عليه، وتمامه: «لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ»: أخرجه البخاريُّ في «الصوم» (٤/ ١٢٧ ـ ١٢٨) باب: لا يُتقدَّم رمضانُ بصومِ يومٍ ولا يومين (١٩١٤)، ومسلمٌ في «الصيام» (٧/ ١٩٤) باب النهي عن تقديمِ رمضانَ بصومِ يومٍ أو يومين (١٠٨٢)، وأبو داود في «الصوم» (٢/ ٧٥٠) بابٌ فيمَنْ يَصِل شعبانَ برمضان، والترمذيُّ في «الصوم» (٣/ ٦٨) بابُ ما جاء: لا تَقدَّموا الشهرَ بصومٍ، وابنُ ماجه في «الصيام» (١/ ٥٢٨) بابُ ما جاء في النهي أَنْ يُتقدَّم رمضانُ بصومٍ، إلَّا مَنْ صام صومًا فوافقه، والنسائيُّ في «الصيام» (٤/ ١٤٩) باب التقدُّم قبل شهر رمضان، والبغويُّ في «شرح السنَّة» (٦/ ٢٣٦)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)