رقم الفتوى: ١٠٣٠

الصنف: فتاوى الحج - أحكام الحج

في الحلق أو التقصير في يوم النحر

السؤال:

من أعمال الحج في اليوم العاشر من ذي الحجة: الحلقُ أو التقصيرُ، فنودُّ معرفةَ وقتِه وشيئًا من أحكامه؟ مع بيان الأفضل منهما؟ وجزاكم الله خيرا.

 

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:

·   فبعد نحر الهدي أو ذبحِه يحلق الحاجُّ رأسَه كُلَّه أو يقصِّره كُلَّه؛ لأنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَلَقَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ»(١)؛ والحلقُ أفضلُ مِنَ التقصير لدعائه صلى الله عليه وسلم بالرحمة والمغفرة للمُحلِّقين ثلاثَ مرَّاتٍ وللمقصِّرين مرَّةً واحدةً، ففي حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ»، قَالُوا: «وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ»، قَالَ: «اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ»، قَالُوا: «وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ»، قَالَ: «وَالمُقَصِّرِينَ»، وفي روايةٍ: وَقَالَ في الرَّابِعَةِ: «وَالمُقَصِّرِينَ»(٢)، وفي حديثٍ آخَرَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ»، قَالُوا: «وَلِلْمُقَصِّرِينَ»، قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ»، قَالُوا: «وَلِلْمُقَصِّرِينَ»، قَالَهَا ثَلَاثًا، قَالَ: «وَلِلْمُقَصِّرِينَ»(٣)؛ قال ابنُ حجرٍ رحمه الله: «وفيه أنَّ الحلق أفضلُ مِنَ التقصير، ووجهُه: أنه أبلغُ في العبادة، وأبينُ للخضوع والذِّلَّة، وأَدلُّ على صدق النيَّة، والذي يقصِّر يُبقي على نفسه شيئًا ممَّا يتزيَّن به، بخلاف الحالق فإنه يُشعِر بأنه تَرَك ذلك لله تعالى، وفيه إشارةٌ إلى التجرُّد»(٤).

·   ويُستحَبُّ للحالق البدءُ بالشقِّ الأيمن للمحلوق لحديث أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: «لَمَّا رَمَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الجَمْرَةَ وَنَحَرَ نُسُكَهُ وَحَلَقَ نَاوَلَ الحَالِقَ شِقَّهُ الأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ، ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الأَيْسَرَ فَقَالَ: «احْلِقْ» فَحَلَقَهُ، فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ فَقَالَ: «اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ»»(٥).

·   والمشروع في حقِّ المرأة التقصيرُ، وليس عليها حلقٌ إجماعًا لخصوصه بالرِّجال في قوله صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ الحَلْقُ، إِنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ»(٦)، قال ابنُ عبد البرِّ رحمه الله: «وأجمعوا أنَّ سُنَّةَ المرأةِ التقصيرُ لا الحِلَاق»(٧).

وتقصِّر المرأة مِنْ كُلِّ قرنٍ مِنْ شعرها كُلِّه قَدْرَ أنملةٍ فأقلَّ، فهو أقلُّ شيءٍ يقع عليه اسْمُ التقصير. قال النووي رحمه الله: «قال ابنُ المنذر: أجمعوا أَنْ لا حَلْقَ على النساء(٨)، إنما عليهنَّ التقصير، قالوا: ويُكره لهنَّ الحلقُ لأنه بدعةٌ في حقِّهنَّ، وفيه مُثْلةٌ، واختلفوا في قدرِ ما تقصِّره، فقال ابنُ عمر والشافعي وأحمدُ وإسحاقُ وأبو ثورٍ: تقصِّر مِنْ كُلِّ قرنٍ مِثْلَ الأنملة... وقال مالكٌ: تأخذ مِنْ جميعِ قرونها أقلَّ جزءٍ، ولا يجوز مِنْ بعض القرون» [بتصرُّف](٩).

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٠٥ رمضان ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٥ أوت ٢٠٠٩م



(١) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «المغازي» بابُ حجَّة الوداع (٤٤١١)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٠١)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.

(٢) انظر الحديثَ المُتَّفَقَ عليه الذي أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» باب الحلق والتقصير عند الإحلال (١٧٢٧)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٠١)، مِنْ حديثِ عبد الله بنِ عمر رضي الله عنهما.

(٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» باب الحلق والتقصير عند الإحلال (١٧٢٨)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٠٢)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(٤) «فتح الباري» لابن حجر (٣/ ٥٦٤).

(٥) أخرجه مسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٠٥) مِنْ حديثِ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه.

(٦) أخرجه أبو داود في «المناسك» باب الحلق والتقصير (١٩٨٤، ١٩٨٥) مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. والحديث ذَكَر له ابنُ الملقِّن في «البدر المنير» (٦/ ٢٦٧) مُتابَعاتٍ يتقوَّى بها، وحَسَّن إسنادَه الحافظ ابنُ حجرٍ في «التلخيص الحبير» (٢/ ٥٢٩)، وصحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٢/ ١٥٧).

(٧) «الاستذكار» لابن عبد البرِّ (٤/ ٣١٧).

(٨) «الإجماع» لابن المنذر (٥٣).

(٩) «المجموع» للنووي (٨/ ٢١٠).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)