الفتوى رقم: ٥٣٦

الصنف: فتاوى متنوِّعة - ألفاظٌ في الميزان

في حكم تلقيب السيِّدة فاطمة رضي الله عنها بالزهراء والبتول

السؤال: انتشر بين العوامِّ أنَّ فاطمة بنتَ رسولِ الله لُقِّبَتْ ﺑ: «الزهراء» لأنَّها لم تَحِضْ، وهي لها خصوصيةٌ مِن الرحمن، فهل هذا صحيحٌ؟ وما وجهُ تلقيبها ﺑ: «البتول» وإن كانَتْ تُفارِقُ مريم العذراءَ عليها السلام في كونها تزوَّجت عليًّا رضي الله عنه؟

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:

ففاطمةُ رضي الله عنها بنتُ النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وزوجةُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه، سيِّدةُ نساءِ هذه الأُمَّة، ومَناقِبُها مشهورةٌ عند أهل السُّنَّة، وتسميتُها ﺑ: «الزهراء» وَرَدَ في بعض كُتُبِ أهل السُّنَّةِ ﻛ«تفسير الطبري»(١) و«الألوسي»(٢)، و«أضواء البيان» للشنقيطي(٣)، وفي «الاستيعاب» لابن عبد البرِّ(٤)، و«شرح السُّنَّة» للبغوي(٥)، حيث بوَّب في كتاب «فضائل الصحابة» باب «مَناقِب فاطمة الزهراء رضي الله عنها»، لكن لم يُنْقَلْ هذا اللقبُ تاريخيًّا لدى أهل السُّنَّة فيما أعلم، ومعنى الزهراء أنها تتمتَّع بِوَجْهٍ مُشْرِقٍ مُسْتَنِيرٍ زَاهِرٍ، ومنه جاء الحديث: «اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ: البَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَان؛ فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَايَتَانِ»(٦)، وإنَّما المنقول عن الشيعة أنَّ مِن أسمائها «الزهراءَ» بمعنى نورانيَّتُها ظاهرًا وباطنًا كما فسَّرها المَجْلِسِيُّ، وعنهم ـ أيضًا ـ جاء في «بحار الأنوار» عن الإمام الصادق أنَّ سبب تسميتها: «أنها هي الحوراءُ الإنسيةُ متى قامَتْ مِن محرابها بين يدَيْ ربِّها جلَّ جلالُه زَهَرَ نورُها لملائكة السماوات كما يزهو نورُ كواكب الأرض». ولا يخفى شدَّةُ الغُلُوِّ في التفسيرات الشيعية.

أمَّا تلقيبها ﺑ: «فاطمة البتول» فليس لأنَّها لم تَحِضْ كما وَرَدَ في السؤال، وإنَّما لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً وشرفًا ودينًا وحسبًا؛ لأنَّ لفظة «تبتَّل» معناها الانقطاع، ومنه قوله تعالى: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً[المزَّمِّل: ٨]، أي: انْقَطِعْ إلى الله وتَفَرَّغْ لعبادته إذا فَرَغْتَ مِن أشغالك، ومنه قِيلَ لمريم: «البَتول» لانقطاعها عن الرجال؛ فالحاصل أنَّ هذا هو معنى اللفظة مِن حيث أصلُها اللغوي، أمَّا مِن جهةِ صحَّةِ النسبةِ فليس فيها مُسْتَنَدٌ تاريخيٌّ عند أهل السُّنَّة في حدود علمي يمكن الاعتمادُ عليه.

والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١ شـعبان ١٤٢٧ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٥ أوت ٢٠٠٦م


(١) (٦/ ٣٣٩، ٤/ ٥٤٥).

(٢) (١٣/ ٣٨٧، ٣٩٤).

(٣) (٨/ ٢٧٠).

(٤) (٢/ ١٣٥).

(٥) (١٤/ ١٥٨).

(٦) أخرجه مسلم في «صلاة المسافرين» (٨٠٤)، واللفظ لأحمد (٢٢٢١٣)، مِن حديث أبي أمامة الباهليِّ رضي الله عنه.

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)