جاء في الفتوى رقم: (٨٩٠) المعنونة ﺑ: «في حكم نسيان الإمام تكبيرة الانتقال وترك سجود السهو»: «فإذا لم يسجد الإمامُ ولا المأموم وانتقض وضوءُ كُلِّ واحدٍ منهما بعد السَّلام مِن الصَّلاة الناقصة بَطَلَت ...  للمزيد

الفتوى رقم: ١٢٥١

الصنف: الصلاة ـ أحكام الصلاة

في توضيح إشكال في سجود السهو

السؤال:

جاء في الفتوى رقم: (٨٩٠) المعنونة ﺑ: «في حكم نسيان الإمام تكبيرة الانتقال وترك سجود السهو»: «فإذا لم يسجد الإمامُ ولا المأموم وانتقض وضوءُ كُلِّ واحدٍ منهما بعد السَّلام مِن الصَّلاة الناقصة بَطَلَت الصلاة، والواجب على كلِّ واحدٍ منهما استئناف الصلاة من جديد».

فهل يعني هذا أنَّ مَن ترك تكبيرةَ الانتقال سهوًا وهي واجبة، ولم يسجد للسَّهو بَطَلَت صلاته؟ ومَن ترك واجبًا سهوًا أو ناسيًا ولم يسجد للسَّهو فهل تبطل صلاته كذلك؟

شاكرًا لكم بيانَكم وتوضيحكم.

الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالمعلوم أنَّ مَن سها في صلاته جَبَرَ ذلك بسجود السَّهو، وسجودُ السَّهو في الصَّلاة واجبٌ عند وجودِ سببه على أصحِّ قَوْلَيِ العلماء، وبه قالت الحنفية، وقول عند المالكية، وهو المعتمَدُ عند الحنابلة والظَّاهرية، للأمر الوارد في أحاديث السَّهو منها: قولُه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ الأَذَانَ، فَإِذَا قُضِيَ الأَذَانُ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ، فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ(١) بَيْنَ المَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا، مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ(٢) يَدْرِي: كَمْ صَلَّى، فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ: كَمْ ـ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا ـ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ»(٣)، وقولُه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ ـ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا ـ، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ»(٤)، ولأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم داوم عليها عند حدوث سببِها ولم يتركها؛ كما أنَّ تكبيراتِ الانتقال واجبةٌ على الصحيح؛ لأمر المُسِيءِ صَلَاتَهُ بها، ولِمُواظبته صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم عليها، وقد قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»(٥).

فإذا تقرَّر ذلك فإنَّ مَن ترك تكبيرةَ الانتقال سهوًا ولم يسجد للسَّهو وانتقض وضوؤه بعد السَّلام مِن هذه الصَّلاة النَّاقصة، ـ سواء طال الفصلُ أو لم يَطُلْ ـ بَطَلت صلاتُه واستأنف مِن جديدٍ، قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ: «فإن طال الفصلُ أو انتقض وضوؤه استأنف الصلاةَ، وكذلك قال الشافعيُّ: إن ذكر قريبًا مثل ما فعل النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم يوم ذي اليدين؛ قال مالك وقال يحيى الأنصاري واللَّيث والأوزاعي: يبني ما لم يُنقَض وضوؤه»(٦).

والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٢هـ
الـمـوافــق لـ: ٠٢ جانـــفي ٢٠٢١م



(١) قال النوويُّ في «شرح مسلم» (٤/ ٩٢): «قولُه: حتَّى يخطر بين المرء ونفسه: هو بضمِّ الطاء وكسرِها: حكاهما القاضي عياضٌ في «المشارق»؛ قال: ضبَطْناه عن المُتقِنين بالكسر وسَمِعناه مِنْ أكثر الرُّوَاة بالضمِّ؛ قال: والكسرُ هو الوجه، ومعناه: يُوَسْوِسُ، وهو مِنْ قولهم: خَطَر الفحلُ بذَنَبه إذا حرَّكه فضَرَب به فخِذَيْه، وأمَّا بالضمِّ فمِنَ السلوك والمرور، أي: يدنو منه فيمرُّ بينه وبين قلبه فيشغله عمَّا هو فيه، وبهذا فسَّره الشارحون للموطَّإ وبالأوَّل فسَّره الخليلُ».

(٢) «إِنْ» بمعنى «ما» النافية، انظر المصدرَ السابق، الجزء والصفحة نفسهما.

(٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاري في «فضل الصلاة في مكة والمدينة» باب إذا لم يدر كم صلى ـ ثلَاثًا أو أربعًا ـ، سجد سجدتين وهو جالس (١٢٣١)، ومسلم في «الصلاة» (٣٨٩)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(٤) أخرجه مسلم في «الصلاة» (٥٧١)، وأحمد (١١٦٨٩)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(٥) أخرجه البخاري في «الأذان» باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة (٦٣١)، وأحمد (٢٠٥٣٠)، من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.

(٦) «المغني» لابن قدامة (٢/ ١٥).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)