قال الشيخ ـ حَفِظه الله ـ في الفتوى رقم: (٧٨) الموسومة ﺑ: «في حكم صيامِ مَنْ علِمَتْ أنها تطهر مِنْ حيضها بعد الفجر»: «ويُستثنى مِنْ ذلك (أي: مِنْ حديثِ تبييت النِّيَّة) كُلُّ مَنْ لم يدخل...  للمزيد

الفتوى رقم: ١٢٨٨

الصنف: فتاوى الصيام

في دفعِ التَّعارضِ بين صورتين مِنْ حكمِ صومِ أهلِ الأعذار

السؤال:

قال الشيخ ـ حَفِظه الله ـ في الفتوى رقم: (٧٨) الموسومة ﺑ: «في حكم صيامِ مَنْ علِمَتْ أنها تطهر مِنْ حيضها بعد الفجر»: «ويُستثنى مِنْ ذلك (أي: مِنْ حديثِ تبييت النِّيَّة) كُلُّ مَنْ لم يدخل تحت القدرة فظَهَر له وجوبُ الصيام عليه مِنَ النهار: كالصبيِّ يحتلم والمجنونِ يُفيق والكافرِ يُسلِم، وكمَنِ انكشف له في النهار أنَّ ذلك اليومَ مِنْ رمضانَ» ففَهِمْتُ مِنْ هذا المقطعِ أنَّ هؤلاء يصحُّ صيامُهم إِنْ أمسكوا بعد الوجوب ولو لم يَنْوُوا مِنَ الليل لعدمِ القدرة على ذلك.

وقال الشيخ في «البيِّنة الجليَّة»: «ومِنَ المقطع السابق (أي: قوله في الحديث «قَبْلَ الفَجْرِ» و«مِنَ اللَّيْلِ») يظهر عدمُ صحَّةِ صومِ مَنْ ظَهَر له وجوبُ الصيام مِنَ النهار: كالحائض والنُّفَساء إذا طَهُرَتا في أثناء النهار، والمجنونِ يُفيقُ، والصبيِّ يحتلم، والكافرِ يُسلِم، وكمَنِ انكشف له مِنَ النهار أنَّ ذلك اليومَ مِنْ رمضان؛ فإنَّه يجب عليهم القضاءُ». وهذا المقطع فَهِمْتُ منه أنَّ صيامهم لا يصحُّ لانعدام النِّيَّة فيجب عليهم القضاءُ.

فظهر لي تعارضٌ بين الكلامين.

وسؤالي: حول الصبيِّ إذا احتلم، والكافرِ إذا أَسلمَ، والمجنون إذا أفاق، ومَنِ انكشف له مِنَ النهار أنَّ ذلك اليومَ مِنْ رمضان، هل هؤلاء يصحُّ صومُهم إِنْ أمسكوا مِنْ وقت الوجوب ولا يُطالَبون بالقضاء ويُعفى عنهم عدمُ النِّيَّة لعدم القدرة على ذلك (كما يُفهَم مِنْ كلام الشيخ في الفتوى)؟

أم أنهم يُطالَبون بالإمساك لحُرمةِ اليوم، ولا يصحُّ صومهم ويجب عليهم القضاءُ (كما يُفهَم مِنْ كلامكم في البيِّنة الجليَّة)؟ بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فإنَّ ما جاء في «البَيِّنة الجليَّة» مِنْ عدمِ صحَّةِ صومِ مَنْ ظهَرَ له وُجوبُ صومِ رمضانَ كالحائضِ وغيرِها، فإنَّ الصورةَ المُتَّفَقَ عليها تَظهرُ في أنَّ الحائضَ إِنْ تيقَّنَتْ مِنْ طُهرِهَا أنَّه كان بعدَ طلوعِ الفَجرِ الصَّادقِ ولو بزمنٍ يسيرٍ فإنَّ الواجبَ عليها أَنْ تَقضيَ ذلك اليومَ إجماعًا(١)، ويَلْزَمُها ـ على الرَّاجحِ ـ إمساكُ بقيَّةِ يومِها مِنْ غيرِ أَنْ يُحسَبَ لها، وتُثابُ عليه مِنَّةً مِنَ اللهِ إذ كانَ إمساكُها احترامًا لحُرمةِ رمضانَ.

ومِثلُها: الصَّبيُّ يحتَلِمُ والمَجنونُ يُفيقُ والكافرُ يُسلِمُ، ومَنِ انكشفَ له في النَّهارِ أنَّ ذلك اليومَ مِنْ رمضان فهؤلاء ـ إِنْ أكلُوا في النَّهارِ ـ فعَليهم الإمساكُ عن الطَّعامِ بقيَّةَ يومِهم لحرمةِ رمضانَ مِنْ غيرِ أَنْ يُحسَبَ لهم، ويُثابُون على إمساكهم فضلًا مِنَ الله، مع قضائهم له بالنَّظرِ إلى أكلِهم ليومِه.

أمَّا الصُّورةُ الثَّانِيةُ المُختلَفُ فيهَا وهي فيما إذَا تَيقَّنَتِ الحائضُ مِنْ طُهرِها أنَّه كانَ قبلَ طُلوعِ الفَجرِ الصَّادقِ ـ ولو بزمنٍ يسيرٍ ـ ولمْ تَتفطَّن لذلكَ إلَّا بعدَ الفجرِ، فإنَّها تَنوِي الصَّومَ ولو بعد الفجر وتُمسِكُ لزومًا وتغتسلُ لأجل الصلاة، وصيَامُها صحيحٌ على الرَّاجحِ مِنْ أقوالِ العُلماءِ؛ لأنَّ تَبيِيتَ النِّيَّة مِنَ اللَّيلِ غيرُ مقدورٍ عليه في حقِّها بالنَّظرِ إلى عدمِ تفطُّنِها قبل الفجرِ إلى كونها طَهُرَتْ قبله، وهذه الصورة شاملةٌ ـ أيضًا ـ للصَّبيِّ يحتلمُ والمجنونِ يُفيقُ والكافرِ يُسلمُ، ومَنِ انكشفَ لهُ في النَّهارِ أنَّ ذلكَ اليوم مِنْ رمضانَ، إذا كانوا لم يأكلوا في ذلك اليومِ، وإنما صحَّ ذلك ضرورةً لأهل الأعذار ممَّنْ لم يَطْعَمْ بعد الفجر، فهذه الصُّورة بأمثلتِها مخصَّصَةٌ مِنْ حديثِ حفصَةَ رضي الله عنها عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قالَ: «مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ»(٢)، فالحديثُ محمولٌ على مَنْ دَخَلَ ذلك تحت قُدرتِه، والحالاتُ المُستثناةُ هي فيمَنْ لم يدخُلِ التَّكلِيفُ بالنِّيَّة قبل الفجر تحتَ قدرتِه بشرطِ أَنْ لا يتلبَّسَ بمُفطِّرٍ بعد الفجرِ مانعٍ مِنْ صحَّةِ الصِّيامِ: كالأكلِ والشُّرب والجِماعِ والحيضِ ونحوِها، فالصُّورتانِ مختَلفتانِ ولا تَعارُضَ بَيْنهما.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٦ شعبان ١٤٤٣ﻫ
المـوافـق ﻟ: ٢٩ مارس ٢٠٢٢م



(١) انظر: «مراتب الإجماع» لابن حزم (٤٠)، «المغني» لابن قدامة (٣/ ١٣٥).

(٢) أخرجه أبو داود في «الصوم» باب النِّيَّة في الصيام (٢٤٥٤)، والترمذيُّ في «الصوم» بابُ ما جاء: لا صيامَ لمَنْ لم يعزم مِنَ اللَّيل (٧٣٠)، والنَّسائيُّ في «الصيام» (٢٣٣١ ـ ٢٣٣٨)، وابنُ ماجه في «الصيام» بابُ ما جاء في فرض الصوم مِنَ الليل (١٧٠٠)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر عن حفصةَ رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٥٣٨).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)