ردُّ افتراءاتٍ نُسبت للشيخ
(الإعانة على الإجهاض ـ الإقرار على السطو ـ حكم اللحوم المجمَّدة)

بسم الله الرحمن الرحيم

جسر قسنطينة في: ٠٥ رمضان ١٤٢٦
الموافق ﻟ:
٠٨/ ١٠/ ٢٠٠٥م

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لاإله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله.

أمَّا بعد:

فإنَّنا نسمع بين لحظةٍ وأخرى ببعض الفتاوى التي تُنسب لأهل العلم ـ بصفة عامَّةٍ ـ ولشيخنا أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس حفظه الله تعالى ورعاه ـ خاصَّةً ـ والتي تبدو غريبةً ويشكُّ العارفون به وبعلمه في صحَّة نسبتها إليه، لذا تعيَّن علينا التحقُّقُ من ذلك، والتبيُّن والتثبُّت منها، عملًا بقول ربِّنا ـ سبحانه وتعالى ـ: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ ٦[الحجرات : ٦] فتوجَّهنا إلى الشيخ بهذه الرِّسالة، ناقلين له ما يقال عنه وما يُسند إليه على أنه من قوله، عسى أن نجد عنده الجوابَ الشافيَ، الذي به نُجَابِه الكاذبين المفترين، ونبرِّئ ساحةَ شيخنا مِن تلك الأقوال الساقطة التي يتَّخذها بعض اللاقطين الحاسدين ذريعةً للنَّيل من شيخنا ـ حفظه الله تعالى ورعاه ـ.

وها هي أهمُّ تلك الأقوالِ المنسوبة إلى الشيخ ـ نفع الله به وبعلمه ـ:

[الافتراء الأوَّل: الإعانة على الإجهاض]

الفتوى الأولى: قصد رجلٌ من حيِّنا ـ جسر قسنطينة ـ أخًا من المسجد، فطلب منه إعانةً ماليَّةً على أن يستعملها في إجهاض فتاةٍ حملت منه بالزِّنا، فتوقَّف الأخ عن ذلك، وقال: لا أفعل حتَّى نسأل أهل العلم ونعرف حكم الشَّرع في ذلك؛ فزعم ذاك الرَّجل أنَّه قد فعل، ثمَّ ذكر أنَّه تقدَّم بنفسه إلى الشيخ فركوس (هكذا قال) وحكى له قصَّتَه، ومفادها: أنَّه أخطأ حيث زنا ببنتٍ فحبلت، وهو يعلم أنَّه لو سمع أهلُها لقتلوها، فما العمل؟ فما كان مِن الشَّيخ إلَّا أن قال له: أجهِضْها، وها هي ثلاثون ألف دينارٍ استعِنْ بها على العملية!!.

[الافتراء الثاني: الإقرار على السطو]

الفتوى الثانية:  استولى رجلٌ على شقَّةٍ بحيِّ الأمير (٩١٧ مسكنًا) الواقعة بشراعبة، فأنكر عليه بعض النَّاس، وقالوا له: هذا غصبٌ لأموال غيرك، فكيف أبحتَ لنفسك هذا البيت الذي له مالكٌ يقال: إنَّه غائبٌ (كونه سجينًا)؟ فقال هذا الأخير: إنِّي قصدتُ الشيخَ فركوس وعرضتُ عليه قضيَّتي، فأقرَّني على فعلي هذا، ولم ينكر عليَّ.

[الافتراء الثالث: حكم اللحوم المجمَّدة]

الفتوى الثَّالثة: يزعم بعض التُّجَّار ـ من باعة اللُّحوم المستوردة ـ أنَّ لهم وثائق وأوراقًا رسميَّةً، تثبت أنَّ هذه اللُّحوم مذبوحةٌ وليست محرَّمةً، ويقول بعضهم: إنَّ الشيخ فركوس قد تراجع عن فتواه الأولى، والتي ذهب فيها إلى ما ذهب إليه.

وبعد هذه النُّقول، نستسمح شيخَنا ـ حفظه الله لنا وللمسلمين ـ إن أزعَجْناه بهذه الأقوال ونسأله ألَّا يبخل علينا بالإجابة عمَّا ذكَرْنا حتَّى نكون على بيِّنةٍ مِن أمرنا، وفي الختام نصلِّي ونسلِّم على المبعوث للثَّقَلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

إخوةٌ من مسجد عبد الله بن مسعود ـ جسر قسنطينة ـ.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمةً للعلمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:

[جواب الافتراء الأوَّل]

- فأمَّا ما نُسب إليَّ مِن فتوى بالأمر بالإجهاض مع منحِ مبلغٍ ماليٍّ للاستعانة به على عملية الإجهاض فكذبٌ وافتراءٌ، لأنَّ المعلوم في مثل هذه الوقائع أنْ نعظَ المخطئَ ونأمره بالتوبة وتحقيق شروطها ونحسِّسه بعِظَم الذنب ونذكِّره بالآخرة ثمَّ نذكر له الحكم الشرعيَّ فيما نعتقده في المسألة المستفتى فيها، والذي نعتقده في هذه المسألة أنَّ الأصل في الإجهاض المنعُ والحظر في جميع فترات الحمل ما لم يكن الإسقاطُ بسبب المرض أو لضرورة العلاج فإنَّه يجوز قبل نفخ الرُّوح في الجنين، أمَّا بعد نفخ الروح فيه وذلك بعد مُضِيِّ أربعة أشهرٍ أو أكثر فإنَّه لا يجوز إسقاطه بحالٍ إلَّا إذا كان طريق الإجهاض سببًا في تخليص المرأة مِن ضرر التهلكة وخطر الموت، وذلك لا يتمُّ إلاَّ بما ثبت مِن طريقٍ موثوقٍ به، إذ الأمُّ سببُ وجود جنينها فلا يكون سببًا في إعدامها أخذًا بأهون الضررين وأخفِّ المفسدتين.

أمَّا الحالة المذكورة ففي بعض المذاهب ـ بغضِّ النَّظر عن مدى صحَّته ـ أنَّ الضرر الحسِّيَّ والمعنويَّ الذي تلاقيه المرأةُ نتيجةَ العار والفضيحة التي تلحق بأسرتها عذرٌ مبيحٌ للإجهاض قبل نفخ الروح في الجنين ليس إلَّا.

[جواب الافتراء الثاني]

- والمسألة الثانية كالمسألة الأولى في الافتراء والتَّقوُّل، والعجيب كيف نُقِرُّ على هذا المنكر ونُعين على جريمة السَّطو والغصب بالاستيلاء على مالٍ بغير حقٍّ على سبيل المجاهرة والمغالبة، والمعلوم أنَّ ما حَرَّم الشارعُ على المسلم تملُّكَه والانتفاع به يكون مالًا حرامًا، وصفةُ الحرام هي المانع الذي مِن أجله مُنِع المسلمُ مِن الانتفاع به، والأصل في تحريمه عمومُ النصوص الشرعية التي تنهى عن الظلم والاعتداء على مال الغير، مثل قوله تعالى: ﴿لَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ[النساء: ٢٩]، وقوله : «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»(١)، وقوله : «كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ»(٢)، وقد انعقد الإجماعُ على تحريم الغصب في الجملة، والواجبُ على الغاصب أن يردَّ ما اغتصبه لأنَّه عدوانٌ، والعدوان لا يكون سبَبًا للتملُّك ولا يجوز الانتفاعُ به مطلقًا، وعليه أن يتوب إلى الله بما افترى واغتصب.

[جواب الافتراء الثالث]

- أمَّا المسألة الثالثة المتعلِّقة باللُّحوم المستوردة فلم يَرِدْ عنِّي القول بتحريمِها، وإنَّما بيَّنتُ أنَّ تواجُدَ الصعق الكهربائيِّ المستعمَل في قتل الحيوان في المجازر المستورَدِ منها أورث شكًّا يتردَّدُ بين كونها موقوذةً أو مذبوحةً، والأصل عند حدوث الشَّكِّ أن نَدَعَ الكلَّ جريًا على قاعدة: «مَا لَا يَتِمُّ تَرْكُ الحَرَامِ إِلَّا بِتَرْكِ الجَمِيعِ فَتَرْكُهُ وَاجِبٌ» كمن اختلطت أختُه بأجنبيةٍ أو ميتةٌ بمذكَّاةٍ، والقاعدة تسندها أحاديثُ الحيطة منها قوله : «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ»(٣)، ولقوله : «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ»(٤)، وهذا بخلاف المجازر الخالية مِن تلك المطرقة الكهربائية ذات الصعق العالي القاتلةِ للحيوان، فإنَّه عند خُلُوِّها يُسْحَب فيها الجوازُ والإباحة استصحابًا لأصل ذبائح أهل الكتاب في قوله تعالى: ﴿وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ وَطَعَامُكُمۡ حِلّٞ لَّهُمۡ[المائدة: ٥]، هذا الذي تقرَّر قُلْنا به ولا نزال، ولم تتحوَّلْ فتوانا فيه.

والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.

٩ رمضان ١٤٢٦

١٢ أكتوبر ٢٠٠٥م



(١) أخرجه الدارقطني (٣٠٠) وأحمد (٥/ ٧٢) وأبو يعلى والبيهقي (٦/ ١٠٠)، من حديث حنيفة الرقاشيِّ ؓ. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (٥/ ٢٧٩) رقم (١٤٥٩)، وفي «صحيح الجامع» (٧٥٣٩).

(٢) أخرجه مسلم في «البرِّ والصلة والآداب» (٦٧٠٦)، وأبو داود في «الأدب» (٤٨٨٤)، والترمذي في «البرِّ والصلة» (٢٠٥٢)، من حديث أبي هريرة ؓ.

(٣) أخرجه البخاري في «الإيمان» باب فضل من استبرأ لدينه (٥٢)، ومسلم في «المساقاة» (٤١٧٨)، والترمذي في «البيوع» باب ما جاء في ترك الشبهات (١٢٤٦)، وابن ماجه في «الفتن» باب الوقوف عند الشبهات (٤١١٩)، وأحمد (٥/ ٣٣٥) رقم (١٧٩٠٣)، من حديث النعمان بن بشيرٍ .

(٤) أخرجه النسائي في «الأشربة» باب الحثِّ على ترك الشبهات، والترمذي في «صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله » باب (٦٠)، والحاكم (٤/ ٩٩)، والطيالسي (١١٧٨)، وأحمد (١/ ٢٠٠)، وأبو نعيم في «الحلية» (٨/ ٢٦٤)، من حديث الحسن بن عليٍّ ، وصحَّحه الشيخ الألبانيُّ في «الإرواء» (١/ ٤٤) رقم (١٢) وفي «صحيح الجامع» (٣٣٧٣).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)