ردود ومناقشات رقم: ١٠

جواب الإدارة على مُنتقِدِ فتوى:
«تعريفٌ مُوجَزٌ بالإباضية ومعتقداتهم»

نصُّ الفتوى:

السؤال:

نرجو ـ مِنْ فضيلتكم ـ توضيحَ الرُّؤَى حولَ المذهبِ الإباضيِّ السائدِ عندنا في مدينة غرداية. وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الإباضيةُ مِنْ فِرَقِ الخوارجِ وليسوا مِنْ غُلَاتهم كالأَزَارِقَة، ولكنَّهم يتَّفقون مع الخوارج في أصولٍ عديدةٍ منها: تعطيلُ الصِّفات، والقولُ بِخَلْقِ القرآن، وتجويزُ الخروجِ على أئمَّةِ الجَوْرِ وغيرها، وتُنْسَبُ الإباضيةُ إلى مُؤسِّسها: عبد الله بنِ إباضٍ التَّمِيمِيِّ، الذي يَعتبر نَفْسَه امتدادًا للمُحَكِّمة الأولى مِنَ الخوارج، وكانَتْ لهم صَوْلَةٌ وجَولةٌ في جنوبيِّ الجزيرة العربية حتَّى وصلوا إلى مكَّةَ والمدينةِ النبوية، وانتشر مذهبُهم في الشمال الإفريقيِّ بين البربر، وكانَتْ لهم دولةٌ عُرِفَتْ بالدولة الرستمية، وعاصمتُها: «تاهرت»، وحَكَموا الشمالَ الإفريقيَّ قُرابةَ مائةٍ وثلاثين سنةً، حتَّى أزالهم الفاطميون (العُبَيْديون)، ولا يزال تَواجُدُهم ـ في وقتنا ـ في كُلٍّ مِنْ عُمَان وليبيا وتونس والجزائر، وبالخصوص في مدينة غرداية وما جاوَرَها، وفي واحات الصحراء الغربية، وفي زنجبار بتنزانيا.

ومِنْ معتقدات الإباضية بالإضافة إلى ما تقدَّم:

ـ إنكارهم لرؤية الله في الآخرة.

ـ اعتقادهم بأنَّ صفاتِ الله ليسَتْ زائدةً على ذات الله ولكنَّها هي عينُ ذاته.

ـ يؤوِّلون بعضَ مَسائلِ الآخرة تأويلًا مجازيًّا كالميزان والصراط وغيرِهما.

ـ القرآن ـ عندهم ـ مخلوقٌ، وهو مذهبُ كُلِّ الخوارج(١).

ـ يعتقدون أنَّ أفعال الإنسان خلقٌ مِنَ الله، واكتسابٌ مِنَ الإنسان، وهم بذلك يقفون موقفًا وسطًا بين القدرية والجبرية.

ـ ومُرْتَكِبُ الكبيرة ـ عندهم ـ كافرٌ كُفْرَ نعمةٍ أو كُفْرَ نفاقٍ لا كُفْرَ ملَّةٍ، ومع ذلك يقولون بأنَّ العاصيَ مخلَّدٌ في النار، ومنه إنكارُهم الشفاعةَ لعُصَاةِ الموحِّدين.

وعليه، فالناسُ ـ في نَظَرِ الإباضيِّين ـ على ثلاثةِ أصنافٍ: مؤمنون أوفياءُ بإيمانهم، ومُشْرِكون واضحون في شِرْكِهم، وصِنْفٌ أَعْلَنُوا كلمةَ التوحيد وأَقَرُّوا بالإسلام لكِنْ لم يلتزموا به سلوكًا وعبادةً؛ فهُمْ مع المسلمين في أحكام الدنيا لإقرارهم بالتوحيد، وهُمْ مع المشركين في أحكام الآخرة لعدَمِ وفائهم بإيمانهم ولمُخالَفتِهم ما يستلزِمُه التوحيدُ مِنْ عملٍ أو تركٍ؛ لذلك لا يجوز ـ عندهم ـ أَنْ يدعوَ شخصٌ لآخَرَ بخيرِ الجنَّة وما يتعلَّقُ بها إلَّا إذا كان مسلمًا مُوَفِّيًا لدِينِه مُسْتَحِقًّا الولايةَ بسبب طاعته، أمَّا الدعاءُ بخيرِ الدنيا فهو جائزٌ لكُلِّ المسلمين تُقاةً وعُصاةً.

هذا، ويتَّفِقُ مُحْدَثو الإباضيةِ مع القُدَامى في أنَّ دارَ مُخالِفيهم مِنْ أهلِ الإسلامِ هي دارُ توحيدٍ، إلَّا معسكر السلطان فإنه دارُ بغيٍ، كما أنهم يعتقدون أنَّ أهل القِبْلة مِنْ مُخالِفيهم كُفَّارٌ غيرُ مشركين، ومُناكَحتُهم جائزةٌ وموارَثتُهم حلالٌ، وغنيمةُ أموالِهِم حلالٌ، وما سواهُ حرامٌ، وغيرها مِنَ المعتقَدات المخالِفة لمعتقَد أهل الحقِّ(٢).

ومِنْ فروعهم في الصلاة:

ـ عدَمُ رفعِ اليدين في تكبيرة الإحرام.

ـ والسَّدْلُ في الصلاة.

ـ وعدَمُ تحريكِ السبَّابة في التشهُّد.

ـ والإسرارُ في جميعِ صلواتهم حتَّى الجهرية.

ـ والسجود لكُلِّ صلاةٍ ولو بدون سهوٍ، وغيرها مِنْ مسائل الفروع.

وأصلُ هذه المعتقَدات تأثُّرُهم بالمعتزلة في قولهم بخَلْقِ القرآن، واعتمادُهم على القرآنِ و«مُسْنَدِ الربيع بنِ حبيبٍ» وعلى الرأي والإجماع، ووقوفُهم عند بعضِ النصوص الدِّينية موقفًا حرفيًّا، ويفسِّرون نصوصَ الكتابِ والسُّنَّة تفسيرًا ظاهريًّا، واستنادُهم في كتاباتهم الفقهيةِ إلى آراء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة دون تحامُلٍ، ومِنْ أَشْهَرِ مَراجِعِهم كتابُ: «النيل وشفاء العليل» الذي شَرَحَه محمَّد بنُ يوسف إطفيش المتوفَّى سنة: (١٣٣٢ﻫ): جَمَعَ فيه المذهبَ الإباضيَّ وعقائدَه.

ولا يخفى أنَّ الإباضية قد خالَفوا عقيدةَ جماعةِ الإسلام الذين اجتمعوا على الحقِّ ولم يتفرَّقوا في الدِّين؛ فهي أصولُ الإسلام الذي هو عقيدةٌ بلا فِرَقٍ ولا طُرُقٍ، وخالَفوا منهجَ أهلِ السُّنَّةِ والجماعة في قواعدهم وأصولهم في مَجال التَّلَقِّي والاستدلال، وفي الاتِّباع وتركِ الابتداع، والاجتماعِ ونَبْذِ الفُرْقة والاختلاف في الدِّين، والتوسُّطِ بين فِرَقِ الغُلُوِّ والتفريط، والاقتداءِ والاهتداء بأئمَّة الهدى العدول المقتدى بهم في العلم والعمل والدعوة مِنَ الصحابة ومَنْ سارَ على نهجهم ومجانَبةِ مَنْ خالَفَ سبيلَهم، قال تعالى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا ١١٥ [النساء].

والعلمُ عند الله تعالى(٣).

نصُّ الانتقاد:

«السلام عليكم ورحمةُ الله تعالى(٤) وبركاتُه.

أنا إباضيٌّ مِنْ غرداية قرأتُ بعضَ أقوالكم على الإباضية، وما أَعيبُه عليكم هو أسلوبُكم في نَعْتِهم بالخوارج ـ رغم مكانتكم العلمية ـ ولا أدري: أهو جهلٌ أم تجاهلٌ ؟

فإِنْ كان جهلًا فأقول لك: «مَنْ أفتى بغير علمٍ » وإِنْ كان تجاهلًا فأين الأمانةُ العلمية؟

فأنصحك أَنْ تقرأ ما كَتَبَهُ الإباضيةُ على أَنْفُسهم، واقْرَأْ ما كَتَبَه غيرُهم عنهم، وكن موضوعيًّا في حُكْمك لأنك رجلُ دِينٍ هداك اللهُ وسدَّد خُطاك».

جواب الإدارة:

إنَّ الحمد الله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِنْ شرور أَنْفُسنا، ومِنْ سيِّئات أعمالِنا، مَنْ يَهْدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهد أَنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، أمَّا بعد:

فاعْلَمْ ـ وفَّقك اللهُ وعلَّمَنا وإيَّاك ـ أنَّ الجاهل بالشيء ليس كُفْءًا للعالِمِ به؛ لذلك ينبغي للمُنْتقِدِ أَنْ يُوجِّهَ انتقادًا في قالبٍ مِنْ أدب الحوار والمخاطَبة، خاصَّةً مع مَنْ يكبره سنًّا وعلمًا وقَدْرًا؛ ذلك لأنَّ العلم: سؤالٌ وجوابٌ، وقد قِيلَ: «حُسْنُ السؤالِ نصفُ العلم»، والمعلومُ أنَّ مِنْ خُلُق الشيخ أبي عبد المُعِزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ اعترافَه بالخطإ ـ إِنْ وَقَعَ منه ـ وعدَمَ دفاعِه عن الأخطاء أو تسويغِها، قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «والله قد أَمَرَنا ألَّا نقول عليه إلَّا الحقَّ، وألَّا نقول عليه إلَّا بعلمٍ، وأَمَرَنا بالعدل والقسط؛ فلا يجوز لنا إذا قال يهوديٌّ أو نصرانيٌّ ـ فضلًا عن الرافضيِّ ـ قولًا فيه حقٌّ أَنْ نتركه أو نردَّه كُلَّه، بل لا نردُّ إلَّا ما فيه مِنَ الباطل دون ما فيه مِنَ الحقِّ»(٥)، فمِنْ خطإ المنتقدِ انتقاصُ غيرِه ـ حالَ انتقاده ـ ورميُه إيَّاه بالجهل والتجاهل والإفتاء بغير علمٍ وتضييعِ الأمانة العلمية؛ الأمرُ الذي لا ينعكس حقيقةً إلَّا على مَنْ لم يستكمِلْ أدواتِه العلميةَ والعقلية، وقد ذَمَّ اللهُ أقوامًا يُجادِلون بغير علمٍ فقال الله تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَلَا هُدٗى وَلَا كِتَٰبٖ مُّنِيرٖ ٨ [الحج]، ومِنْ صنيعِ المُبْطِلِ أَنْ يُطْلِقَ لسانَه بما لا يعلم، وأَنْ يُظْهِرَ التعجُّبَ بما لا يفهم، وسنحاوِلُ أَنْ نعطيَ المزيدَ مِنَ التوضيح عن الإباضية ومنهجِهم العقائديِّ، فإِنْ كان فيه حقٌّ فاستخلِصْه ثمَّ استَفِدْ منه استقامةً ورشادًا، وإِنْ كان فيه خطأٌ فاستخرِجْ جذورَه ودَافِعْه بالدليل والبرهان.

فنقول ـ وبالله التوفيقُ والسداد ـ:

إنَّ الله تعالى بَعَثَ محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم إلى العالَمِين فخَتَمَ به الرُّسُلَ؛ فبلَّغ الرسالةَ، وأدَّى الأمانة، ونَصَح الأُمَّة، وجَمَع الكلمة، وبَيَّن للناس دِينَ اللهِ القويمَ وصراطَه المستقيم.

وقد ظلَّتِ الأُمَّةُ على عهده صلَّى الله عليه وسلَّم وعلى قَدْرٍ غيرِ قليلٍ مِنْ عهد أصحابه رضوانُ الله عليهم أجمعين، مُجْتمِعةً على كلمةٍ سواءٍ، مُعْتصِمةً بحبل الله مِنْ نوازع التفرُّق ودواعي التشتُّت، ثمَّ ما لَبِثَ المسلمون أَنِ اتَّبعوا سَنَن مَنْ قبلهم، وساروا على دربِ الأُمَمِ التي مَضَتْ، كما أخبر رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ»(٦).

فتفرَّقوا وأصبحوا شِيَعًا، كُلُّ حزبٍ بما لَدَيْهم فَرِحون؛ ففَارَق جماعةٌ منهم المسلمين في أمورٍ كثيرةٍ تقتضي الخروجَ عن أصلٍ أو أَكْثَرَ مِنْ أصول الدِّين الاعتقادية منها أو العملية، أو المتعلِّقةِ بالمَصالِحِ العظمى للأُمَّة، أو الخروجَ على أئمَّتهم، أو استحلالَ السيف فيهم، كأهل الجدلِ والخصومات في الدِّين، وأهلِ الكلام وأصحابِ البِدَعِ والمُحْدَثات، كالخوارج والشيعة والقَدَرية والمُرْجِئة وغيرِهم.

وانطلاقًا مِنْ هذه المقدِّمةِ ارتأَيْنا أَنْ نُبيِّنَ للمُنْتقِدِ الإباضيِّ ـ هداهُ اللهُ ـ والمعترِضِ على فتوَى شيخِنا الفاضل أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ والمتضمِّنةِ أنَّ الإباضية فِرْقةٌ مِنَ الخوارج، وأَنْ نَقِفَ على بعضِ ما قِيلَ فيهم، سواءٌ ما جاء عن المُخالِفين لهم أو المُوافِقين، وما ذَكَروه في كُتُبِهم وما قرَّروه مِنْ أنَّ الإباضية فِرْقةٌ مِنَ الخوارج، حينَها يَتبيَّنُ ـ بجلاءٍ ووضوحٍ ـ أنَّ كلام الشيخ ـ حفظه الله ـ لم يكن فيه افتراءٌ، ولكِنْ فيه نقلٌ وثيقٌ صحيحٌ، وكشفٌ لعَوارِهم صريحٌ، وقد اعتمَدْنا في تقريرِ هذا البحث على جملةٍ مِنَ العناصر المُهِمَّة، المتعلِّقةِ بهذه الفِرْقة بدءًا بأصولها وحركةِ انتشارها، وعلاقتِها بالخوارج، وموقفها مِنَ الصحابة رضي الله عنهم ومبادئِ أصولها في العقائد والأحكام(٧).

أصل الإباضية وحركةُ انتشارها:

تُنْسَبُ الإباضيةُ ـ تاريخيًّا ـ إلى عبد الله بنِ إباضٍ(٨)، وقد اختلف مُؤرِّخو الفِرَقِ في هويَّة ابنِ إباضٍ، فبينما يذهب الشهرستانيُّ إلى أنه هو الذي خَرَجَ أيَّامَ مروانَ بنِ محمَّدٍ آخِرِ خُلَفاءِ بني أُمَيَّة(٩)، يذهب الطبريُّ إلى أنَّ ابنَ إباضٍ كان مع نافع بنِ الأزرق، وانشقَّ عنه(١٠)، والإباضيةُ أَنْفُسُهم يُؤيِّدون ما ذَهَبَ إليه الطبريُّ، ويقولون: إنَّ ابنَ إباضٍ ظَهَرَ في أيَّامِ معاوية رضي الله عنه، وعاش زَمَنَ عبد الملك بنِ مروان، وكان في أوَّلِ أَمْرِه مع نافع بنِ الأزرق، ولكِنِ اختلف معه وفارَقَه وردَّ عليه(١١)، وتذكر كُتُبُ الإباضيةِ سببَ الفُرْقة بين ابنِ إباضٍ ونافع بنِ الأزرق أنَّ هذا الأخيرَ كَتَبَ إلى ابنِ الصفَّار صاحِبِ الصفرية وعبدِ الله بنِ إباضٍ وغيرِهما ـ ويبدو أنهم جميعًا كانوا مع عبد الله بنِ الزبير رضي الله عنه بمكَّةَ ثمَّ تَفرَّقوا ـ يَدْعوهما ومَنْ معهما إلى مُعْتقَدِه الفاسد المتمثِّل في: تكفيرِ القَعَدَة، والقولِ بشركِ مُخالِفيهم، واستباحةِ دمائهم، وقتلِ أطفالهم، وسبيِ نسائهم، وغنيمةِ أموالهم؛ فقَرَأَ ابنُ الصفَّار الكتابَ في نَفْسِه ولم يُطْلِعْ أصحابَه عليه خشيةَ أَنْ يختلفوا، أمَّا ابنُ إباضٍ فقَرَأَ الكتابَ وأَظْهَرَ إنكارَه لِمَا وَرَدَ فيه قائلًا عن ابنِ الأزرق: «قاتَلَهُ اللهُ! أيَّ رأيٍ رأى، صَدَقَ نافع بنُ الأزرق، لو كان القومُ مشركين كان أَصْوَبَ الناسِ رأيًا وحكمًا فيما يشير به، ولكنَّه قد كَذَبَ وكذَّبَنا فيما يقول، إنَّ القوم بُرَآءُ مِنَ الشرك، ولكنَّهم كُفَّارٌ بالنِّعَم والأحكام، ولا يَحِلُّ لنا إلَّا دماؤهم، وما سوى ذلك مِنْ أموالهم فهو علينا حرامٌ»؛ فقال ابنُ الصفَّار: «بَرِئَ اللهُ منك فقَدْ قصَّرْتَ، وبَرِئَ اللهُ مِنِ ابنِ الأزرق فقَدْ غَلَا، بَرِئَ اللهُ منكما جميعًا»، وقال الآخَرُ: «فبَرِئ اللهُ منك ومنه»(١٢).

ورغم اعترافِ ابنِ إباضٍ ـ في هذا النصِّ ـ باستحلالِ دماءِ مُخالِفيهم، فإنَّ كُتُبَ الإباضيةِ تُحاوِلُ تبرئتَه مِنْ هذا، وتُصوِّرُه بأنه لم يَخُضْ في حروب الخوارج التي كانَتْ على أَشُدِّها آنَذَاك، بل إنه اكتفى بأَنْ دَخَلَ في جدالٍ عنيفٍ وصراعٍ فكريٍّ مع كُلٍّ مِنَ الأمويِّين والخوارج: فأَنْكَرَ على الأمويِّين ظُلْمَهم الناسَ، وعدَمَ إقامتهم العدلَ بينهم، ورَفَضَ آراءَ الخوارج الأزارقةِ في قولهم بشرك مُخالِفِيهم وشركِ مرتكب الكبيرة(١٣). ويقال إنه ـ بعد قتلِ أبي بلالٍ الخارجيِّ ـ اجتمع الخوارجُ في جامعٍ وعزموا على الخروج، وفيهم عبدُ الله بنُ إباضٍ ونافعُ بنُ الأزرق وغيرُهم، وفي الليل سَمِعَ ابنُ إباضٍ دَوِيَّ القُرَّاء ورنينَ المؤذِّنين وحنينَ المسبِّحين؛ فقال لأصحابه: «أعَنْ هؤلاءِ أَخْرُجُ معهم؟» فرَجَعَ وكَتَمَ أَمْرَهُ واختفى(١٤).

ورغم ما قام به ابنُ إباضٍ وارتباطِ هذه الجماعة باسْمِه، فإنَّ الإباضية لا يعودون بأصولهم إلى ابنِ إباضٍ فحَسْبُ، بل إلى جماعةٍ مِنَ التابعين وتابِعِي التابعين كجابر بنِ زيدٍ، وأبي عبيدة مسلم بنِ أبي كريمة، والربيع بنِ حبيب وغيرِهم:

أمَّا جابرٌ فهو جابر بنُ زيدٍ الأزديُّ الجوفيُّ أبو الشعثاء، وُلِد عامَ واحدٍ وعشرين، وقيل: سنةَ اثنين وعشرين، وقيل: سنةَ ثماني عشرة في خلافة عمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنه(١٥)، وتُوُفِّيَ في عام ثلاثٍ وتسعين في جمعةٍ واحدةٍ مع أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه(١٦)، ويذهب ابنُ سعدٍ إلى أنه تُوُفِّيَ عامَ: (١٠٣ﻫ)(١٧).

وقد كان تلميذًا لحبر الأُمَّة عبدِ الله بنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما وروى عنه، كما روى عن عبد الله بنِ عمر وابنِ الزبير والحَكَمِ بنِ عمرٍو الغِفاريِّ ومعاوية بنِ أبي سفيان وغيرِهم رضي الله عنهم، وروى له البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحيهما، وأخَذَ عنه: قتادةُ وعمرو بنُ دينارٍ ويعلى بنُ مسلمٍ وأيُّوبُ السختيانيُّ وعمرو بنُ هَرِمٍ وجماعتُه، وقال عنه ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «لو أنَّ أهل البصرة نزلوا عند قولِ جابر بنِ زيدٍ لَأوسعهم علمًا مِنْ كتاب الله»(١٨)، وقال فيه إياسُ بنُ معاوية ـ رحمه الله ـ: «أدرَكْتُ الناسَ وما لهم مُفْتٍ يُفْتيهم غير جابر بنِ زيدٍ»(١٩).

ورغم أنَّ يحيى بنَ مَعينٍ ـ رحمه الله ـ يقول عن جابرٍ: إنه كان إباضيًّا، فإنَّ ابنَ حجرٍ ـ رحمه الله ـ يُورِدُ عن داود بنِ أبي هندٍ عن عزرة(٢٠) قولَه: «دخَلْتُ على جابر بنِ زيدٍ فقلت: «إنَّ هؤلاء القوم ينتحلونك» يعني: الإباضية، قال: «أبرأ إلى الله مِنْ ذلك»»(٢١).

والإباضية يعتبرون جابر بنَ زيدٍ المؤسِّسَ الحقيقيَّ، وأنه كان الإمامَ الروحيَّ، وفقيهَ الإباضية ومُفْتِيَهم، وكان بالفعل الشخصَ الذي بَلْوَرَ الاعتقادَ الإباضيَّ بحيث أصبح متميِّزًا عن غيره مِنَ المذاهب، بينما كان ابنُ إباضٍ المسؤولَ عن الدعوة والدُّعاة في شتَّى الأقطار(٢٢).

وإذا كان جابر بنُ زيدٍ بهذه المكانة وكان عالِمَ الخوارجِ وإمامَهم، فلماذا نُسِبَتِ الفرقةُ إلى ابنِ إباضٍ ولم تُنْسَبْ إليه؟ فقَدْ صرَّح أحَدُ الإباضية المُعاصِرين بأنه لا يدري السببَ في عدمِ نسبة المذهب إلى جابرٍ مع أنه أَفْقَهُ وأَعْلَمُ أهلِ زمانه، وقد قيل: إنَّ ابنَ إباضٍ يصدر في كُلِّ شؤونه عن فتواهُ، ولا يَبُتُّ في أمرٍ مِنَ الأمور إلَّا بمشورته ورِضاهُ(٢٣)، بينما ذَهَبَ كاتبٌ آخَرُ في تفسيرِ ذلك إلى أنَّ نسبةَ المذهبِ إلى ابنِ إباضٍ نسبةٌ عرضيةٌ كان سببُها بعضُ المواقف الكلامية والسياسية التي اشتُهِرَ بها ابنُ إباضٍ وتَميَّزَ بها؛ فنُسِبَ المذهبُ الإباضيُّ إليه، ولم يَستعمِلِ الإباضيةُ ـ في تاريخهم المبكِّر ـ هذه النسبةَ، فكانوا يستعملون عبارةَ: «جماعة المسلمين»، أو «أهل الدعوة»، وأوَّلُ ما ظَهَرَ استعمالُهُم لكلمةِ: «الإباضية» كان في آخِرِ القرن الثالث الهجريِّ(٢٤).

أمَّا أبو عبيدة مسلمُ بنُ أبي كريمة التميميُّ فقَدْ تُوُفِّيَ في ولايةِ أبي جعفرٍ المنصور (١٣٦ﻫ ـ ١٥٨ﻫ)، وأدرك جابرَ بنَ زيدٍ، وروى عن جابر بنِ عبد الله وأنس بنِ مالكٍ وغيرِهم(٢٥)، أخَذَ العلمَ عن جابر بنِ زيدٍ وجعفرٍ السمَّاك وصحارٍ العبديِّ، وإليه انتهَتْ رئاسةُ الإباضية بعد جابرٍ، وبإشارته أسَّس الإباضيةُ في كُلٍّ مِنَ المغرب وحضرموت دولًا مُستقِلَّةً، وتَخرَّجَ على يديه رجالٌ مِنْ مُخْتَلَفِ البلاد الإسلامية آنَذاك، عُرِفوا ﺑ: «حَمَلة العلم»، وعن طريقهم انتشر المذهبُ الإباضيُّ وفقهُه في مختلف البلاد الإسلامية.

أمَّا الربيع بنُ حبيبٍ الفراهيديُّ، فأصلُه مِنْ عُمَان مِنْ غضفان، قَصَدَ البصرةَ وأَدْرَكَ جابرًا وأخَذَ عنه، وآلَتْ إليه رئاسةُ المذهب بعد أبي عبيدة، وتَخرَّج عليه حَمَلةُ العلمِ إلى عُمان وخراسان وحضرموت، ورَحَلَ في آخِرِ عمره إلى عُمان، ومات بها في النصف الثاني مِنَ القرن الثاني للهجرة، وذُكِرَ في بعض الروايات أنه تُوُفِّيَ عامَ: (١٨٠ﻫ).

مسند الربيع بنِ حبيب:

وللربيع بنِ حبيبٍ مسندٌ في الحديث يُسمَّى: «الجامعَ الصحيح»، روى فيه عن جابر بنِ زيدٍ عن ابنِ عبَّاسٍ، وعائشة أمِّ المؤمنين، وابنِ عمر، وأبي هريرة، وأنس بنِ مالكٍ، وأبي سعيدٍ الخدريِّ، ومعاوية، وعليِّ بنِ أبي طالبٍ، ومروان بنِ الحَكَم وغيرِهم(٢٦)، ويَعُدُّ الإباضيةُ «مسندَ الربيع» هذا مِنْ أقدَمِ كُتُبِ الحديث وأَصَحِّها، ويذهبون إلى أنَّ جُلَّ ما وَرَدَ فيه مذكورٌ في الصحيحين وسائرِ الكتب السِّتَّة مِنْ كُتُبِ السنَّة؛ الأمرُ الذي يُؤكِّدُ قُرْبَ مذهبِ الإباضية مِنْ أهل السنَّة(٢٧).

وقد أثارَ اسْمُ الكتابِ ومحتوياتُه بعضَ شكٍّ وريبةٍ على قيمته؛ فاسْمُ الكتاب: «الجامعُ الصحيح» و«مسندُ الربيع بنِ حبيب»، وهُمَا اسْمان يختلفان في مدلولهما وَفْقًا لاصطلاح المحدِّثين؛ إذ إنَّ «المسند» ـ اصطلاحًا ـ: ما رُتِّبَتْ أحاديثُه على حَسَب الرُّواة، بأَنْ تُذْكَرَ مرويَّاتُ الصحابيِّ الواحد كُلُّها في مكانٍ واحدٍ ﻛ: «مسند أحمد»، فيبدأ ـ مثلًا ـ بمُسْنَدِ أبي بكرٍ، فمُسْنَدِ عمر(٢٨) وهكذا، بينما «الجامع» هو: ما رُتِّبَتْ أحاديثُه على أساس كُتُبِ وأبوابِ الحديث كالعلم والأحكام والسِّيَر والأدب والتفسير والفقه والزهد إلخ، كصحيحَيِ البخاريِّ ومسلمٍ.

فلِمَ أُطْلِقَ على كتاب الربيع اسْمُ: المسند مع أنه لم يُرتَّبْ على أساس الرُّواة؟ وكيف رُتِّبَ بهذه الطريقةِ وسُمِّيَ «الجامع»، مع أنه مِنَ الناحية التاريخية نجد أنَّ طريقة المسانيد كانَتْ أَسْبَقَ مِنْ طريقةِ الجوامع، وهي مُلائمةٌ للفترة التي كَتَبَ فيها الربيعُ «مسندَه»؟

ويُعلِّلُ الإباضيةُ هذا الاختلافَ في التسمية بأنَّ اسْمَ المسند أُطْلِقَ على كتاب الربيع باعتبارِ تاريخ تصنيفه مِنْ عهد الربيع؛ إذ قد صنَّفه واضعُه على أساس الرُّواة، ولم يكن يعرف رجالُ الحديثِ ـ آنَذاك ـ طريقةً غيرَها، فسمَّوْهُ باسْمِ «المسند»، ولكِنْ لصعوبة الاستفادة مِنَ المسانيد عَمَدَ مرتِّبُه أبو يعقوب يوسف بنُ إبراهيم الورجلانيُّ، إلى إعادة ترتيبه وَفْقًا لطريقة الجوامع على أبواب العلم وأبواب الفقه المعروفة، المصطلَحِ على ترتيبها بدايةً مِنْ كتاب العلم إلى العقائد وأصول الدِّين، ثمَّ العبادات، ثمَّ المعاملات، وبعدها السِّيَر والأخلاق، وبناءً على ذلك أُطْلِقَ عليه كتابُ: «الجامع الصحيح»، فجازَتْ تسميتُه ﺑ: «مسند» باعتبار نشأته وتدوينه، و«الجامع» باعتبارِ بروزه واستقراره(٢٩).

ولم يقتصر عملُ الورجلانيِّ على ترتيب المسند، بل إنه استدرك على الإمام الربيع كثيرًا مِنَ الأحاديث، وقام بإضافة جملةٍ مِنَ الآثار ـ التي احتجَّ بها الربيع بنُ حبيبٍ الفراهيديُّ على مُخالِفيه في مسائل الاعتقاد وغيرِها ـ إلى المسند، كما ضمَّ إلى أصل المسند مرويَّاتِ محبوب بنِ الرحيل بنِ يوسف بنِ هبيرة القرشيِّ عن الربيع، ومرويَّاتِ أَفْلَحَ بنِ عبد الوهَّاب بنِ عبد الرحمن الرستميِّ عن أبي غانمٍ بِشْرِ بنِ غانمٍ الخراسانيِّ، إضافةً إلى مراسيلِ جابر بنِ زيدٍ(٣٠).

وفي رأي الإباضية أنَّ الورجلانيَّ أَدْرَجَ هذه الاستدراكاتِ في كتاب الربيع ليستكمل بذلك أبوابَ الفقه المطلوبَ إكمالُهَا فيه لإتمام النفع والفائدة، غيرَ أنه بدلًا مِنْ أَنْ يُفْرِدَ استدراكاته بتصنيفٍ خاصٍّ أَدْرَجَها ضِمْنَ كتاب الربيع، اعترافًا بالفضل والجميلِ وإنكارًا للذَّات واحتسابًا للأجر(٣١).

ويتكوَّن المسند مِنْ أربعة أجزاءٍ:

الجزء الأوَّل: يتضمَّن مَدْخلًا يضمُّ ثلاثةَ عشر بابًا، تناولَتِ: النيَّةَ، وابتداءَ الوحي، وذِكْرَ القرآن، والعلم، وأمَّة محمَّدٍ، والولاية، والرؤية، والإيمان، والشرك، ثمَّ عَقَدَ كتابًا للطهارة وكتابًا للصوم وكتابًا للزكاة.

والجزء الثاني: وبه عشرة كُتُبٍ: كتاب الحجِّ، والجهاد، والجنائز، والأذكار، والنكاح، والطلاق، والبيوع، والأحكام، والأشربة، والأيمان والنذور.

الجزء الثالث: تضمَّن سبعةً وثلاثين بابًا ضمَّنها الورجلانيُّ الأحاديثَ التي احتجَّ بها على مُخالِفيه.

والجزء الرابع: وقد ضمَّنَهُ مرتِّبُ الكتابِ الورجلانيُّ رواياتِ محبوب بنِ الرحيل بنِ هبيرة القرشيِّ عن الربيع، ورواياتِ أَفْلَحَ بنِ عبد الوهَّاب بنِ عبد الرحمن الرستميِّ عن أبي غانمٍ الخراسانيِّ، ومراسيلَ جابر بنِ زيدٍ، ومجموعُ الأحاديث التي يتضمَّنها المسند: حوالَيْ خمسةٍ وألفٍ (١٠٠٥)، بما فيها المكرَّر الذي يزيد عن ثلاثين حديثًا(٣٢).

قيمة أحاديث المسند:

أمَّا عن قيمة أحاديث المسند، فرغم أنَّ الكثير مِنْ متون أحاديثه صحيحةٌ، وقد أخرجها أصحابُ الكُتُب المُعتبَرةِ كالبخاريِّ ومسلمٍ وأحمد ونحوِهم، فضلًا عن أنه يضمُّ كثيرًا مِنَ الأحاديث التي وَرَدَتْ مِنَ الطريقة التي يعتبرها الإباضيةُ: السلسلةَ الذهبية (أبو عبيدة عن جابر بنِ زيدٍ عن ابنِ عبَّاسٍ، أو عن عائشة، أو عن أبي هريرة أو عمر رضي الله عنهم إلخ) فأَغْلَبُ أحاديثِ الكتاب منقطعةٌ، فهي بلاغاتٌ ينسبونها لجابر بنِ زيدٍ وتلميذِه أبي عبيدة مسلم بنِ أبي كريمة، والربيعِ نَفْسِه: كقول جابرٍ: «بَلَغني عن معاوية، عن طلحة»، وقولِ أبي عبيدة: «بلغني أنَّ عمر بنَ الخطَّاب قال»، والربيع يقول: «بلغني عن أبي مسعودٍ الأنصاريِّ»، و«بلغني أنَّ عبادة بنَ الصامت قال».

أمَّا الجزء الثالث فقَدْ خَلَتْ فيه مراجعةُ الورجلانيِّ مِنَ الأسانيد تمامًا بدعوَى أنَّ ما فيه مِنْ آثارٍ احتجَّ بها الربيع على مخالفيه، وقد اعترف خصومُه بصِحَّتها.

أمَّا الجزء الرابع فقَدْ أَوْرَدَ فيه مرتِّبُ المسندِ الورجلانيُّ رواياتِ محبوب بنِ الرحيل، وقد وردَتْ جُلُّ أحاديثه بالسند التالي: عن جابر بنِ زيدٍ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، بدايةً مِنَ الحديث رقم: (٩٢٤)، إلى (١٠٠٥)، كما أنَّ هذا الجزءَ الرابع حافلٌ بروايات الربيع بنِ حبيبٍ عن الصحابة مباشرةً مُسْقِطًا الوسائطَ بينه وبينهم.

وفي هذه الأمثلة ـ كما يقول أبو لبابة حسين ـ: الانقطاعُ الواضح الجليُّ (مُرْسَل ـ منقطِعٌ ـ مُعْضَل)، وهو دليلٌ كافٍ لردِّ الحديث بغضِّ النظر عن إظهار الانقطاعات الخفيَّة عند التنقيب)، وغيرها مِنْ ألوان الجرح التي تردُّ الحديثَ وتُسْقِطه(٣٣).

ويُدافِعُ الإباضيةُ المعاصرون عن «مسند الربيع» الذي يعتبرونه أصحَّ كُتُبِ الحديث، بأنَّ تضمُّنَه لكثيرٍ مِنَ المراسيل لا يقدح فيه؛ لأنه قيل: مراسيلُ جابرٍ أصحُّ وأقوى مِنْ مسانيده؛ لأنه ـ غالبًا ـ ما يُرْسِلُ الحديثَ، فيحذف اسْمَ الصحابيِّ مِنَ السند إذا تَعدَّدَ الصحابةُ الذين يُروى عنهم، وبدلَ أَنْ يذكرهم جميعًا فيطول بذلك السندُ فإنه يحذفهم جميعًا، ويكتفي بإرسال الحديث إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد حَصَلَ له القَطْعُ واليقين بصِحَّة الحديث حتَّى كأنه سَمِعه مِنَ الرسول مباشرةً(٣٤).

الإباضية والخوارج:

وانطلاقًا مِنْ هذا الارتباطِ المذهبيِّ للإباضية بأولئك التابعين ممَّنْ ذَكَرْنا وممَّنْ لم نذكر، فإنَّ الإباضية يُنْكِرون ارتباطَهم بالخوارج، ويستنكرون تصنيفَهم مع الطوائف المارقة كالأزارقة والصُّفرية(٣٥). وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ الإباضية قد اتَّخذوا موقِفًا عدائيًّا متشدِّدًا ضِدَّ الأزارقة وفارقوهم، ولكِنْ تُوجَدُ صِلةٌ وثيقةٌ بين الإباضية وبين مَنْ سَبَق أَنْ أشَرْنا إليهم ﺑ: «المُحَكِّمة الأولى».

ويؤكِّدُ هذا: ما وَرَدَ في الرسالة التي يقال: إنَّ ابنَ إباضٍ بَعَثَ بها إلى عبد الملك بنِ مروان، وفيها يَصِفُ سَلَفَه مِنَ الخوارج: «بأنهم أصحابُ عثمانَ الذين أنكروا عليه ما أحدث مِنْ تغيير السُّنَّة وفارقوه حين عصى ربَّه، وهم أصحابُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ حتَّى حكَّم عمرو بنَ العاص وتَرَكَ حُكْمَ الله، وأنكروه عليه وفارقوه فيه، وأبَوْا أَنْ يُقِرُّوا الحُكْمَ لبَشَرٍ دون حكمِ كتاب الله؛ فهُمْ لمَنْ بَعْدَهم أَشَدُّ عداوةً وأَشَدُّ مفارَقةً، وكانوا يَتْلُونَ ـ في دِينهم وسنَّتهم ـ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبا بكرٍ وعمر بنَ الخطَّاب ويَدْعون إلى سبيلهم ويرضَوْن بسُنَّتهم، على ذلك كانوا يخرجون وإليه يَدْعون، وعليه يتفارقون؛ فهذا خبرُ الخوارجِ، نُشْهِدُ اللهَ والملائكةَ إنَّا لمَنْ عاداهم أعداءٌ، وإنَّا لِمَنْ والاهم أولياءُ بأيدينا وألسنتنا وقلوبنا غيرَ أنَّا نبرأ إلى الله مِنِ ابنِ الأزرق وأتباعِه مِنَ الناس، لقد كانوا خرجوا ـ حين خرجوا ـ على الإسلام فيما ظَهَرَ، ولكنَّهم ارتدُّوا عنه وكفروا بعد إيمانهم؛ فنبرأ إلى الله منهم»(٣٦).

ومِنْ هذا يتبيَّن أنَّ ابنَ إباضٍ يعتبر نَفْسَه وأتباعَه امتدادًا للمُحَكِّمة الأولى اعتقادًا وعملًا، وهذا ما يُثْبِتُه الإباضيةُ المعاصرون الذين يقولون: إنَّ الإباضية يجمعهم مع الخوارج الآخَرين إنكارُ الحكومة بين عليٍّ ومعاوية، بل إنهم يسوِّغون الخروجَ، ويفرِّقون بينه وبين الفتنة التي هي ممنوعةٌ ومنهيٌّ عنها، فإنَّ الخروج لرَفْعِ الظلم وردِّ العدوان وإزالةِ الحاكم الظالمِ المُفْسِدِ أمرٌ مشروعٌ وواجبٌ(٣٧).

هذا، بالإضافة إلى أنَّ الإباضية يَعُدُّون مِنْ أئمَّتهم: حرقوص بنَ سعدٍ التميميَّ، وأبا بلالٍ مِرْداسَ بنَ جديرٍ الذي أنكر التحكيمَ وفارقَ عليًّا مع أهل النهروان، بل ويُدافِعون عن الخوارج الأُوَلِ ويعتذرون لهم في الخروج بما يأتي:

١ ـ أنَّ إمامة عليٍّ لم تَثْبُتْ بإجماع الصحابة حيث لم يدخل فيها طلحةُ والزبير وعبد الله بنُ عمر وسعد بنُ أبي وقَّاصٍ رضي الله عنهم.

٢ ـ أنَّ في خروج طلحة والزبير رضي الله عنهما ومَنْ معهما أُسوةً لخروجِ هؤلاء؛ فكيف يَحِلُّ لأولئك الخروجُ ويَحْرُمُ على هؤلاء؟ وكذلك القولُ في معاوية بنِ أبي سفيان رضي الله عنهما ومَنْ معه.

٣ ـ أنَّ عليًّا رضي الله عنه أعطى الحَكَمَين العهدَ والميثاق على قَبولِ ما يحكمان به، وقد حَكَما بخلعه؛ فلِمَنْ خَرَجَ عليه العُذرُ إِنْ تمسَّك بهذا.

٤ ـ ذَكَرَ الطبريُّ ـ رحمه الله ـ أنَّ عليًّا رضي الله عنه قَبِلَ التحكيمَ مُكْرَهًا خوفًا على نَفْسِه؛ وعليه فقَدْ سقطَتْ إمامتُه لضَعْفِه.

موقف الإباضية مِنْ عثمان رضي الله عنه:

مِنَ الأمور الغريبة جِدًّا أَنْ تجد ممَّنْ يدَّعي الإسلامَ ويُؤمن بالله ورسوله صلَّى الله عليه وسلَّم مَنْ يقع في بُغْضِ الصحابة رضي الله عنهم، خصوصًا مَنْ شَهِدَ له الرسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم بالجَنَّة، وثبتَتْ بذلك النصوصُ في حَقِّه: فعثمان رضي الله عنه صحابيٌّ جليلٌ شَهِد له الرسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم بالجَنَّة، أمَّا بالنِّسبة للخوارج فقَدْ تبرَّؤوا منه ومِنْ خلافته، بل وحكموا عليه بالارتداد ـ والعِياذُ بالله وحاشاه مِنْ ذلك ـ. وفي كتاب «كشف الغمَّة» لمؤلِّفٍ إباضيٍّ مِنَ القدحِ والطعن في شخصِ عثمان رضي الله عنه ما لا يُوصَفُ، ولم يكتفِ بالسبِّ والشتم، بل اختلق رواياتٍ عن بعض الصحابة رضي الله عنهم يسبُّون فيها ـ بزعمه ـ عثمانَ رضي الله عنه ويحكمون عليه بالكفر(٣٨)، ولا شكَّ أنَّ هذا بهتانٌ عظيمٌ.

ويُوجَدُ كذلك كتابٌ في الأديان، وكتابٌ آخَرُ اسْمُه: «الدليل لأهل العقول» للورجلاني، فيهما أنواعٌ مِنَ السِّباب والشتم لعثمان رضي الله عنه، ومدحٌ لمَنْ قتلوه، حيث سمَّاهم: «فِرْقةَ أهلِ الاستقامة»، وهم في الحقيقة بُغَاةٌ مارقون، لا استقامةَ لهم إلَّا على ذلك.

قال الإباضيُّ أبو يعقوب يوسف بنُ إبراهيم الورجلانيُّ وهو يتكلَّم عن أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه:

«وعزلُه وخلعُه وقتلُه حقٌّ؛ لانتهاكه الحُرَمَ الأربع:

أولاها: استعمالُه الخَوَنَة الفجرة..

وثانيها: ضربُه الأبشار، وهتكُه الأستار..

وثالثُها: تبذيره الأموالَ وإسرافُه فيها.. فحَرَم العطايا لأهل العطايا فجاد بها على اللعين وأبنائه الملاعين..

الرابعة: حين ظهرَتْ (خيانتُه) فاتَّهموه على دِينهم، فطلبوه أَنْ ينخلع، فأبى وامتنع؛ فانتهكوا منه الحُرَمَ الأربع: حرمةَ الإمامة، وحرمةَ الصحبة، وحرمةَ الشهر الحرام، وحرمةَ الإسلام، حين انخلع مِنْ حرمةِ هذه الحُرَم؛ إذ لا يُعيذُ الإسلامُ باغيًا، ولا الإمامةُ خائنًا، ولا الشهرُ الحرام فاسقًا، ولا الصحبةُ مُرْتَدًّا على عَقِبِه!!»(٣٩).

نعوذ بالله مِنْ قولِ هذا الإباضيِّ على الصحابيِّ الجليل عثمان بنِ عفَّان رضي الله عنه، الذي جَمَعَ القرآنَ، وتزوَّج ابنتَيْ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وجهَّز جيشَ العُسْرَة حتَّى قال عنه الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ اليَوْمِ»(٤٠)، وبشَّره بالجنَّة بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «وَعُثْمَانُ فِي الجَنَّةِ»(٤١).

فهل يرضى مسلمٌ أَنْ يُتقوَّلَ على عثمان رضي الله عنه بمِثْلِ قولِ هذا الإباضيِّ الذي يَعُدُّه الإباضيةُ مِنْ علمائهم؟ اللهم إنَّا نَبْرَأُ إليك مِنْ هذا وقولِه، وممَّنْ تَبِعَه.

موقفهم مِنْ عليٍّ رضي الله عنه:

فإنه يتَّضح موقفُهم منه بما جاء في كتابِ: «كشف الغُمَّة» تحت عنوان: فصلٌ مِنْ كتابِ «الكفاية» قولُه: «فإِنْ قال: ما تقولون في عليِّ بنِ أبي طالبٍ؟ قلنا له: إنَّ عليًّا مع المسلمين في مَنْزِلة البراءة»، وذَكَرَ أسبابًا ـ كُلُّها كذبٌ ـ تُوجِبُ البراءةَ منه ـ في زعمِ مؤلِّفِ هذا الكتاب ـ منها: حربُه لأهل النهروان، وهو تحاملٌ يشهد بخارجيَّتِه المذمومة.

قال زعيمُ الإباضية عبدُ الله بنُ إباضٍ نَفْسُه في كتابه لعبد الملك عن معاوية ويزيد وعثمان ـ كما يرويه صاحِبُ «كشف الغمَّة» ـ: «فإنَّا نُشْهِدُ اللهَ وملائكتَه أنَّا بَرَاءٌ منهم وأعداءٌ لهم بأيدينا وألسنتنا وقلوبنا، نعيش على ذلك ما عِشْنَا ونموت عليه إذا مِتْنا، ونُبْعَثُ عليه إذا بُعِثْنا، نُحاسَبُ بذلك عند الله» اﻫ، وكفى بهذا خروجًا.

وصاحِبُ كتابِ: «كشفِ الغمَّة الجامع لأخبار الأُمَّة» يشتم الحسنَ والحسين رضي الله عنهما، وأَوْجَبَ البراءةَ منهما بسبب ولايتهما لأبيهما على ظُلْمِه وغشمِه ـ كما يزعم ـ كذلك بسببِ قتلِهما عبدَ الرحمن بنَ مُلْجمٍ، وتسليمِهما الإمامةَ لمعاوية رضي الله عنه.

ونفس الموقف الذي وَقَفه الخوارجُ ـ عمومًا ـ والإباضيةُ ـ أيضًا ـ مِنَ الصحابة السابقين رضي الله عنهم وقفوه ـ أيضًا ـ مِنْ طلحة بن عبيد الله والزبير بنِ العوَّام رضي الله عنهما، وأوجب لهما الورجلانيُّ النارَ(٤٢).

فسبحان الله!! ما أَجْرَأَ أهلَ البِدَعِ والزيغ على شتمِ خيار الناس بعد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الذين نصروا الإسلامَ بأَنْفُسهم وأموالهم وأولادهم، ومات الرسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو راضٍ عنهم!! قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»(٤٣).

وقد قال شيخ السُّنَّة أبو زُرْعةَ الرازيُّ ـ رحمه الله ـ: «إذا رأيتَ الرجلَ ينتقص أحَدًا مِنْ أصحابِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فاعْلَمْ أنه زنديقٌ»(٤٤).

فمِنْ أصول أهل السُّنَّة: سلامةُ قلوبهم مِنْ بغضِ الصحابة رضي الله عنهم، ومِنَ الغِلِّ والحقد عليهم، وكذلك سلامةُ ألسنتهم؛ فلا يَسُبُّون ولا يتبرَّؤون مِنْ أَحَدٍ منهم، بل يُحِبُّون أصحابَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بقلوبهم، ويُثْنون عليهم بألسنتهم، ويَدْعون لهم كما وَصَفَ اللهُ تعالى التابعين لأصحاب الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم مِنَ المُهاجِرين والأنصار رضي الله عنهم؛ حيث قال سبحانه: ﴿وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ ١٠ [الحشر].

بعض عقائد الإباضية:

إنَّ الإباضية كغيرهم مِنْ أهل البِدَعِ لهم عقائدُ خالَفوا فيها منهجَ أهل السُّنَّة والجماعة، ووافقوا فيها مَنْ على شاكِلتهم مِنَ المبتدعة الضُّلَّال، ومِنَ الأصول التي خالَفوا فيها:

صفات الله عزَّ وجلَّ:

أمَّا ما يتعلَّق بصفات الله تعالى فإنَّ الإباضية انقسموا فيها فريقين:

ـ فريقٌ نفى الصفاتِ نفيًا تامًّا؛ خوفًا مِنَ التشبيه ـ بزعمهم ـ فهُمْ كالجهمية في ذلك.

ـ وفريقٌ منهم يُرْجِعون الصفاتِ إلى الذات فيقولون: إنَّ الله عالمٌ بذاته وقادرٌ بذاته وسميعٌ بذاته...إلخ؛ فالصفاتُ عندهم عينُ الذات.

قال أحمد بنُ النظر مِنْ علمائهم:

وَهُوَ السَّمِيعُ بِلا أَدَاةٍ تَسْمَعُ إِلَّا بِقُدْرَةِ قَادِرٍ وَحْدَانِي

وَهُوَ البَصِيرُ بِغَيْرِ عَيْنٍ رُكِّبَتْ فِي الرَّأْسِ بِالأَجْفَانِ وَاللَّحَظَانِ

جَلَّ المُهَيْمِنُ عَنْ مَقَالِ مُكَيِّفٍ أَوْ أَنْ يُنَالَ دِرَاكُهُ بِمَكَانِ(٤٥)

ويقول السالمي:

أَسْمَاؤُهُ وَصِفَاتُ الذَّاتِ لَيْسَ بِغَيْـ ـرِ الذَّاتِ بَلْ عَيْنُهَا فَافْهَمْ وَلَا تَحلَا

وَهْوَ عَلَى العَرْشِ وَالأَشْيَا اسْتَوَى وَإِذَا عَدَلْتَ فَهْوَ اسْتِوَاءٌ غَيْرُ مَا عُقِلا

وَإِنَّمَا إِسْتَوَى: مُلْكٌ وَمَقْدِرَةٌ لَهُ عَلَى كُلِّهَا اسْتِيلَا وَقَدْ عَدَلا

كَمَا يُقَالُ: اسْتَوَى سُلْطَانُهُمْ فَعَلَا عَلَى البِلَادِ فَحَازَ السَّهْلَ وَالجَبَلَا(٤٦)

وقال العيزابي منهم:

«الحمد لله الذي استوى على العرش أي: مَلَكَ الخَلْقَ واستولى عليه، وإلَّا لَزِمَ التحيُّزُ وصفاتُ الخَلْق»(٤٧).

وهذا ـ في الحقيقة ـ نفيٌ للصفات، ولكنَّه نفيٌ مغطًّى بحيلةِ إرجاعها إلى الذات، وعدَمُ مشابهتها لصفات الخَلْق، وقد شنَّع الورجلانيُّ منهم على الذين يُثْبِتون الصفاتِ بأنهم مشبِّهةٌ كعُبَّاد الأوثان، وأنَّ مذهب أهل السنَّة هو ـ حَسَبَ زعمِه ـ تأويلُ الصفات: فاليدُ: النعمةُ والقدرة، والوجه: الذاتُ، ومجيءُ الله: مجيءُ أَمْرِه لفصلِ القضاء؛ لأنَّ إثبات الصفاتِ لله هو عينُ التشبيه كما يزعم(٤٨).

ومعلومٌ لطُلَّاب الحقِّ أنَّ هذا ليس هو مذهبَ السلف الذين يُثْبِتون الصفاتِ لله كما وَصَفَ بها نَفْسَه في كتابه الكريم ووَصَفَه بها رسولُه صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ غير تشبيهٍ ولا تعطيلٍ ولا تحريفٍ ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ.

رؤية الله عزَّ وجلَّ:

وذهبَتِ الإباضيةُ ـ في بابِ رؤية الله تعالى ـ إلى إنكارِ وقوعها؛ لأنَّ العقل ـ كما يزعمون ـ يُحيلُ ذلك ويَستبعِدُه، وللاطِّلاع على أدِلَّتهم وتفنيدِها نُحيلُكم على فتوى الشيخ أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ بعنوان: «في رؤية المؤمنين اللهَ تعالى يومَ القيامة»(٤٩).

كلام الله تعالى:

ومِنْ عقائد الإباضية في كلام الله تعالى: القولُ بخَلْقِ القرآن، بل حَكَمَ بعضُ علمائهم كابن جميعٍ والورجلانيِّ أنَّ مَنْ لم يَقُلْ بخَلْق القرآن فليس منهم(٥٠). وقد عَرَفَ المسلمون أنَّ القول بخلقه مِنْ أَبْطَلِ الباطل إلَّا مَنْ بقي على القول بخلقه منهم وهُمْ قلَّةٌ شاذَّةٌ بالنسبة لعامَّة المسلمين، وموقفُ السلفِ واضحٌ فيها وهو موقفُ إمامِ السنَّة أحمد بنِ حنبلٍ رضي الله عنه، وهو القول بأنَّ القرآن كلامُ الله غيرُ مخلوقٍ، تَكلَّمَ اللهُ به بكيفيةٍ لا نعلمها، وقد تواتَرَتِ النصوصُ عن السلف رضي الله عنهم بأنَّ القول بخلق القرآن كفرٌ وضلالٌ ـ والعياذُ بالله ـ.

عذاب القبر:

وقد أَنْكَرَ بعضُ الإباضية عذابَ القبر وأَثْبَته بعضُهم، قال النفوسيُّ في «متن النونية»:

وَأَمَّا عَذَابَ القَبْرِ ثَبَّتَ جَابِرٌ وَضَعَّفَهُ بَعْضُ الأَئِمَّةِ بِالوَهَنْ(٥١)

ومعتقَدُ السلف ـ جميعًا ـ هو القول بثبوت عذاب القبر ونعيمِه، كما صحَّتْ بذلك النصوصُ الكثيرة مِنَ الكتاب والسنَّة.

معتقدهم في الميزان:

الميزان ـ عند السلف والمسلمين كما جاء في النصوص ـ: له كفَّتان حِسِّيَّتان مشاهَدتان، تُوزَنُ فيه أعمالُ العباد كما يُوزنُ العاملُ نَفْسُه، أمَّا الإباضية فتُنْكِرُ هذا الوصفَ ويُثْبِتون وزنَ اللهِ للنيَّات والأعمال بمعنَى تمييزه بين الحسن منها والسيِّئ، وأنَّ الله يفصل بين الناس في أمورهم، ويَقِفون عند هذا الحدِّ غيرَ مُثْبِتين ما جاءَتْ به النصوصُ مِنْ وجود الموازين الحقيقية يومَ القيامة(٥٢).

الصراط:

وكما أَنْكَرَ الإباضيةُ الميزانَ أنكروا ـ كذلك ـ الصراطَ، وقالوا: إنه ليس بجسرٍ على ظهر جهنَّم(٥٣)، وذَهَبَ بعضُهم ـ وهُمْ قلَّةٌ ـ إلى إثبات الصراط.

والسلف على اعتقادِ أنَّ الصراط جسرُ جهنَّمَ، وأنَّ العباد يَمُرُّون عليه سرعةً وبطءًا حَسَبَ أعمالهم، ومنهم مَنْ تَخْطَفه كلاليبُ النارِ فيهوي فيها.

التقيَّة:

وجوَّز الإباضيةُ التقيَّةَ كإخوانهم الرافضة، وقد أَوْرَدَ الربيعُ بنُ حبيبٍ في «مسنده» رواياتٍ في الحثِّ على التقيَّة تحت عنوان: «بابُ ما جاء في التقيَّة»؛ فلهم نصيبٌ مِنْ مُشابَهةِ الروافض في ذلك.

عقائد أخرى:

قال أبو الحسن الأشعريُّ ـ رحمه الله ـ: «والإباضية يقولون: إنَّ جميعَ ما افترض اللهُ سبحانه على خَلْقه إيمانٌ، وإنَّ كُلَّ كبيرةٍ فهي كفرُ نعمةٍ لا كُفْرُ شركٍ، وإنَّ مرتكِبِي الكبائر في النار خالدون مخلَّدون فيها»(٥٤).

وقال يزيد بنُ أُنَيْسة زعيمُ اليزيدية مِنَ الإباضية: «نتولَّى مَنْ شَهِدَ لمحمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم بالنبوَّة مِنْ أهل الكتاب وإِنْ لم يدخلوا في دِينه ولم يعملوا بشريعته»، وزَعَمَ أنهم بذلك مؤمنون(٥٥).

وقال الإباضية جميعًا: «إنَّ الواجب أَنْ يستتيبوا مَنْ خالَفَهم في تنزيلٍ أو تأويلٍ، فإِنْ تاب وإلَّا قُتِل، كان ذلك الخلافُ فيما يَسَعُ جهلُه أو فيما لا يَسَعُ جهلُه»(٥٦).

وقالوا: «مَنْ زَنَى أو سَرَقَ أُقيمَ عليه الحدُّ ثمَّ استُتيبَ فإِنْ تاب وإلَّا قُتِل»، وقالوا: «الإصرارُ على أيِّ ذنبٍ كان كفرٌ»(٥٧).

هذا، وإنما كُتِبَ ما كُتِبَ لا تشهيًّا لأَغْراضٍ، أو انتهاكًا لأعراضٍ، وإنما لبيانِ الحقِّ، ونصحًا لمَنْ كان في قلبه قَبولٌ له، داعين بدعاء خاتم الأنبياء والمُرْسَلين: «اللهم رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ؛ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»(٥٨).

وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.

 


(١) انظر: «مقالات الإسلاميِّين» للأشعري (١٧٤).

(٢) انظر: «مقالات الإسلاميِّين» للأشعري (١٧٠)، «المِلَل والنِّحَل» للشهرستاني (١/ ١٨٠)، «الفَرْق بين الفِرَق» للبغدادي (٨٢).

(٣) انظر الفتوى رقم: (٢٦٣) على الموقع الرسميِّ لفضيلة الشيخ أبي عبد المعزِّ ـ حفظه الله ـ.

(٤) يجدر التنبيهُ إلى أنَّه لا يُوجَدُ في صِيَغِ السلام لفظةُ: «تعالى».

(٥) «منهاج السنَّة النبوية» لابن تيمية (٢/ ٣٤٢).

(٦) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ (٣٤٥٦، ٧٣٢٠)، ومسلمٌ (٢٦٦٩)، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه.

(٧) تنبيه: مُقتبَسٌ مِنْ كتابٍ موسومٍ ﺑ: «مسيرة ركب الشيطان» لأبي عبد الله الذهبي.

(٨) انظر: «الدولة الأموية» ليوسف العش (٢١٥ ـ ٢١٦).

(٩) انظر: «المِلَل والنِّحَل» للشهرستاني (١/ ١٣٤).

(١٠) انظر: «تاريخ الطبري» (٥/ ٥٦٦ ـ ٥٦٧)، و«العقود الفضِّية في أصول الإباضية» لسالم بنِ حمد الحارثي الإباضي (١٢١ ـ ١٢٢).

(١١) انظر: المرجع نفسه (١٢٣). وانظر ـ أيضًا ـ:«تاريخ الطبري» (٥/ ٥٦٨)، «الكامل» لابن الأثير (٣/ ٢٥٥ ـ ٢٥٦)، «الكامل» للمبرِّد (٢/ ٢١٢ ـ ٢١٤).

(١٢) انظر: «العقود الفضِّية» لسالم بنِ حمد الحارثي (١٢١)، وانظر: «تاريخ الطبري» (٥/ ٥٦٨)، و«الكامل» لابن الأثير (٣/ ٢٥٦).

(١٣) انظر: المصدر السابق نَفْسَه.

(١٤) انظر: المصدر السابق نَفْسَه (١٢٢).

(١٥) انظر: المرجع نَفْسَه (٩٣). ويُؤكِّدُ صاحِبُ «مختصر تاريخ الإباضية» لأبي ربيع سليمان باشا الباروني (٢٤): أنه وُلِد عام (١٨ﻫ).

(١٦) انظر: «التاريخ الصغير» للبخاري (١/ ٢٠٩).

(١٧) انظر: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (٧/ ١٨٢).

ويُؤيِّدُ الإباضيةُ المعاصرون ما رواهُ الإمام أحمد مِنْ أنَّ جابرًا تُوُفِّيَ عامَ ثلاثٍ وتسعين، على أساسِ أنها روايةُ أبي عبيدة مسلم بنِ أبي كريمة، أحَدِ تلامذةِ جابرٍ الكِبار. انظر: «العقود الفضِّية» لسالم بنِ حمد الحارثي (٩٣ ـ ٩٤)، «أجوبة ابنِ خلفون» لأبي يعقوب يوسف بنِ خلفون (٩).

(١٨) انظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (٢/ ٣٨).

(١٩) انظر: «الطبقات الكبرى» لابنِ سعد (٧/ ١٨٠).

(٢٠) هو عزرة بنُ عبد الرحمن الخزاعيُّ، كوفيٌّ ثبتٌ، كان يختلف إلى سعيد بنِ جبيرٍ، [انظر: «التاريخ الصغير» للبخاري (١/ ٢٢٧)، «تهذيب التهذيب» لابن حجر (٧/ ١٩٢ ـ ١٩٣)].

(٢١) «الطبقات الكبرى» لابن سعد (٧/ ١٨١)، «تهذيب التهذيب» لابن حجر (٢/ ٣٨).

(٢٢) انظر: «الأصول التاريخية للفرقة الإباضية» لعوض محمَّد خليفات (٢٩)، «عُمان في فجر الإسلام» لسيدة إسماعيل كاشف (٥٥).

(٢٣) انظر: «مختصر تاريخ الإباضية» لسليمان باشا الباروني (٢٤).

(٢٤) انظر: «أجوبة ابن فرحون» (٩) هامش: (١)، «النُّظُم الاجتماعية والتربوية عند الإباضية» لعوض محمَّد خليفات (١٥).

(٢٥) انظر: «أجوبة ابنِ فرحون» (١٠٧)، «الإباضية بين الفِرَق الإسلامية» لعلي يحيى معمَّر (١٤٠)، الجزء الأوَّل مِنْ «شرح النُّظُم الاجتماعية والتربوية عند الإباضية» لعوض محمَّد خليفات (١٥ ـ ١٧).

(٢٦) انظر: «العقود الفضِّية» لسالم بنِ حمد الحارثي (٩٤)، «اللُّمعة المَرْضية مِنْ أشعَّة الإباضية» لنور الدين السالمي (١٨/ ١٩)، ويذهب صاحبُ هذا الكتابِ إلى أنَّ «مسند الربيع» أَصَحُّ الكتب عند الإباضية بعد كتاب الله تعالى؛ لأنَّ فيه: سند الأحاديث عن أبي عبيدة عن جابر بنِ زيدٍ عن ابن عبَّاسٍ أو غيره مِنَ الصحابة عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، كما يزعم بأنه أعلى سندًا مِنْ «صحيح البخاري»!!؟

(٢٧) انظر: «الإباضية بين الفِرَق الإسلامية» لعلي يحيى معمَّر (١٣٤).

(٢٨) هذا هو المشهور لدى المحدِّثين، وقد يُطْلَقُ المسندُ لديهم على كتابٍ مرتَّبٍ على الأبواب والحروف لا على الصحابة؛ وذلك لأنَّ أحاديثه مسندةٌ ومرفوعةٌ إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مثل: «مسند بقيِّ بنِ مخلدٍ الأندلسيِّ» فإنه مرتَّبٌ على أبواب الفقه، [انظر: «أصول التخريج ودراسة الأسانيد» لمحمود الطحَّان (ص: ٤٠)].

(٢٩) انظر: «شُبَه تدحضها حقائق» للشيخ الحاج محمَّد بن الشيخ المغربي (٩ ـ ١٢).

(٣٠) انظر: «مناهج المحدِّثين» لأبي لبابة حسين، مذكِّرات مخطوطة (٤١ ـ ٤٢).

(٣١) انظر: «شُبَه تدحضها حقائق» للشيخ الحاج محمَّد بن الشيخ المغربي (١٣ ـ ١٤).

(٣٢) انظر: «مناهج المحدِّثين» لأبي لبابة (٤٢ ـ ٤٣).

(٣٣) انظر: «الإصابة» لابن حجر (١/ ١٠).

(٣٤) انظر: «شُبَه تدحضها حقائق» للشيخ الحاج محمَّد بن الشيخ المغربي (٤٠).

(٣٥) يقول صاحِبُ «شرح الجامع الصحيح» (١/ ٥٩): «واعْلَمْ أنَّ اسْمَ الخوارج كان في الزمان الأوَّل مدحًا؛ لأنه جمعُ خارجة، وهي الطائفة التي تخرج للغزو في سبيل الله تعالى، قال عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَوۡ أَرَادُواْ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةٗ[التوبة: ٤٦]، ثمَّ صار ذمًّا لكثرة تأويل المُخالِفين أحاديثَ الذمِّ في مَنِ اتَّصف بذلك في آخِرِ الزمان، ثمَّ زاد استقباحُه حين استبدَّ به الأزارقةُ والصُّفرية؛ فهو مِنَ الأسماء التي اختفى سببُها وقُبِّحَتْ لغيرها؛ فمِنْ ثَمَّ ترى أصحابَنا لا يتسمَّوْن بذلك، وإنما يَتسمَّون بأهل الاستقامة لاستقامتهم في الديانة».

(٣٦) «العقود الفضِّية» لسالم بنِ حمد الحارثي (١٣٥).

(٣٧) انظر: «الإباضية بين الفِرَق الإسلامية» (١٣٣ ـ ٣٧٨) و«الإباضية في موكب التاريخ» (١/ ٣٣ ـ ٣٥) كلاهما لعلي يحيى معمَّر، «العقود الفضِّية» لسالم بنِ حمد الحارثي (٤٥ ـ ٤٦)؛ حيث يُدافِعُ صاحِبُ الكتاب عن الخروج، ويذكر مِنْ بين الخارجين خروجًا مشروعًا: الخارجين على الخليفة عثمان رضي الله عنه، ويَعُدُّ رؤساءَهم ـ بزعمه ـ مِنَ الصحابة.

(٣٨) انظر: «كشف الغمَّة الجامع لأخبار الأمَّة» لسرحان بن سعيد بن سرحان الأزكوي (٢٦٨).

(٣٩) «الدليل والبرهان» للورجلاني (١/ ٤٠ ـ ٤١).

(٤٠) أخرجه الترمذيُّ (٣٧٠١) مِنْ حديثِ عبد الرحمن بنِ سَمُرَة رضي الله عنه.

(٤١) أخرجه أبو داود (٤٦٤٩) وابنُ ماجه (١٣٣) مِنْ حديث سعيد بنِ زيدٍ رضي الله عنه، والترمذيُّ (٣٧٤٧) مِنْ حديث عبد الرحمن بنِ عوف رضي الله عنه. والحديث صحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ﻟ: «مسند أحمد» (٣/ ١٠٨)، والألبانيُّ في تحقيق «المشكاة» (٣/ ١٧٢٧).

(٤٢) انظر: «كشف الغمَّة» للأزكوي (٣٠٤)، «الدليل لأهل العقول» للورجلاني (٢٨).

(٤٣) أخرجه مسلمٌ ـ بهذا اللفظ ـ (٢٥٤٠) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه البخاريُّ (٣٦٧٣) ومسلمٌ (٢٥٤١) مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه.

(٤٤) انظر: «الكفاية» للخطيب البغدادي (٤٩)، «الإصابة» لابن حجر (١/ ١٠).

(٤٥) انظر: «الدعائم» لابن النظر (٣٤).

(٤٦) «غاية المراد» للسالمي (٧).

(٤٧) «الحجَّة في بيان المحجَّة في التوحيد بلا تقليد» للعيزابي (٦، ١٨).

(٤٨) انظر: «الدليل لأهل العقول» للورجلاني (٣٢).

(٤٩) انظر الفتوى رقم: (٧٦٨) على الموقع الرسميِّ لفضيلة الشيخ أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ.

(٥٠) انظر: «مقدِّمة التوحيد» لابن جميع (١٩)، و«الدليل لأهل العقول» للورجلاني (٥٠).

(٥١) انظر: «متن النونية» للنفوسي (٢٧).

(٥٢) انظر: «متن النونية» للنفوسي (٢٥).

(٥٣) انظر: «غاية المراد» للسالمي (٩).

(٥٤) «مقالات الإسلاميِّين» لأبي الحسن الأشعري (١/ ١٨٩).

(٥٥) انظر: المصدر السابق (١/ ١٨٤).

(٥٦) المصدر السابق (١/ ١٨٦).

(٥٧) المصدر السابق (١/ ١٨٦، ١٨٧).

(٥٨) أخرجه مسلمٌ (٧٧٠) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)