الفتوى رقم: ٤١٤

الصنف: فتاوى الأسرة ـ عقد الزواج ـ الحقوق الزوجية ـ الحقوق المشتركة

في حكم إجهاضِ حيٍّ بسبب الإعاقة والتشويه

السؤال:

لقد رَزَقَ اللهُ عزَّ وجلَّ أحَدَ إخواننا بحَمْلِ زوجته، لكِنْ بعد مرورِ أربعةِ أشهرٍ مِنَ الحملِ أَبْلَغه الأطِبَّاءُ أنَّ ابنَه إِنْ وُلِد فسيُولَدُ معوَّقًا أو مشوَّهًا، وإِنْ كان لن يُشَكِّلَ أيَّ خطرٍ على صحَّةِ الأمِّ؛ فتَعَجَّلَ هذا الأخيرُ في أَمْرِه وتَسَرَّعَ في قراره، وقام بإسقاطِ هذا الجنينِ ـ واللهُ المستعانُ ـ فماذا يترتَّب عليه شرعًا؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فإذا استقرَّتِ النطفةُ في رحِمِ المرأة فلا يجوز إسقاطُها، كما لا يجوز إسقاطُ الجنين سواءٌ قبل نفخِ الروح فيه أو بعد ذلك، إلَّا إذا اقترن بما تتضرَّرُ به المرأةُ في صحَّتها؛ فإنه يجوز ـ حينئذٍ ـ إسقاطُه قبل نَفْخِ الروح فيه.

كما يجوز عند جمهورِ أهلِ العلم إسقاطُه فيما إذا شكَّل خطرًا على حياة الأمِّ، أو أدَّى إلى موتِ مَنْ كانَتْ سببًا في وجوده ولو بعد نَفْخِ الروحِ فيه؛ لأنها سببُ وجوده فلا يكون سببًا في إعدامها وإماتتها، هذا مِنْ جهةٍ.

ومِنْ جهةٍ أخرى فمِنْ حقِّ الجنين أَنْ يعيش ولو مع حدوثِ إعاقاتٍ له في جسده؛ إذ إنه ـ مِنَ النظرة الشرعيَّة ـ مخلوقٌ تامُّ الخِلْقةِ ولو مع وجودِ هذه العيوب؛ لقوله تعالى: ﴿ٱلَّذِيٓ أَحۡسَنَ كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقَهُۥ[السجدة: ٧]، ولقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «كُلُّ خَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَسَنٌ»(١)؛ وهذه الإعاقاتُ ـ بالنظر إلى مَنْ كَمُلَتْ أجزاؤه ـ تُعَدُّ عيوبًا، وإلَّا فهي خِلْقةٌ تامَّةٌ وافَقَتْ حكمةَ الله ـ سبحانه وتعالى ـ وسُنَّتَه في عِباده ومخلوقاته، ومِنْ حَقِّ المخلوقِ أَنْ يعيش عُمُرَه كبقيَّة الناس؛ فلا يجوز وَضْعُ حدٍّ لحياته إجهاضًا بعد نفخِ الروح فيه أو بغيرِ ذلك مِنَ الوسائل.

ومَنْ قَتَلَ نَفْسًا بعد نَفْخِ الروح فيها مِنْ غيرِ سببٍ مُرْضٍ ـ كما تَقَرَّرَ ذِكْرُه ـ لا يقصد مِنْ وراءِ ذلك العَمْدَ والعدوانَ خاصَّةً مِنْ أبٍ أو أمٍّ اشتركا في ذلك؛ فإنه يتقرَّر في حقِّهما صيامُ شهرين مُتَتَابِعَيْن، ولا يأخذَان مِنَ الدِّيَةِ شيئًا إِنْ قدَّماها لوارِثِيه، فإِنْ تَنازَلوا عنها فليس عليهما إلَّا كفَّارةُ الصيامِ كحقٍّ مِنْ حقوق الله ـ سبحانه وتعالى ـ.

أمَّا إذا كان الإجهاضُ لسببٍ مشروعٍ بعد نفخ الرُّوح فيه لدفعِ مفسدة الهلاك فليس عليهما كفَّارةٌ ولا دِيَةٌ لأنَّ «الجَوَازَ يُنَافِي الضَّمَانَ».

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٤ ربيع الأوَّل ١٤٢٧ﻫ
الموافق ﻟ: ١٢ أفريل ٢٠٠٦م

 



(١) أخرجه أحمد في «مسنده» (١٩٤٧٢) مِنْ حديثِ الشَّرِيد بنِ سُوَيدٍ الثَّقَفيِّ رضي الله عنه. وانظر: «السلسلة الصحيحة» للألباني (١٤٤١، ٢٦٨٢).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)