الحرص والطمع على الدنيا | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الخميس 9 شوال 1445 هـ الموافق لـ 18 أبريل 2024 م



الحرص والطمع على الدنيا

عن كعب بن مالكٍ الأنصاريِّ رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ»، وفي روايةٍ: «مَا ذِئْبَانِ ضَارِيَانِ جَائِعَانِ فِي غَنَمٍ افْتَرَقَتْ، أَحَدُهُمَا فِي أَوَّلِهَا وَالآخَرُ فِي آخِرِهَا، بِأَسْرَعَ فَسَادًا مِنِ امْرِئٍ فِي دِينِهِ يُحِبُّ شَرَفَ الدُّنْيَا وَمَالَهَا» [رواه أحمد (١٥٧٨٤)، الترمذي (٢٣٧٦)، وصحَّحه الألباني في «صحيح الجامع» (٥٦٢٠)].

هذا مَثَلٌ عظيمٌ ضربه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لبيان مدى الفساد الذي يلحق المسلمَ في دينه وإيمانه عندما يحرص على المال والشرف في الدنيا ويجعل من هذا الحرص هدفًا قائمًا بذاته يسعى لتحقيقه دون ضوابط ولا حدودٍ، وعندها سيلحق بدينه الهلاكُ المحقَّق وسيخسر آخرَته لينال عرضًا دنيويًّا زائلًا.

ولو تأمَّلْنا دقَّةَ هذا المثل النبويِّ لعرفنا عِظَمَ المصيبة، فالذئبان الجائعان إذا أُرسلا في قطيعٍ من الغنم وأحاطا به من جانبيه وقد غاب الراعي الحارسُ لذلك القطيع؛ فإنهما سيهلكانه ويفترسانه، ولن ينجوَ من الغنم إلَّا القليل، وكذلك يُعَدُّ الحرص الفاجع من أصحاب الدنيا لبلوغ الشهوة وجمعِ الأموال دون رقابةٍ أو وازعٍ إيمانيٍّ أكثرَ إفسادًا لدين المسلم من إفساد الذئبين الجائعين.

وهكذا يظهر خطر انحراف الشهوات عن طريقها، وتحوُّلُها إلى مرضٍ يفتك بالنفس ويُحيل الإنسانَ إلى حيوانٍ كاسرٍ، شغلُه الشاغل أن يرضيَ أهواءه ولو على حساب إيذاء الآخرين وظلمهم.

ولا شكَّ أنَّ الذي يجعل الآخرةَ نصب عينيه فإنه يسعى دائمًا لتسخير هذه الشهوات في مرضاة ربِّه عزَّ وجلَّ، وأمَّا من تعلَّقت نفسُه بالدنيا وامتلأ قلبُه بحبِّها فإنه سيجعل من شهواته هدفًا ومقصدًا حتى يكون عبدًا لها، وعندها سيحرص عليها، ويلهث وراءها بكلِّ ما أوتي من قوَّةٍ، ويبيع دينَه بعرضٍ من أعراضها الزائلة.

[راجع: شرح حديث ما ذئبان جائعان لابن رجبٍ الحنبلي]