في معنى استعتب | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الجمعة 10 شوال 1445 هـ الموافق لـ 19 أبريل 2024 م



في معنى استعتب

قال ابن القيِّم رحمه الله تعالى: «وأمَّا استعتب فللطلب، أي: طلب الإعتاب، فهو لطلب مصدر الرباعيِّ الذي هو أعتب، أي: أزال عتبه لا لطلب الثلاثيِّ الذي هو العَتْب، فقوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ المُعْتَبِينَ[فُصِّلت: ٢٤]، أي: وإن يطلبوا إعتابَنا وإزالةَ عَتْبِنا عليهم، ويقال: عَتَب عليه إذا أعرض عنه وغضب عليه، ثمَّ يقال: استعتب السيِّدُ عبدَه، أي: طلب منه أن يزيل عَتْبَ نفسِه عنه بعوده إلى رضاه فأعتبه عبدُه أي: أزال عَتْبَه بطاعته، ويقال: استعتب العبدُ سيِّدَه أي: طلب منه أن يزيل غضبَه وعَتْبَه عنه فأعتبه سيِّدُه، أي: فأزال عَتْبَ نفسه عنه. وعلى هذا فقوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ المُعْتَبِينَ[فُصِّلت: ٢٤]، أي: وإن يطلبوا إعتابَنا ـ وهو إزالةُ عَتْبِنا عنهم ـ فما هم من المزال عَتْبُهم، لأنَّ الآخرة لا تقال فيها عثراتُهم، ولا يُقْبَل فيها توبتُهم، وقوله: ﴿لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ[النحل: ٨٤]، أي: لا يُطلب منهم إعتابُنا، وإعتابُه تعالى إزالة عَتْبِه بالتوبة والعمل الصالح، فلا يُطلب منهم يوم القيامة أن يُعتِبوا ربَّهم فيزيلوا عَتْبَه بطاعته واتِّباع رسله، وكذلك قوله: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ [الروم: ٥٧]، وقول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في دعاء الطائف: «لك العتبى» هو اسمٌ من الإعتاب لا من العتب أي: أنت المطلوب إعتابُه ولك عليَّ أن أُعْتِبَك وأرضيَك بطاعتك، فأفعلَ ما ترضى به عنِّي وما يزول به عَتْبُك عليَّ، فالعَتْبُ منه على عبده والعُتبى والإعتاب له من عبده، فهاهنا أربعة أمورٍ:

الأوَّل: العَتْبُ، وهو من الله تعالى، فإنَّ العبد لا يَعْتِبُ على ربِّه فإنه المحسن العادل فلا يُتصوَّر أن يعتب عليه عبدُه إلَّا والعبد ظالمٌ، ومن ظنَّ من المفسِّرين خلافَ ذلك فقد غَلِط أقبحَ غلطٍ.

الثاني: الإعتاب، وهو من الله ومن العبد باعتبارين: فإعتاب الله عبدَه إزالة عَتْبِ نفسه عن عبده، وإعتابُ العبد ربَّه إزالةُ عَتْبِ الله عليه، والعبد لا قدرة له على ذلك إلَّا بتعاطي الأسباب التي يزول بها عَتْبُ الله عليه.

الثالث: الاستعتاب، وهو من الله أيضًا، ومن العبد بالاعتبارين، فالله يستعتب عبادَه أي: يطلب منهم أن يُعْتِبُوه ويزيلوا عَتْبَه عليهم، ومنه قول ابن مسعودٍ وقد وقعت الزلزلة بالكوفة: «إنَّ ربَّكم يَستعتبكم فأَعْتِبوه» والعبد يستعتب ربَّه أي: يطلب منه إزالةَ عَتْبِه.

الرابع: العتبى، وهي اسم الإعتاب.

فاشددْ يديك بهذا الفصل الذي يعصمك من تخبيط كثيرٍ من المفسدين لهذه المواضع، ومنه قول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِمَّا مُحْسِنٌ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ، وَإِمَّا مُسِيءٌ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ» [رواه البخاري (٥٦٧١)، ومسلم (٢٦٨٠)] أي: يطلب من ربِّه إعتابَه بتوفيقه للتوبة وقَبولها منها، فيزول عَتْبُه عليه. والاستعتاب نظير الاسترضاء وهو طلب الرضى. وفي الأثر: «إِنَّ العَبْدَ لَيَسْتَرْضِي رَبَّهُ فَيَرْضَى عَنْهُ. وَإِنَّ اللهَ ليسترضي فَيَرْضَى». لكنَّ الاسترضاء فوق الاستعتاب فإنه طلبُ رضوان الله، والاستعتاب: طلب إزالة غضبه وعَتْبِه وهما متلازمان.

[«بدائع الفوائد» لابن القيِّم (٢/ ٤٨٣)]