الفرق بين لام كي ولام العاقبة | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الأربعاء 15 شوال 1445 هـ الموافق لـ 24 أبريل 2024 م



الفرق بين لام كي ولام العاقبة

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

إنَّ «لام العاقبة» التي لم يُقصد فيها الفعل لأجل العاقبة إنما تكون من جاهلٍ أو عاجزٍ:

١ـ فالجاهل: كقوله تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا[القصص: ٨]، لم يعلم فرعون بهذه العاقبة، أي: أنه لم يكن يدري ما ينتهي إليه أمرُ موسى عليه السلام.

٢ـ والعاجز أي: العاجز عن ردِّ عاقبة فعلِه كقولهم:

لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ * فَكُلُّكُمُ يَصِيرُ إِلَى تَبَابِ

فإنهم يعلمون هذه العاقبةَ لكنَّهم عاجزون عن دفعها، أي: أنَّ بني آدم عاجزون عن دفع الموت عن أنفسهم والخرابِ عن ديارهم.

والجهمية الغلاةُ أنكروا حكمةَ الله ورحمتَه وقالوا: لم يخلق لحكمةٍ ولم يأمر بحكمةٍ وليس في القرآن لام كي، لا في خلقه ولا في أمره، وزعموا أنَّ قوله تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ[الجاثية : ١٣]، ﴿خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا[البقرة: ٢٩]، ﴿وَللهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى[النجم : ٣١]، ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ[النساء: ١٦٥]، وأمثال ذلك إنما اللام فيه لام العاقبة كقوله تعالى السابق: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾. ولم يعلموا أنَّ لام العاقبة إنما تصحُّ ممَّن يكون جاهلًا بعاقبة فعله، أو ممَّن يكون عاجزًا عن ردِّ عاقبة فعلِه على النحو الذي سبق ذكرُه أوَّلًا، وأمَّا من هو بكلِّ شيءٍ عليمٌ وعلى كلِّ شيءٍ قديرٌ وهو مريدٌ لكلِّ ما خلق فيمتنع في حقِّه لام العاقبة التي تتضمَّن نفيَ العلم أو نفيَ القدرة.

قال ابن القيِّم رحمه الله: وأمَّا لام العاقبة ويسمُّونها لامَ الصيرورة في نحو قوله تعالى: ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا[القصص: ٨] فهي في الحقيقة لام كي، ولكنَّها لم تتعلَّق بالخبر لقصد المخبر عنه وإرادته، ولكنَّها تعلَّقت بإرادة فاعل الفعل على الحقيقة وهو الله سبحانه أي: فعل الله ليكون كذا وكذا، وكذلك قولهم: أعتق ليموت لم يعتق لقصد الموت، ولم يتعلَّق «اللام» بالفعل، وإنما المعنى قدَّر الله أنه يُعتق ليموت فهي متعلِّقةٌ بالمقدور وفعلِ الله، ونظيره: «إِنِّي أَنْسَى لِأَسُنَّ» [ولكنَّه حديثٌ ضعيفٌ] ومن رواه أُنَسَّى بالتشديد فقد كشف قناعَ المعنى، وسمعتُ شيخنا أبا العبَّاس بنَ تيمية يقول: يستحيل دخول لام العاقبة في فعل الله، فإنها حيث وردت في الكلام فهي لجهل الفاعل لعاقبة فعله كالتقاط آل فرعون لموسى فإنهم لم يعلموا عاقبته، أو لعجز الفاعل عن دفع العاقبة نحو: لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ. فأمَّا في فعلِ من لا يعزب عنه مثقال ذرَّةٍ، ومن هو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، فلا يكون قطُّ إلَّا لام كي وهي لام التعليل، ولمثل هذه الفوائد التي لا تكاد توجد في الكتب يُحتاج إلى مجالسة الشيوخ والعلماء [«بدائع الفوائد» (١/ ١٠٠)].

[«اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية في النحو والصرف» لناصر الفهد (٢١٨)]

قال ابن هشامٍ ـ رحمه الله ـ: «لام العاقبة وتُسمَّى ـ أيضًا ـ لامَ الصيرورة ولام المآل وهي التي يكون ما بعدها نقيضًا لمقتضى ما قبلها نحو: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ فإنَّ الْتقاطهم له إنما كان لرأفتهم عليه، ولِما ألقى الله تعالى عليه مِن المحبَّة، فلا يراه أحدٌ إلَّا أحبَّه، فقصدوا أن يصيِّروه قُرَّةَ عينٍ لهم فآل بهم الأَمرُ إلى أن صار عدوًّا لَهُم وحزنًا»(١)، وتسميتها بلام العاقبة وبلام الصيرورة هو قولُ الكوفيِّين(٢).

هذا، وقد أنكر البصريون ومَن تابعهم لَامَ العاقبة، قال الزمخشريُّ: «والتحقيق أنها لامُ العلَّة وأَنَّ التعليل فيها واردٌ على طريق المجاز دون الحقيقة، وبيانُه أنه لم يكن داعيهم إلى الالتقاط أن يكون لهم عدوًّا وحَزَنًا، بل المحبَّة والتبنِّي، غير أنَّ ذلك لمَّا كان نتيجةَ الْتقاطهم له وثمرتَه شُبِّه بالداعي الَّذِي يفعل الفعلَ لأجله، فاللام مستعارةٌ لِما يُشبه التعليل كما استُعير الأسدُ لمن يشبه الأسد»(٣).

قال الإمام الطبري ـ رحمه الله ـ: «وقوله: ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ فيقول القائل: ليكون موسى لآل فرعون عدوًّا وحَزَنًا فالْتقطوه، فيقال: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ قيل: إنهم حين الْتقطوه لم يلتقطوه لذلك، بل لِما تقدَّم ذكرُه، ولكنَّه إن شاء الله كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق في قوله: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ قال: ليكون في عاقبة أمره عدوًّا وحَزَنًا لِما أراد اللهُ به، وليس لذلك أخذوه، ولكن امرأة فرعون قالت: ﴿قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ﴾ فكان قول الله: ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ لِما هو كائنٌ في عاقبة أمره لهم، وهو كقول الآخَر إذا قَرَّعه لفعلٍ، كان فعلُه وهو يحسب محسنًا في فعلِه، فأدَّاه فعلُه ذلك إلى مساءةٍ مندِّمًا له على فعله: فعلتَ هذا لضرِّ نفسك، ولتضرَّ به نَفْسَك فعلتَ. وقد كان الفاعل في حال فعلِه ذلك عند نفسه يفعله راجيًا نَفْعَه، غير أنَّ العاقبة جاءت بخلاف ما كان يرجو. فكذلك قوله: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ إنما هو: فالْتقطه آل فرعون ظنًّا منهم أنهم محسنون إلى أنفسهم، ليكون قرَّةَ عينٍ لهم، فكانت عاقبةُ الْتقاطهم إيَّاه منه هلاكَهم على يديه»(٤).

وقال ابن كثيرٍ ـ رحمه الله ـ: «قال محمَّد بن إسحاق وغيرُه: اللام هنا لامُ العاقبة لا لام التعليل؛ لأنهم لم يريدوا بالْتقاطه ذلك. ولا شكَّ أنَّ ظاهر اللفظ يقتضي ما قالوه، ولكن إذا نُظر إلى معنى السياق فإنه تبقى اللامُ للتعليل؛ لأنَّ معناه أنَّ الله تعالى قيَّضهم لالْتقاطه ليجعله لهم عدوًّا وحَزَنًا، فيكونُ أبلغ في إبطال حذرهم منه؛ ولهذا قال: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾»(٥).

 



(١) «شرح شذور الذهب» لابن هشام (٣٨٣)

(٢) «خزانة الأدب ولبُّ لباب لسان العرب» للبغدادي (٩/ ٥٢٩).

(٣) «مغني اللبيب عن كتب الأعاريب» (٢٨٣)

(٤) «تفسير الطبري» (١٩/ ٥٢٣).

(٥) «تفسير ابن كثير» (٦/ ٢٢٢).