لله درُّك يا عمر (٢) | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الجمعة 10 شوال 1445 هـ الموافق لـ 19 أبريل 2024 م



لله درُّك يا عمر (٢)

قال أسلم مولى الفاروق عمر: خرجْنا مع عمر بن الخطَّاب إلى حرَّة واقمٍ حتَّى إذا كان بصرارٍ إذا نارٌ، فقال: «يا أسلم، إنِّي لأرى هاهنا ركبًا قصَّر بهم الليل والبرد، انطلق بنا»، فخرجْنا نهرول حتَّى دنونا منهم، فإذا امرأةٌ معها صبيانٌ وقدرٌ منصوبةٌ على النار، وصبيانها يتضاغَوْن، فقال عمر: «السلام عليكم يا أصحاب الضوء»، وكره أن يقول: «يا أصحاب النار»، فقالت: «وعليك السلام»، فقال: «أدنو؟»، فقالت: «ادنُ بخيرٍ أو دعْ»، قال: فدنا، وقال: «ما لكم؟»، قالت: «قصَّر بنا الليل والبرد»، قال: «وما بال هؤلاء الصبية يتضاغَوْن؟» قالت: «الجوع»، قال: «فأيُّ شيءٍ في هذه القدر؟»، قالت: «ماءٌ أُسكِّتهم به حتى يناموا، واللهُ بيننا وبين عمر»، قال: «إي ـ رحمكِ الله ـ وما يدري عمرَ بكم؟» قالت: «يتولَّى أمْرَنا ثمَّ يغفل عنَّا؟!» قال: فأقبل عليَّ فقال: «انطلِقْ بنا»، فخرجْنا نهرول حتَّى أتينا دار الدقيق، فأخرج عدلًا من دقيقٍ وكبَّة شحمٍ، فقال: «احمِلْه عليَّ»، فقلت: «أنا أحمله عنك»، فقال: «أنت تحمل وزري يوم القيامة ـ لا أمَّ لك ـ؟» فحملتُه عليه، فانطلق وانطلقتُ معه إليها نهرول، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئًا، فجعل يقول لها: «ذُرِّي عليَّ وأنا أُحِرُّ لكِ»، (أعمل لك حريرةً)، وجعل ينفخ تحت القدر، ثمَّ أنزلها فقال: «ابغيني شيئًا»، فأتته بصحفةٍ فأفرغها فيها، ثمَّ جعل يقول: «أطعِميهم وأنا أسطح لهم»، فلم يَزَلْ حتى شبعوا، وترك عندها فَضْلَ ذلك، وقام وقمت معه فجعلت تقول: «جزاك الله خيرًا، كنتَ أَوْلى بهذا الأمر من أمير المؤمنين»، فيقول: «قولي خيرًا، إذا جئتِ أميرَ المؤمنين وجدتِني هناك ـ إن شاء الله ـ»، ثمَّ تنحَّى عنها ناحيةً، ثمَّ استقبلها فربض مربضًا، فقلتُ: «إنَّ لك شأنًا غير هذا»، فلا يكلِّمني، حتى رأيت الصبيةَ يصطرعون، ثمَّ ناموا وهدءوا، فقال: «يا أسلم، إنَّ الجوع أسهرهم وأبكاهم فأحببتُ ألَّا أنصرف حتى أرى ما رأيت»، وفي روايةٍ: «..فلمَّا ضحكوا طابت نفسي».

[خبرٌ صحيحٌ أخرجه عبد الله بن أحمد في الفضائل، وابن عساكر]

ولله درُّ حافظ إبراهيم حين يقول في «عمريَّته»:

وَمَنْ رَآهُ أَمَامَ القِدْرِ مُنْبَطِحًا * وَالنَّارُ تَأْخُذُ مِنْهُ وَهْوَ يُذْكِيهَا

وَقَدْ تَخَلَّلَ فِي أَثْنَاءِ لِحْيَتِهِ * مِنْهَا الدُّخَانُ وَفُوهُ غَابَ فِي فِيهَا

رَأَى هُنَاكَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى * حَالٍ تَرُوعُ ـ لَعَمْرُ اللهِ ـ رَائِيهَا

يَسْتَقْبِلُ النَّارَ خَوْفَ النَّارِ فِي غَدِهِ * وَالعَيْنُ ـ مِنْ خَشْيَةٍ ـ سَالَتْ مَآقِيهَا

فَذَاكَ خُلْقٌ مِنَ الفِرْدَوْسِ طِينَتُهُ * اللهُ أَوْدَعَ فِيهَا مَا يُنَقِّيهَا

لَا الكِبْرُ يَسْكُنُهَا، لَا الظُّلْمُ يَصْحَبُهَا * لَا الحِقْدُ يَعْرِفُهَا، لَا الحِرْصُ يُغْوِيهَا

فَلَا الحسَابَةُ فِي حَقٍّ يُجَامِلُهَا * وَلَا القَرَابَةُ فِي بُطْلٍ يُحَابِيهَا

وَتِلْكَ قُوَّةُ نَفْسٍ لَوْ أَرَادَ بِهَا * شُمَّ الجِبَالِ لَمَا قَرَّتْ رَوَاسِيهَا

[«ترطيب الأفواه» للعفَّاني (١/ ١٣١)]