من حنفاء الجاهلية: زيد بن عَمْرِو بن نفيل | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الخميس 9 شوال 1445 هـ الموافق لـ 18 أبريل 2024 م



من حنفاء الجاهلية: زيد بن عَمْرِو بن نفيل

روى ابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال في زيد بن عمرٍو: «دَخَلْتُ الجَنَّةَ فَرَأَيْتُ لِزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ دَرَجَتَيْنِ» [حديثٌ حسَّنه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (١٤٠٦)، و«صحيح الجامع» (٣٣٦٧)].

وذكر البخاريُّ في «صحيحه»: «أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ وَيَتْبَعُهُ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ اليَهُودِ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ، فَقَالَ: «إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ، فَأَخْبِرْنِي»، فَقَالَ: «لَا تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللهِ»، قَالَ زَيْدٌ: «مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضَبِ اللهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُهُ؟ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟» قَالَ: «مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا»، قَالَ زَيْدٌ: «وَمَا الحَنِيفُ؟» قَالَ: «دِينُ إِبْرَاهِيمَ، لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللهَ»، فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ النَّصَارَى فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَقَالَ: «لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللهِ»، قَالَ: «مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ لَعْنَةِ اللهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللهِ وَلَا مِنْ غَضَبِهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُ؟ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟» قَالَ: «مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا»، قَالَ: «وَمَا الحَنِيفُ؟» قَالَ: «دِينُ إِبْرَاهِيمَ، لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللهَ»، فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَرَجَ، فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْهَدُ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ»» [رواه البخاري في «مناقب الأنصار» (٣٨٢٧) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما].

وكان زيدٌ لا يذبح للأنصاب، ولا يأكل الميتةَ والدم، وكان ينكر على قريشٍ أفعالَهم الشركية، وله شعرٌ تظهر عليه صبغةُ التوحيد والإيمان نختار منه المقتطفاتِ التالية:

وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ * لَهُ الأَرْضُ تَحْمِلُ صَخْرًا ثِقَالَا

دَحَاهَا فَلَمَّا رَآهَا اسْتَوَتْ * عَلَى المَاءِ أَرْسَى عَلَيْهَا الجِبَالَا

وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ * لَهُ المُزْنُ تَحْمِلُ عَذْبًا زُلَالَا

إِذَا هِيَ سِيقَتْ إِلَى بَلْدَةٍ * أَطَاعَتْ فَصَبَّتْ عَلَيْهَا سِجَالَا

وقال أيضًا:

أَرَبًّا وَاحِدًا أَمْ أَلْفَ رَبٍّ * أَدِينُ إِذَا تَقَسَّمَتِ الأُمُورُ

عَزَلْتُ اللَّاتَ وَالعُزَّى جَمِيعًا * كَذَلِكَ يَفْعَلُ الجَلْدُ الصَّبُورُ

وَلَكِنْ أَعْبُدُ الرَّحْمَنَ رَبِّي * لِيَغْفِرَ ذَنْبِيَ الرَّبُّ الغَفُورُ

فَتَقْوَى اللهِ رَبِّكُمُ احْفَظُوهَا * مَتَى مَا تَحْفَظُوهَا لَا تَبُورُ

تَرَى الأَبْرَارَ دَارُهُمُ جِنَانٌ * وَلِلْكُفَّارِ حَامِيَةٌ سَعِيرُ

وقد قُتل وهو قادمٌ إلى مكَّةَ باحثًا عن الدين الحقِّ، فرثاه ورقة بن نوفلٍ بقوله:

رَشَدْتَ وَأَنْعَمْتَ ابْنَ عَمْرٍو وَإِنَّمَا * تَجَنَّبْتَ تَنُّورًا مِنَ النَّارِ حَامِيَا

بِدِينِكَ رَبًّا لَيْسَ رَبٌّ كَمِثْلِهِ * وَتَرْكِكَ أَوْثَانَ الطَوَاغِي كَمَا هِيَا

وَإِدْرَاكِكَ الدِّينَ الَّذِي قَدْ طَلَبْتَهُ * وَلَمْ تَكُ عَنْ تَوْحِيدِ رَبِّكَ سَاهِيَا

فَأَصْبَحْتَ فِي دَارٍ كَرِيمٍ مُقَامُهَا * تُعَلَّلُ فِيهَا بِالكَرَامَةِ لَاهِيَا

تُلَاقِي خَلِيلَ اللهِ فِيهَا وَلَمْ تَكُنْ * مِنَ النَّاسِ جَبَّارًا إِلَى النَّارِ هَاوِيَا

وَقَدْ تُدْرِكُ الإِنْسَانَ رَحْمَةُ رَبِّهِ * وَلَوْ كَانَ تَحْتَ الأَرْضِ سَبْعِينَ وَادِيَا

[«بلوغ الأرب» لمحمود الألوسي (٢/ ٢٤٩)]