في معنى حديث: «صومُ يومِ عَرَفةَ يكفِّر سنتين: ماضيةً ومستقبَلةً وصومُ عاشوراءَ يكفِّر سنةً واحدةً ماضيةً» | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
السبت 11 شوال 1445 هـ الموافق لـ 20 أبريل 2024 م

الفتوى رقم: ٧٧

الصنف: فتاوى الحديث وعلومه

في معنى حديث: «صومُ يومِ عَرَفةَ يكفِّر سنتين: ماضيةً ومستقبَلةً وصومُ عاشوراءَ يكفِّر سنةً واحدةً ماضيةً»

السؤال:

جاء في حديثِ النبيِّ الذي رواهُ مسلمٌ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ»(١).

قال ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: «وظاهرُه أنَّ صيامَ يومِ عَرَفةَ أفضلُ مِنْ صيامِ يومِ عاشوراءَ، وقد قِيلَ في الحكمة في ذلك: إنَّ يوم عاشوراء منسوبٌ إلى موسى عليه السلام، ويومَ عَرَفةَ منسوبٌ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فلذلك كان أفضلَ»(٢).

قلتُ مُسْتشكِلًا: لكِنْ لماذا كان أجرُ صومِ عرفةَ ضِعْفَ أجرِ صومِ عاشوراءَ، ولم يكن عشرةَ أضعافٍ أو أكثرَ أو أقلَّ، ولقد بحَثْتُ جوابًا عن هذا لكِنْ لم أَجِدْه، ومرَّةً وأنا أقرأ حديثَ: «عَمِلَتِ الْيَهُودُ مِنَ الصُّبْحِ إِلَى الظُّهْرِ فَأَعْطَاهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قِيرَاطًا، وَعَمِلَتِ النَّصَارَى مِنَ الظُّهْرِ إِلَى الْعَصْرِ فَأَعْطَاهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قِيرَاطًا، وَعَمِلَتْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ فَأَعْطَاهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قِيرَاطَيْنِ»(٣)، قلتُ: فدلَّ الحديثُ على أنَّ أجرَ العملِ الواحدِ مِنَ الأمَّةِ ضِعْفُ أجرِ عملِ اليهودِ والنصارى، ولمَّا كان صومُ عاشوراءَ يكفِّرُ ذنوبَ سنةٍ ابتداءً ناسَبَ أَنْ يكونَ صومُ عَرَفةَ مِنْ شريعتِنا يكفِّرُ ضِعْفَ أجرِ صومِ عاشوراءَ، وهو سَنَتَانِ، واللهُ أعلمُ.

فإنْ كان هذا صائبًا فوجِّهونا، وإِنْ كان خطأً فصوِّبونا، وحَفِظكم اللهُ لنا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فأمَّا ما ذكَرْتم في سؤالكم مِنْ تعليقِ ابنِ حجرٍ ـ رحمه الله ـ والتوفيقِ بالحديثِ فلا يتمُّ ـ في تقديري ـ إلَّا إذا تَقرَّرَ كونُ عاشوراءَ ليس مِنْ شريعتِنا أصلًا أو انتهاءً لا ابتداءً.

مرادي: أنَّ مِنْ شريعتِنا أنَّ أَصْلَ صومِه لم يكن موافَقةً لأهلِ الكتابِ؛ لِمَا ثَبَتَ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يصومه قبل استخبارِه لليهود، وكانَتْ قريشٌ تصومه، على نحوِ ما ثَبَت عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: «كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَالَ: «مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ»»(٤)، وفي روايةٍ للبخاريِّ: «... وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبَةُ»(٥).

وإذا تَقرَّرَ عدمُ الموافَقةِ لليهودِ فلا يكون قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ»(٦)، بعد استخبارِه لليهودِ إلَّا توكيدًا لصومِه مبيِّنًا لليهودِ أنَّ الذي يفعلونه مِنْ موافَقةِ موسى عليه السلامُ نحن ـ أيضًا ـ نفعله؛ فحُقَّ لنا أَنْ نكونَ أَوْلَى بموسى مِنَ اليهودِ، وكذلك انتهاءً أي: أنَّه كان يصومه صلَّى الله عليه وسلَّم على أنَّه مِنْ شريعتِنا بعد تقريرِ شرعيَّتِه بصيامِه، ومخالَفةِ اليهودِ بالعزم على صيامِ يومٍ قبلَه(٧).

فإذا تَبيَّنَ لكم هذا فإنَّ تعليلَ أفضليَّةِ صومِ عرفةَ على عاشوراءَ بكونِ الأوَّلِ مِنْ شريعةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دون الثاني على ما أورده ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ وما رتَّبْتم عليه مِنْ جوابٍ بالتأييدِ لا يستقيم مع ما تَقدَّمَ تقريرُه مِنْ كونِ عاشوراءَ مِنْ شريعةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أصلًا أوِ انتهاءً، والحالُ هذه ينبغي البحثُ عن تعليلٍ آخَرَ أكثرَ توفيقًا، ولعلَّ أفضليةَ عَرَفةَ على عاشوراءَ مِنْ جهةِ كونِ يومِ عرفةَ في شهرٍ حرامٍ وقبله شهرٌ حرامٌ وبعده شهرٌ حرامٌ بخلاف عاشوراء، وهو ما أشار إليه ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ(٨)، فإِنْ تَعذَّرَ تعليلُ الأفضليةِ وغابَتِ الحكمةُ منه فالواجبُ التسليمُ، مع الاعتقادِ بوجودِ علَّةٍ وحكمةٍ يعلمها اللهُ تعالى؛ لأنَّ مِنْ صفاتِه تعالى العلمَ والحكمةَ؛ فلله المشيئةُ العامَّة، والقدرةُ التامَّة، والحكمةُ البالغة.

هذا ما أمكن توجيهُه، سائلًا اللهَ تعالى التوفيقَ والسدادَ والعونَ والرشادَ.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٥ شوَّال ١٤٢٠
الموافق ﻟ: ٢٤ جانفي ٢٠٠٠م

 



(١) أخرجه مسلمٌ في «الصيام» (١١٦٢) مِنْ حديثِ أبي قتادة الأنصاريِّ رضي الله عنه.

(٢) «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٢٤٩).

(٣) أخرجه البخاريُّ في «مواقيت الصلاة» (٥٥٧)، وأحمد (٦٢٧٧)، مِنْ حديثِ عبد الله بنِ عمر رضي الله عنهما.

(٤) أخرجه البخاريُّ في «الصوم» بابُ صيامِ يومِ عاشوراء (٢٠٠٢)، ومسلمٌ في «الصيام» (١١٢٥)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

(٥) أخرجها البخاريُّ في «الحجِّ» بابُ قول الله تعالى: ﴿جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلۡكَعۡبَةَ ٱلۡبَيۡتَ ٱلۡحَرَامَ قِيَٰمٗا لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَٱلۡهَدۡيَ وَٱلۡقَلَٰٓئِدَۚ ذَٰلِكَ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ ٩٧[المائدة] (١٥٩٢)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

(٦) أخرجه البخاريُّ في «الصوم» بابُ صيامِ يومِ عاشوراء (٢٠٠٤)، ومسلمٌ في «الصيام» (١١٣٠)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

(٧) انظر الحديثَ الذي أخرجه مسلمٌ في «الصيام» (١١٣٤) مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

(٨) «بدائع الفوائد» لابن القيِّم (٤/ ٢١١).