الفتوى رقم: ٨٩٠

الصنـف: فتاوى الصلاة - أحكام الصلاة

في حكم نسيان الإمام تكبيرة الانتقال
وترك سجود السهو

السـؤال:

إذا نسي الإمامُ تكبيرةَ الانتقال، ولم يسجد للسهو، فما هو واجب المأمومين؟ وبارك الله فيكم.

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

فتكبيرةُ الانتقالِ واجبةٌ في الصلاة على المنفرد والإمام والمأموم، على أرجح قَوْلَيِ العلماء، وبه قال الإمامُ أحمد والشوكانيُّ وغيرُهما، خلافًا لمن قال بسُنِّيتِها وهو مذهب الجمهور.

ويدلُّ على صِحَّة قول الموجبين لها أمرُه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم المسيء صلاته بها فقال: «إِنَّهُ لاَ تَتِمُّ صَلاَةٌ لأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَيَضَعَ الوُضُوءَ -يعني مَوَاضِعَهُ-، ثُمَّ يُكَبِّرَ وَيَحْمَدَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ، وَيَقْرَأَ بِمَا تَيَسّرَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ يَقُولَ: اللهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَرْكَعَ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يَقُولَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ يَقُولَ: اللهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَسْجُدَ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يَقُولَ: اللهُ أَكْبَرُ، وَيَرْفَعَ رَأْسَهُ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا، ثُمَّ يَقُولَ: اللهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَسْجُدَ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يَرْفَعَ رَأْسَهُ فَيُكَبِّر، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلاَتُهُ»(١)، والأصلُ في جميع الأمور الواردة في حديث المسيءِ صلاته الوجوب، ويؤكِّد الوجوبَ مواظبته صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم عليها، فقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الجُلُوسِ»(٢)، وثبت عنه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم أنه قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»(٣)، و«الأصلُ فِي الأَمْرِ الوُجُوبِ».

وإذا تقرَّر وجوبُ تكبيرةِ الانتقالِ وَسَهَا فيها الإمامُ وسجد لها فعلى المأمومِ أن يسجدَ معه لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ»(٤)؛ ولأنَّ المأمومَ تابعٌ في حُكمه للإمام إذا سها وإذا لم يَسْهُ.

أمَّا إذا سها الإمام فيها ولم يسجد للسهو فعلى أرجح قوليِ العلماءِ أنَّ المأموم يسجد لها وإن لم يسجد الإمام؛ لأنَّ كُلاًّ من الإمام والمأمومين مؤدُّون فريضةً فما وجب عليهم لا يزول عنهم بتركه ما وجب عليه، وإنما يضمن الإمام سهوَ المأموم، أمَّا سهو نفسه فلا يضمنه هو ولا المأموم، كما في قوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «الإِمَامُ ضَامِنٌ، فَإِنْ أَحْسَنَ فَلَهُ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهِ وَلاَ عَلَيْهِمْ»(٥).

فإذا لم يسجد الإمامُ ولا المأموم وانتقض وضوءُ كُلِّ واحدٍ منهما بعد السلام من الصلاة الناقصة بَطَلَت الصلاة، والواجب على كلِّ واحدٍ منهما استئناف الصلاة من جديد، أمَّا إذا لم ينتقض وضوء كلٍّ منهما وطال الفصل، فالواجب على كلِّ واحدٍ منهما البناء على صلاته والسجود للسهو؛ لأنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم سَلَّم ساهيًا، وتكلَّم وراجع وخرج من المسجد ودخل بيتَه ثُمَّ عَرَفَ فخَرجَ فأتمَّ ما بقي من صلاته وسجد للسهو سجدتين؛ ولأنَّ سجودَه تابع لصلاته وهو مأمور بإتمامها، ووقته عند تذكُّرها لعموم قوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «مَنْ نَسِيَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَّهَا إِذَا ذَكَرَهَا»(٦).

وهذا كلُّه على تقريرِ حكمِ وجوبِ تكبيرةِ الانتقال، أمَّا على مذهب القائلين باستحبابها فإنَّ الصلاة تصحُّ ولا يلزم الإتيان بها، ويُستحبُّ سجودُ السهو لها من غير إلزامٍ.

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٥ ربيع الثاني ١٤٢٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٢١/ ٠٤/ ٢٠٠٨م


(١) أخرجه أبو داود في «الصلاة»، باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود (٨٥٧)، من حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني «صحيح أبي داود» (٤/ ٧).

(٢) أخرجه البخاري في «أبواب صفة الصلاة» (١/ ١٩٠) باب التكبير إذا قام من السجود، ومسلم في «باب إثبات التكبير في كُلِّ خفضٍ ورفعٍ» رقم: (٣٩٢)، والنسائي في «التطبيق»، باب التكبير للسجود (١١٥٠)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(٣) أخرجه البخاري في «الأذان» باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة (١/ ١٥٤).

(٤) أخرجه البخاري في «الصلاة» (١/ ١٧٥) باب إقامة الصف من تمام الصلاة، ومسلم في «الصلاة» (١/ ١٩٥) رقم (٤١٤)، واللفظ له. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(٥) أخرجه ابن ماجه في «إقامة الصلاة والسنة فيها» باب ما يجب على الإمام (٩٨١). والحديث صحَّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (٤/ ٣٦٦).

(٦) أخرجه البخاري في «مواقيت الصلاة» (١/ ١٤٦) باب من نسي صلاة فليصلِّ إذا ذكرها ولا يعيد إلاَّ تلك الصلاة، ومسلم في «المساجد ومواضع الصلاة» (١/ ٣٠٩) رقم (٦٨٤) واللفظ له، من حديث أنس رضي الله عنه.

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)