رقم الفتوى: ١٠٢٨

الصنف: فتاوى الحج - أحكام الحج

في أعمال يوم النحر
(وهو اليوم العاشر من ذي الحجة)
 

السؤال:

متى يتحلل الحاجُّ التحللَ الأصغر؟ وما حكمُ ترتيبِ مناسكِ حجِّ يوم العاشر من ذي الحجة؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:

فإذا انتهى الحاجُّ مِنْ رمي جمرة العقبة الكبرى تَحلَّل التحلُّلَ الأصغر، أي: يُباحُ له كُلُّ محظورٍ حُرِّم عليه بالإحرام إلَّا الجماع بنسائه ولو لم يذبح أو يحلق، ويُسمَّى هذا ﺑ «التحلُّل الأوَّل»، ويُستحَبُّ له التطيُّبُ فيما بين التحلُّلين، فإذا أراد الاستمرارَ في تحلُّله فيَلْزَمه أَنْ يطوف طوافَ الإفاضة قبل أَنْ يُمْسِيَ ذلك اليومَ، فإِنْ أَخَّره بعد يوم العيد عاد إلى لُبْس ثوبَيِ الإحرام مِنْ جديدٍ كهيئته حين كان مُحرِمًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَذَا يَوْمٌ رُخِّصَ لَكُمْ إِذَا أَنْتُمْ رَمَيْتُمُ الجَمْرَةَ أَنْ تَحِلُّوا ـ يَعْنِي: مِنْ كُلِّ مَا حُرِمْتُمْ مِنْهُ إِلَّا النِّسَاءَ ـ فَإِذَا أَمْسَيْتُمْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفُوا هَذَا البَيْتَ صِرْتُمْ حُرُمًا كَهَيْئَتِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَرْمُوا الجَمْرَةَ حَتَّى تَطُوفُوا بِهِ»(١).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالبَيْتِ»(٢)، وعن عبد الله بنِ الزبير رضي الله عنهما قال: «فَإِذَا رَمَى الجَمْرَةَ الكُبْرَى فَقَدْ حَلَّ لَهُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ إِلَّا النِّسَاءَ حَتَّى يَطُوفَ بِالبَيْتِ»(٣)، قال ابنُ خزيمة رحمه الله: «وهذا هو الصحيح، إذا رَمَى الجمرةَ حَلَّ له كُلُّ شيءٍ خَلَا النساء؛ لأنَّ عائشة خبَّرَتْ أنها طيَّبَتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قبل نزول البيت»(٤).

ويُستحَبُّ الترتيبُ بين المناسك تأسِّيًا بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيُقدَّم الرمي ـ أوَّلًا ـ، ثمَّ الذبح والنحر، ثمَّ الحلق أو التقصير، ثمَّ طواف الإفاضة والسعي للمتمتِّع، لكِنْ لا حرجَ على الحاجِّ إِنْ لم يَلتزِمْ بهذا الترتيبِ فقدَّم منسكًا منها ـ في يوم النحر ـ أو أَخَّره، قال ابنُ القيِّم رحمه الله: «ولم ينحر هَدْيَه صلى الله عليه وسلم قطُّ إلَّا بعد أَنْ حلَّ، ولم ينحره قبل يوم النحر ولا أحَدٌ مِنْ أصحابه ألبتَّةَ، ولم ينحره ـ أيضًا ـ إلَّا بعد طلوع الشمس وبعد الرمي، فهي أربعة أمورٍ مرتَّبة يومَ النحر: أوَّلها الرمي، ثمَّ النحر، ثمَّ الحلق، ثمَّ الطواف؛ وهكذا رتَّبها صلى الله عليه وسلم ولم يرخِّص في النحر قبل طلوع الشمس ألبتَّةَ، ولا ريبَ أنَّ ذلك مُخالِفٌ لهديه، فحكمُه حكم الأضحية إذا ذُبِحَتْ قبل طلوع الشمس»(٥).

ويدلُّ عليه حديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «زُرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ»، قَالَ: «لَا حَرَجَ»، قَالَ: «حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ»، قَالَ: «لَا حَرَجَ»، قَالَ: «ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ»، قَالَ: «لَا حَرَجَ»»(٦)، وعن عبد الله بنِ عمرو ابنِ العاص رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: «لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟» فَقَالَ: «اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ»، فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: «لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟» قَالَ: «ارْمِ وَلَا حَرَجَ»، فَمَا سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلَّا قَالَ: «افْعَلْ وَلَا حَرَجَ»»(٧).

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٠٥ رمضان ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٥ أوت ٢٠٠٩م 



(١) أخرجه أبو داود في «المناسك» باب الإفاضة في الحجِّ (١٩٩٩) مِنْ حديثِ أمِّ سلمة هند بنتِ أبي أُمَيَّة رضي الله عنها. وصحَّحه النوويُّ في «المجموع» (٨/ ٢٣٤)، والألبانيُّ في «مناسك الحجِّ والعمرة» (٣٢).

(٢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» باب الطِّيب عند الإحرام، وما يَلْبَس إذا أراد أَنْ يُحرِم، ويترجَّل ويَدَّهِن (١٥٣٩)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١١٨٩)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

(٣) أخرجه ابنُ خزيمة في «صحيحه» (٢٨٠١)، والطحاويُّ في «مُشكِل الآثار» (٢/ ٢٣١). وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح ابنِ خزيمة» وفي «السلسلة الضعيفة» (٣/ ٨١).

(٤) «صحيح ابنِ خزيمة» (٤/ ٢٤٨). واستدلالُ ابنِ خزيمة بحديثِ عائشة رضي الله عنها إنما جاء جوابًا على القائلين بأنَّ مَنْ رمى جمرةَ العَقَبة وذَبَح وحلَقَ أو قصَّر فقَدْ حَلَّ له كُلُّ شيءٍ حُرِّمَ عليه إلَّا النساء والطِّيب حتَّى يُفيضَ.

(٥) «زاد المَعاد» لابن القيِّم (٢/ ٣١٦).

(٦) أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» باب الذبح قبل الحلق (١٧٢٢) مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

(٧) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «العلم» بابُ الفُتْيَا وهو واقفٌ على الدابَّة وغيرِها (٨٣)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٠٦)، مِنْ حديثِ عبد الله بنِ عمرو بنِ العاص رضي الله عنهما.

 

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)