ردود وتعقيبات رقم: ١٧

تبرئة الشيخ ابن باديس وأسلاف الجمعية
مِنَ الانتساب إلى الأشاعرة والصوفية
[الجزء الثاني]
[إدارة الموقع]

 (ثانيًا) الردُّ التفصيلي:

بعد أَنْ عَرَّفَنا علماءُ الجمعية ـ رحمهم الله ـ بعقيدتهم التي دعَوُا الناسَ إليها، وكذا موقفهم مِنَ الصوفيَّة والأشعريَّة بكلامٍ واضحٍ مُحْكَمٍ ومفصَّلٍ لا يحتاج إلى شرحٍ ويحصل به الجوابُ الكافي للإشكالية التي يزعم حَلَّها صاحبُ المقال، والكشفُ البيِّنُ الوافي لزيفِ ما أورده لإثباتِ دعواه مِنْ حججٍ بما يُغني عن الرَّدِّ عليها، فلا بأسَ أَنْ نجيب عنها تنفيلًا فتُكشَفَ شُبَهُه جملةً وتفصيلًا، وسنَكِرُّ على هذه الشُّبَهِ بعون الله تعالى مفنِّدين لها واحدةً واحدةً، ونقدِّم الشبهةَ الثالثة لتَقارُبِها مع الأولى.

شُبَهٌ تَهَافَتُ كَالزُّجَاجِ تَخَالُهَا * حَقًّا وَكُلٌّ كَاسِرٌ مَكْسُورُ

الجواب عن الشبهة الأولى والثالثة:

الشبهة الأولى: علماء الجمعية يدرِّسون التوحيدَ وفق أصول الأشعرية والتصوُّف.

الشبهة الثالثة: تدريس تلاميذِ علماءِ الجمعية طلبتَهم ـ إلى اليوم ـ العقيدةَ الأشعرية.

مِنَ المعلوم والمتواتر أنَّ الشيخ عبد الحميد بنَ باديس ـ رحمه الله ـ كان يُملي على تلاميذه العقيدةَ السلفية على أصول أهل السنَّة والجماعة، وهي التي طُبِعَتْ بعد وفاته باسْمِ «العقائد الإسلاميَّة مِنَ الآيات القرآنيَّة والأحاديث النبويَّة»، وعلى ذلك سارَتِ الجمعيَّةُ مُتَّخِذةً لها تلك العقيدةَ منهجًا تَسترشِدُ به في دعوتها بشهادةِ أخصِّ أصحابِ الشيخ ـ رحمه الله ـ وأقربِ طُلَّابه، على عكسِ ما قال صاحبُ المقال.

ـ قال الشيخ البشير الإبراهيمي في تقديمه لكتابِ صاحبِه ورفيقه: «هذه عِدَّةُ دروسٍ دينيَّةٍ، ممَّا كان يُلقيهِ أخونا الإمامُ المبرور الشيخُ عبد الحميد بنُ باديس، إمامُ النهضة الدينية والعربية والسياسية في الجزائر غيرَ مُدافَعٍ، على تلامذته في الجامع الأخضر بمدينة قسنطينة، في أصول العقائد الإسلامية وأدلَّتها مِنَ القرآن، على الطريقة السلفيَّة التي اتَّخذَتْها جمعيَّةُ العلماء المسلمين الجزائريين منهاجًا لها بعد ذلك، وبنَتْ عليها جميعَ مبادئها ومناهجها في الإصلاح الدينيِّ مُسترشِدةً بتلك الأصول التي كان الإمامُ ـ رحمه الله ـ يأخذ بها تلامذتَه قبل تأسيس الجمعيَّة ...كان الإمامُ المبرور يصرف تلامذتَه مِنْ جميع الطبقات على تلك الطريقة السلفية ... والإمام رضي الله عنه كان منذ طلبِه للعلم بتونس قبل ذلك ـ وهو في مُقتبَلِ الشباب ـ يُنْكِرُ بذوقه ما كان يبني عليه مشائخه مِنْ تربيةِ تلامذتهم على طريقة المتكلِّمين في العقائد الإسلامية، ويتمنَّى أَنْ يُخْرِجهم علىالطريقة القرآنية السلفية في العقائد يومَ يصبح معلِّمًا، وقد بلَّغه اللهُ أمنيَّتَه، فأخرج للأمَّة الجزائرية أجيالًا على هذه الطريقة السلفية، قاموا بحمل الأمانة مِنْ بعدِه، ووراءَهم أجيالٌ أخرى مِنَ العوامِّ الذين سعدوا بحضورِ دروسِه ومجالسه العلمية»(١).

وقال كذلك ـ رحمه الله ـ: «وهذا درسٌ مِنْ دروسه ينشره ـ اليومَ ـ في أصل العقيدة الإسلامية بدلائلها مِنَ الكتاب والسنَّة تلميذُه الصالحُ كاسْمِه محمَّد الصالح رمضان، فجاءَتْ عقيدةً مُثْلَى يتعلَّمها الطالبُ فيأتي منه مسلمٌ سلفيٌّ موحِّدٌ لربِّه بدلائلِ القرآن كأحسنِ ما يكون المسلمُ السلفيُّ، ويَستدِلُّ على ما يعتقد في ربِّه بآيةٍ مِنْ كلامِ ربِّه، لا بقول السنوسيِّ في «عقيدته الصغرى»: أمَّا برهانُ وجودِه تعالى فحدوثُ العالَم! .....»(٢).

ـ وقال تلميذه الأستاذ محمَّد الصالح رمضان ـ رحمه الله ـ في مقدِّمة الطبعة الأولى «العقائد الإسلامية»: «...وأنا واثقٌ مِنْ أنَّ هذه الطريقةَ السلفية التي سارَ عليها أستاذُنا الإمامُ في عرض العقيدة الإسلامية هي الطريقةُ المثلى»(٣).

وقال ـ رحمه الله ـ في مقدِّمة الطبعة الثانية: «وممَّا وعَيْتُه عنه هذه الإملاءاتُ في التوحيد مِنَ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي لم يَفُتْني منها شيءٌ والحمدُ لله، ... وكأنَّ صوتَ إمامنا ما يزال يَرِنُّ في أذني حين إملاءِ هذه الدروس بالجامع الأخضر، وقد حَذَا فيها الإمامُ حذوَ السلفيةِ الرشيدة، مِنِ اعتماد كتاب الله والصحيحِ مِنْ سنَّةِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قَبْلَ تفسيراتِ المذاهب المختلفة، وتأويلاتِ أصحابها في مرحلة الاختلاط، والاستشهادِ بما عند الأقدمين مِنْ أصحاب الأديان والفلسفات والمذاهب الأخرى»(٤).

فهذه ـ إذًا ـ شهاداتٌ وتصريحاتٌ مِنْ خواصِّ أصحاب الشيخ ابنِ باديس وتلاميذه تتعلَّق بالدروس المقرَّرة في العقيدة، يظهر بها تلبيسُ صاحِبِ المقال لمَّا قال: إنَّ «جمعية العلماء المسلمين الجزائريِّين تُقرِّرُ تدريسَ التوحيد وَفْقَ أصول الأشاعرة» وقوله: «تلامذة جمعية العلماء المسلمين الجزائريِّين إلى يومنا هذا يُدرِّسون لطلبتهم العقيدة الأشعريَّة التي تلقَّوْها مِنْ شيوخهم».

ـ أمَّا قوله: «كما يفعل الفاضل: الطاهر آيت علجت وغيرُه مِنْ إخوانه»، فيقال له: نعم كما فعلوه هم مِنِ اختيارهم، لا كما نسبوه إلى علماء الجمعية أو أنهم درسوه عنهم، ولو أنهم زعموا ذلك لَخَطَّأتْهم النقولُ السابقة.

ـ أمَّا قوله مُلْزِمًا: «وهم أعلمُ بمنهج الجمعية في العقيدة مِنْ غيرهم، مصداقُه قولُه تعالى: ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثۡلُ خَبِيرٖ ١٤ [فاطر]، وقولُه أيضًا: ﴿فَسۡ‍َٔلۡ بِهِۦ خَبِيرٗا ٥٩ [الفرقان]».

فيقال له: لا يَلْزَمُ ـ بتاتًا ـ مِنْ فعلِ أولئك المذكورين أَنْ يكون هذا هو منهجَ الجمعية؛ لأنه إذا كان لازمُ المذهبِ الذي فَعَله الشخصُ ليس مذهبًا له؛ فكيف يكون لازمُ مذهبِ ما فَعَله غيرُه مذهبًا له؟! كما لا يَلْزَمُ ـ أيضًا ـ مِنِ اختيار التلميذ لقولٍ أو رأيٍ ما؛ أنه مذهبُ مَنْ درَّسه، هذا على فرضِ أنه لم يَلْقَ في حياته إلَّا ذلك الشيخَ ولم يَستفِدْ إلَّا منه، فكيف إذا لقي غيرَه، ألا يكون قد تأثَّر بذلك الغير؟! كما أنَّ هناك كثيرًا مِنْ أتباع الأئمَّة الأربعة ـ وبخاصَّةٍ أتباع الإمام مالكٍ والشافعيِّ وأبي حنيفة ـ خالفوا عقيدةَ إمامهم، وذلك لا يدلُّ على أنَّ عقيدة الأئمَّة الأربعةِ على غيرِ منهج السلف الصالح، ولو سُلِّمَتْ تلك اللوازمُ كُلُّها ـ جدلًا ـ لصاحبِ المقال فقَدْ تمَّ نقلُ ما هو صريحٌ مِنْ كلام علماء الجمعية في نقضِه، ولا يُتْرَكُ المنطوقُ الصريحُ إلى ما هو مِنَ اللازم.

ـ أمَّا قوله: «فكيف نعدل عن قولِ ابنِ الدار في الدار؟»، فيقال: وكيف نعدل عن قولِ ربِّ البيت والدار في مِلْكِه ودارِه، ونذهب إلى فعلِ ابنِ الدار، خاصَّةً وقد تَنكَّر وخَرَج مِنَ الدار، وقد عارضه أخوه البارُّ؟

ـ أمَّا ما يتعلَّق بالنظم المعروف ﺑ  «متن ابنِ عاشرٍ» وقولِ صاحبِ المقال ملبِّسًا ومدلِّسًا: «وقد كان العلَّامة ابنُ باديس أدرج ـ ضِمْنَ قائمةِ العلوم التي كان يدرِّسها لطلبة العلم ـ المتونَ التي تحكي أصولَ الأشاعرة في العقائد وأصول التصوُّف الصحيح في السلوك؛ ﻛ  «متن ابنِ عاشرٍ» المعروف ﺑ «المرشد المعين على الضروريِّ مِنْ علوم الدين» للعلاَّمة عبد الواحد بنِ عاشرٍ الفاسيِّ، الذي استفتح مَتْنَه بقوله:

فِي عَقْدِ الاَشْعَرِي وَفِقْهِ مَالِكِ * وَفِي طَرِيقَةِ الجُنَيْدِ السَّالِكِ»

فيقال: لم يكن هذا النظمُ مقرَّرًا في درس العقيدة، بل كان مقرَّرًا في درسِ مادَّة الفقه للمبتدئين؛ لأنَّ المذهب المُنتشِرَ في المغرب هو مذهبُ مالكٍ، والطريقة المشتهرة عند المغاربة في دراسة الفقه هي البداءةُ بحفظِ هذه المنظومةِ أوَّلًا ثمَّ الانتقالُ إلى غيرها، وهي ـ عندهم ـ مِنْ أفضلِ المختصرات في الفقه المالكيِّ، وهي تحتوي على فقه العبادات فقط، إضافةً إلى مقدِّمةٍ في العقيدة الأشعرية وخاتمةٍ في التصوُّف، وهاتان الأخيرتان إنما جاءَتا تبعًا وليستا مقصودتين في التدريس؛ لأنَّ الدرس في مادَّة الفقه، ومِنَ المؤكَّد أنَّ الشيخ: إمَّا أنه كان يتجاوزهما ويتحاشاهما لِمَا تحويان مِنْ عقائدَ فاسدةٍ وشطحاتٍ كاسدةٍ قد بحَّ صوتُه وجفَّ قلمُه في التحذير منها، أو أنه تَعرَّض لِمَا فيهما بالنقض والنقد على أصول العقيدة السلفية؛ إذ لا مانِعَ مِنْ تدريسها لبيانِ ما فيها، وشأنُ «متن ابنِ عاشرٍ» شأنُ عشراتِ كُتُبِ المذاهب التي تُقرِّرُ في بدايتها مسائلَ العقيدةِ ثمَّ تذكر الأبوابَ الفقهية، فهل يُقالُ مثلًا لمَنْ درَّس «المحلَّى» لابن حزمٍ مع ما فيه مِنْ مقدِّمةٍ في تقرير عقيدة الجهمية: إنه جهميٌّ؟! وكذلك لكُلِّ مَنْ درَّس كتابًا فيه عقيدةٌ فاسدةٌ، اللَّهمَّ إلَّا إذا ظَهَرَ مِنْ خلالِ شرحِه أنه تبنَّى ما فيه مِنْ عقيدةٍ، فهنا يُحْكَمُ عليه بتلك العقيدة الضالَّة.

الجواب عن الشبهة الثانية: ما قرَّره الشيخ حمَّاني تلميذُ ابنِ باديس ومرآةُ الجمعية مِنْ أنَّ الأشاعرة مِنْ أهل السنَّة والجماعة، وأنَّ السلف قبلوا التأويلَ والتفويض.

أوَّلًا: مَنْ قال: إنَّ الشيخ أحمد حمَّاني ـ رحمه الله ـ هو مرآةُ جمعيةِ العلماء المسلمين؟ بل مرآةُ الجمعيَّة بحقٍّ هي التي تعكس لنا أفعالَهُم وأقوالَهُم وما كان عليه اعتقادُهم، وهذا يتمثَّل في المجلَّات الأسبوعيَّة التي أسَّسَتْها وأصدرَتْها باسْمِها، وهي «السنَّة المحمَّدية» (٨ ذي الحجَّة ١٣٥١ ـ ١٩٣٣م)، ثمَّ خلفَتْها «الشريعة المطهَّرة» (٢٤ ربيع الأوَّل ١٣٥٢ ـ ١٩٣٣م)، ثمَّ تلَتْها بعد منعِها «الصِّراط السَّوِيُّ» (٢١ جمادى الأولى ١٣٥٢ ـ ١٩٣٣م)، ثمَّ أسَّسَتِ الجمعيةُ بعد منعِ الحكومة الفرنسية لهذه الأخيرةِ ـ أيضًا ـ جريدةَ «البصائر» التي بقِيَتْ مُستمِرَّةً في أداءِ رسالتها بصفتها لسانَ حالٍ للجمعية إلى غاية (١٣٧٦ﻫ ـ ١٩٥٣م)، قال الشيخ مبارك الميلي ـ رحمه الله ـ: «تشكَّلَتِ الجمعيةُ سنةَ خمسين، فبثَّتِ الوُعَّاظَ في الجهاتِ، وأنشأَتِ الصُّحُفَ الصادقةَ اللهجاتِ، وصبرَتْ على ما تُلاقيهِ مِنْ صدماتٍ، وها هي ذي في سنة خمسٍ وخمسين تخاطب الضمائرَ بصحيفتها الحديثة المسمَّاة: «البصائر»(٥).

إضافةً إلى مجلَّة «الشهاب» التي كانَتْ مِلْكًا للشيخ ابنِ باديس ـ رحمه الله ـ وتصدر باسْمِه الشخصيِّ مُستقِلَّةً عن الجمعية، وكذلك الكتب والرسائل الفردية التي ألَّفها علماءُ الجمعية وطُبِعَتْ مُستقِلَّةً ممَّا لم يُنْشَرْ في المجلَّات المذكورة سلفًا.

ثانيًا: لم يأتِ في فتوى الشيخ حمَّاني ـ رحمه الله ـ التي نَقَلها صاحبُ المقالِ ما يدلُّ على أنَّ ذلك هو اعتقادُ علماءِ الجمعية لا بصريحِ العبارة ولا بالتلميح والإشارة، خاصَّةً لو تَذَكَّر القارئُ المنصف ما مرَّ علينا في بيانِ عقيدتهم مِنْ كلامهم ـ رحمهم الله ـ ما يجعلنا نجزم بأنَّ ذلك رأيُه الخاصُّ، وهو ـ في ذلك ـ قد جانَبَ الصوابَ وخالَفَ سَلَفَ الأمَّةِ وأئمَّةَ السنَّة ـ رحمهم الله ـ نسأل اللهَ أَنْ يتجاوز عنه ذلك، ولَسْنَا بصددِ بيانِ ذلك حتَّى لا نخرج عن المقصودِ، وهو تبرئةُ علماء الجمعية ممَّا أُلْصِقَ بهم فحَسْبُ.

ثالثًا: إنَّ الشيخ حمَّاني ـ رحمه الله ـ كسائر البشر مِنَ السلف والخلف يصيب ويخطئ، فإِنْ أصاب فله أجران وإِنْ أخطأ فله أجرٌ كما صحَّ في الحديث، ولا يَلْزَمُ مِنْ خطإِ الشيخ حمَّاني خطأُ الجمعية؛ وعليه فالتمثيلُ بالمرآة غيرُ صحيحٍ؛ فالمرآةُ لا تعكس جميعَ صورةِ الإنسان بل ظاهِرَه فقط، أمَّا باطِنُه فلا يمكنها تصويرُه؛ فالتمثيلُ بها ـ إذًا ـ خطأٌ، ولا ندري: هل يعتبر صاحِبُ المقالِ ردَّ الشيخ حمَّاني ـ رحمه الله ـ على مَنْ يغلو في الأولياء وكذا مقالاته التأريخية عمَّا لَقِيَه شيخُه ابنُ باديس مِنْ كيدِ الطرقية الخرافيِّين مرآةً تعكس موقفَ الشيخ ابنِ باديس وأسلافِ الجمعية مِنَ الطرقية الخرافية، مع كونِ هذه الردودِ مِنَ المواجهة بالظاهر، لا أمرًا مكنونًا في الباطن؟

الجواب عن الشبهة الرابعة: طبعُ ابنِ باديس وتحقيقُه لكتابِ «العواصم مِنَ القواصم» وثناؤه عليه وعلى دحضِ مؤلِّفِه ابنِ العربيِّ الأشعريِّ لعقائدِ الظاهرية، كالذين يحملون حديثَ النزولِ على ظاهِرِه:

طبعُ الشيخ ابنِ باديس ـ رحمه الله ـ لكتابِ «العواصم مِنَ القواصم» وثناؤه عليه وعلى مؤلِّفه ابنِ العربيِّ المالكيِّ وطريقتِه فيه إنما كان قديمًا، وهذا في [(سنة ١٣٤٥ﻫ الموافق لسنة: ١٩٢٦م)]، ثمَّ نجد الشيخَ ـ رحمه الله ـ بعد ذلك بسنواتٍ وإلى قبلِ وفاته بقليلٍ يخالف ذلك، فيتبرَّأ مِنْ علمِ الكلام وأهلِه في غيرِ ما موضعٍ، ويُقرِّرُ عقيدةَ السلفِ بالمنطوق الصريح الذي لا يدخله أيُّ احتمالٍ، ما يجعلنا نجزم بأنَّ عقيدة السلف هي آخِرُ ما استقرَّ عليه أمرُ الشيخ ـ رحمه الله ـ؛ ولهذا فمثلما أنَّ الشيخ ـ رحمه الله ـ أثنى على كتابِ ابنِ العربيِّ، نُلْفيهِ قد ذمَّ ـ بعد ذلك بنحوِ تسعِ سنواتٍ ـ كتابًا لا يَقِلُّ عن كتابِ «العواصم» في الانتصار للأشعرية والسيرِ على الأصول الكلامية، وهو كتابُ: «إحياء علوم الدين» لأبي حامدٍ الغزَّاليِّ، وصرَّح الشيخُ ـ رحمه الله ـ بأنَّ في هذا الكتابِ الخطأَ الضارَّ، وعدَّ ـ مِنْ هذا الخطإِ الضارِّ ـ تأويلاتِ الأشاعرة، وهذا أثناءَ ترجمتِه لمحمَّد رشيد رضا صاحبِ «المنار» نَشَرها في «الشهاب» [(ج٧ م١١)] ومؤرَّخة [(غُرَّة رجب ١٣٥٤ﻫ الموافق ﻟ: أكتوبر ١٩٣٥م)]، فبعد أَنْ تَكلَّم عن تأثُّره بكتابِ «الإحياء» وتنسُّكِه على الطريقة الشاذلية ثمَّ النقشبندية، تَكلَّم عن سببِ تخلُّص نسكه ممَّا عَلِقه مِنَ الباطل والضلال جرَّاءَ مطالعته لكتابِ «الإحياء» فقال: «دعاهُ شغفُه بكتابِ «الإحياء» إلى اقتناءِ شرحِه الجليل للإمام المرتضى الحسينيِّ، فلمَّا طالَعه ورأى طريقتَه الأثرية في تخريجِ أحاديثِ «الإحياء» فُتِح له بابُ الاشتغال بعلوم الحديث وكُتُبِ السنَّة، وتَخلَّص ممَّا في كتابِ: «الإحياء» مِنَ الخطإِ الضارِّ ـ وهو قليلٌ ـ ولا سيَّما عقيدة الجبر والتأويلات الأشعريَّة والصوفيَّة والغُلُوِّ في الزهد وبعض العبادات المُبتدَعة، وتَرَكَ أورادَ الشاذلية لمَّا عَلِمَ أنَّ قراءتَها مِنَ البِدَع التي جُعِلَتْ مِنْ قبيلِ الشعائر والشرائع التي شَرَعها اللهُ تعالى على ما فيه (أي: وِرْد السحر وأمثاله) مِنَ الأمور والأقسام المنتقَدةِ شرعًا، واستبدل بها قراءةَ القرآن ووِرْدًا آخَرَ في الصلاة على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (ليس فيه شبهةُ بدعةٍ مِنْ توقيتٍ وجهرٍ وصِيَغٍ مُنْكَرةٍ ومضاهاةٍ للشعائر المُوهِمة للمأثور عن الشارع)، كما تَرَك أورادَ النقشبندية وذِكْرَها (غير المشروع المخالف لجميعِ ما وَرَد في الذِّكْر المأثور)، وبيَّن ما في رابطتها مِنْ شركٍ أو بدعةٍ، فتَخلَّص نسكُه ـ بعد طرحِ ذلك كُلِّه ـ للتنسُّك الإسلاميِّ مِنْ تجريد التوحيد وتزكيةِ النفس، وتقويمِ الأعمال وتصحيحِ النيَّة، ومحاسبة النفس ومراقبةِ الله في جميع الأعمال، والزهدِ في الدنيا والعمل للآخرة، والمبالغةِ في العبادات المشروعة والاعتصامِ بالورع، موزونًا ذلك كُلُّه ومضبوطًا بالكتاب والسنَّة وما كان عليه أهلُ القرون الثلاثة: الصحابة والتابعون وأتباعُ التابعين رضي الله عنهم أجمعين»(٦).

وللشيخ ـ رحمه الله ـ كلامٌ طويلٌ تحت عنوان: «تثبيت القلوب بالقرآن العظيم» نَشَره في [(«الشهاب»: ج٣، م٨، ص ١٣٣ ـ ١٣٩)] هو مؤرَّخٌ في [(غرَّة ذي القعدة ١٣٥٠ ـ مارس ١٩٣٢م)]، (يعني بنحو ستَّةِ سنواتٍ مِنْ طبعِه لكتابِ: «العواصم»)، وممَّا جاء فيه أنه تَحدَّث عن حالِ المُعْرِضين عن القرآن الآخِذين بمسلك الفلسفة والكلام، وكيف كان مصيرُ هؤلاء إلى الشكِّ ومرضِ القلب فقال: «ولقد ذَهَب قومٌ مع تشكيكات الفلاسفة وفروضِهم، ومُماحَكاتِ المتكلِّمين ومناقضاتهم، فما ازدادوا إلَّا شكًّا وما ازدادَتْ قلوبُهم إلَّا مرضًا، حتَّى رَجَع كثيرٌ منهم في أواخرِ أيَّامِهم إلى عقائدِ القرآن وأدلَّةِ القرآن، فشُفُوا بعد ما كادوا كإمام الحرمين والفخر الرازي»(٧).

ولا ريبَ أنَّ إمام الحرمين والفخر الرازيَّ ـ رحمهما الله ـ كانا مِنْ أئمَّة الأشاعرة، وكلامُ الشيخِ واضحٌ في أنَّ رجوعهما عمَّا كانا عليه إلى عقيدة السلف هو سببُ شفائهما مِنْ مرضِ القلب بعد أَنْ كادا أَنْ يهلكا؛ وعليه فقولُ صاحبِ المقال بأنَّ ثناءَ ابنِ باديس على كتابِ «العواصم» ودَحْضَ صاحبِه لعقائد الظاهريَّة الذين يحملون حديثَ النزول على ظاهرِه يُظْهِرُ جليًّا مذهبَ العلاَّمة ابنِ باديس ـ رحمه الله ـ، وقولُه: «ومنه يُعْلَمُ منهجُ العلاَّمة ابنِ باديس في العقيدة الموافِقُ لِمَا عليه جمهورُ علماءِ المسلمين» يُردُّ عليه بأنه: إذا كان ذلك مذهبَه إلى أَنْ مات فكيف يسمِّي العقيدةَ الأشعريَّة: شكًّا ومرضًا؟ أم كيف يصرِّح بأنَّ التأويلاتِ الأشعريةَ خطرٌ ضارٌّ؟ إذ يَلْزَمُ مِنْ هذا أنَّ الشيخ ـ رحمه الله ـ يُثْني على ما أقرَّ بأنه ضارٌّ وأنه شكٌّ ومرضٌ، ويذمُّ ما أقرَّ بأنه نفعٌ وشفاءٌ ويقينٌ، وإنما العدلُ والتوجيهُ السليم أَنْ يُقالَ: إنَّ ذلك صَدَر منه قديمًا ثمَّ تَراجَع عنه بدليلِ التاريخ، وممَّا يُعزِّز هذا توضيحُه لعقيدته في الأسماء والصفات، وقد جاءَتْ موافِقةً لعقيدة أهل السنَّة، وهي مسطَّرةٌ في كتابه: «العقائد»، وهو آخِرُ ما بَلَغَنا عنه ـ رحمه الله ـ، حيث قال: «نُثْبِت له تعالى ما أثبته لنفسه على لسان رسوله مِنْ ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله، وننتهي عند ذلك ولا نزيد عليه، وننزِّهه في ذلك عن مماثلةِ أو مشابهةِ شيءٍ مِنْ مخلوقاته، ونُثْبِتُ الاستواءَ والنزول ونحوَهما، ونؤمن بحقيقتهما على ما يليق به تعالى بلا كيفٍ، وبأنَّ ظاهِرَها المتعارَفَ في حقِّنا غيرُ مرادٍ» اﻫ(٨).

وقال الأستاذ محمَّد الصالح رمضان في مقدِّمة الطبعة الأولى: «تلقَّيْتُ هذه الدروسَ إملاءً عن أستاذنا الإمام مباشرةً في حِلَقٍ دراسيةٍ مسجديةٍ بالجامع الأخضر بقسنطينة في الفترة ما بين (١٦ رجب ١٣٥٣ و٢٥ صفر ١٣٥٤ هجرية الموافقة لأكتوبر ٣٤ وماي ٣٥ مِنَ السنة الميلادية)، أي: في ثمانية أشهرٍ، بنسبةِ حصَّةٍ واحدةٍ في الأسبوع، لا تتجاوز الثلاثين دقيقةً، وسط جمعٍ مِنَ الطُّلَّاب يُقارِبُ أحيانًا المائة في أوَّلِ عهدي بالدراسة العربية الإسلامية ...»(٩)، وهذا يعني أنَّ هذه الدروسَ كانَتْ خمسَ سنواتٍ فقط قبل وفاته ـ رحمه الله ـ، وأيضًا في نشرِ الأستاذ محمَّد الصالح والشيخ البشير الإبراهيميِّ لهذا الكتابِ وتقديمِهما له دليلٌ على أنها العقيدةُ التي مات عليها الشيخُ ـ رحمه الله ـ.

ـ بقي قولُ صاحبِ المقال: «إِذْ لا يصحُّ شرعًا ولا عقلًا أَنْ يُثنيَ الشيخُ ابنُ باديس على عقائدِ أهل البِدَع والضلالِ فتَأمَّلْ»، فإنه يُشَمُّ منه رائحةُ دعوَى عصمةِ الشيخ ـ رحمه الله ـ (أو «الحفظ» في اصطلاح المتصوِّفة) مِنَ الأخطاء والمخالفات، وهذا اعتقادُ الصوفية في أوليائهم، وهي ـ عندهم ـ مِنْ أجلِّ الكرامات التي تكون للأولياء، وهُمْ في هذا قد قلَّدوا الشِّيعةَ الذين يعتقدون العصمةَ في أئمَّتهم، أمَّا أهلُ السنَّة والجماعة فمِنْ أصول اعتقادهم أنه لا أحَدَ بعد الرسول الكريم ـ عليه أفضلُ الصلاةِ وأزكى التسليم ـ معصومٌ مِنَ الخطإ.

الجواب عن الشبهة الخامسة: تأويل الأخبار الإضافية

ممَّا سَبَق مِنَ النقول الكثيرة مِنْ كلام الشيخ عبد الحميد بنِ باديس ـ رحمه الله ـ في مسائلِ الاعتقاد والمنهج، نعلم أنه ـ رحمه الله ـ كان مُنطلِقًا مِنْ مبدإ الاستسلام لدليل الوحيين: الكتاب والسنَّة، ومعوِّلًا على فهمِ سلفِ الأمَّة، وكان ـ رحمه الله ـ مُجْرِيًا لنصوص الصفاتِ على ظاهِرِها على ما يليق بالله جلَّ في عُلاهُ مِنْ غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، كما قرَّره ـ رحمه الله ـ في كتابه: «العقائد»، فمِنَ الظلم أَنْ نعدل عن ذلك الكثيرِ المحقَّقِ الصريح وهو محكمُ نصِّه، ونأخذ بما يدخله الاحتمالُ وهو متشابهُ قوله، ثمَّ نغلِّب المتشابهَ على المحكمِ وهو قولٌ باطلٌ، كمثلِ ما أورده صاحبُ المقالِ في هذه الشبهةِ مِنْ شرحِ الشيخ ـ رحمه الله ـ لحديثِ أبي واقدٍ الليثيِّ رضي الله عنه؛ إذ لا يُسَلَّم أنَّ الشيخ ـ رحمه الله ـ وَقَع في التأويل؛ ذلك لأنه ـ رحمه الله ـ لم يتعرَّضْ للصفتين الواردتين فيه بالنفي والتعطيل الصريح، وإنما اكتفى في الشرح بذِكْرِ ما تقتضيهِ تلك الصفاتُ، ولا يَلْزَمُ مِنْ عدمِ تعرُّضِه لهما نفيُهما؛ فقَدْ يكون ذاهلًا عند ذلك ابتداءً، أو لأنَّ صفاتِ اللهِ وأسماءَه معلومةُ الإثباتِ والتنزيه عن مماثَلةِ المخلوقين عنده على ما سَبَق مِنَ النقول الكثيرةِ عنه في تقريرِه لهذه العقيدةِ التي كان يَدينُ اللهَ بها ويُدرِّسها لطُلَّابه.

ـ قال شيخنا أبو عبد المعزِّ محمَّد عليِّ فركوس ـ حفظه الله تعالى ـ جوابًا عن سؤالٍ وَرَد على موقعه الرسميِّ عن حقيقةِ ما نُسِبَ إلى الشيخ ابنِ باديس ـ رحمه الله ـ مِنْ تأويلِ صفتَيِ الحياء والإعراض في الحديث المذكور: «الحديثُ المذكورُ يدلُّ على إثباتِ صفتَيِ الاستحياءِ والإعراضِ للهِ تعالى على وجهٍ لا نَقْصَ فيه كما يَلِيقُ بجلالِه وعظمتِه، و«الحييُّ» اسْمٌ مِنْ أسمائه سبحانَه وتعالى.

ويدلُّ على صفةِ الاستحياءِ قولُه تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسۡتَحۡيِۦٓ أَن يَضۡرِبَ مَثَلٗا مَّا بَعُوضَةٗ فَمَا فَوۡقَهَا[البقرة: ٢٦]، وقولُه تعالى: ﴿وَٱللَّهُ لَا يَسۡتَحۡيِۦ مِنَ ٱلۡحَقِّ [الأحزاب: ٥٣]، وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ فَيَرُدَّهُمَا صِفْرًا ـ أَوْ قَالَ: خَائِبَتَيْنِ ـ»(١٠).

وأمَّا الإعراضُ فهو كالاستحياء صفةٌ خبريةٌ فعليةٌ ثابتةٌ، ويدلُّ عليها مقطعُ الحديثِ المذكورِ في السؤال: «فَأَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ».

وصِفَةُ الاستحياءِ والإعراضِ وغيرها ـ في النصوصِ الشرعية ـ هي صفاتٌ حقيقيةٌ يُوصَفُ بها ربُّنا سبحانَه وتعالى على ما يَلِيقُ به، ولا يَلْزَمُ مِنْ إثباتِها ووصفِه بها تشبيهُه بالمخلوقاتِ ولا تمثيلُه بها؛ فاستحياؤُه سبحانَه ليس كاستحياءِ المخلوقين، الذي هو تغيُّرٌ وانكسارٌ يعتري الشخصَ عند خوفِ ما يُعابُ أو يُذَمُّ، وليس إعراضُه سبحانَه كإعراضِ المخلوقين، الذي هو الصَّدُّ عن المُعْرَضِ عنه والذهابُ عَرْضًا وطولًا؛ فإنَّ هذه الحالاتِ مِنَ الأمورِ الفطريةِ الإنسانيةِ التي لا تَلِيقُ بالله عزَّ وجلَّ؛ فكما أنَّ ذاتَ اللهِ تعالى لا تُماثِلُ الذَّوَاتِ المخلوقةَ ولا تُشْبِهُها، فكذلك صفاتُه سبحانَه وتعالى لا تُماثِلُ صفاتِ المخلوقين ولا تُشْبِهُها، والقولُ في صفةِ الاستحياءِ والإعراضِ كالقول في سائرِ الصفات ممَّا أَثْبَتَهُ اللهُ لنَفْسِه في كتابِه أو أَثْبَتَهُ له رسولُه صلَّى الله عليه وسلَّم بالسنَّة الصحيحة، مِنْ غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ؛ لأنه لا أحَدَ أَعْلَمُ باللهِ مِنْ نَفْسِه، ولا مخلوقَ أَعْلَمُ بخالقه مِنْ رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لذلك كان المُعْتَقَدُ الصحيحُ هو الإثباتَ مع نفيِ مُماثَلةِ المخلوقات؛ جريًا على قاعدةِ الإثبات والتنزيه؛ فقولُه تعالى: ﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞ[الشورى: ١١]: ردٌّ على المشبِّهة، وقولُه تعالى: ﴿وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ١١[الشورى]: ردٌّ على المعطِّلة.

هذا، والمعطِّلةُ الذين عَدَلوا عن ظاهرِ اللفظ مِنْ غيرِ مُوجِبٍ إنَّما دَفَعهم توهُّمُهم أنَّ إثباتَ صفتَيِ الاستحياءِ والإعراضِ يَستلزِمُ التشبيهَ والتمثيلَ؛ لذلك مَنَعوا أَنْ يُوصَفَ ربُّنا عزَّ وجلَّ بهاتين الصفتين وغيرِهما مِنَ الصفاتِ على جهةِ الحقيقة، بل أوَّلوها بما تَستلزِمُه مِنْ مَعَانٍ ومُقْتَضَياتٍ.

وعليه، فالواجبُ ـ عند أهلِ السنَّة ـ إثباتُ صفةِ الاستحياءِ للهِ تعالى وما تَستلزِمُه هذه الصفةُ مِنْ سَعةِ رحمتِه وكمالِ عطفِه وَجُودِه وعظيمِ عفوِه وحِلْمِه، وما تَقْتَضِيهِ مِنْ ثبوتِ الأجرِ للمُسْتحيي الواردِ في الحديث، كما أنَّ الواجبَ ـ أيضًا ـ إثباتُ صفةِ الإعراضِ للهِ تعالى، وما تَستلزِمُه هذه الصفةُ مِنْ سَخَطِ اللهِ وغضبِه وعدمِ رحمتِه وعفوِه، وما تقتضيه مِنْ حرمانِ المُعْرِضِ مِنَ الأجرِ والثواب؛ فأهلُ السنَّةِ يُثْبِتون الصفةَ ولازِمَها، خلافًا لأهلِ التعطيل الذين يُثْبِتون اللازمَ دون الملزوم.

وأمَّا اكتفاءُ الشيخِ عبد الحميد بنِ باديسَ ـ رحمه الله ـ في شرحِه للحديث بإثباتِ ما تقتضيه صفةُ الاستحياءِ والإعراضِ دون التعرُّضِ للصفةِ ذاتِها؛ فإنه لا يَلْزَمُ مِنْ عدمِ تعرُّضِه لها نفيُه أو تعطيلُه لها؛ لأنه ـ رحمه الله ـ لم يُصَرِّحْ بنفيِ الصفة، وقد يكون ذاهلًا عنها، أو لأنَّ صفاتِ اللهِ وأسماءَه معلومةُ الإثباتِ ونفيِ المُماثَلةِ للمخلوقين، على ما قرَّره ـ رحمه الله ـ في كتابه: «العقائد الإسلاميَّة» في الأسماء والصفات مِنْ «عقيدةِ الإثبات والتنزيه»، كما نصَّ على ذلك ـ بوضوحٍ ـ في قوله: «نُثْبِتُ له تعالى ما أَثْبَتَه لنَفْسِه على لسانِ رسولِه مِنْ ذاتِه وصفاتِه وأسمائِه وأفعالِه، وننتهي عند ذلك ولا نزيد عليه، ونُنَزِّهُه في ذلك عن مُماثَلةِ أو مُشابَهةِ شيءٍ مِنْ مخلوقاتِه»(١١)، وقد كان ـ رحمه الله ـ يُردِّدُ البيتين:

فَنَحْنُ مَعْشَرَ فَرِيقِ السُّنَّهْ * السَّالِكِينَ فِي طَرِيقِ الجَنَّهْ

نَقُولُ بِالإِثْبَاتِ وَالتَّنْزِيهْ * مِنْ غَيْرِ تَعْطِيلٍ وَلَا تَشْبِيهْ(١٢)

لذلك وَجَب حَمْلُ كلامِ الشيخِ عبد الحميد بنِ باديسَ ـ رحمه الله ـ على أَحْسَنِ المَحامِل، توافقًا مع أصولِه وقواعده، وخاصَّةً وأنَّ سيرةَ المتكلِّمِ حسنةٌ؛ فيُحْمَلُ كلامُه على الوجهِ الحسنِ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَٱلۡبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخۡرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذۡنِ رَبِّهِ[الأعراف: ٥٨]» اﻫ(١٣).

وفي هذا يقول السبكيُّ ـ رحمه الله ـ: «فإذا كان الرجلُ ثِقَةً مشهودًا له بالإيمان والاستقامة؛ فلا ينبغي أَنْ يُحْمَلَ كلامُه وألفاظُ كتابتِه على غيرِ ما تُعُوِّد منه ومِنْ أمثاله، بل ينبغي التأويلُ الصالحُ وحُسْنُ الظنِّ الواجبُ به وبأمثاله»(١٤).

وإن سُلِّم لصاحبِ المقالِ مرادُه فقَدْ ظَهَر أمرُ عقيدةِ الشيخ ابنِ باديس ـ رحمه الله ـ موضَّحًا في كتابه: «العقائد الإسلامية»؛ إذ هو آخِرُ ما بَلَغَنَا عنه ـ رحمه الله ـ، وهذا قبل وفاته ـ رحمه الله ـ بخمسِ سنواتٍ كما سَبَق، وهذا لا يُخْرِجه ـ ألبتَّةَ ـ مِنْ دائرةِ أهل السنَّة ما دام أنه يُقرِّر العقيدةَ على أصول أهل السنَّة والجماعة في الصفات، وهو يبذل الوُسْعَ في تحرِّي الكتاب والسنَّة على فهمِ سلفِ الأمَّة، ومَنْ كان هذا حالَه فله عذرُه وعند الله أجرُه، مع وجوب التنبيه على ما قد يُجانِبُ فيه العالمُ السنِّيُّ الصوابَ في اجتهاده بحُسْنِ أدبٍ وتوقيرٍ وحفظِ قَدْرِه، حيث يصدق عليه قولُ الله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَا[البقرة: ٢٨٦]، وقولُ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ حديثِ عمرو بنِ العاص: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» [متَّفَقٌ عليه](١٥). فهذا مُعتقَدُ أهل السنَّة، ولله الحمدُ والمِنَّة، فخطأُ المجتهد الذي تحقَّقَتْ أهليَّتُه مغفورٌ، وهو على ما بَذَله مِنْ جهدٍ مأجورٌ، سواءٌ كان خطؤُه في العقائد أو في الأحكام، قال شيخ الإسلام ابنُ تيميَّة ـ رحمه الله ـ: «فصلٌ: والخطأُ المغفور في الاجتهاد هو في نوعَيِ المسائل الخبرية والعلمية كما قد بُسِط في غيرِ موضعٍ، كمَنِ اعتقد ثبوتَ شيءٍ لدلالةِ آيةٍ أو حديثٍ، وكان لذلك ما يُعارِضه ويبيِّن المرادَ ولم يعرفه، مثل مَنِ اعتقد أنَّ الذبيح إسحاقُ لحديثٍ اعتقد ثبوتَه، أو اعتقد أنَّ الله لا يُرى لقوله: ﴿لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ[الأنعام: ١٠٣]، ولقوله: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ[الشورى: ٥١]، كما احتجَّتْ عائشةُ بهاتين الآيتين على انتفاء الرؤية في حقِّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وإنما يدلَّان بطريق العموم، وكما نُقِل عن بعض التابعين أنَّ الله لا يُرى وفسَّروا قولَه: ﴿وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ نَّاضِرَةٌ ٢٢ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٞ ٢٣[القيامة] بأنها تنتظر ثوابَ ربِّها كما نُقِل عن مجاهدٍ وأبي صالحٍ، أو مَنِ اعتقد أنَّ الميِّت لا يُعَذَّب ببكاء الحيِّ لاعتقاده أنَّ قوله: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰ[الأنعام: ١٦٤؛ الإسراء: ١٥؛ فاطر: ١٨؛ الزُّمَر: ٧] يدلُّ على ذلك، وأنَّ ذلك يُقَدَّم على رواية الراوي لأنَّ السمع يغلط، كما اعتقد ذلك طائفةٌ مِنَ السلف والخَلَف، أو اعتقد أنَّ الميِّت لا يسمع خطابَ الحيِّ لاعتقاده أنَّ قوله: ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ[الروم: ٥٢] يدلُّ على ذلك، أو اعتقد أنَّ الله لا يَعْجَبُ كما اعتقد ذلك شُرَيْحٌ لاعتقاده أنَّ العَجَبَ إنما يكون مِنْ جَهْلِ السبب واللهُ مُنَزَّهٌ عن الجهل، أو اعتقد أنَّ عليًّا أَفْضَلُ الصحابة لاعتقادِه صحَّةَ حديثِ الطير وأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «اللَّهُمَّ ائْتِنِي بِأَحَبِّ الْخَلْقِ إِلَيْكَ يَأْكُل مَعِي مِنْ هَذَا الطَّائِرِ»، أو اعتقد أنَّ مَنْ جسَّ للعدوِّ وأعلمَهم بغزو النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فهو منافقٌ كما اعتقد ذلك عمرُ في حاطبٍ وقال: «دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ»، أو اعتقد أنَّ مَنْ غَضِب لبعض المنافقين غَضْبَةً فهو منافقٌ كما اعتقد ذلك أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ في سعد بنِ عُبادة وقال: «إِنَّك مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ»، أو اعتقد أنَّ بعض الكلماتِ أو الآيات أنها ليسَتْ مِنَ القرآن؛ لأنَّ ذلك لم يَثْبُتْ عنده بالنقل الثابت كما نُقِل عن غيرِ واحدٍ مِنَ السلف أنهم أنكروا ألفاظًا مِنَ القرآن كإنكار بعضهم: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ[الإسراء: ٢٣]، وقال: إنما هي «ووصَّى ربُّك»، وإنكارِ بعضِهم قولَه: ﴿وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ[آل عمران: ٨١]، وقال: إنما هو: «ميثاقُ بني إسرائيل»، وكذلك هي في قراءة عبد الله، وإنكارِ بعضهم: ﴿أَفَلَمۡ يَاْيۡ‍َٔسِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ[الرعد: ٣١]، إنما هي: «أَوَلَمْ يتبيَّن الذين آمنوا»، وكما أنكر عمرُ على هشام بنِ الحَكَمِ(١٦) لمَّا رآه يقرأ سورةَ الفرقان على غيرِ ما قرأها، وكما أنكر طائفةٌ مِنَ السلف على بعضِ القُرَّاء بحروفٍ لم يعرفوها حتَّى جَمَعهم عثمانُ على المصحف الإمام، وكما أنكر طائفةٌ مِنَ السلف والخلف أنَّ الله يريد المعاصيَ لاعتقادهم أنَّ معناه أنَّ الله يحبُّ ذلك ويرضاه ويأمر به، وأنكر طائفةٌ مِنَ السلف والخلف أنَّ الله يريد المعاصيَ لكونهم ظنُّوا أنَّ الإرادة لا تكون إلَّا بمعنى المشيئة لِخَلْقِها، وقد علموا أنَّ الله خالقُ كُلِّ شيءٍ وأنه ما شاء كان وما لم يشَأْ لم يَكُنْ، والقرآنُ قد جاء بلفظ الإرادة بهذا المعنى وبهذا المعنى، لكنَّ كُلَّ طائفةٍ عرفَتْ أحَدَ المعنيين وأنكرَتِ الآخَرَ، وكالذي قال لأهله: «إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ ذُرُّونِي فِي الْيَمِّ فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَرَ اللهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِي عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ»، وكما قد ذَكَره طائفةٌ مِنَ السلف في قوله: ﴿أَيَحۡسَبُ أَن لَّن يَقۡدِرَ عَلَيۡهِ أَحَدٞ ٥[البلد]، وفي قول الحواريِّين: ﴿هَلۡ يَسۡتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيۡنَا مَآئِدَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ[المائدة: ١١٢]، وكالصحابة الذين سألوا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟»، فلم يكونوا يعلمون أنهم يرَوْنه، وكثيرٌ مِنَ الناس لا يعلم ذلك، إمَّا لأنه لم تبلغه الأحاديثُ، وإمَّا لأنه ظنَّ أنه كذبٌ وغلطٌ»(١٧).

ـ وأمَّا ما يتعلَّق بقوله تعالى: ﴿وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ٤٧ [الذاريات] وقولِ الشيخ ابنِ باديس: «بِأَيْدٍ: بقوَّةٍ»، فقَدْ قاله ابنُ عبَّاسٍ ومجاهدٌ وقتادةُ والثوريُّ وغيرُ واحدٍ مِنَ السلف، وهذا ليس بتأويلٍ، والآيةُ ليسَتْ مِنْ آيات الصفات؛ لأنَّ قوله تعالى: ﴿بِأَيۡيْدٖ﴾ ليس جَمْعَ «يد» فتكون صفةَ الله، وإنما الأيد القوَّةُ مصدرُ «آدَ، يئيد»، ومنه قولُه تعالى: ﴿وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَيۡدِ[ص:١٧]؛ ﻓ «الأيد» ـ في لغة العرب ـ «القوَّةُ»، و«رجلٌ أيدٌ» أي: «قويٌّ»، ومنه قولُه تعالى: ﴿وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ[البقرة:٨٧، ٢٥٣] أي: «قوَّيْناه به»؛ فقولُه تعالى: ﴿بِأَيۡيْدٖ﴾ على وزنِ «فَعْل»: فالهمزةُ أصليةٌ في مكان الفاء، والياءُ في مكان العين، والدالُ في مكان اللام(١٨)، أمَّا جمعُ «يدٍ» فهو «أيدي» على وزنِ «أَفْعِل»: والهمزةُ زائدةٌ، والياءُ في مكان الفاء، والدالُ في مكان العين، والياءُ المحذوفة لكونه منقوصًا هي اللامُ كقوله: ﴿أُوْلِي ٱلۡأَيۡدِي وَٱلۡأَبۡصَٰرِ ٤٥[ص](١٩).

خاتمة: في بيان منهج أهل الأهواء والبِدَع في إرادة النيل مِنْ أهل السنَّة بنبزهم بالألقاب المشينة.

هذا، وقبل أَنْ نُنْهِيَ البحثَ، نعود ونَلْفِتُ النظرَ مجدَّدًا إلى أسلوب صاحِبِ المقال التهكُّميِّ، وما حواهُ مِنْ ألفاظِ نبزٍ ولمزٍ لأهل السنَّة(٢٠)؛ لننبِّه على أنَّ هذا أسلوبُ القومِ العتيقُ وطريقتُهم المثلى للنيل مِنْ أصحاب العقيدة السلفية منذ أَنْ ظهرَتْ مخالفةُ أولئك لأهل السنَّة في مسائل التوحيد والعقيدة، حتَّى أصبح مِنَ المعروف والمقرَّرِ المألوفِ عند أعلام السنَّة أنَّ مِنْ سِماتِ أهلِ البِدَعِ والضلال وعلاماتِهم الظاهرةِ وقيعتَهم في أهل الأثر وبُغْضَهم وسبَّهم وتعييرَهم وإطلاقَ الألقابِ المشينةِ عليهم قَصْدَ انتقاصِهم والاستخفافِ بهم والتنفيرِ منهم.

قال جعفر بنُ أحمد بنِ سِنانٍ ـ رحمه الله ـ: سَمِعْتُ أبي يقول: «ليس في الدنيا مُبتدِعٌ إلَّا يبغض أصحابَ الحديث، وإذا ابتدع الرجلُ بدعةً نُزِعَتْ حلاوةُ الحديثِ مِنْ قلبِه» اﻫ(٢١).

وقِيلَ للإمام أحمد بنِ حنبلٍ ـ رحمه الله ـ: «ذَكَروا لابن قتيلة بمكَّة أَصحابَ الحديث فقال: «أَصحابُ الحديثِ قومُ سوءٍ!»» فقام أَحمد بنُ حنبلٍ وهو ينفض ثوبَه ويقول: «زنديقٌ، زنديقٌ، زنديقٌ» حتَّى دَخَل البيتَ، اﻫ(٢٢).

وقال الإمام أبو حاتمٍ الرازيُّ ـ رحمه الله ـ: «وعلامةُ أهل البِدَعِ الوقيعةُ في أهل الأثر، وعلامةُ الزنادقة تسميَتُهم أهلَ السنَّة: حَشْويةً، يريدون إبطالَ الآثار، وعلامةُ الجهمية تسميَتُهم أهلَ السنَّة: مشبِّهةً، وعلامةُ القدرية تسميَتُهم أهلَ الأثر: مُجْبِرَةً، وعلامةُ المرجئة تسميَتُهم أهلَ السنَّة: مخالِفةً ونقصانيةً، وعلامةُ الرافضة تسميَتُهم أهلَ السنَّة: ناصبةً، ولا يَلْحقُ أهلَ السنَّة إلَّا اسْمٌ واحدٌ، ويستحيل أَنْ تجمعهم هذه الأسماءُ» اﻫ(٢٣).

وقال الإمام البربهاريِّ ـ رحمه الله ـ: «وإِنْ سمعتَ الرجلَ يقول: «فلانٌ مشبِّهٌ»، و«فلانٌ يتكلَّم في التشبيه» فاتَّهِمْه واعلَمْ أنه جهميٌّ، وإذا سمِعْتَ الرجلَ يقول: «فلانٌ ناصبيٌّ» فاعْلَمْ أنه رافضيٌّ، وإذا سَمِعْتَ الرجلَ يقول: «تَكلَّمْ بالتوحيد» و«اشْرَحْ لي التوحيدَ» فاعْلَمْ أنه خارجيٌّ معتزليٌ، أو يقول: «فلان مُجْبِرٌ» أو «.. يتكلَّم بالإجبار»، أو يتكلَّم بالعدل فاعْلَمْ أنه قَدَريٌّ؛ لأنَّ هذه الأسماءَ مُحْدَثةٌ أَحْدَثها أهلُ الأهواء»، اﻫ(٢٤).

وقال الحاكم النيسابوريُّ ـ رحمه الله ـ: «وعلى هذا عَهِدْنا في أسفارِنا وأوطاننا كُلَّ مَنْ يُنْسَبُ إلى نوعٍ مِنَ الإلحاد والبِدَع لا ينظر إلى الطائفة المنصورة إلَّا بعين الحقارة ويسمِّيها: الحشويةَ»، اﻫ(٢٥).

وقال أبو عثمان الصابونيُّ ـ رحمه الله ـ: «وعلامات البِدَع على أهلها باديةٌ ظاهرةٌ، وأظهرُ آياتِهم وعلاماتِهم: شدَّةُ معاداتِهم لحَمَلةِ أخبار النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، واحتقارُهم لهم وتسميتُهم إيَّاهم: حشويةً وجَهَلَةً وظاهريةً ومشبِّهةً، اعتقادًا منهم في أخبار الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم أنها بمعزلٍ عن العلم، وأنَّ العلم ما يُلْقيهِ الشيطانُ إليهم مِنْ نِتاجِ عقولهم الفاسدة، ووساوسِ صدورهم المظلمة، وهواجسِ قلوبهم الخالية عن الخير، وكلماتهم وحُجَجهم العاطلة، بل شُبَههم الداحضة الباطلة، ﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمۡ وَأَعۡمَىٰٓ أَبۡصَٰرَهُمۡ ٢٣[محمَّد]، ﴿وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكۡرِمٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ۩ ١٨[الحج]» اﻫ(٢٦).

وقال شيخ الإسلام ابنُ تيميَّة ـ رحمه الله ـ: «... وهذا نظيرُ ما تحكي الرافضةُ عن أهل السنَّة مِنْ أهل الحديثِ والفقه والعبادة والمعرفة أنهم ناصبةٌ، وتحكي القدريةُ عنهم أنهم مُجْبِرَةٌ، وتحكي الجهميةُ عنهم أنهم مشبِّهةٌ، ويحكي مَنْ خالَفَ الحديثَ ونابَذَ أَهلَه عنهم أنهم نابتةٌ وحشويةٌ وغُثاءٌ وغَثَرًا إلى غير ذلك مِنَ الأسماء المكذوبة ...» اﻫ(٢٧).

وقال أبو إسحاق الشاطبيُّ ـ رحمه الله ـ: «ورُوِي عن إسماعيل بنِ عُليَّة قال: حدَّثني اليسعُ قال: تَكلَّمَ واصلُ بنُ عطاءٍ يومًا ـ يعني: المعتزلي ـ فقال عمرو بنُ عبيدٍ: «ألا تسمعون؟ ما كلامُ الحسن وابنِ سيرين عند ما تسمعون إلَّا خِرْقةُ حيضٍ ملقاةٌ»، ورُوِي أنَّ زعيمًا مِنْ زعماءِ أهلِ البدعة كان يريد تفضيلَ الكلام على الفقه فكان يقول: «إنَّ عِلْمَ الشافعيِّ وأبي حنيفة جملتُه لا يخرج مِنْ سراويلِ امرأةٍ»، هذا كلامُ هؤلاء الزائغين قاتَلَهم اللهُ» اﻫ(٢٨).

وقال السفارينيُّ ـ رحمه الله ـ: «ولسنا بصددِ ذِكْرِ مناقبِ أهل الحديث؛ فإنَّ مناقبهم شهيرةٌ ومآثِرَهم كثيرةٌ وفضائِلَهم غزيرةٌ، فمَنِ انتقصهم فهو خسيسٌ ناقصٌ، ومَنْ أبغضهم فهو مِنْ حزبِ إبليس ناكصٌ»(٢٩).

وإنَّ ممَّا يسلِّي قلوبَنا في ذلك أنَّ لنا أسوةً بالأنبياء قبلنا لنصبرَ كما صبروا على الأذى في سبيل الدعوة إلى الله، فقَدْ قِيلَ لهم: ساحرٌ وكذَّابٌ وشاعرٌ وكاهنٌ ومجنونٌ ومسحورٌ، وقالوا عن أصحابهم صابئةٌ وأراذلُ وأنهم إنما اتَّبعوا أنبياءَهم باديَ الرأي، وقالوا عن نبيِّنا معلَّمٌ تَعلَّم أساطيرَ الأوَّلين، وأخَذَ أخبارَ السابقين عن رجلٍ أعجميٍّ عنده شيءٌ مِنْ علمِ الأوَّلين فصاغَها محمَّدٌ بلسانٍ عربيٍّ مُبينٍ، فرمَوْهم بما الرامي أَوْلى به مع ظهورِ بطلان كُلِّ ما قالوه عنهم عليهم السلام وبراءتِهم منه بدلائلَ تدلُّ بشهادة الشانئين يقينًا على صدقِهم وأنهم ليسوا ممَّنْ تَتنزَّلُ عليهم الشياطينُ، وإنما ﴿نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ ١٩٣ [الشُّعَراء] على قلوبِ الرُّسُلِ عليهم السلام ليكونوا ﴿مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ ١٩٤ [الشُّعَراء]، بل قالوا عن نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم: مذمَّمٌ وشتموه بذلك، فصانَهُ اللهُ مِنْ ذلك، وصَرَف عنه شَتْمَهم في اللفظ والمعنى؛ لأنهم يسبُّون مذمَّمًا ويشتمون مذمَّمًا وهو محمَّدٌ، ولله درُّ ابنِ القيِّم ـ رحمه الله ـ إذ يقول في فصلٍ عَقَده لهذا الغرضِ وَسَمه ﺑ : «فصلٌ في نكتةٍ بديعةٍ تُبيِّن ميراثَ الملقِّبين والملقَّبين مِنَ المشركين والموحِّدين» قال فيه:

«هَذَا، وَثَمَّ لَطِيفَةٌ عَجَبٌ سَأُبْـ***ـدِيهَا لَكُمْ يَا مَعْشَرَ الإِخْوَانِ

فَاسْمَعْ فَذَاكَ مُعَطِّلٌ وَمُشَبِّهٌ *** وَاعْقِلْ فَذَاكَ حَقِيقَةُ الإِنْسَانِ

لاَ بُدَّ أَنْ يَرِثَ الرَّسُولَ وَضِدَّهُ *** فِي النَّاسِ طَائِفَتَانِ مُخْتَلِفَانِ

فَالوَارِثُونَ لَهُ عَلَى مِنْهَاجِهِ *** وَالوَارِثُونَ لِضِدِّهِ فِئَتَانِ

إِحْدَاهُمَا حَرْبٌ لَهُ وَلِحِزْبِهِ *** مَا عِنْدَهُمْ فِي ذَاكَ مِنْ كِتْمَانِ

فَرَمَوْهُ مِنْ أَلْقَابِهِمْ بِعَظَائِمٍ *** هُمْ أَهْلُهَا لَا خِيرَةُ الرَّحْمَنِ

فَأَتَى الأُلَى وَرِثُوهُمُ فَرَمَوْا بِهَا *** وُرَّاثَهُ بِالبَغْيِ وَالعُدْوَانِ

هَذَا يُحَقِّقُ إِرْثَ كُلٍّ مِنْهُمَا *** فَاسْمَعْ وَعِهْ يَا مَنْ لَهُ أُذُنَانِ

وَالآخَرُونَ أُولُو النِّفَاقِ فَأَضْمَرُوا *** شَيْئًا وَقَالُوا غَيْرَهُ بِلِسَانِ

وَكَذَا المُعَطِّلُ مُضْمِرٌ تَعْطِيلَهُ *** قَدْ أَظْهَرَ التَّنْزِيهَ لِلرَّحْمَنِ

هَذِي مَوَارِيثُ العِبَادِ تَقَسَّمَتْ *** بَيْنَ الطَّوَائِفِ قِسْمَةَ المَنَّانِ

هَذَا وَثَمَّ لَطِيفَةٌ أُخْرَى بِهَا *** سُلْوَانُ مَنْ قَدْ سُبَّ بِالبُهْتَانِ

تَجِدُ المُعَطِّلَ لاَعِنًا لِمُجَسِّمٍ *** وَمُشَبِّهٍ للهِ بِالإِنْسَانِ

وَاللهُ يَصْرِفُ ذَاكَ عَنْ أَهْلِ الهُدَى *** كَمُحَمَّدٍ وَمُذَمَّمٍ إِسْمَانِ

هُمْ يَشْتُمُونَ مُذَمَّمًا وَمُحَمَّدٌ *** عَنْ شَتْمِهِمْ فِي مَعْزِلٍ وَصِيَانِ

صَانَ الإِلَهُ مُحَمَّدًا عَنْ شَتْمِهِمْ *** فِي اللَّفْظِ وَالمَعْنَى هُمَا صِنْوَانِ

كَصِيَانَةِ الأَتْبَاعِ عَنْ شَتْمِ المُعَطْـ ***ـطِلِ لِلْمُشَبِّهِ هَكَذَا الإِرْثَانِ

وَالسَّبُّ مَرْجِعُهُ إِلَيْهِمْ إِذْ هُمُ *** أَهْلٌ لِكُلِّ مَذَمَّةٍ وَهَوَانِ

وَكَذَا المُعَطِّلُ يَلْعَنُ اسْمَ مُشَبِّهٍ *** وَاسْمُ المُوَحِّدِ فِي حِمَى الرَّحْمَنِ

هَذِي حِسَانُ عَرَائِسٍ زُفَّتْ لَكُمْ*** وَلَدَى المُعَطِّلِ هُنَّ غَيْرُ حِسَانِ

وَالعِلْمُ يَدْخُلُ قَلْبَ كُلِّ مُوَفَّقٍ*** مِنْ غَيْرِ بَوَّابٍ وَلَا اسْتِئْذَانِ

وَيَرُدُّهُ المَحْرُومُ مِنْ خِذْلَانِهِ *** لَا تُشْقِنَا اللَّهُمَّ بِالحِرْمَانِ»(٣٠)

ونختم في الأخيرِ بنقلِ بعض الأبيات مِنء فصلٍ كاملٍ قد عَقَده ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ في نونيَّته يتعلَّق بما نحن فيه، وتَرْجَم له الإمامُ ﺑ : «فصلٌ في بيانِ عداوتهم في تلقيب أهل القرآن والحديث بالمجسِّمة وبيانِ أنهم أَوْلى بكلِّ لقبٍ خبيثٍ»، وممَّا قال فيه:

«كَمْ ذَا مُشَبِّهَةٌ مُجَسِّمَةٌ نَوَا * بِتَةٌ مَسَبَّةَ جَاهِلٍ فَتَّانِ

أَسْمَاءُ سَمَّيْتُمْ بِهَا أَهْلَ الحَدِيـ * ـثِ وَنَاصِرِي القُرْآنِ وَالإِيمَانِ

سَمَّيْتُمُوهُمْ أَنْتُمُ وُشُيُوخُكُمْ * بَهْتًا بِهَا مِنْ غَيْرِ مَا سُلْطَانِ

وَجَعَلْتُمُوهَا سُبَّةً لِتُنَفِّرُوا * عَنْهُمْ كَفِعْلِ السَّاحِرِ الشَّيْطَانِ

مَا ذَنْبُهُمْ ـ وَاللهِ ـ إِلَّا أَنَّهُمْ * أَخَذُوا بِوَحْيِ اللهِ وَالفُرْقَانِ

وَأَبَوْا بِأَنْ يَتَحَيَّزُوا لِمَقَالَةٍ * غَيْرِ الحَدِيثِ وَمُقْتَضَى القُرْآنِ

وَأَبَوْا يَدِينُوا بِالَّذِي دِنْتُمْ بِهِ * مِنْ هَذِهِ الآرَاءِ وَالهَذَيَانِ

وَصَفُوهُ بِالأَوْصَافِ فِي النَّصَّيْنِ مِنْ * خَبَرٍ صَحِيحٍ ثُمَّ مِنْ قُرْآنِ»(٣١)

وقال ـ أيضًا ـ ـ رحمه الله ـ:

«وَإِذَا سَبَبْتُمْ بِالمُحَالِ فَسَبُّنَا * بِأَدِلَّةٍ وَحِجَاجِ ذِي بُرْهَانِ

تُبْدِي فَضَائِحَكُمْ وَتَهْتِكُ سِتْرَكُمْ * وَتُبِينُ جَهْلَكُمُ مَعَ العُدْوَانِ

يَا بُعْدَ مَا بَيْنَ السِّبَابِ بِذَاكُمُ * وَسِبَابِكِمْ بِالكِذْبِ وَالطُّغْيَانِ»(٣٢)

هذا ما استطَعْنا جَمْعَه وترتيبَه بتوفيق الله ومَنِّه، فله الحمدُ والشكرُ وَحْدَه جلَّ في عُلاهُ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه ومَنِ اتَّبع هُداهُ، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين.

 


(١) «العقائد الإسلامية» (٢٠).

(٢) «العقائد الإسلامية» (٢٢).

(٣) «العقائد الإسلامية» (٠٥).

(٤) «العقائد الإسلامية» (١٢).

(٥) «رسالة الشرك ومظاهره» (٣٧).

(٦) «آثار ابن باديس» (٤/ ١٩٧)، جمع وترتيب: عمَّار طالبي.

(٧) «آثار ابن باديس» (١/ ٤١٦)، جمع وترتيب: عمَّار طالبي.

(٨) «العقائد الإسلامية» (٧١).

(٩) «العقائد الإسلامية» (٠٦).

(١٠) أخرجه أبو داود في «الصلاة» باب الدعاء (١٤٨٨)، والترمذيُّ في «الدعوات» (٣٥٥٦)، وابنُ ماجه ـ واللفظُ له ـ في «الدعاء» بابُ رفعِ اليدين في الدعاء (٣٨٦٥)، مِنْ حديثِ سلمان الفارسيِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع الصغير» (١٧٥٧، ٢٠٧٠).

(١١) «العقائد الإسلامية» لابن باديس (٧٣).

(١٢) انظر: تعليق محمَّد الصالح رمضان على «العقائد الإسلامية» (٧٣).

(١٣) انظر الفتوى رقم: (١٠٩٤) الموسومة ﺑ: «في صفة الاستحياء والإعراض» على الموقع الرسميِّ لفضيلة الشيخ أبي عبد المعزِّ ـ حفظه الله ـ.

(١٤) «قاعدةٌ في الجرح والتعديل» للتاج السبكي (ص ٩٣).

(١٥) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الاعتصام بالكتاب والسنَّة» بابُ أجرِ الحاكم إذا اجتهد فأصابَ أو أخطأ (٧٣٥٢)، ومسلمٌ في «الأقضية» (١٧١٦)، مِنْ حديثِ عمرو بنِ العاص رضي الله عنه.

(١٦) كذا، والمعروف أنه هشام بنُ حكيم بنِ حزامٍ رضي الله عنهما، فلعلَّه وهمٌ أو تصحيفٌ.

(١٧) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٠ / ٣٣ ـ ٣٦).

(١٨) قال زين الدين أبو عبد الله محمَّد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفيُّ الرازيُّ في «مختار الصحاح» (٣٠٩): Mقلت: قوله تعالى: ﴿بِأَيۡيْدٖ[الذاريات: ٤٧] أي: بقوَّةٍ، وهو مصدرُ «آدَ ـ يئيد» إذا قَوِيَ، وليس جمعًا ليدٍ ليُذْكَرَ هنا، بل موضعُه بابُ الدال. وقد نصَّ الأزهريُّ على هذه الآيةِ في الأيد بمعنى المصدر، ولا أعرفُ أحَدًا مِنْ أئمَّة اللغة أو التفسير ذَهَب إلى ما ذَهَب إليه الجوهريُّ مِنْ أنها جمعُ يدٍL.

(١٩) انظر: «تفسير ابنِ كثير» (٤/ ٢٨٦)، «أضواء البيان» للشنقيطي (٧/ ٤٤٢)، «مختار الصحاح» للرازي (٣٠٩).

(٢٠) قد نقَلْنا بعضَها في أوَّل الردِّ.

(٢١) «سِيَر أعلام النبلاء» للذهبي (٢٣/ ٢٣٧).

(٢٢) «عقيدة السلف أصحاب الحديث» للصابوني (ص١٠٣).

(٢٣) «شرح أصول اعتقاد أهل السنَّة والجماعة» للَّالَكائي (١/ ١٩٧).

(٢٤) «شرح السنَّة» للبربهاري (ص٥١).

(٢٥) «معرفة علوم الحديث» للحاكم (ص ٤).

(٢٦) «عقيدة السلف أصحاب الحديث» للصابوني (ص ١١٠).

(٢٧) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٣٣/ ١٧١).

(٢٨) «الاعتصام» للشاطبي (٢/ ٢٣٩).

(٢٩) «لوائح الأنوار السنيَّة» للسفاريني (٢/ ٣٥٥).

(٣٠) «متن القصيدة النونية» لابن القيِّم (ص ١٧٦).

(٣١) «متن القصيدة النونية» لابن القيِّم (ص ١٦٢).

(٣٢) «متن القصيدة النونية» لابن القيِّم (ص ١٦٤).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)