الفتوى رقم: ١٠٨٥

الصنف: فتاوى الأسرة ـ عقد الزواج ـ آداب الزواج

في حكم التكسُّب بضرب الدفِّ في الأعراس

السؤال:

هل يجوز أخذُ مُقابِلٍ ماليٍّ على الضَّرب بالدُّفِّ؟ وهل هو مِنْ باب الإجارة أم الجُعْل؟ وهل تختصُّ الرُّخصةُ فيه بالإماءِ الجواري والبناتِ الصغيرات؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فضربُ النِّساءِ الدُّفَّ في مُناسَبةِ أيَّامِ العيد أوِ العُرس ونحوِ ذلك ـ لإشاعة الفرح وإدخالِ السُّرور وترويحِ النَّفس ـ جائزٌ دون سائرِ آلاتِ اللَّهو والمَعازِف؛ لقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «صَوْتَانِ مَلْعُونَانِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ: مِزْمَارٌ عِنْدَ نِعْمَةٍ، وَرَنَّةٌ عِنْدَ مُصِيبَةٍ»(١)، ويجوز أَنْ يكون الدُّفُّ مصحوبًا بغِنائهنَّ إذا خَلَتْ كلماتُه مِنْ فُحْشٍ أو تحريضٍ على إثمٍ أو ذِكْرِ مُحرَّمٍ، وبصوتٍ في مُحيطهنَّ بحيث يحصل معه الأمنُ مِنَ الفتنة؛ لقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الحَلَالِ وَالحَرَامِ: الدُّفُّ وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ»(٢)، والمرادُ بالدُّفِّ هو ما كان في زمنِ المتقدِّمين خاليًا مِنَ الجلاجل، ويدخل في الصَّوتِ: الغناءُ المُباحُ، وصوتُ الحاضرين بالتهنئة، والنَّغمةُ في إنشاد الشِّعر المُباح(٣).

والمعلومُ أنَّ الأحاديثَ الصحيحة الواردةَ في ضربِ الدُّفِّ والغناءِ إنَّما فيها الإذنُ للنساء، وخُصَّ بهنَّ، فلا يَلْتحِقُ بهنَّ الرجالُ لعموم النهيِ عن التشبُّه بهنَّ(٤).

ولا يُشترَطُ في ضربِ الدُّفِّ عند إعلان النكاح ونحوِه سِنٌّ معيَّنةٌ ـ في حدودِ علمي ـ؛ لأنَّ وقوعَه مِنْ بناتِ الأنصار غيرِ البالغات في حديث الرُّبَيِّع بنتِ مُعوِّذٍ رضي الله عنهما(٥) لا يَلْزَمُ منه مَنْعُه عن البالغات، وقد ثَبَتَ مِنْ حديثِ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قال: «خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ: إِنْ رَدَّكَ اللهُ سَالِمًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى»، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي، وَإِلَّا فَلَا»»(٦)، وله شاهدٌ مِنْ حديثِ عمرِو بنِ شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنه: «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِكَ بِالدُّفِّ»، قَالَ: «أَوْفِي بِنَذْرِكِ»»(٧).

هذا، وإذا كان الدُّفُّ للنِّساءِ مُباحًا استثناءً مِنْ عمومِ المَعازف المحرَّمة في الإسلام فإنَّ التكسُّبَ به فرعٌ عن مشروعيَّتِه؛ فالضربُ بالدُّفِّ للنساء فعلٌ يُحتاجُ إليه في إعلان النكاح ونحوِه، ومأذونٌ فيه شرعًا، ولا يَختصُّ الإذنُ بأَنْ يكونَ فاعلُه مِنْ أهلِ القُربة؛ فجاز الاستئجارُ عليه بدفعِ المال للدَّفَّافات لأنَّه عملٌ مُباحٌ، وقد اتَّفق الفقهاءُ على جوازِ استئجار الإنسان على الأفعال المُباحة(٨).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٦ من المحرَّم ١٤٣٢ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٢ ديسمبر ٢٠١٠م

 



(١) أخرجه البزَّار في «مسنده» (٧٥١٣)، والضياء في «الأحاديث المختارة» (٢٢٠٠)، مِنْ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه. وقال الهيثميُّ في «مَجْمَع الزوائد» (٣/ ١٣): «رجالُه ثِقاتٌ». والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (١/ ٧٩٠) رقم: (٤٢٧).

(٢) أخرجه الترمذيُّ في «النكاح» بابُ ما جاء في إعلان النكاح (١٠٨٨)، والنسائيُّ في «النكاح» بابُ إعلان النكاح بالصوت وضربِ الدفِّ (٣٣٦٩)، وابنُ ماجه في «النكاح» باب إعلان النكاح (١٨٩٦)، وأحمد في «مسنده» (١٥٤٥١)، والحاكم في «مستدركه» (٢٧٥٠)، مِنْ حديثِ محمَّد بنِ حاطبٍ الجُمَحيِّ رضي الله عنه. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «الإرواء» (٧/ ٥٠) رقم: (١٩٩٤).

(٣) انظر: «تحفة الأحوذي» للمباركفوري (٤/ ٢٠٩، ١٠/ ١٧٧).

(٤) لحديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم المُتَشَبِّهِين مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» [أخرجه البخاريُّ في «اللباس» باب: المتشبِّهون بالنساء والمتشبِّهات بالرجال (٥٨٨٥) مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما]. وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (٩/ ٢٢٦)، «تحفة الأحوذي» للمباركفوري (٤/ ٢١٠).

(٥) أخرجه البخاريُّ في «النكاح» باب ضربِ الدُّفِّ في النكاح والوليمة (٥١٤٧) عن الرُّبَيِّعِ بنتِ مُعوِّذٍ رضي الله عنهما قالت: «جَاءَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فَدَخَلَ حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ، إِذْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: «وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ»، فَقَالَ: «دَعِي هَذِهِ، وَقُولِي بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ»».

(٦) أخرجه الترمذيُّ في «المناقب» بابٌ في مناقبِ أبي حفصٍ عمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنه (٣٦٩٠)، وأحمد (٢٣٠١١)، مِنْ حديثِ بُرَيْدة رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٥/ ٣٣٠) رقم: (٢٢٦١).

(٧) أخرجه أبو داود في «الأيمان والنذور» بابُ ما يؤمر به مِنَ الوفاء بالنذر (٣٣١٢). والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (٨/ ٢١٣) رقم: (٢٥٨٨).

(٨) انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (٢/ ٢٢٠ ـ ٢٢١).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)