الكلمة الشهرية رقم: ١٣٤

تقديمُ الشيخِ محمَّد البشير الإبراهيميِّ ـ رحمه الله ـ
على «العقائد الإسلاميَّة
مِنَ الآياتِ القرآنيَّة والأحاديثِ النبويَّة»
للأستاذ الإمام عبدِ الحميدِ بنِ باديسَ ـ رحمه الله ـ

[تحقيق وتعليق وتوجيه: الشيخ محمَّد علي فركوس]

[الحلقة الثامنة]

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فقَدْ تابع الشيخ محمَّد البشير الإبراهيمي ـ رحمه الله ـ كلامَه فقال:

«وَمِنْ هُنَا نَشَأَ عِلْمُ الْكَلَامِ وَعِلْمُ الْفِقْهِ، وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أُلِّفَتِ الْمُؤَلَّفَاتُ الَّتِي لَا تُحْصَى فِي الْعِلْمَيْنِ، وَانْتَشَرَتْ فِي الْأُمَّةِ وَطَارَتْ كُلَّ مَطَارٍ:

أَمَّا أَئِمَّةُ الْفِقْهِ وَمُؤَلَّفَاتُهُمْ فَلَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً؛ وَأَمَّا أَئِمَّةُ الْكَلَامِ: فَالَّذِي تَوَسَّعَ فِي الطَّرِيقَةِ الْعَقْلِيَّةِ وَوَسَّعَ دَائِرَتَهَا فَهُمْ جَمَاعَةٌ مَعْرُوفُونَ كَفَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ(١)، وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ [وَأَبِي بَكْرٍ](٢) الْبَاقِلَّانِيِّ(٣)، وَالْبَيْضَاوِيِّ(٤)، وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ(٥)، وَسَعْدِ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيِّ(٦)، وَالْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ الْإِيجِيِّ(٧)، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ ثَبَّتُوا الْقَوَاعِدَ الْكَلَامِيَّةَ وَالِاسْتِدْلَالَ عَلَى التَّوْحِيدِ بِالْعَقْلِ(٨)؛ وَمُؤَلَّفَاتُهُمْ مَا زَالَتْ ـ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا ـ مَرْجِعًا لِلْمُتَمَسِّكِينَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُدَرَّسُ فِي الْمَدَارِسِ إِلَّا قَلِيلًا، وَكُلُّهَا جَارِيَةٌ عَلَى الْأُصُولِ الَّتِي أَصَّلَهَا أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رضي الله عنه، وَآرَاؤُهُ هِيَ الَّتِي يُقَلِّدُهَا جَمْهَرَةُ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ(٩)، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الشَّرْقِ الْإِسْلَامِيِّ».

 



(١) هو أبو عبد الله فخر الدِّين محمَّد بنُ عمر بنِ الحسن بنِ الحسين القُرَشيُّ البكريُّ التيميُّ الرازيُّ الشافعيُّ، المعروف ﺑ: ابنِ الخطيب أو ابنِ خطيب الرَّيِّ، مِنْ كِبارِ مُتكلِّمي الأشاعرة، وهو الذي اشترط اليقينَ في مسائل الصِّفات لإفادةِ نصوص الكتاب والسُّنَّة، وهو الذي عارض صحيحَ المنقول بما سمَّاهُ: القانونَ الكُلِّيَّ، وهو صاحبُ المُصنَّفات المشهورة، منها: «التفسير الكبير»، و«المحصول» و«المَعالِم» في الأصول، و«المطالب العالية» و«نهاية العقول» في أصول الدِّين؛ وقد عَلِم ـ آخِرَ عُمره ـ أنَّ الطُّرُقَ الكلاميَّة لا تَشفي عليلًا ولا تُروِي غليلًا، وأنَّ الاعتماد عليها يُوقِعُ في الحيرة والحسرة والشكِّ وإضاعةِ العمر والأوقات، وأنَّ أقربَ الطُّرُقِ طريقةُ القرآنِ الكريم، وأنَّ فيه الفائدةَ والطُّمَأنينةَ واليقين. تُوُفِّيَ سنة: (٦٠٦ﻫ).

انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» لابن خلِّكان (٤/ ٢٤٨)، «دُوَل الإسلام» (٢/ ١١٢) و«سِيَر أعلام النُّبَلاء» (٢١/ ٥٠٠) كلاهما للذهبي، «طبقات الشافعية» لابن السبكي (٨/ ٨١)، «البداية والنهاية» لابن كثير (١٣/ ٥٥)، «لسان الميزان» لابن حجر (٤/ ٤٢٦)، «طبقات المُفسِّرين» للداودي (٢/ ٢١٥)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٥/ ٢١)، ومؤلَّفي: «الإعلام بمنثور تراجم المشاهير والأعلام» (٣٧٤).

(٢) كذا قال، والصواب أنهما شخصٌ واحدٌ.

(٣) هو أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ الطيِّب بنِ محمَّد بنِ جعفرٍ البصريُّ المالكيُّ مِنْ كِبارِ أعلام المذهب الأشعريِّ، المشتهر بالقاضي الباقلَّانيِّ، متكلِّمٌ أصوليٌّ فقيهٌ، إمامُ وقتِه، مِنْ أهل البصرة، انتهَتْ إليه رئاسةُ المالكيَّة، وهو صاحبُ المصنَّفات الكثيرة منها: «التمهيد»، و«التقريب والإرشاد»، و«المُقنِع في أصول الفقه»، و«الجرح والتعديل». تُوُفِّيَ سنة: (٤٠٣ﻫ).

انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (٥/ ٣٧٩)، «ترتيب المدارك» للقاضي عياض (٢/ ٥٨٥)، «الأنساب» للسمعاني (٢/ ٥٢)، «اللباب» (١/ ١١٢) و«الكامل» (٩/ ٢٤٢) كلاهما لأبي الحسن بنِ الأثير، «وفيات الأعيان» لابن خلِّكان (٤/ ٢٦٩)، «سِيَر أعلام النُّبَلاء» (١٧/ ١٩٠) و«دُوَل الإسلام» (١/ ٢٤٢) كلاهما للذهبي، «مرآة الجِنان» لليافعي (٣/ ٦)، «البداية والنهاية» لابن كثير (١١/ ٣٥٠)، «الديباج المذهب» لابن فرحون (٢٦٧)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٣/ ١٦٨)، «شجرة النور» لمخلوف (١/ ٩٢)، «الفكر السامي» للحجوي (٢/ ١/ ١٢١)، ومؤلَّفي: «الإعلام بمنثور تراجم المشاهير والأعلام» (٣٥٣).

(٤) هو القاضي أبو الخير ناصرُ الدِّين عبد الله بنُ عمر البيضاويُّ الشافعيُّ الأشعريُّ، الفقيه الأصوليُّ، صاحب التصانيف الكثيرة، منها: «المصباح» في أصول الدِّين، و«الغاية القُصوى» في الفقه، و«المنهاج» في أصول الفقه، و«أنوار التنزيل» في التفسير، وَلِيَ القضاءَ بشيراز. وتُوُفِّيَ سنة: (٦٨٥ﻫ).

انظر ترجمته في: «مرآة الجِنان» لليافعي (٤/ ٢٢٠)، «طبقات الشافعية» للإسنوي (١/ ١٣٦)، «البداية والنهاية» لابن كثير (١٣/ ٣٠٩)، «طبقات الشافعية» لابن قاضي شُهبة (٢/ ١٧٢)، «بُغية الوُعَاة» للسيوطي (٢٨٦)، «طبقات المفسِّرين» للداودي (١/ ٢٤٨)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٥/ ٣٩٢)، «الفتح المبين» للمراغي (٢/ ٩١)، «الفكر السامي» للحجوي (٢/ ٤/ ٣٤١)، ومؤلَّفي: «الإعلام بمنثور تراجم المشاهير والأعلام» (٢٢٣).

(٥) هو أبو المَعالي ضياءُ الدِّين عبد الملك بنُ عبد الله بنِ يوسف بنِ عبد الله الجُوَينيُّ الشافعيُّ، المُلقَّب بإمام الحرمَيْن، كان فقيهًا أصوليًّا مِنْ كِبارِ المتكلِّمين على مذهب الأشاعرة، وهو أوَّلُ مَنْ نَفَى الصِّفاتِ الخبريَّةَ مِنَ الأشاعرة، حيث كان أوَّلَ مَنْ تَوسَّع في وضعِ القواعد الفلسفيَّة والكلاميَّة وقانونِ تأويل الصِّفات بعد الجهميَّة والمعتزلة، فوَقَع في الحيرة والشكِّ لالْتِباس الحقِّ والباطل عليه في تقريرِ مسائل الاعتقاد، لكِنْ مَنَّ اللهُ عليه بالرجوع إلى مذهب السلف، حيث قرَّر مذهبَهم في الصِّفات في كتابه: «العقيدة النِّظاميَّة»، له تصانيفُ كثيرةٌ في الفقه والأصلين، منها: «الشامل» و«الإرشاد» في أصول الدِّين، و«البرهان» و«الورقات» في أصول الفقه، و«نهاية المَطْلَب» في الفقه، و«غِيَاث الأُمَم» في الأحكام السلطانيَّة. تُوُفِّيَ سنة: (٤٧٨ﻫ).

انظر ترجمته في: «تبيين كذب المفتري» لابن عساكر (٢٧٨)، «الكامل» (١٠/ ١٤٥) و«اللُّباب» (١/ ٣١٥) كلاهما لأبي الحسن بنِ الأثير، «وفيات الأعيان» لابن خلِّكان (٣/ ١٦٧)، «سِيَر أعلام النُّبَلاء» (١٨/ ٤٦٨) و«دُوَل الإسلام» (٢/ ٨) كلاهما للذهبي، «طبقات الشافعية» للسبكي (٥/ ١٦٥)، «البداية والنهاية» لابن كثير (١٢/ ١٢٣)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٣/ ٣٥٨)، ومؤلَّفي: «الإعلام بمنثور تراجم المشاهير والأعلام» (٢٣٢).

(٦) هو مسعود بنُ عمر بنِ عبد الله التفتازانيُّ الشافعيُّ الأشعريُّ الملقَّب ﺑ «سعد الدِّين»، كان أصوليًّا مفسِّرًا، متكلِّمًا محدِّثًا، نحويًّا أديبًا، وُلِد بتفتازان مِنْ بلاد خراسان، ثمَّ انتقل إلى سرخس، ثمَّ أُبْعِد منها إلى سمرقند. مِنْ مُؤلَّفاته: «التلويح في كشف حقائق التنقيح»، وحاشيةٌ على «شرح العضد على مختصرِ ابنِ الحاجب» في أصول الفقه، و«شرح العقائد النَّسَفية»، و«شرح مقاصد الطالبين في علم أصول الدِّين»، و«شرح مختصر الشمسية» في المنطق وغيرُها. تُوُفِّيَ بسمرقند سنةَ: (٧٩١ﻫ).

انظر ترجمته في: «الدُّرَر الكامنة» لابن حجر (٤/ ٣٥٠)، «بُغْية الوُعَاة» للسيوطي (٣٩١)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٦/ ٣١٩)، «البدر الطالع» للشوكاني (٢/ ٣٠٣)، «الفتح المبين» للمراغي (٢/ ١١٤)، «الأعلام» للزركلي (٨/ ١١٣)، «مُعجَم المؤلِّفين» لكحالة (٣/ ٨٤٩).

(٧) هو عبد الرحمن بنُ أحمد بنِ عبد الغفَّار الإِيجيُّ الشيرازيُّ القاضي الشافعيُّ الملقَّب ﺑ «عضد الدِّين»، كان إمامًا في المعقول، قائمًا بالأصول والمَعاني والعربية، مُشارِكًا في الفنون. أشهرُ كُتُبه: «شرح مختصرِ ابنِ الحاجب» في أصول الفقه، و«المَواقف» في علم الكلام، و«الفوائد الغِيَاثيَّة» في المَعاني والبيان وغيرها. تُوُفِّيَ مسجونًا سنةَ: (٧٥٦ﻫ).

انظر ترجمته في: «طبقات الشافعية» للسبكي (٦/ ١٠٨)، «طبقات الشافعية» لابن قاضي شُهبة (٣/ ٢٧)، «الدُّرَر الكامنة» لابن حجر (٢/ ٣٢٢)، «بُغْية الوُعَاة» للسيوطي (٢٩٦)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٦/ ١٧٤)، «البدر الطالع» للشوكاني (١/ ٣٢٦)، «مُعجَم المُؤلِّفين» لكحالة (٢/ ٧٦).

(٨) تكمن أَهَمُّ الأسباب الدافعةِ بالمُتكلِّمين ـ عمومًا ـ والأشاعرةِ ـ خصوصًا ـ إلى الاستدلال بالقواعد الكلاميَّة والأقيسةِ المنطقيَّة على وجود الله تعالى ووحدانيَّته في الذَّات والأفعال في: إرادتِهم إبطالَ مذهبِ الفلاسفة وتفنيدَ قولهم بقِدَم العالَم، غير أنهم استبدلوا الذي هو أَدْنى بالذي هو خيرٌ، حيث استغنَوْا عن الاستدلال بالقرآن الكريم، توهُّمًا منهم أنَّ أدلَّةَ القرآنِ لفظيَّةٌ خبريَّةٌ ليس فيها أدلَّةٌ عقليَّةٌ جديرةٌ بالردِّ بها على فلاسفة اليونان المُلحِدين؛ لذلك لم يجدوا سبيلًا ـ في زعمهم ـ للاحتجاج عليهم إلَّا بطُرُقهم الفلسفيَّة وأقيستهم الكلاميَّة والمنطقيَّة، فقرَّروا النظرَ إلى جواهر الأشياء وأعراضِها لمعرفةِ حدوثها، ليحتجُّوا بها على حدوث العالَمِ، ثمَّ لينتهوا ـ بذلك ـ إلى تقريرِ وحدانيَّة الله وربوبيَّته بهذا الطريقِ العقليِّ المنطقيِّ، غيرَ أنهم لم يُوفَّقوا ـ في ذلك ـ بسببِ سلوكهم هذا المنهجَ الكلاميَّ المُبتدَع، بل وقعوا ـ نتيجةَ ذلك ـ في فسادٍ في الوسائل والمقاصد.

فأمَّا فساد الوسائل فيرجع إلى اتِّخاذِهم الطُّرُقَ الكلاميَّةَ والفلسفيَّة، والْتِزامِهم القواعدَ العقليَّة المنطقيَّة في الاستدلال على وجود الله تعالى محورَ سندِهم وقوَّةَ حُجَّتِهم، وهي ـ في ذاتها ـ مبنيَّةٌ على أصولٍ وشُبُهاتٍ فاسدةٍ وأقيسةٍ منطقيَّةٍ غامضةٍ، لا تزيد الخواصَّ الذين يعرفونها إلَّا حيرةً وشكًّا واضطرابًا في تقريرِ مسائل الاعتقاد؛ فطريقةُ المُتكلِّمين ـ في واقع الأمر ـ تُوصِلُ ـ بعد جهدٍ وعناءٍ ـ إلى الاعتراف بوحدانيَّة الله تعالى وربوبيَّته، المُستقِرِّ في الفِطَر والعقول، فهو ـ إذن ـ أمرٌ مركوزٌ في الفِطَر، لا تحتاج العقولُ السليمة إلى نوعٍ مِنَ الاستدلال لإثباته بطريق النظر إلى الجواهر والأعراض، بل تعترف به جميعُ الأُمَم؛ فقَدْ جَعَله اللهُ مِنْ لوازمِ حياتهم، وشَهِدَتْ به عقولُهُم؛ وقد أَخبرَ اللهُ تعالى عن كُفَّار قريشٍ باعترافهم بوجود الله وإقرارِهم بربوبيَّته، كما قال تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَهُمۡ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ ٨٧[الزخرف]، وقال تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ[لقمان: ٢٥؛ الزُّمَر: ٣٨]، وغيرها مِنَ الآيات؛ بل كان كُفَّارُ قُرَيشٍ يُخلِصون الدُّعاءَ لله تعالى في حالِ الشِّدَّة والاضطرار، ثمَّ يرجعون إلى شِرْكهم في حال الرَّخاء كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلۡفُلۡكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ إِذَا هُمۡ يُشۡرِكُونَ ٦٥[العنكبوت]؛ ومع ذلك لم ينفعهم إقرارُهم بوحدانيَّته، ولم يُدخِلْهم اعترافُهم بربوبيَّته في الإسلام، أمَّا الميلُ عن هذه الفطرةِ والانحرافُ عنها فهو أمرٌ طارئٌ، يكفي لمَنْ فَسَدَتْ فِطرتُه أَنْ يُستدَلَّ له بآيات الله في الأَنْفُس والآفاق، وبآيات الأنبياء مِنَ المُعجِزات الدالَّةِ على ربوبيَّته، فضلًا عمَّا يحصل بها مِنْ زيادة الإيمان والإخلاصِ في توحيدِ عبادته.

وعليه، فما انتهى إليه المُتكلِّمون في نتيجةِ استدلالهم ـ بالجملة ـ فهو اعتبارُ وحدانيَّة الله في الذات والأفعال، ونفيُ الشرك عن الله تعالى في ذلك؛ وهذه النتيجةُ ـ وإِنْ كانت حقًّا ـ لكِنْ لا تُوصِلُ إلى الغرض المطلوب ولا إلى عين المقصود الذي لأَجْلِه خَلَق اللهُ العبادَ وأَرسلَ الرُّسُلَ وأَنزلَ الكُتُبَ، وافترق الناسُ إلى مؤمنين أولياءَ لله سُعَداءَ أهلِ الجنَّة، وكُفَّارٍ أعداءٍ لله أَشقِيَاءَ أهلِ النار؛ وهو إخلاصُ العبادة لله تعالى، المُتمثِّلُ في توحيد الألوهيَّة والعبادة، وهو أصلُ الأصولِ وزُبدةُ الرِّسالات السَّماويَّة، وهو رأسُ الدَّعوة إلى الله قولًا وعملًا واعتقادًا، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّٰغُوتَ[النحل: ٣٦]، وقال تعالى: ﴿ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُ[الأعراف: ٥٩، ٦٥، ٧٣، ٨٥؛ هود: ٥٠، ٦١، ٨٤؛ المؤمنون: ٢٣، ٣٢]، وغيرها مِنَ الآيات.

فالحاصل ـ إذن ـ: أنَّ منهج المُتكلِّمين الذي سَلَكوه في الوسائل والمقاصد لم يُوفَّقوا فيه، فلا الإسلامَ نَصَروا ولا الفلاسفةَ المُلحِدين كَسَروا، وذلك بسببِ عدولهم عن وسيلة القرآن ومَقصِده إلى المنطق والكلام اللَّذَيْن مَثلُهما كمَثلِ لحمِ جملٍ غَثٍّ على رأسِ جبلٍ وعرٍ، لا سهلٌ فيُرتقى ولا سمينٌ فيُنتقَلَ؛ بينما طريقةُ القرآنِ فطريَّةٌ مُيسَّرةٌ سهلةُ الفهم، لا يعتريها صعوبةٌ ولا غموضٌ، قريبةُ التناول، يُدرِكُها العاقلُ بلا عَناءٍ ولا نَصَبٍ، نافعةٌ ومُفيدةٌ لكُلِّ الناس على اختلافِ درجاتِ عقولهم ومستوى أفهامهم، تُوصِلُ إلى الغرض المطلوب وعينِ المقصود، وهو عبادةُ الله وَحْدَه لا شريكَ له، التي جَعَلها اللهُ تعالى الغايةَ مِنْ خَلْق الثَّقَلين؛ قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ ٥٦[الذاريات]، وقال تعالى: ﴿وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ ٥[البيِّنة]، وقال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ٢١[البقرة].

(٩) كلمةُ: «اليوم» ساقطةٌ مِنْ «م.ر.ش».

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

[يُتبَع]

الجزائر في: ٠٧ مِنَ المحرَّم ١٤٤٠ ﻫ
الموافق ﻟ:  ١٧ ســبتــمبر ٢٠١٨م

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)