الفتوى رقم: ٤١٥

الصنف: فتاوى الطهارة - الوضوء

في حكمِ مَنْ شكَّ في طهارته

السؤال:

رجلٌ يُعاني مِنْ خروج قطرةٍ أو قَطَرَاتٍ صغيرةٍ جدًّا بعد الاستنجاء، ولا يعلم: هل هي مِنَ البول أو بقايا ماء الاستنجاء، ممَّا أورثه شكًّا في طهارته؛ فما هو الحلُّ الشرعيُّ لمشكلته؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فإنه إذا تمَّ استنجاؤُه وفَرَغ منه فلا عِبْرَةَ بالشكِّ الذي ينتابه بعد حصول اليقين؛ جريًا على قاعدةِ: «اليَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ»، ولا يجوز له الخروجُ مِنَ الصلاة الواجبةِ بمُجرَّدِ الشكِّ؛ فقَدْ «شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ: «لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا»»(١)، وفي حديثٍ آخَرَ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ: أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا؛ فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ المَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا»(٢).

أمَّا إذا تَيقَّنَ خروجَ البولِ منه: فإمَّا أَنْ يكون على سبيل المرض وهو مِنْ سَلَسِ البول؛ فإنه لا تَبْطُلُ صلاتُه ولا يَنتقِضُ وضوءُه، بل تصحُّ الصلاةُ به لذلك الوقتِ، ويَلْزَمُه الوضوءُ لكُلِّ صلاةٍ، ولا يَعْتَدُّ بما خَرَج منه؛ فإِنْ لم يشعر بخروجِ شيءٍ منه بقي على وضوئه مُستصحِبًا له.

أمَّا إذا تَيقَّنَ خروجَه على غير وجه المرض فإنه يُعيدُ الوضوءَ؛ عملًا بقاعدةِ: «مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الحَدَثِ فَهُوَ مُتَطَهِّرٌ، وَمَنْ تَيَقَّنَ الحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَهُوَ مُحْدِثٌ»؛ فهذه القاعدةُ مُخَرَّجةٌ على أنَّ الأصل: «بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ»، وقد سُئِل ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ فيما إذا أَحَسَّ المصلِّي بالنقطة في صلاته: فهل تبطل صلاتُه؟ فأجاب: «مجرَّدُ الإحساسِ لا ينقض الوضوءَ؛ ولا يجوز له الخروجُ مِنَ الصلاة الواجبةِ بمجرَّدِ الشكِّ؛ فإنه قد ثَبَتَ عن النبيِّ أنه سُئِلَ عن الرجل يجد الشيءَ في الصلاة؟ فقال: «لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا»(٣)، وأمَّا إذا تَيقَّنَ خروجَ البول إلى ظاهرِ الذَّكَرِ فقَدِ انتقض وضوءُه وعليه الاستنجاءُ، إلَّا أَنْ يكون به سَلَسُ البولِ، فلا تَبْطُلُ الصلاةُ بمُجرَّدِ ذلك إذا فَعَلَ ما أُمِرَ به»(٤).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٠١ ذو القعدة ١٤٢٦ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٣ ديسمبر ٢٠٠٥م

 


(١) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الوضوء» بابُ مَنْ لا يتوضَّأ مِنَ الشكِّ حتَّى يَستيقِنَ (١٣٧)، ومسلمٌ في «الحيض» (٣٦١)، مِنْ حديثِ عبد الله بنِ زيد بنِ عاصمٍ المازنيِّ رضي الله عنه.

(٢) أخرجه مسلمٌ في «الحيض» (٣٦٢) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(٣) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ١).

(٤) «الفتاوى الكبرى» (١/ ٢٨١) و«مجموع الفتاوى» (٢١/ ٢٢٠) كلاهما لابن تيمية.

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)