Skip to Content
الجمعة 10 شوال 1445 هـ الموافق لـ 19 أبريل 2024 م

القول الممسَّك
في فقه حديث النهي عن صيام يومِ الشكِّ

أوَّلًا: نصُّ الحديث:

عن عمَّارِ بنِ ياسِرٍ رضي الله عنهما قال: «مَنْ صَامَ اليَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، ذَكَره البخاريُّ تعليقًا(١).

ثانيًا: قصَّة الحديث

قال صِلَةُ بنُ زُفَرَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ فَأُتِيَ بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ، فَقَالَ: «كُلُوا»، فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ: «إِنِّي صَائِمٌ»، فَقَالَ عَمَّارٌ: «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ ...»(٢)، وفي لفظِ ابنِ أبي شيبة: «إِنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَنَاسًا مَعَهُ أَتَوْهُمْ بِمَسْلُوخَةٍ مَشْوِيَّةٍ فِي الْيَوْمِ الْذِي يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهُ رَمَضَانُ أَوْ لَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ، فَاجْتَمَعُوا وَاعْتَزَلَهُمْ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ: «تَعَالَ فَكُلْ»، قَالَ: «فَإِنِّي صَائِمٌ»، فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ: «إِنْ كُنْتَ تُؤمِنُ باللهِ وَالْيَوْمِ اْلآخِرِ فَتَعَالَ فَكُلْ»»(٣).

ثالثًا: ترجمة الراوي:

هو الصحابيُّ أبو يَقظانَ عمَّارُ بنُ ياسرِ بنِ عامر بنِ مالكٍ العَنْسِيُّ، ثمَّ المَذْحِجِيُّ القحطانيُّ نَسَبًا، المخزوميُّ حِلْفًا ووَلاءً، وهو أَحَدُ السابقين الأوَّلين والأعيانِ البَدْرِيِّين، كان هو وأبوه ياسرٌ وأمُّه سُمَيَّةُ(٤) وإخوتُه مِنَ السابقين الأوَّلين المعذَّبِين في الله، شَهِد عمَّارٌ سائرَ المشاهدِ مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان مخصوصًا منه بالبِشارة والترحيب والبَشاشة والتَّطْيِيب، له فضائلُ جمَّةٌ وأحاديثُ عِدَّةٌ، ومِنْ فضائله قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «عَمَّارٌ مُلِئَ إِيمَانًا إِلَى مُشَاشِهِ»(٥)، وفيه نَزَل قولُه تعالى: ﴿إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَئِنُّۢ بِٱلۡإِيمَٰنِ[النحل: ١٠٦](٦)، وقد ولَّاهُ عُمَرُ بنُ الخطَّاب رضي الله عنه الكوفةَ، وكَتَب إلى أهلها: «إنَّه مِنَ النُّجَباءِ الرُّفَقاء؛ فاعْرِفوا قَدْرَه»، قُتِل رضي الله عنه بصِفِّين سنة: (٣٧ھ)، وكان مِنْ أصحاب عليٍّ رضي الله عنه(٧)(٨).

رابعًا: سند الحديث:

الحديثُ أورده البخاريُّ ـ رحمه الله ـ في «صحيحه» قال: باب قول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا»، وقال صِلَةُ عن عَمَّارٍ: «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»(٩).

قال الحافظ ـ رحمه الله ـ: «وصِلَةُ بنُ زُفَرَ كُوفِيٌّ عَبْسِيٌّ مِنْ كِبارِ التابعين وفُضَلائهم»(١٠).

والحديثُ وَصَلَه الخمسةُ(١١) مِنْ طريقِ عَمرِو بنِ قَيْسٍ عن أبي إسحاقَ عن صِلَةَ.

ولفظ الحديث عند أبي داود وابنِ ماجه: «مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ ...»، وعند الترمذيِّ وابنِ خُزَيمة: «مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الذِي يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ ...»، وقال الترمذيُّ: «حديثُ عمَّارٍ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ»، وصحَّحه ابنُ خزيمة(١٢) وابنُ حِبَّان(١٣) والحاكم(١٤)، ووافقه الذهبيُّ، وقد تعقَّب صاحبُ «الإرواء» ـ رحمه الله ـ تصحيحَ الحديث: «بأنَّ عَمْرَو بنَ قَيسٍ لم يحتجَّ به البخاريُّ، وأبو إسحاق هو عمرو بنُ عبد الله السَّبِيعيُّ، وهو ـ وإِنْ كان ثِقَةً ـ فقَدْ كان اختلط بأَخَرةٍ، كما في «التقريب»، وقد رماهُ غيرُ واحدٍ بالتدليس، وقد رواهُ مُعَنْعَنًا، غيرَ أنَّ له طريقًا أخرى يتقوَّى بها»(١٥)، قال ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: «وله متابعٌ بإسنادٍ حسنٍ(١٦) أخرجه ابنُ أبي شيبة مِنْ طريقِ منصورٍ عن رِبْعيٍّ، ورواهُ عبد الرزَّاق مِنْ وجهٍ آخَرَ عن منصورٍ عن رِبْعيٍّ عن رجلٍ عن عمَّارٍ، وله شاهدٌ مِنْ وجهٍ آخَرَ أخرجه إسحاقُ بنُ راهويه مِنْ روايةِ سِماكٍ عن عِكْرِمةَ»(١٧).

خامسًا: غريب الحديث:

ـ مَصْلِيَّة: مَشْويَّة(١٨).

ـ تَنَحَّى: صار إلى ناحيةٍ، أو تجنَّب الناسَ وصار في ناحيةٍ منهم(١٩)، بمعنَى: ابتعد واعتزل.

ـ مَسْلُوخَة: هي الشاة التي سُلِخ عنها الجلدُ(٢٠).

سادسًا: الفوائد والأحكام المستنبطة مِنَ الحديث:

يمكن أَنْ نُجْمِل الفوائدَ والأحكام المستخرَجةَ مِنْ حديثِ الباب ومِنْ سببِ وروده فيما يأتي:

١°) ظاهرُ قولِ عمَّار بنِ ياسرٍ رضي الله عنهما في الحديث: «فَقَدْ عَصَى أَبَا القَاسِمِ» أنَّه موقوفٌ لفظًا مرفوعٌ حكمًا، حيث إنَّ فيه دلالةً على تحريمِ صومِ يومِ الشكِّ بالإسناد واللزوم؛ لأنَّ العصيان لا يكون إلَّا بفعلِ ما نهى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عنه، أو بتركِ ما أَمَر به؛ فيكونُ حديثُ عمَّارٍ رضي الله عنه مُسْنَدًا باللزوم وليس موقوفًا؛ لأنَّ معنى العصيان له لازمٌ مِنْ خارجٍ، وهو فعلُ ما نهى عنه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أو تركُ ما أَمَر به(٢١)؛ فحينئذٍ ـ عند فهمِ مدلولِ اللفظِ مِنَ اللفظ ـ ينتقل الذهنُ مِنْ مدلول اللفظ إلى لازِمِه عقلًا، ولو تَعذَّر الانتقالُ لَاستحالَ فهمُ اللازم، قال ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: «استُدِلَّ به على تحريمِ صومِ يومِ الشكِّ؛ لأنَّ الصحابيَّ لا يقول ذلك مِنْ قِبَلِ رأيه؛ فيكونُ مِنْ قَبِيلِ المرفوع، قال ابنُ عبد البرِّ ـ رحمه الله ـ: هو مُسْنَدٌ عندهم لا يختلفون في ذلك»(٢٢).

ومعناه مستفادٌ ـ أيضًا ـ مِنْ أحاديث النهي عن استقبالِ رمضانَ بصومٍ، وأحاديثِ الأمر بالصوم لرؤية الهلال(٢٣).

٢°) لفظ «الشكِّ» في الحديث يَحْتَمِل أَنْ يكون الشكُّ فيه: هل هو مِنْ شعبانَ أم مِنْ رمضانَ؟ أي: أنَّه أوَّلُ يومٍ مِنْ رمضانَ أو آخِرُ يومٍ مِنْ شعبان(٢٤)، غيرَ أنَّ لفظ أبي داود يدلُّ على أنَّه مِنْ شعبان، ويُبَيِّنُه قولُه: «مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ ...» الحديث، وقولُه: «أَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ».

٣°) المُرادُ مِنْ يومِ الشكِّ هو يومُ الثلاثين مِنْ شعبان، إذا حالَ دون مَطْلَعِ الهلال في ليلته قَتَرةٌ(٢٥) أو غيمٌ أو ساترٌ أو نحوُ ذلك، وعند مَنْ أوجب صومَ الثلاثين بنيَّةٍ مِنْ رمضانَ عند عدمِ رؤيةِ الهلال بساترٍ، فإنَّه لا يُسَمِّي يومَ الثلاثين يومَ الشكِّ، بل هو ـ عندهم ـ يومٌ مِنْ رمضانَ مِنْ طريقِ الحكم، وهو مذهبُ أكثرِ الحنابلة(٢٦)، وعلى هذا الرأيِ فلا يتوجَّهُ إليه النهيُ عن صومِ يومِ الشكِّ، وهذه المسألةُ سنتعرَّضُ لها ـ لاحقًا ـ في «فقه الحديث».

٤°) فيه فائدةُ الإتيانِ بالموصول في قوله: «الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ»، ولم يَقُل: «يومَ الشكِّ»، مبالغةً في أنَّ صومَ يومٍ فيه أَدْنَى شكٍّ سببٌ لعصيانِ صاحبِ الشرع؛ فكيف بمَنْ صام يومًا الشكُّ فيه قائمٌ ثابتٌ؟ أفاده الطِّيبيُّ ـ رحمه الله ـ، وقال: «ونحوه: ﴿وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ[هود: ١١٣]، أي: الذين أُونِسَ منهم أدنى ظلمٍ؛ فكيف بالظلم المستمَرِّ عليه؟»(٢٧).

ولا يخفى وقوعُ لفظِ «يَوْمَ الشَّكِّ» في طُرُقٍ كثيرةٍ.

٥°) فيه فائدةُ تخصيصِ ذِكْرِ كنيةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ للإشارة إلى أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُقسِّم أحكامَ الله بين عباده زمانًا ومكانًا وغيرَ ذلك(٢٨)، وفيه ـ أيضًا ـ استحبابُ التكنِّي وتكريمُ المكنَّى والتنويهُ به(٢٩).

٦°) يُستفادُ مِنْ مفهوم الحديث جوازُ تقدُّمِ رمضانَ بما قبل يومِ الشكِّ بصوم النفل المُطْلَقِ، غيرَ أنَّ هذا المفهومَ ثَبَتَ مِنْ منطوقِ حديثَيْ أبي هريرة رضي الله عنه ما يُخصِّص الجوازَ بالنهي في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ ...»(٣٠)، وبقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى يَكُونَ رَمَضَانُ»(٣١).

وهذه الأحاديثُ مُخصَّصةٌ بالاستثناء الواردِ في حديثِ أبي هريرة الأوَّل بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ»، أي: يُوافِقُ صومًا معتادًا(٣٢)، وعلى معنَى هذا الاستثناءِ يُلْحَق القضاءُ والنذرُ إلحاقًا أَوْلويًّا لوجوبهما؛ ذلك لأنَّ الأدلَّةَ قطعيةٌ على وجوب القضاء والوفاءِ بالنذر؛ إذ تَقرَّر ـ أصوليًّا ـ أنَّ «القَطْعِيَّ لَا يُبْطَلُ بِالظَّنِّيِّ وَلَا يُعَارِضُهُ»(٣٣).

٧°) فيه دليلٌ على عدمِ جواز التشريع في أمور الدِّين لأحَدٍ سوى الله تعالى، ووجوبِ المحافَظةِ على شرعِه، والاحتياطِ في أمر العبادات؛ لكيلا يؤدِّيَ صيامُ يومِ الشكِّ إلى اعتقادِ أنَّ الزيادة على شهر رمضان مُساغةٌ ومُستحسَنةٌ؛ الأمرُ الذي يُفْضي إلى فتحِ بابِ مَفاسِدَ عظيمةٍ والكذبِ على الله فيما شَرَع على نحوِ ما فعلَتْ بعضُ الأُمَمِ السابقة الذين زادوا في مدَّةِ صومهم(٣٤).

٨°) تكمن حكمةُ النهي عن صيامِ يوم الشكِّ في أنَّ الحكم عُلِّق بالرؤية؛ فمَنْ تَقدَّمه فقَدْ حاول الطعنَ في ذلك الحكم، قال الحافظ ـ رحمه الله ـ: «وهذا هو المعتمَدُ»(٣٥).

٩°) يُستفاد مِنْ حكم الرفع في الحديث جوازُ روايةِ الحديث بالمعنى؛ لكون اللفظ موقوفًا، وجوازُ روايةِ الحديث بالمعنى للعالم بما يُحيلُ المعنى وما لا يُحيلُه هو مذهبُ جمهورِ السلف والخلف مِنَ المحدِّثين وأصحابِ الفقه والأصول، بشرطِ أَنْ لا يكون المرويُّ مِمَّا يُتَعَبَّدُ به، أو مِنْ جوامعِ كَلِمِه صلَّى الله عليه وسلَّم(٣٦).

١٠°) مِنْ سببِ ورودِ الحديثِ يظهر معنَى إكرام الضيف وخدمتِه والتواصي بالحقِّ والتناصح بالبِرِّ والتقوى والْتزامِ حدود الشرع فيما نهى عنه وأَمَر به.

سابعًا: فقه الحديث:

اختلف العلماءُ في حكمِ صومِ يومِ الشكِّ على مذاهبَ، أتناوَلُ هذا الخلافَ في فروعٍ، وذلك ببيانِ مذاهب العلماء في الفرع الأوَّل، وعرضِ أدلَّةِ كُلِّ فريقٍ في الفرع الثاني، ثمَّ مناقشة أدلَّتهم في الفرع الثالث، أمَّا سبب الخلاف فسأتناولُه في الفرع الرابع، وأختم فقهَ الحديثِ ببيان الرأي المختار في الفرع الخامس، على ما سيأتي:

الفرع الأوَّل: مذاهب العلماء:

يمكن حصرُ مذاهبِ العلماء المختلِفةِ في مذهبين مشهورين وهُما:

١°) تحريمُ صومِ يومِ الشكِّ مِنْ رمضان ويجوز صيامُ ما سوى ذلك(٣٧)، وهو ما عليه أكثرُ الصحابة وجمهورُ الفقهاء وغيرهم.

٢°) التفصيل: ووجهُه وجوبُ صومِ يومِ الشكِّ إِنْ حال دون مَنْظَره غيمٌ أو قترٌ، ويجزئ إِنْ كان مِنْ شهر رمضان، وإِنْ كانَتِ السماءُ مُصْحِيةً لم يَجُزْ صومُه، وبهذا قال الإمامُ أحمدُ ـ رحمه الله ـ في أشهرِ الروايات الثلاثِ عنه(٣٨)، وأكثرُ شيوخِ المذهب على هذا الرأي كالخِرَقيِّ ـ رحمه الله ـ وغيره، وهو مذهبٌ مرويٌّ عن عمر وابنِه وعمرو بنِ العاص وأبي هريرة ومعاويةَ وعائشةَ وأسماءَ ابنتَيْ أبي بكرٍ رضي الله عنهم(٣٩).

الفرع الثاني: أدلَّة الفريقين:

نستعرض ـ أوَّلًا ـ أدلَّةَ الجمهورِ في الفقرة الأولى، ثمَّ نُتبِعها بأدلَّةِ جمهور الحنابلة في الفقرة الثانية، مع مناقشةِ الأدلَّةِ الواردة مِنَ الفريقين وذِكْرِ سببِ الخلاف ثمَّ الترجيح في فروعٍ لاحقةٍ.

الفقرة الأولى: أدلَّة الجمهور:

استدلَّ الجمهورُ بالأحاديث وآثارِ الصحابة الآتي ذِكْرُها على الترتيب التالي:

١ ـ بحديثِ الباب الذي تظهر دلالتُه واضحةً في تحريمِ صيامِ يومِ الشكِّ على ما تَقدَّم.

٢ ـ بحديثِ أبي هريرة رضي الله عنه قال: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم عَنْ صَوْمِ سِتَّةِ أَيَّامٍ: الْيَوْمِ الْذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ، وَيَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ الأَضْحَى، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ»(٤٠)، والحديثُ ـ كسابقه ـ يُصرِّحُ بالنهي عن صومِ يوم الشكِّ، والنهيُ يقتضي التحريمَ أصوليًّا(٤١).

٣ ـ بالأحاديث القولية والفعلية الدالَّةِ على النهي عن استقبالِ رمضانَ بصومٍ، وأحاديثِ الأمر بالصوم لرؤيته:

أمَّا الأحاديث القولية فمنها:

١ ـ حديثُ ابنِ عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ»(٤٢).

٢ ـ حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ»(٤٣)، وفي روايةٍ لمسلمٍ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ».

٣ ـ حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «لَا تَقَدَّمُوا صَوْمَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ»(٤٤).

٣ ـ حديثُ حذيفة رضي الله عنه مرفوعًا: «لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ قَبْلَه أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ قَبْلَهُ»(٤٥).

٤ ـ بحديثِ عبد الله بنِ جرادٍ رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «أَفْطِرُوا إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ يَصُومُ هَذَا الْيَوْمَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، لَأَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ يُتَمَارَى فِيهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ لَيْسَ مِنْهُ»(٤٦).

أمَّا الأحاديث الفعلية فمنها:

ـ حديث عائشة رضي الله عنها قالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يَتَحَفَّظُ مِنْ شَعْبَانَ مَا لَا يَتَحَفَّظُ مِنْ غَيْرِهِ، ثَمَّ يَصُومُ لِرُؤْيَةِ رَمَضَانَ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامَ»(٤٧).

أمَّا آثارُ الصحابةِ:

١ ـ فبقولِ ابنِ عمر رضي الله عنهما قال: «لَوْ صُمْتُ السَّنَةَ كُلَّهَا لَأَفْطَرْتُ اليَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ»(٤٨)، وفي روايةٍ: «أنَّ ابنَ عُمَرَ أَمَرَ رَجُلًا يُفْطِرُ فِي اليَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ»، وهو مذهبٌ مرويٌّ ـ أيضًا ـ عن عائشة رضي الله عنها(٤٩)، وحكى ابنُ المنذر ـ رحمه الله ـ أنَّه مذهبُ عُمَرَ بنِ الخطَّاب وعليٍّ وابنِ عبَّاسٍ وابنِ مسعودٍ وحذيفةَ وأنسٍ وأبي هريرة وغيرِهم رضي الله عنهم(٥٠).

٢ ـ وفي «مصنَّف ابنِ أبي شيبة» عن كُلٍّ مِنْ عمر وعليٍّ رضي الله عنهما: أنَّه كان إذا حَضَر رمضانُ يقول: «أَلَا لَا تَقَدَّمُوا الشهرَ، إذا رأيتم الهلالَ فصوموا، وإذا رأيتم الهلال فأفطِروا، فإِنْ أُغْمِيَ عليكم فأتِمُّوا العِدَّةَ»(٥١).

فهذه الأحاديثُ والآثارُ دالَّةٌ على منعِ صيامِ يومِ الشكِّ، وأنَّ المتقدِّمَ لرمضان بصومٍ قبل رؤية الهلال مُخالِفٌ للسنَّة الثابتة وما عليه أكثرُ الصحابة وعوامُّ أهلِ المدينة(٥٢).

الفقرة الثانية: أدلَّة جمهور الحنابلة:

استُدِلَّ للرواية المشهورة عن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ بالسنَّة والآثار والقياس، وتظهر أدلَّتُهم على الوجه التالي:

أوَّلًا: أمَّا الاستدلال بالسنَّة:

١ ـ فبحديثِ عِمرانَ بنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال له أو لرجلٍ آخَرَ وعِمْرانُ يسمع: «أَمَا صُمْتَ سَرَرَ شَعْبَانَ؟» قَالَ: «لَا، يَا رَسُولَ اللهِ»، قَالَ: «فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ»(٥٣).

والحديث صريحٌ في إفادةِ صِحَّةِ صومِ يومِ الشكِّ؛ لأنَّ المراد مِنْ «سَرَرِ الشهر»: الليالي مِنْ آخِرِه، وسُمِّيَتْ بذلك لاستسرار القمر فيها فلا يظهر، وهي ليلةُ ثَمانٍ وعشرين، وتسعٍ وعشرين، وثلاثين(٥٤).

٢ ـ وبمقتضَى حديثِ أمِّ سَلَمة رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُهُ، أي: يوم الشكِّ(٥٥).

٣ ـ وبحديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «إِنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ؛ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ»(٥٦).

ومعنى الحديث: ضيِّقوا عِدَّةَ شعبانَ بصومِ رمضانَ، بتقديره تحت السحاب، بحيث يكون له عددٌ يطلع في مثله، وذلك يكون لتسعٍ وعشرين، ويشهد لمعنَى التقدير: قولُه تعالى: ﴿وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ[الطلاق: ٧]، وقولُه تعالى: ﴿يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُ[الرعد: ٢٦؛ الإسراء: ٣٠؛ الروم: ٣٧؛ سبأ: ٣٦؛ الزمر: ٥٢؛ الشورى: ١٢].

ثانيًا: أمَّا مِنْ آثار الصحابة فيؤكِّد هذا المعنى ما يلي:

١ ـ تفسيرُ ابنِ عمر رضي الله عنهما للحديث بفعله؛ فقَدْ حكى نافعٌ ـ رحمه الله ـ عنه: «أنَّه كان إذا مضى مِنْ شعبان تسعٌ وعشرون يبعث مَنْ ينظر، فإِنْ رأى فذاك، وإِنْ لم يَرَ ولم يَحُلْ دون مَنْظَرِه سحابٌ ولا قترٌ أصبح مُفْطِرًا، وإِنْ حال دون منظره سحابٌ أو قترٌ أصبح صائمًا»(٥٧)، والرجوعُ إلى فهمِ الصحابيِّ أَوْلى لكونه أَعْلَمَ بمُراد الحديث؛ فالراوي أعلمُ بما روى؛ ولذلك رجَعْنا إلى فعلِ ابنِ عمر رضي الله عنهما في إثباتِ خيار المجلس(٥٨).

٢ ـ ما رُوِي عن عليٍّ رضي الله عنه أنَّه قال: «لَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ»(٥٩).

٣ ـ وروى البيهقيُّ عن عائشة وأسماءَ ابنتَيْ أبي بكرٍ رضي الله عنهم مِثْلَه(٦٠)، كما روى مِنْ رواية أبي مريم عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله: «لَأَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ»(٦١).

ثالثًا: أمَّا القياس فيتمثَّلُ وجهُه فيما يلي:

١ ـ أنَّه إذا جاز صيامُ يومِ الشكِّ تطوُّعًا حالَ اقترانه بسببٍ فَلَأَنْ يجوز صيامُه فيما يحتمل كونُه فرضًا مِنْ بابٍ أَوْلى.

٢ ـ أنَّه يُلْحَقُ بالصلاة في أوقات الكراهة فيما إذا أَوْقَع فرضًا أو ذا سببٍ بجامعِ كونهما عبادتين طبيعتُهما متقاربةٌ، تَبْطُلان بفعلِ شيءٍ مِنْ مُبْطِلاتهما.

الفرع الثالث: مناقشة الأدلَّة السابقة:

نبتدئ بما ناقش به الحنابلةُ مذهبَ الجمهور أوَّلًا، ثمَّ نتعرَّض لمناقشة الجمهور لمذهب الحنابلة ثانيًا.

ـ أوَّلا: مناقشة أدلَّة الجمهور:

اعتذر الحنابلة عن الأخذ بحديث الباب وحديثِ أبي هريرة رضي الله عنه الذي يليه في الاحتجاج به على ما يأتي:

ـ أمَّا حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ» أَحَدُهَا: «الْيَوْمُ الْذِي يُشَكُّ فِيهِ»؛ فقَدْ رواه البزَّارُ مِنْ طريقِ عبد الله بنِ سعيدٍ المَقْبُريِّ عن جدِّه عنه، ورواه البيهقيُّ مِنْ حديث الثوريِّ عن أبي عبَّادٍ عن أبيه، وأبو عبَّادٍ هذا هو عبد الله بنُ سعيدٍ المَقْبُريُّ، قال البيهقيُّ ـ رحمه الله ـ: «انفرد به عبد الله بنُ سعيدٍ، وهو غيرُ قويٍّ»، وقال عنه الحافظ ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ نقلًا عن الإمام أحمد بنِ حنبلٍ ـ رحمه الله ـ أنَّه: «مُنْكَرُ الحديث»(٦٢)، وقال عنه صاحبُ «التنقيح»: «أجمعوا على ضعفِه وعدمِ الاحتجاج به»(٦٣).

وعلى فرضِ صحَّتِه فلا يُفيدُ أزيدَ مِمَّا يفيده حديثُ الباب الذي لا ينتهض حجَّةً مِنْ جهتين:

ـ الأولى: عدم التسليم بأنَّ يوم الثلاثين مِنْ شعبانَ حالَ حدوثِ غيمٍ أو ساترٍ أنَّه يومُ الشكِّ، بل هو مِنْ رمضان، أمَّا المرادُ مِنْ «يوم الشكِّ» فقَدْ فسَّره الإمامُ أحمد ـ رحمه الله ـ بأَنْ: «يتقاعدَ الناسُ عن طلب الهلال، أو يشهدَ برؤيته مَنْ يَرُدُّ الحاكمُ شهادتَه»(٦٤)، وعليه فإِنْ حالَ دون منظرِه شيءٌ فلا يسمَّى هذا شكًّا(٦٥).

ـ الثانية: وإذا سلَّمْنا أنَّ يوم الثلاثين مِنْ شعبان يُسمَّى «يومَ الشكِّ» فإنَّ النهي عن صومه محمولٌ على حال الصحو؛ لِمَا يُعارِضُ ذلك مِنْ أدلَّةٍ(٦٦).

والجواب عن الأحاديث القولية:

وأحاديثُ النهيِ عن استقبالِ رمضانَ بصومٍ فالجوابُ عنها على الترتيب التالي:

١) أمَّا روايةُ ابنِ عمر رضي الله عنهما: «فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ» فهي مُخالِفةٌ للرواية الصحيحة المتَّفَقِ عليها، ولمذهبِ ابنِ عمر رضي الله عنهما ورأيِه(٦٧).

٢) أمَّا حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه البخاريُّ عن آدَمَ عن شُعْبَةَ بلفظ: «فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ»، فقَدْ رواه جماعةٌ كُلُّهم عن شُعْبَةَ لم يذكر أحَدٌ منهم هذه الزيادةَ؛ فيجوز أَنْ يكون آدَمُ قد رواهُ على التفقُّهِ مِنْ عنده للخبر ـ على ما صرَّح به الإسماعيليُّ ـ رحمه الله ـ ـ فوَقَع للبخاريِّ إدراجُ التفسير في نفس الخبر، وعلى هذا يكون المعنى: «فإن غُمَّ عليكم رمضانُ فعُدُّوه ثلاثين»(٦٨).

ومِنْ جهةٍ ثانيةٍ فإنَّ خبرَ أبي هريرة رضي الله عنه السابقَ يرويه محمَّدُ بنُ زيادٍ، وقد خالفه سعيد بنُ المسيِّب، فرواهُ عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ»، وروايتُه أحقُّ بالتقديم وأَوْلى بالترجيح لإمامته واشتهار عدالته وموافَقتِه لمذهبِ أبي هريرة رضي الله عنه ولخبرِ ابنِ عمر رضي الله عنهما ورأيِه(٦٩).

ومِنْ جهةٍ ثالثةٍ ـ فيما إذا سَلَّمْنا بصحَّةِ الزيادة وثبوتِها ـ فهي محمولةٌ على ما إذا غُمَّ هلالُ رمضانَ وهلالُ شوَّالٍ، فإنَّا نحتاج إلى إكمالِ شعبانَ ثلاثين احتياطًا للصوم؛ لأنَّه على تقديرِ صومِ يوم الثلاثين مِنْ شعبان فلا نجزم أنَّه مِنْ رمضان، وإنَّما أوقَعْنا صيامَه حكمًا(٧٠).

٣) أمَّا ما انفرد به مسلمٌ مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ؛ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ»، فإنَّ المراد: «إن غُمَّ عليكم رمضانُ فعُدُّوا رمضانَ ثلاثين»، بدليلِ قرينتَيْن:

ـ الأولى: هي أنَّ الكناية ترجع إلى أقربِ المذكورين، وهو قولُه: «وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِه»، والإفطارُ معنيٌّ بشهرِ شوَّالٍ؛ فيكون عَدُّ الثلاثين خاصًّا برمضان دون شعبان.

ـ الثانية: وهي أنَّ الصحابيَّ فسَّره بفعله، وهو أعلمُ بما روى.

٤) وحديثُ حذيفة رضي الله عنه ضعَّفه الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ وقال: «ليس ذِكْرُ حذيفة فيه بمحفوظٍ»، وقِيلَ: الصوابُ فيه: عن رِبْعِيٍّ عن رجلٍ مِنَ الصحابة مُبْهَمٍ، ثمَّ هو وحديثُ أبي هريرة في الأمر بالصوم لرؤيته يُحْمَلان على حالة الصحو؛ لعدمِ ورودِ ذِكْرِ الغيم فيهما(٧١).

٥) وحديث عبد الله بنِ جرادٍ رضي الله عنه قال عنه ابنُ الجوزي ـ رحمه الله ـ: «وهذا الحديث موضوعٌ على ابنِ جرادٍ، لا أصلَ له عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا ذَكَره أحَدُ الأئمَّة الذين جمعوا السننَ وترخَّصوا في ذِكْرِ الأحاديث الضِّعاف»(٧٢)، وفي إسناده يعلى بنُ الأشدق: ضعَّفه أئمَّةُ الجرح والتعديل(٧٣).

الجواب عن الأحاديث الفعلية:

ـ أمَّا حديث عائشة رضي الله عنها في صفة تحفُّظه صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ هلال شعبان فَرُدَّ؛ لأنَّ في إسناده معاوية بنَ صالحٍ، قال عنه أبو حاتمٍ الرازيُّ ـ رحمه الله ـ: «لا يُحتجُّ به»(٧٤)، ثمَّ هو معارَضٌ بالمحفوظ مِنْ هذا بلفظ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ ثُمَّ أَفْطِرُوا»، فضلًا عن كونه قولًا، وهو مقدَّمٌ على الفعل.

الجواب عن الآثار:

وآثار الصحابة يظهر الجوابُ عنها على النحو التالي:

١) أمَّا ما رُوِيَ عن ابنِ عمر رضي الله عنهما قوله: «لو صمتُ السَّنةَ لَأفطرتُ اليومَ الذي يُشَكُّ فيه» فجوابُه مِنْ أربعة أوجُهٍ:

أ. أنَّه أثرٌ لا يصحُّ عن ابنِ عمر رضي الله عنهما؛ لأنَّ في إسناده عبدَ العزيز بنَ حكيمٍ: ضعَّفه أبو حاتمٍ الرازيُّ ـ رحمه الله ـ(٧٥).

ب. أنَّ المحفوظ عنه يُعارِضُه، وقد تَقدَّم ذِكْرُه في حجَّة الحنابلة.

ج. وعلى فرضِ صحَّتِه فهو محمولٌ على اليوم الذي لم يَحُلْ دون منظره سحابٌ ولا قترٌ؛ فيكون مُوافِقًا للرواية المحفوظةِ عنه.

د. وعلى غيرِ هذا التقديرِ فإنَّ المعنيَّ ﺑ «يوم الشكِّ» ما فسَّره الإمامُ أحمد ـ رحمه الله ـ على ما تقدَّم، وعليه فإنَّ المَحَلَّ المتنازَعَ عليه ليس بيوم الشكِّ.

٢) أمَّا الآثار الأخرى فهي معارَضةٌ بمثلها أو بأحفظَ منها، أو محمولةٌ على التأويل السابق جمعًا لكافَّةِ الأدلَّةِ المتعارِضة.

ـ ثانيًا: مناقشة أدلَّة الحنابلة:

ناقش الجمهور أدلَّةَ الحنابلةِ في الرواية المشهورة عن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ مِنْ جهة السنَّةِ والآثار والقياس على الوجه التالي:

مِنْ جهةِ السنَّة:

١) نُوقِش حديثُ عمران بنِ حُصَينٍ رضي الله عنه بأنَّه غيرُ معارِضٍ لأدلَّةِ الجمهور؛ حيث يمكن الجمعُ بين الحديثين بحَمْلِ النهي على أنَّ الرجل كان قد أَوْجَبَ صومَه على نفسه بنذرٍ فأَمَره بالوفاء به(٧٦)، وإلَّا يُجْمَعُ بينهما بتغاير الأحوال، وذلك بصرف النهي إلى مَنْ ليسَتْ له عادةٌ بذلك، وحَمْلِ الأمر على مَنْ له عادةٌ؛ فأَمَره النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بقضائها لتستمرَّ محافَظتُه على تلك العبادة، ولتدوم ملازَمتُه للخير حتَّى لا ينقطع، ويؤيِّدُ ذلك ما وَقَع في بعض الروايات بلفظِ: «فَصُمْ مَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمِ يَوْمَيْنِ»، فإنَّه يُفيدُ اعتيادَ الرجلِ صيامَ آخِرِ الشهر(٧٧). وهذا كُلُّه إذا ما حُمِل لفظُ «السَّرَر» على آخِرِ الشهر، أمَّا إذا حُمِل على وَسَطه على ما حكاه أبو داود(٧٨) ورجَّحه بعضُهم على أنَّ معنَى «السَّرَر» جمعُ «سُرَّةٍ»، وسُرَّةُ الشيءِ وَسَطُه، على أنَّ الشرع نَدَب صيامَ أيَّامِ البِيضِ وهي وسطُ الشهر، وأنَّه لم يَرِدْ في صيامِ آخِرِ الشهر نَدْبٌ، بل وَرَد فيه نهيٌ خاصٌّ وهو آخِرُ شعبانَ لمَنْ صامه لأجل رمضان(٧٩)، فلم يَبْقَ مُتمسَّكٌ بالحديث السابق إذا حُمِل على وسط الشهر أو على أوَّله، أي: مستهَلِّه على ما جاء في «اللسان»(٨٠).

٢) أمَّا حديثُ أمِّ سَلَمة رضي الله عنها فإنَّ مرادَها: أنَّه كان يصوم شعبان كُلَّه لِمَا رواهُ الخمسةُ مِنْ حديثها قالَتْ: «إِنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنَ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إِلَّا شَعْبَانَ يَصِلُ بِهِ»(٨١)، وفي لفظِ ابنِ ماجه: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصِلُ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ»(٨٢).

والاحتجاج بما سَبَق خارجٌ عن مَحَلِّ النِّزاع؛ لأنَّه يجوز صومُه عند الجمهور القائلين بالنهي عن صومِ يوم الشكِّ إذا ما وَافَقَ عادةً؛ لِمَا تقدَّم مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه: «إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ»(٨٣).

وعلى تقديرِ أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم صام يومَ الشكِّ فإنَّ الجواب بأنَّه لا تعارُضَ بين فعلِه وقولِه؛ ذلك لأنَّ النهي عامٌّ له ولسائر المخاطَبِين، غير أنَّ فعلَه مخصِّصٌ له مِنَ العموم(٨٤)، وإذا حُمِل على وقوع التعارض فَيُرَجَّحُ النهيُ والحظرُ على الجواز ـ مِنْ جهةٍ ـ(٨٥)، والقولُ على الفعل ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ(٨٦)، على ما تَقرَّر في باب الترجيحات مِنَ القواعد الأصولية.

٣) وأجاب الجمهورُ عن حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: «إِنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ...» أنَّ ظاهِرَه وإِنْ كان يقتضي الحصرَ إلَّا أنَّه محمولٌ على الأكثر والأغلب؛ لقولِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه: «مَا صُمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرُ مِمَّا صُمْنَا ثَلَاثِينَ»(٨٧)، ومثلُه عن عائشة وعمر وابنِ عبَّاسٍ وأبي بَكْرَةَ رضي الله عنهم(٨٨).

ويُؤيِّدُ ذلك قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم في حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ(٨٩) لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا»، يعني: مَرَّةً تسعةً وعشرين ومَرَّةً ثلاثين(٩٠).

ويحتمل جوابًا آخَرَ وهو أنَّ «اللام» للعهد، والمعنى المرادُ: شهرٌ بِعَيْنِه يكون تسعةً وعشرين(٩١).

وإذا حُمِل على ظاهِرِه مِنْ إفادة الحصر فإنَّ معناه: حَصْرُه مِنْ جهةِ أحَدِ طرفَيْه كما ذَكَره ابنُ العربيِّ ـ رحمه الله ـ؛ حيث قال: «أي: أنَّه قد يكون تسعًا وعشرين ـ وهو أقلُّه ـ وقد يكون ثلاثين ـ وهو أكثرُه ـ فلا تأخذوا أَنْفُسَكم بصوم الأكثر احتياطًا، ولا تقتصروا على الأقلِّ تخفيفًا، ولكِنِ اربطوا عبادتَكم برؤيته واجعلوا عبادتَكم مرتبطةً ـ ابتداءً وانتهاءً ـ باستهلاله»(٩٢).

والمراد بقوله: «فَاقْدُرُوا لَهُ» لغةً ـ عند الجمهور ـ: مِنَ التقدير، فيقال: «قَدَرْتُ الشيءَ أَقْدُِرُه ـ بكسر الدال وضمِّها ـ وقَدَّرْتُه وأَقْدَرْتُه» كُلُّها بمعنًى واحدٍ، أي: انْظُروا أوَّلَ الشهرِ واحْسُبُوا تَمامَ الثلاثين(٩٣)، قال الخطَّابيُّ ـ رحمه الله ـ: «ومنه قولُه تعالى: ﴿فَقَدَرۡنَا فَنِعۡمَ ٱلۡقَٰدِرُونَ ٢٣[المرسلات]»(٩٤).

ولفظُ: «فَاقْدُرُوا لَهُ» لم يَرْوِه سوى ابنِ عمر رضي الله عنهما وَحْدَه على ما ذَكَره العراقيُّ ـ رحمه الله ـ عن ابنِ عبد البرِّ ـ رحمه الله ـ(٩٥)، وهذا اللفظُ وإِنِ اتَّفق الرُّواةُ عن مالكٍ عن نافعٍ فيه، إلَّا أنَّه جاء فيما رواهُ الشافعيُّ مِنْ طريقِ سالمٍ عن ابنِ عمر رضي الله عنهما بتعيين الثلاثين، وقد رواه ابنُ خزيمة مِنْ طريقِ عاصم بنِ محمَّد بنِ زيدٍ عن أبيه عن ابنِ عمر رضي الله عنهما: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَكَمِّلُوا الثَّلَاثِينَ»، وله شواهدُ أخرى مِنْ حديثِ أبي هريرة وابنِ عبَّاسٍ وغيرهما رضي الله عنهم(٩٦).

وإذا كان تفسير «التقدير» في الحديث على المعنى المتقدِّم ـ لغةً وشرعًا ـ على ما ذَهَب إليه جمهورُ السلف والخلف فلم يَبْقَ مجالٌ لِحَمْلِه على معنى التضييق.

مِنْ جهةِ الآثار:

وقد أجاب الجمهورُ عن الآثار المرويَّة عن الصحابة بما يلي:

١) أمَّا تفسيرُ ابنِ عمر رضي الله عنهما للحديث بفعله فقَدْ أجاب عنه الجمهورُ مِنَ المناحي التالية:

أ. أنَّ ابنَ عمر رضي الله عنهما كان يفعل هذا الصنيعَ في شهر شعبان، وكان يفطر مع الناس ولا يأخذ بهذا الحسابِ في شهر رمضان؛ فدلَّ ذلك على أنَّ صيامَه لشهرِ شعبانَ إنَّما كان على وجه الاحتياط؛ لأنَّه لو لم يُحْمَلْ فعلُه على ذلك لَلَزِم منه النقضُ في كونه يرى باقتضاءِ حمل «التقدير» على التضييق وتقديرِه تحت السحاب في إحدى الصورتين دون الأخرى، مع أنَّ الأصل عدمُ اختلافِ حكمِ كُلٍّ مِنْ شعبان ورمضان في أمر التقدير، ولو اختلف حكمُهما لَبيَّنه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وفَصَل بينهما؛ إذ إنّ «تَأْخِيرَ البَيَانِ عَنْ وَقْتِ الحَاجَةِ لَا يَجُوزُ»، كيف وقد نبَّه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على التسوية بينهما بنهيه عن صوم يوم الشكِّ(٩٧)؟

ب. قد رُوِي عنه رضي الله عنه مِنْ قوله ما يُخالِفُ فِعْلَه، و«القَوْلُ أَقْوَى مِنَ الفِعْلِ فِي بَابِ التَّرْجِيحِ».

ج. أنَّ فِعْلَه رضي الله عنه مُعارَضٌ بروايته؛ لأنَّ فِعْلَه عملٌ مبنيٌّ على اجتهاده، وقد يظهر له ما هو أرجحُ في نظره مِمَّا رواه، وإِنْ لم يكن راجحًا في نفس الأمر؛ ﻓ «الحُجَّةُ إِذَنْ فِيمَا رَوَاهُ لَا فِيمَا رَآهُ».

د. أنَّ الحديث رواهُ غيرُ ابنِ عمر رضي الله عنهما كابنِ عبَّاسٍ وأبي هريرة وحذيفة وأبي بَكْرَةَ وطلق بنِ عليٍّ وغيرهم رضي الله عنهم، وهم أكثرُ عددًا وروايةً وعملًا.

٢) أمَّا ما أخرجه الشافعيُّ عن عليٍّ رضي الله عنه فهو أثرٌ منقطعٌ؛ ذلك لأنَّ فاطمة بنتَ الحسين لم تُدْرِكْ عليًّا رضي الله عنه، فروايتُها منقطعةٌ، ولو سُلِّم الاتِّصالُ فلا يُفيدُ في محلِّ النِّزاع؛ لكونه وَرَد مختصَرًا مُخِلًّا بالمعنى؛ ذلك لأنَّ لفظ الرواية: أنَّ رجلًا شَهِد عند عليٍّ رضي الله عنه على رؤية الهلال؛ فصام وأَمَر الناسَ أَنْ يصوموا، ثمَّ قال: «لَأَن أصوم يومًا مِنْ شعبانَ أحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يومًا مِنْ رمضان»؛ فالصومُ لم يكن ليوم الشكِّ بمجرَّده، وإنَّما عند قيام شهادةِ واحدٍ عنده على رؤية الهلال لا في الغيم(٩٨)، وقد وَرَد هذا البيانُ في «سنن(٩٩) الدارقطنيِّ»، ثمَّ إنَّه ـ مِنْ ناحيةٍ ثالثةٍ ـ لو سُلِّم أنَّه استحبَّ صومَ يومٍ مِنْ غيرِ نظرٍ إلى شهادة الشاهد فلا يكون قولُه حجَّةً إلَّا على مَنْ يرى أنَّ قولَ عليٍّ حجَّةٌ(١٠٠)، على أنَّ ابنَ أبي شيبة روى عنه في «مصنَّفه» خلافَ ذلك(١٠١).

٣) والمعروف عن أبي هريرة رضي الله عنه خلافُ ما نُقِل عنه، وقد رُوِي عنه النهيُ عن تَقدُّمِ رمضانَ بصيامٍ، وهو أصحُّ عنه، ومع ذلك لا يُوجِبُ ذلك اضطرابًا؛ لأنَّ كلامه محمولٌ على الاستثناء الوارد في الرواية المرفوعة: «إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ».

٤) أمَّا ما رُوِي عن عائشة وأسماءَ ابنتَيْ أبي بكرٍ رضي الله عنهم ـ إِنْ صحَّ عنهما ـ فلا حجَّةَ فيه، وقد نُقِل عن أكثر الصحابة وعامَّةِ أهل العلم خلافُه، فضلًا عن مخالفته للروايات والآثار الصحيحة على ما تقدَّم.

مِنْ جهة القياس:

أمَّا القياس ففاسدُ الاعتبار؛ لمقابَلتِه للنصوص الآمرة بإكمال العِدَّةِ ثلاثين يومًا ـ مِنْ جهةٍ ـ وغيرُ منتهضٍ مِنْ ناحيةِ أنَّ صوم يومِ الشكِّ لمَنْ وافق عادةً إنَّما هو مِنْ شعبان ـ حتمًا ـ وليس مِنْ رمضان اعتقادًا مِنْ غيرِ احتمالٍ، وقد وَرَد بجوازه النصُّ، أمَّا المحتمل المشكوكُ فيه فلا يُصارُ إليه خشيةَ الوقوع في المحظور المنهيِّ عنه بحديث الباب، فافترقا.

الفرع الرابع: سبب الخلاف:

يُرَدُّ مبنى الخلاف ـ في هذه المسألةِ ـ إلى جملةٍ مِنَ الأسباب تتمثَّل:

١) في فهمِ معنى «التقدير» في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ»، هل يقتضي التفرقةَ بين الصحو والغيم؛ فيكونُ التعليق على الرؤية متعلِّقًا بالصحو، وأمَّا الغيمُ فله حكمٌ آخَرُ، وهو حملُه على معنى التضييق؟ وبه قال أكثرُ الحنابلة، أو أنَّه لا يقتضي التفرقةَ بينهما ويكون الثاني مؤكِّدًا للأوَّل؟ وبه قال الجمهورُ.

٢) في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ»: هل هذه الكنايةُ ترجع إلى أقربِ الجملتين أو إلى الجملتين معًا؟

٣) في تعيينِ يَومِ الشكِّ: أهو آخِرُ يومٍ مِنْ شعبان ـ أي: يوم الثلاثين ـ؟ وبه قال الجمهور، أو هو أوَّلُ يومٍ مِنْ رمضان؟ وبه قال أكثرُ الحنابلة.

٤) في تعارُضِ آثار الصحابة، ومدى الاحتجاج بعمل الراوي بخلافِ ما روى (أي: هل العبرةُ بما رواهُ الصحابيُّ أو بما رآه؟).

الفرع الخامس: الرأي المختار:

فإنَّ مذهب الجمهور ـ في هذه المسألة ـ لائحٌ مِنْ عِدَّةِ وجوهٍ، وهي:

١ ـ أنَّ الإجمال الحاصل في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَاقْدُرُوا لَهُ» محمولٌ على الروايات الأُخَرِ المفسِّرةِ والمصرِّحةِ بالمراد، فلا تكون روايةُ مَنْ روى: «فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» مخالِفةً لِمَنْ روى: «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ»، بل هي مبيِّنةٌ لها، ويؤيِّد ذلك حديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما مرفوعًا: «فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابٌ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ، وَلَا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالًا»(١٠٢)، وغيرُه مِنَ الأحاديث التي تقدَّمَتْ، وهو ما فسَّر به مالكٌ ـ رحمه الله ـ اللفظَ المحتمل(١٠٣)، و«حَمْلُ الْمُجْمَلِ عَلَى الْمُفَسَّرِ طَرِيقَةٌ لَا خِلَافَ فِيهَا بَيْنَ الأُصُولِيِّينَ»، لأنه لا تعارُضَ بينهما أصلًا(١٠٤).

٢ ـ ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ»، وهو ظاهرٌ في النهي عن ابتداءِ صومِ رمضانَ قبل رؤية الهلال، فيدخل فيه صورةُ الغيمِ وغيرُها، ولفظُ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» الذي أَوْقَعَ للمُخالِف شبهةً فهي مَدْفوعةٌ بالقواعد التي تقضي بأنَّ أيَّ شهرٍ غُمَّ أُكْمِل الثلاثين، سواءٌ في ذلك شعبان ورمضان وغيرهما؛ إذ لم يَخُصَّ شهرًا دون شهرٍ بالإكمال، فلو كان شهرُ شعبانَ غيرَ مرادٍ لَبيَّنه؛ لذلك يرجع قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَاقْدُرُوا لَهُ» أو: «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ» إلى الجملتين السابقتين، وهما: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ»، أي: إذا غُمَّ عليكم في صومكم أو فِطْرِكم فأَكْمِلوا العِدَّةَ ثلاثين، وهو اختيارُ شمس الدين ابنِ عبد الهادي الحنبليِّ في «تنقيح التحقيق»(١٠٥).

٣ ـ وبناءً على ما تقدَّم فلا يَلْزَمُ اضطرابٌ ولا تعارضٌ في الخبر الذي رواه البخاريُّ مِنْ حديثِ شُعْبَةَ عن محمَّدِ بنِ زيادٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ»، وما رواه مسلمٌ مِنْ حديثِ سعيد بنِ المسيِّب عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا»، لأنَّ الأمرَ عائدٌ على صورتَيِ الصوم والإفطار في حالةِ الغمِّ علينا، فذَكَر الراوي في إحدى الروايتين إحدى الصورتين، وفي الروايةِ الأخرى الصورةَ الأخرى، وجاءَتْ عبارةُ بعضِ الرواياتِ مُتناوِلةً لهما، ففي روايةِ مسلمٍ: «فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ»، وفي روايةٍ له ـ أيضًا ـ: «فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ»، وعليه يتحقَّقُ الجمعُ والتوفيقُ وينتفي التعارُضُ؛ فلا يُصارُ إلى الترجيح؛ لِمَا فيه مِنْ إهمالٍ للرواية الأخرى وإهدارٍ لها.

أمَّا ما ذَكَره الإسماعيليُّ ـ رحمه الله ـ فغيرُ قادحٍ في صحَّةِ الحديث؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم إمَّا أَنْ يكون قد قال اللفظين، وهذا ما يُفيدُه ظاهرُ الرواية، وإمَّا أَنْ يكون قال أَحَدَهما وذَكَر الراوي اللفظَ الآخَرَ بالمعنى لرجوع الأمر في قوله: «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ» للشهرَيْن المتمثِّلَيْن في شعبان عند قوله في الجملة الأولى: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ»، وإلى رمضان في الجملة الثانية: «وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ»، هذا مقتضى القواعد الذي دلَّتْ عليه أحاديثُ هذه المسألةِ(١٠٦).

٤ ـ ولأنَّ المقرَّرَ في الأصول: «أنَّ الصحابة إذا اختلفوا فليس بعضُهم حجَّةً على بعضهم الآخَرِ ولا على مَنْ بعدهم، وعليه فلا يجوز العملُ بأحَدِ القولين إلَّا بترجيحٍ»، ويترجَّحُ قولُ مَنْ معه الحجَّةُ، والحجَّةُ فيما رواهُ الصحابيُّ ونَقَلَه لا فيما رآه واجتهد فيه، وعلى تقديرِ العكس، فإنَّه قد روى الحديثَ غيرُ ابنِ عمر رضي الله عنهم وهم أكثرُ عددًا وروايةً وعملًا، وقد جاء في باب الترجيح مِنْ علم الأصول: «أَنَّ كَثْرَةَ الرُّوَاةِ مِنَ المُرَجِّحَاتِ بِاعْتِبَارِ السَّنَدِ»(١٠٧)، وكذلك كثرة الأدلَّة ـ على التحقيق ـ وهو مذهب الجمهور.

٥ ـ ولأنَّ الرواياتِ الصحيحةَ التي اسْتُدِلَّ بها تشهد على صحَّةِ مذهبهم مِنْ ناحيةِ تضمُّنِها الاحتياطَ(١٠٨)، وما كان كذلك فهو أَوْلى بالتقديم على غيره؛ لكونه أقربَ إلى تحصيل المصلحة ودفعِ المفسدة.

هذا، والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

 



(١) علَّقه البخاريُّ في «صحيحه» بصيغة الجزم (٤/ ١١٩).

(٢) وهو اللفظ الذي وَصَله الخمسةُ وابنُ خزيمة وابنُ حبَّان والحاكم ـ كما سيأتي بيانُه في سند الحديث ـ وعنه البيهقيُّ في «سننه الكبرى» (٤/ ٢٠٨)، عن طريقِ عَمرو بن قَيْسٍ المُلائيِّ عن أبي إسحاق عنه.

(٣) «المصنَّف» لابن أبي شيبة (٢/ ٣٢٣ ـ ٣٢٤) رقم: (٩٥٠٢).

(٤) كانت سُمَيَّةُ أوَّلَ شهيدةٍ في الإسلام، وهي مولاةٌ لأبي حذيفة بنِ المغيرة المخزوميِّ، [انظر: «الرياض المستطابة» للعامري (٢١١)].

(٥) أخرجه ابنُ ماجه (١/ ٥٢)، والنسائيُّ (٨/ ١١١)، والحاكم (٣/ ٣٩٢)، قال الحافظ في «فتح الباري» (٧/ ٩٢): «إسناده صحيحٌ». و«المُشاش»: جمعُ مُشاشةٍ، وهي رؤوسُ العظام الليِّنة، [انظر: «النهاية» لابن الأثير (٤/ ٣٣٣)].

(٦) قال الحافظ ـ رحمه الله ـ في «الإصابة» (٢/ ٥١٢) في ترجمة عمَّار بنِ ياسرٍ رضي الله عنهما: «واتفقوا على أنه نزل فيه: ﴿إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَئِنُّۢ بِٱلۡإِيمَٰنِ[النحل: ١٠٦]».

(٧) استدلَّ أهلُ السنَّة بقتلِ عمَّارٍ رضي الله عنه على تصحيحِ جانب عليٍّ رضي الله عنه؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان قد قال له: «وَيْحَكَ يَا ابنَ سُمَيَّةَ، تَقْتُلُكَ الفِئَةُ البَاغِيَة» [أخرجه مسلمٌ (١٨/ ٣٩)]، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم ـ أيضًا ـ: «وَيْحَ ابنِ سُمَيَّةَ، تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ»، فَجَعَل يَقُولُ: «أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الفِتَنِ» [أخرجه أحمد (٣/ ٩١)، والبخاريُّ (١/ ٥٤١، ٦/ ٣٠)].

(٨) انظر ترجمته وأحاديثَه في: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (٣/ ٢٤٦)، «مسند أحمد» (٤/ ٢٦٤، ٣١٩)، «التاريخ الكبير» (٧/ ٢٥) و«التاريخ الصغير» (١/ ١١٠) كلاهما للبخاري، «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (٦/ ٣٨٩)، «المستدرك» للحاكم (٣/ ٣٨٣)، «الاستيعاب» لابن عبد البرِّ (٣/ ١١٣٥)، «جامع الأصول» لأبي السعادات بنِ الأثير (٩/ ٤١)، «أُسْد الغابة» (٤/ ٤٣) و«الكامل» (٣/ ٣٠٨) كلاهما لأبي الحسن بنِ الأثير ، «سِيَر أعلام النُّبَلاء» (١/ ٤٠٦) و«الكاشف» (٢/ ٣٠١) كلاهما للذهبي، «مَجْمَع الزوائد» للهيثمي (٩/ ٢٩١)، «وفيات ابنِ قنفذ» (١٧)، «الإصابة» (٢/ ٥١٢) و«تهذيب التهذيب» (٧/ ٤٠٨) كلاهما لابن حجر، «شذرات الذهب» لابن العماد (١/ ٤٥)، «الرياض المستطابة» للعامري (٢١١).

(٩) أخرجه أبو داود في «الصوم» (٢/ ٧٤٩) بابُ كراهةِ صومِ يومِ الشكِّ، والترمذيُّ في «الصوم» (٣/ ٧٠) بابُ ما جاء في كراهةِ صومِ يومِ الشكِّ، وابنُ ماجه في «الصيام» (١/ ٥٢٧) بابُ ما جاء في صيامِ يوم الشكِّ، والنسائيُّ في «الصيام» (٤/ ١٥٣) بابُ صيامِ يومِ الشكِّ، وأخرجه ـ أيضًا ـ الدارميُّ في «سننه» (٢/ ٢)، والدارقطنيُّ في «سننه» (٢/ ١٥٧)، والطحاويُّ في «شرح معاني الآثار» (٢/ ١١١).

(١٠) «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٢٠).

انظر المزيد مِنْ ترجمته في: «طبقات ابنِ سعد» (٦/ ١٩٥)، «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (٩/ ٣٩٥)، «سِيَر أعلام النُّبَلاء» للذهبي (٤/ ٥١٧)، «تهذيب التهذيب» لابن حجر (٤/ ٤٣٧).

(١١) «بلوغ المَرام» مع «سُبُل السلام» (٢/ ٣٠٨)، ولعلَّه وَهِم مَنْ عزاه إلى الإمام أحمد.

(١٢) «صحيح ابنِ خزيمة» (٣/ ٢٠٤ ـ ٢٠٥).

(١٣) رقم: (٨٧٨).

(١٤) «المستدرك» للحاكم (١/ ٤٢٣، ٤٢٤).

(١٥) «إرواء الغليل» للألباني (٤/ ١٢٦).

(١٦) قال الشيخ الألبانيُّ ـ رحمه الله ـ: «وهذا سندٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، واقتصر الحافظُ على تحسينه، ولعلَّه ما ذَكَر بعدُ أنَّه رواه عبد الرزَّاق مِنْ وجهٍ آخَرَ عن منصورٍ عن رِبْعيٍّ عن رجلٍ عن عمَّارٍ، وعبدُ العزيز العمِّيُّ الذي رواه ابنُ أبي شيبة عنه ثِقَةٌ حافظٌ احتجَّ به الستَّةُ؛ فالذي خالفه وأدخل بين رِبْعيٍّ وعمَّارٍ رجلًا لم يُسَمِّه لم يذكره الحافظُ حتَّى ننظر في مخالفته: هل يُعتَدُّ بها أم لا؟» [«إرواء الغليل» (٤/ ١٢٦، ١٢٧)].

(١٧) «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٢٠).

(١٨) انظر: «النهاية» لابن الأثير (٣/ ٥٠).

(١٩) انظر: المصدر السابق (٥/ ٣٠).

(٢٠) انظر: «مختار الصحاح» للرازي (٣٠٩).

(٢١) انظر: «مفتاح الوصول» للتلمساني [بتحقيقي] (٤٠١ ـ ٤٠٢).

(٢٢) «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٢٠)، ثمَّ قال: «وخالفهم الجوهريُّ المالكيُّ فقال: هو موقوفٌ، والجوابُ: أنه موقوفٌ لفظًا مرفوعٌ حكمًا»، وانظر: «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤٤٢)، «التلخيص الحبير» لابن حجر (٢/ ١٩٧).

(٢٣) انظر: «سُبُل السلام» للصنعاني (٢/ ٣٠٨).

(٢٤) انظر: «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣١٧).

(٢٥) قَتَرة: الغبرةُ في الهواءِ الحائلةُ بين الإبصار وبين رؤية الهلال، [انظر: «معالم السنن» للخطَّابي (٢/ ٧٤١)، «النهاية» لأبي السعادات بنِ الأثير (٤/ ١٢)].

(٢٦) انظر: «التحقيق» لابن الجوزي (٢/ ٦٨).

(٢٧) «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٢٠).

(٢٨) المصدر السابق، الجزء والصفحة نفسهما.

(٢٩) أمَّا التكنِّي بأبي القاسم فالصحيحُ مِنَ المذاهب المنعُ مطلقًا؛ للأحاديث الصحيحة والصريحةِ في النهي عن ذلك، منها: قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي، أنا أبو القاسم، والله يعطي، وأنا أقسم»، وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي»، وغيرُهما مِنَ الأحاديث الصحيحة، [انظر: «السلسلة الصحيحة» للألباني(٦/ ٢/ ١٠٧٤) رقم: (٢٩٤٦)]، قال الألبانيُّ ـ رحمه الله ـ: «لقد اختلف العلماء في مسألة التكنِّي بأبي القاسم على مذاهبَ ثلاثةٍ، حكاها الحافظُ في «فتح الباري»، واستدلَّ لها، وناقشها، وبيَّن ما لها وما عليها، ولستُ أشكُّ ـ بعد ذلك ـ أنَّ الصواب إنما هو المنعُ مطلقًا، وسواءٌ كان اسمُه محمَّدًا أم لا؛ لسلامة الأحاديث الصحيحة الصريحة في النهي عن المعارض الناهض كما تقدَّم» [«السلسلة الصحيحة» (٦/ ٢/ ١٠٨١)].

(٣٠) متَّفَقٌ على صحَّته، سيأتي تخريجه، انظر: (الهامش ٤٤).

(٣١) أخرجه أبو داود (٢/ ٧٥١)، والترمذيُّ (٣/ ١١٥)، وابنُ ماجه (١/ ٥٢٨)، وعبد الرزَّاق في «المصنَّف» رقم: (٧٣٢٥)، والطحاويُّ في «شرح معاني الآثار» (٢/ ٨٢)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه، قال الترمذيُّ: «حديثٌ حسنٌ صحيحٌ»، وصحَّحه الألبانيُّ في «تخريج المشكاة» (١/ ٦١٦)، وقال: «استنكره الإمامُ أحمد، لكنَّ سنده صحيحٌ»، وصحَّحه الأرناؤوط ـ أيضًا ـ في «شرح السنَّة» للبغوي (٦/ ٢٣٨).

(٣٢) انظر: «المجموع» للنووي (٦/ ٤٠٠).

(٣٣) انظر عدمَ تعارُضِ القطعيِّ مع الظنِّيِّ في: «شرح اللُّمَع» للشيرازي (٢/ ٩٥٠، ٩٥١)، «الفقيه والمتفقِّه» للخطيب البغدادي (١/ ٢١٥)، «المنهاج» للباجي (١٢٠)، «شرح تنقيح الفصول» للقرافي (٤٢١)، «روضة الناظر» لابن قدامة (٢٠٨)، «كشف الأسرار» للبخاري (٤/ ١٣٣)، «تقريب الوصول» لابن جُزَيٍّ [بتحقيقي] (٢٠٢)، «مذكِّرة الشنقيطي» (٣١٦).

(٣٤) انظر: «عارضة الأحوذي» لابن العربي (٣/ ٢٠٢)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣١٧).

(٣٥) «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٢٨)، وسيأتي مزيدُ الإيضاحِ في حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما اللاحق.

(٣٦) انظر روايةَ الحديثِ بالمعنى في: «الرسالة» للشافعي (٣٧٠ ـ ٣٧١)، «الكفاية» للخطيب البغدادي (١٩٨ ـ ٢٠٣)، «مقدِّمة ابنِ الصلاح» (٨٥)، «اختصار علوم الحديث» لابن كثير (١٥٧)، «فتح المغيث» للسخاوي (٢/ ٤٨)، «تدريب الراوي» للسيوطي (٣١١)، «توجيه النظر» للجزائري (٢٩٨ ـ ٣١٤)، «الوجيز» للخطيب (٢٢٢ ـ ٢٢٣).

(٣٧) يجوز صيامُ يومِ الشكِّ ـ عند الحنفية ـ إذا كان تطوُّعًا مَحضًا أو له سببٌ، [انظر: «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣١٧)]، وعند الشافعية يجوز صومُه تطوُّعًا إِنْ كان له سببٌ فصادَفَه، كصوم يومٍ وفِطْرِ يومٍ، أو صومِ يومٍ معيَّنٍ كالإثنين والخميس، وإِنْ لم يكن له سببٌ فصومُه حرامٌ، [انظر: «المجموع» للنووي (٦/ ٤٠٠)، «طرح التثريب» للعراقي وابنه (٤/ ١١٤)].

(٣٨) أمَّا الروايةُ الثانية فتُوافِقُ مذهبَ الشافعيِّ، وهي: عدمُ جوازِ صيامِ يومِ الشكِّ مِنْ رمضانَ ولا تطوُّعًا، بل يجوز قضاءً وكفَّارةً ونذرًا، وتطوُّعًا يُوافِقُ عادةً، والروايةُ الثالثة: أنَّ المرجع إلى رأي الإمام في الصوم والفطر، [انظر: «التحقيق» لابن الجوزي (٢/ ٦٨)، «المجموع» للنووي (٦/ ٤٠٣)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٢٢)].

(٣٩) «المغني» لابن قدامة (٣/ ٨٩).

(٤٠) أخرجه عبد الرزَّاق في «المصنَّف» (٤/ ١٦٠)، والدارقطنيُّ (٢/ ١٥٧)، والبيهقيُّ (٤/ ٢٠٨)، وقال: «أبو عبَّادٍ هو عبد الله بنُ سعيدٍ المَقْبُريُّ، غيرُ قويٍّ»، والحديثُ ضعيفٌ لا يصلح للاحتجاج، [انظر: «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤٤٠ ـ ٤٤١)، «التلخيص الحبير» (٢/ ١٩٨)].

(٤١) وهو ما عليه الجمهورُ مِنْ أنَّ النهي إِنْ وَرَد مجرَّدًا عن القرائن حُمِل على التحريم، انظر المسألةَ في: «مفتاح الوصول» للتلمساني [بتحقيقي] (٤٥٤) والمصادر المُثْبَتة على هامشه.

(٤٢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه مالكٌ في «الموطَّإ» (١/ ٢٦٩)، وأحمد في «مسنده» (٢/ ٥، ١٣، ٦٣)، والدارميُّ في «سننه» (٢/ ٣)، والبخاريُّ (٤/ ١١٩)، ومسلمٌ (٧/ ١٨٩، ١٩٠، ١٩١)، وأبو داود (٢/ ٧٤٠)، وابنُ ماجه (١/ ٥٢٩)، والنسائيُّ (٤/ ١٣٤)، وابنُ خزيمة في «صحيحه» (٣/ ٢٠١، ٢٠٢، ٢٠٤)، والدارقطنيُّ في «سننه» (٢/ ١٦١)، والبيهقيُّ في «سننه الكبرى» (٤/ ٢٠٤)، والبغويُّ في «شرح السنَّة» (٦/ ٢٢٧، ٢٢٨)، مِنْ حديثِ عبد الله بنِ عمر رضي الله عنهما.

(٤٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه أحمد في «مسنده» (٢/ ٢٥٩، ٢٦٣، ٢٨٧)، والدارميُّ في «سننه» (٢/ ٣)، والبخاريُّ (٤/ ١١٩)، ومسلمٌ (٧/ ١٩٣، ١٩٤)، وابنُ ماجه (١/ ٥٣٠)، والترمذيُّ (٣/ ٧١)، والنسائيُّ (٤/ ١٣٣، ١٣٤)، والطحاويُّ في «شرح معاني الآثار» (١/ ٢٠٩)، والدارقطنيُّ في «سننه» (٢/ ١٦٢)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث رواه جمعٌ مِنَ الصحابة كابن عبَّاسٍ وابنِ عمر وجابر بنِ عبد الله وعائشة رضي الله عنهم، [انظر: «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤٣٧)، «الدراية» لابن حجر (١/ ٢٧٦)، «إرواء الغليل» للألباني (٤/ ٣ ـ ٨)].

(٤٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ (٤/ ١٢٧ ـ ١٢٨)، ومسلمٌ (٧/ ١٩٤)، وأبو داود (٢/ ٧٥٠)، وابنُ ماجه (١/ ٥٢٨)، والترمذيُّ (٣/ ٦٨)، والبغويُّ في «شرح السنَّة» (٦/ ٢٣٦)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(٤٥) أخرجه أبو داود (٢/ ٧٤٤)، والنسائيُّ (٤/ ٣٥)، وابنُ خزيمة في «صحيحه» (٣/ ٢٠٣)، والبيهقيُّ في «سننه الكبرى» (٤/ ٢٠٨)، مِنْ حديثِ حذيفة رضي الله عنه مرفوعًا.

(٤٦) أخرجه ابنُ الجوزيُّ في «التحقيق» (٢/ ٧٦) مِنْ طريقِ الإمام أبي بكرٍ أحمد بنِ عليِّ بنِ ثابتٍ الخطيب البغداديِّ بسنده عن يعلى بنِ الأشدق عن عبد الله بنِ جرادٍ رضي الله عنه. وضعَّفه ابنُ الجوزيِّ بيعلى بنِ الأشدق.

(٤٧) أخرجه أحمد (٦/ ١٤٩)، وأبو داود (٢/ ٧٤٤)، والحاكم (١/ ٤٢٣)، والبيهقيُّ (٤/ ٢٠٦)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها. قال الدارقطنيُّ (٢/ ١٥٦ ـ ١٥٧): «هذا إسنادٌ حَسَنٌ صحيحٌ»، وصحَّح إسنادَه الحافظ في «التلخيص الحبير» (٢/ ١٩٨).

(٤٨) أخرجه ابنُ أبي شيبة في «مصنَّفه» (٢/ ٣٢٣)، والبيهقيُّ في «سننه الكبرى» (٤/ ٢٠٩).

(٤٩) أخرجه البيهقيُّ في «السنن الكبرى» (٤/ ٢١١).

(٥٠) انظر: «المجموع» للنووي (٦/ ٤٠٣).

(٥١) أخرجه ابنُ أبي شيبة في «مصنَّفه» (٢/ ٢٨٦، ٣٢٢)، والبيهقيُّ في «سننه الكبرى» (٤/ ٢٠٩).

(٥٢) أخرجه البيهقيُّ في «السنن الكبرى» (٤/ ٢١١).

(٥٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ (٤/ ٢٣٠)، ومسلمٌ (٨/ ٥٣)، وأبو داود (٢/ ٧٤٦)، والبيهقيُّ (٤/ ٢١٠)، مِنْ حديثِ عمران بنِ الحصين رضي الله عنه.

(٥٤) انظر: «شرح السنَّة» للبغوي (٦/ ٢٣٩)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٢٣١).

(٥٥) سيأتي لفظُه وتخريجه، انظر: (الهامش ٨١).

(٥٦) مُتَّفَقٌ عليه، تقدَّم تخريجه بلفظٍ مغايرٍ، انظر: (الهامش ٤٢).

(٥٧) أخرجه أبو داود (٢/ ٧٤٠ ـ ٧٤١)، والدارقطنيُّ (٢/ ١٦١)، والبيهقيُّ (٤/ ٢٠٤)، مِنْ طريقِ نافعٍ عنه رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (٤/ ١٠).

(٥٨) انظر: «التحقيق» لابن الجوزي (٢/ ٧٢)، وخيارُ المجلس قد ثَبَت مفسَّرًا بفعل الصحابيِّ ابنِ عمر رضي الله عنهما الذي روى ـ مرفوعًا ـ حديثَ: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا»، حيث كان يُفارِقُ ببدنه إذا ما أراد أَنْ يَثْبُتَ له البيعُ، [انظر تفصيلَ هذه المسألةِ في: مؤلَّفي: «مختارات مِنْ نصوصٍ حديثية» (١٤٢) وما بعدها].

(٥٩) أخرجه الشافعيُّ في «مسنده» (١٠٣).

(٦٠) أخرجه البيهقيُّ في «سننه الكبرى» (٤/ ٢١١).

(٦١) المصدر السابق، الجزء والصفحة نفسهما.

(٦٢) «التلخيص الحبير» لابن حجر (٢/ ١٩٨).

(٦٣) انظر: «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤٤١).

(٦٤) «التحقيق» لابن الجوزي (٢/ ٦٨).

(٦٥) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٢٢).

(٦٦) انظر: «المغني» لابن قدامة (٣/ ٩١).

(٦٧) انظر: المصدر السابق نفسه.

(٦٨) انظر: «التحقيق» لابن الجوزي (٢/ ٧٤)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٢١).

(٦٩) انظر: «المغني» لابن قدامة (٣/ ٩١).

(٧٠) انظر: «التحقيق» لابن الجوزي (٢/ ٧٤).

(٧١) انظر: المصدر السابق (٢/ ٧٥).

(٧٢) «التحقيق» لابن الجوزي (٢/ ٧٧).

(٧٣) انظر: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (٥/ ٢١، ٩/ ٣٠٣)، و«لسان الميزان» لابن حجر (٣/ ٢٦٦، ٦/ ٣١٢)، قلت: وما ذَكَره ابنُ الجوزيِّ وافقه صاحبُ «التنقيح» على جميعِ ما ذَكَر وأقرَّه عليه، [انظر: «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤٤٠)].

(٧٤) «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (٨/ ٣٨٢)، «تقريب التهذيب» لابن حجر (٢/ ٢٥٩)، قال الزيلعي ـ رحمه الله ـ في [«نصب الراية» (٢/ ٤٣٩)] ما نصُّه: «قال في «التنقيح»: فإنَّ معاوية بنَ صالحٍ ثِقَةٌ صدوقٌ، وثَّقه أحمد بنُ حنبلٍ وعبدُ الرحمن بنُ مهديٍّ وأبو زُرْعةَ، وقال ابنُ أبي حاتمٍ: سألتُ عنه فقال: حَسَنُ الحديث، صالحُ الحديث، واحتجَّ به مسلمٌ في «صحيحه»، ولم يَرْوِ شيئًا خالف فيه الثِّقَاتِ، وكونُ يحيى بنِ سعيدٍ كان لا يرضاه غيرُ قادحٍ فيه، فإنَّ يحيى شرطُه شديدٌ في الرجال، وكذلك قال: «لو لم أَرْوِ إلَّا عمَّنْ أرضى ما رويتُ إلَّا عن خمسةٍ»، وقولُ أبي حاتمٍ: «لا يحتجُّ به» غيرُ قادحٍ ـ أيضًا ـ فإنَّه لم يذكر السببَ، وقد تكرَّرَتْ هذه اللفظةُ منه فِي رجالٍ كثيرين مِنْ أصحاب الصحيح الثِّقَاتِ الأثبات مِنْ غيرِ بيان السبب، كخالدٍ الحذَّاءِ وغيرِه». قال أبو الطيِّب محمَّد شمس الحقِّ في [«عون المعبود» (٦/ ٤٤٤)]: «قال المنذريُّ: قال الدارقطنيُّ: هذا إسنادٌ صحيحٌ، هذا آخِرُ كلامه، ورجالُ إسنادِه كُلُّهم محتجٌّ بهم في الصحيحين على الاتِّفاق والانفراد، ومعاويةُ بنُ صالحٍ الحضرميُّ الحمصيُّ قاضي الأندلس ـ وإِنْ كان قد تَكلَّم فيه بعضُهم ـ فقَدِ احتجَّ به مسلمٌ في «صحيحه»»، وقد تقدَّم تصحيحُ الدارقطنيِّ له في «سننه» (٢/ ١٥٦ ـ ١٥٧) وابنِ حجرٍ في «التلخيص» (٢/ ١٩٨).

(٧٥) عبد العزيز بنُ حكيمٍ الكوفيُّ الحضرميُّ، قال عنه أبو حاتمٍ: «ليس بقويٍّ، يُكْتَبُ حديثُه»، [انظر: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (٥/ ٣٧٨ ـ ٣٨٠)، «لسان الميزان» لابن حجر (٤/ ٢٩)].

(٧٦) انظر: «معالم السنن» للخطَّابي (٢/ ٧٤٦).

(٧٧) انظر: «شرح السنَّة» للبغوي (٦/ ٢٣٩)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٢٣١).

(٧٨) انظر: «سنن أبي داود» (٢/ ٧٤٨).

(٧٩) وهو ما رجَّحه النوويُّ في «شرح مسلم» (٨/ ٥٣) بأنَّ مُسْلِمًا أفرد الروايةَ التي فيها «سرَّة هذا الشهر» عن بقيَّة الروايات، وأردف بها الرواياتِ التي فيها الحضُّ على صيامِ أيَّام البِيضِ، وقد تعقَّبه الحافظ ابنُ حجرٍ في «فتح الباري» (٤/ ٢٣١) بقوله: «لكِنْ لم أرَهُ في جميع طُرُقِ الحديث باللفظ الذي ذَكَره وهو «سرَّة»، بل هو عند أحمد مِنْ وجهين بلفظ «سِرار»، وأخرجه مِنْ طُرُقٍ عن سليمان التيميِّ في بعضها «سَرَر»، وفي بعضها «سِرار»، وهذا يدلُّ على أنَّ المراد آخِرُ الشهر».

(٨٠) انظر: «لسان العرب» لابن منظور (٦/ ٢١).

(٨١) أخرجه الدارميُّ في «سننه» (٢/ ١٧)، وأبو داود (٢/ ٧٥٠)، والترمذيُّ (٣/ ١١٣)، والنسائيُّ (٤/ ١٥٠)، وابنُ ماجه (١/ ٥٢٨)، مِنْ حديثِ أبي سَلَمة عن أمِّ سَلَمة رضي الله عنها. قال الترمذيُّ: «حديثٌ حَسَنٌ»، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح سنن أبي داود» (٢/ ٥٣) برقم: (٢٣٣٦)، وأخرج الحديثَ ـ أيضًا ـ مسلمٌ (٨/ ٣٧) مِنْ حديثِ أبي سَلَمة عن عائشة رضي الله عنها قالَتْ: «لم أرَهُ في الشهر أكثرَ صيامًا منه في شعبان، كان يصوم شعبانَ إلَّا قليلًا، بل كان يصوم شعبانَ كُلَّه».

(٨٢) «سنن ابنِ ماجه» (١/ ٥٢٨) رقم: (١٦٤٨)، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح سنن ابنِ ماجه» (٢/ ٦٠) برقم: (١٣٤٥).

(٨٣) مُتَّفَقٌ عليه: تقدَّم تخريجه، انظر: (الهامش ٤٤).

(٨٤) انظر: «نيل الأوطار» للشوكاني (٥/ ٢٥٦).

(٨٥) انظر مذهبَ الجمهور في تقديم الحظر على الإباحة في: «العُدَّة» لأبي يعلى (٣/ ١٠٤)، «روضة الناظر» لابن قدامة (٢٠٩)، «المحصول» للرازي (٢/ ٢/ ٥٨٧)، «المسوَّدة» لآل تيمية (٢٨٠)، «الإبهاج» للسبكي وابنه (٣/ ٢٥٠)، «جمع الجوامع» لابن السبكي (٢/ ٣٦٩)، «شرح العضد» (٢/ ٣١٥)، «نهاية السول» للإسنوي (٣/ ٢٤٣)، «شرح تنقيح الفصول» للقرافي (٤١٨)، «فواتح الرحموت» للأنصاري (٢/ ٢٠٦)، «شرح الكوكب المنير» للفتوحي (٤/ ٦٧٩)، «إرشاد الفحول» للشوكاني (٢٧٩).

(٨٦) تقديم القول على الفعل لقوَّته هو مذهبُ الجمهور، خلافًا لمن يرى العكسَ، وهو مذهبُ بعضِ الشافعية، أو مَنْ يرى أنَّهما سواءٌ، وهو قولُ طائفةٍ مِنَ الشافعية والمتكلِّمين.

انظر هذه المسألةَ في: «العُدَّة» لأبي يعلى (١/ ١٠٣٤)، «شرح اللُّمَع» (١/ ٥٥٧) و«المعونة» (٢٧٦) كلاهما للشيرازي، «الإحكام» للآمدي (١/ ١٤٣)، «المحقَّق مِنْ علم الأصول» لأبي شامة (١٩١)، «منتهى السول» لابن الحاجب (٥٠)، «جمع الجوامع» لابن السبكي (٢/ ٣٦٥)، «مفتاح الوصول» للتلمساني (٦٩٧)، «إرشاد الفحول» للشوكاني (٣٩، ٢٧٩)، «المدخل» لابن بدران (٣٩٨)، «المذكِّرة» للشنقيطي (٣٢٠).

(٨٧) أخرجه أبو داود (٢/ ٧٤٢)، والترمذيُّ (٣/ ٧٣)، مِنْ حديثِ أبي ضرارٍ عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه.

(٨٨) انظر: «سنن الترمذي» (٣/ ٧٣).

(٨٩) قال الخطَّابيُّ ـ رحمه الله ـ: «إنَّما قيل لمَنْ لا يكتب ولا يقرأ «أمِّيٌّ» لأنَّه منسوب إلى أمَّة العرب، وكانوا لا يكتبون ولا يقرؤون، ويقال: إنَّما قِيلَ له «أمِّيٌّ» على معنَى أنَّه باقٍ على الحال الذي ولَدَتْه أمُّه لم يتعلَّمْ قراءةً ولا كتابةً» [«معالم السنن» للخطَّابي (٢/ ٧٣٩)، «شرح السنَّة» للبغوي (٦/ ٢٢٩ ـ ٢٣٠)].

(٩٠) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ (٤/ ١٢٦)، ومسلمٌ (٧/ ١٩٢)، وأبو داود (٢/ ٧٣٩)، والبغويُّ في «شرح السنَّة» (٦/ ٢٢٨)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.

(٩١) انظر: «طرح التثريب» للعراقي وابنه (٤/ ١٢١)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٢٣)، «نيل الأوطار» للشوكاني (٥/ ٢٥٢).

(٩٢) «عارضة الأحوذي» لابن العربي (٣/ ٢٠٤ ـ ٢٠٥).

(٩٣) انظر: «المجموع» للنووي (٦/ ٤٠٦)، «نيل الأوطار» للشوكاني (٥/ ٢٥٢).

(٩٤) انظر: «معالم السنن» للخطَّابي (٢/ ٧٤١)، «شرح السنَّة» للبغوي (٦/ ٢٣٠).

(٩٥) انظر: «طرح التثريب» للعراقي وابنه (٤/ ١١٠).

(٩٦) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ١٢١).

(٩٧) انظر: «طرح التثريب» للعراقي وابنه (٤/ ١١٠).

(٩٨) انظر: «طرح التثريب» للعراقي وابنه (٤/ ١١٠)، «سُبُل السلام» للصنعاني (٢/ ٣٠٩).

(٩٩) «سنن الدارقطني» (٢/ ١٧٠)، و«سنن البيهقي» (٤/ ٢١١).

(١٠٠) انظر: «نيل الأوطار» للشوكاني (٥/ ٢٥٦ ـ ٢٥٧).

(١٠١) انظر: «المصنَّف» لابن أبي شيبة (٢/ ٢٨٦، ٣٢٢)، و«سنن البيهقي» (٤/ ٢٠٩).

(١٠٢) أخرجه أبو داود (٢/ ٧٤٥)، والترمذيُّ (٣/ ٧٢)، والنسائيُّ (٤/ ١٥٣، ١٥٤)، قال الترمذيُّ: «حديثُ ابنِ عبَّاسٍ حسنٌ صحيحٌ، وقد رُوِي عنه مِنْ غيرِ هذا الوجه» [انظر: «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤٣٨)، «التلخيص الحبير» لابن حجر (٢/ ١٩٧ ـ ١٩٨)].

(١٠٣) انظر: «الموطَّأ» لمالك (١/ ٢٦٩ ـ ٢٧٠)، «القَبَس» لابن العربي (٢/ ٤٨٣).

(١٠٤) انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٨٤).

(١٠٥) نَقَل إنصافَه في المسألة: العراقيُّ وابنُه في «طرح التثريب» (٤/ ١٠٨)، وابنُ حجرٍ في «فتح الباري» (٤/ ١٢٢).

(١٠٦) المصدران السابقان، الجزء والصفحة نفسهما.

(١٠٧) وهو مذهبُ جمهورِ أهل العلم، ونُقِل عن أبي حنيفة وجمهورِ الأحناف القولُ بمنع الترجيح بكثرة الأدلَّة ما لم يبلغ حدَّ التواتر، وبه قال أبو الحسن الكرخيُّ في رواية، خلافًا لمحمَّد بنِ الحسن وأبي عبد الله الجرجانيِّ وأبي سفيان السرخسيِّ مِنَ الأحناف، فقَدْ وافقوا الجمهور، [انظر: «مفتاح الوصول» للشريف التلمساني [بتحقيقي] (٦٨٨) والمصادر المُثْبَتة على هامشه].

(١٠٨) والترجيح بالاحتياط هو مذهب الجمهور، [انظر: «مفتاح الوصول» للشريف التلمساني [بتحقيقي] (٧٠٧) والمصادر المُثْبَتة على هامشه].