في استحبابِ بعث الهدي إلى الحرم مِنْ غيرِ اشتراط صُحبة المُهدي له | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الأربعاء 15 شوال 1445 هـ الموافق لـ 24 أبريل 2024 م



الفتوى رقم: ١٠٧٥

الصنف: فتاوى الهدي والأضاحي

في استحبابِ بعث الهدي إلى الحرم
 مِنْ غيرِ اشتراط صُحبة المُهدي له

السؤال:

هل يجوز أَنْ يبعثَ المُقيمُ مِنَ الآفاقِ هديًا إلى الحرَمِ ولو لم يُرِدِ النُّسُكَ؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

فما يُهدى إلى بيتِ اللهِ الحرامِ مِنَ الإبلِ والبقرِ والغنمِ وغيرِها إنَّما يُراد به التَّقرُّبُ إلى اللهِ تعالى بإراقةِ الدِّماءِ في طاعتِه، وتعظيمِ بيتِه الشَّريفِ، والصَّدقةِ على الفقراءِ والمساكينِ، والإحسانِ والتَّوسعةِ على المُنقطِعين لعبادتِه ـ سبحانه وتعالى ـ في البلدِ الحرامِ والمُجاوِرين لبيتِه المُعظَّمِ.

والمُهدي له حالان:

· إمَّا أَنْ يقصدَ النُّسُكَ ويسوقَ الهديَ معه، فيكونُ التَّقليدُ والإشعارُ(١) عند الإحرام؛ لحديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ، ثُمَّ دَعَا بِنَاقَتِهِ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الأَيْمَنِ، وَسَلَتَ الدَّمَ، وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى البَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالحَجِّ»(٢)، وحديثِ المِسْوَرِ ابْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ قَالَا: «خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا أَتَى ذَا الحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ منها بِعُمْرَةٍ»(٣).

· وإمَّا أَنْ يبعثَ بها إلى بيتِ اللهِ الحرامِ ولو لم يصحَبْها المُهْدِي، فيُشْعِرُها ويُقَلِّدُها حتَّى يعرفَها النَّاسُ مُهداةً فيحترمونها ولا يتعرَّضون لها، وذلك مِنْ إظهارِ شعائرِ اللهِ وإراقةِ الدِّماءِ في مَرْضاتِه، ويكون الإشعارُ والتَّقليدُ مِنَ المكانِ الذي هو مُقيمٌ به، ويجوز التَّوكيلُ في سَوْقِها إلى الحرمِ وذبحِها وتفريقِها، ولا يَحْرُمُ عليه بعد البعثِ بها ما يَحْرُم على المُحْرِمِ مِنْ محظوراتِ الإحرامِ؛ لحديثِ عائشةَ رضي الله عنها قالَتْ: «فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيَّ، ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى البَيْتِ وَأَقَامَ بِالمَدِينَةِ، فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حِلًّا»(٤)، وعنها رضي الله عنها ـ أيضًا ـ قالَتْ: «أَهْدَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً إِلَى البَيْتِ غَنَمًا فَقَلَّدَهَا»(٥)؛ وهذا القُرْبانُ مِنْ أفضلِ العباداتِ الماليَّة.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

 

الجزائر في: ٨ من ذي القعدة ١٤٣١ﻫ

الموافق ﻟ: ١٦ أكتوبر ٢٠١٠م

 



(١) التَّقليد مِنَ القلادة، وهي ما يُحاطُ به العنقُ، وقلائدُ الهديِ تُوضَع على خلاف العادة مِنَ الثَّوب والنِّعال وخيوطِ الصُّوف ليُعلَم أنَّها مُهداةٌ فتُحترمَ؛ والإشعار معناه الإعلام، فيكون بكشط جلد البَدَنة حتَّى يسيل الدَّمُ منه، أو بإزالةِ شعرِ أحَدِ جانبَيْ سنام البَدَنة؛ والعباداتُ شعائرُ الله لأنَّها علاماتٌ على طاعته.

(٢) أخرجه مسلمٌ في «الحجِّ» (١٢٤٣).

(٣) أخرجه البخاريُّ في «المغازي» باب غزوة الحُدَيْبِيَة (٤١٧٨).

(٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» بابُ مَنْ أَشعرَ وقلَّد بذي الحُلَيْفة ثمَّ أَحرمَ (١٦٩٦)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٢١).

(٥) أخرجه مسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٢١).