في الاعتراض على عبارةِ: «وَجَب اعتقادُ حقيقته» | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الجمعة 10 شوال 1445 هـ الموافق لـ 19 أبريل 2024 م

قولكم ـ حَفِظكم الله ـ في (ص ٦٨) مِنْ «إمتاع الجليس»: «فالمعلوم أنَّ ما أَثبتَه اللهُ لنفسه في كتابه أو أَثبتَه له رسولُه صلَّى الله عليه وسلَّم وَجَب اعتقادُ حقيقته مِنْ غيرِ تشبيهٍ..»؛ فعبارةُ: «اعتقاد حقيقته» هي... للمزيد

الفتوى رقم: ١٢٠٨

الصنف: فتاوى العقيدة ـ الأسماء والصفات

في الاعتراض على عبارةِ: «وَجَب اعتقادُ حقيقته»

السؤال:

قولكم ـ حَفِظكم الله ـ في (ص ٦٨) مِنْ «إمتاع الجليس»: «فالمعلوم أنَّ ما أَثبتَه اللهُ لنفسه في كتابه أو أَثبتَه له رسولُه صلَّى الله عليه وسلَّم وَجَب اعتقادُ حقيقته مِنْ غيرِ تشبيهٍ..»؛ فعبارةُ: «اعتقاد حقيقته» هي مِنَ الأسباب التي جعلت بعضَ العلماء يحكمون على ابنِ قدامة المقدسيِّ ـ رحمه الله ـ أنه مفوِّضٌ، منهم الشيخ عبد الرزَّاق عفيفي ـ رحمه الله ـ فما رأيكم ـ حَفِظكم الله ـ في هذه المسألة؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فهذه العبارة صحيحةٌ وسالمةٌ مِنْ أيِّ خطإٍ أو غلطٍ، وقد استعملها علماءُ السُّنَّة مِنْ غيرِ نكيرٍ قديمًا وحديثًا؛ ذلك لأنَّ مذهبَ السلفِ في الصِّفات الإلهيَّةِ الثابتةِ في نصوص الكتاب والسُّنَّة: أنهم يُجرونها على ظاهِرِها كما جاءَتْ، مع اعتقادِ حقيقتها على ما يَليقُ بالله تعالى بلا مجازٍ ولا تأويلٍ؛ فهُم لا يكتفون بمُجرَّد الإيمان بالنصوص اللفظيَّة للكتاب والسُّنَّة مِنْ غيرِ اعتقادٍ لحقيقتها وما دلَّتْ عليه مِنْ معنًى، بل لا بُدَّ مِنْ إثباتِ المَعاني التي تدلُّ عليها تلك النصوصُ على حقيقتها ووضعِها اللُّغَويِّ، مع نفي التشبيه والتكييف والتمثيل والتأويل والتحريف والتفويض والتخييل والتجهيل؛ وممَّا يؤكِّد هذا المعنى ما جاء على لسان الشيخ عبد اللطيف بنِ عبد الرحمن بنِ حسن آل الشيخ ـ رحمه الله ـ في «مجموعة الرسائل والمسائل النجديَّة» بما نصُّه: «ومذهب السلف: إثباتُ ما دلَّتْ عليه الآياتُ والأحاديث على الوجه اللَّائق بجلال الله وعظمتِه وكبريائه ومجدِه؛ ومَنْ قال: «تُجرى على ظاهِرِها» وأَنكرَ المعنى المُرادَ كمَنْ يقول في قوله تعالى: ﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ ٥[طه]: إنه بمعنى: استولى، وفي قوله: ﴿لِمَا خَلَقۡتُ بِيَدَيَّ[ص: ٧٥]: إنه بمعنى القدرة، ومع ذلك يقول: تُجرى على ظاهرها، فهذا جاهلٌ مُتناقِضٌ، لم يفهم ما أُريدَ مِنْ قولهم: تُجرى على ظاهرها، ولم يفهم أنَّ الظاهر هو ما دلَّتْ عليه نصًّا أو ظاهرًا في معناه المُراد؛ ولا ينبغي في الإيمانِ الإتيانُ بقولٍ ظاهرٍ يوافق ما كان عليه السلفُ وأهلُ العلمِ مع اعتقادِ نقيضه في الباطن؛ بل هذا عينُ النفاق، وهو مِنْ أفحشِ الكفر في نصوص الكتاب والسُّنَّة؛ والسلفُ وأهلُ العلم والفتوى لا يكتفون بمُجرَّد الإيمان بألفاظ الكتاب والسُّنَّة في الصِّفات مِنْ غيرِ اعتقادٍ لحقيقتها وما دلَّتْ عليه مِنَ المعنى؛ بل لا بُدَّ مِنَ الإيمان بذلك..»(١).

هذا، وممَّنِ استعمل العبارةَ المُعترَض عليها: الحافظُ ابنُ كثير ـ رحمه الله ـ في رسالته: «العقائد»، حيث قال: «فإذا نَطَق الكتابُ العزيز، ووَرَدَتِ الأخبارُ الصحيحة بإثبات السمع والبصر، والعينِ والوجه، والعلمِ والقوَّة، والقدرةِ والعظمة، والمشيئةِ والإرادة، والقولِ والكلام، والرِّضى والسخط، والحُبِّ والبغض، والفرحِ والضحك؛ وَجَب اعتقادُ حقيقته مِنْ غيرِ تشبيهٍ بشيءٍ مِنْ ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، والانتهاءُ إلى ما قالَهُ اللهُ ـ سبحانه وتعالى ـ ورسولُه صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا زيادةَ عليه ولا تكييفَ ولا تحريفَ ولا تبديلَ ولا تغييرَ وإزالةَ لفظٍ عمَّا تعرفه العربُ وتصرفه عليه، والإمساكُ عمَّا سوى ذلك»(٢).

كما ورَدَتْ هذه العبارةُ في «فتاوى اللجنة الدائمة» في جوابٍ عن السؤال الخامس مِنَ الفتوى رقم: (١٧٨٦٧) ما نصُّه: «صفة المشيئة لله تعالى صفةٌ فعليةٌ قديمةُ النوعِ حادثةُ الآحاد؛ والواجبُ في آيات الصفات لله ـ جلَّ وعَلَا ـ مِنَ المشيئة أو غيرِها: إمرارُها كما جاءَتْ مِنْ غيرِ تعرُّضٍ لكيفيَّتها، مع اعتقادِ حقيقتها على ما يَلِيقُ بالله تعالى، مِنْ غيرِ تعطيلٍ ولا تمثيلٍ ولا تأويلٍ ولا تشبيهٍ»(٣).

أمَّا حكم العلماء على ابنِ قدامة ـ رحمه الله ـ بالتفويض فإنما جاء بناءً على عبارته في مُؤلَّفه: «لُمْعة الاعتقاد» وهي: «وكُلُّ ما جاء في القرآن أو صحَّ عن المصطفى عليه السلام مِنْ صفات الرحمن وَجَب الإيمانُ به، وتَلقِّيهِ بالتسليم والقَبول، وتركُ التعرُّض له بالردِّ والتأويل والتشبيهِ والتمثيل؛ وما أَشكلَ مِنْ ذلك وَجَب إثباتُه لفظًا ، وتركُ التعرُّض لِمَعناه، ونَرُدُّ عِلمَه إلى قائله، ونجعل عُهْدتَه على ناقِله»(٤) أو غيرِها مِنَ المواضع(٥)؛ إذ لا يصحُّ تفويضُ المعنى في هذا المَقامِ أو في غيره مِنْ آيات الصفات وأحاديثِها كما تقدَّم ذِكرُه، وليس الإنكارُ على ابنِ قدامة ـ رحمه الله ـ مِنْ جهةِ عبارةِ: «وَجَب الاعتقادُ بحقيقته»؛ إذ هي ثابتةٌ عن علماءِ أهل السُّنَّة كما في النقول السابقة.

وقد حَصَل المطلوبُ، والحمدُ لله ربِّ العالمين.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٥ مِنْ ذي القعدة ١٤٣٩ﻫ
المــــوافـــق ﻟ: ٠٧ أوت ٢٠١٨م



(١) «مجموع الرسائل والمسائل النجديَّة» (٣/ ٣٤٦).

(٢) مخطوط (ق ٤/ ٢) نقلًا عن «علاقة الإثبات والتفويض بصفات ربِّ العالمين» للدكتور رضا نعمان معطي (ص ٨٢).

(٣) «فتاوى اللجنة الدائمة» (المجموعة الثانية) جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزَّاق الدويش (٢/ ٤٢٠).

(٤) «لُمْعة الاعتقاد» لابن قدامة (١ ـ ٢).

(٥) «ذم التأويل» لابن قدامة (١١، ٢٧).