في حكم تخصيصِ شهرِ رجبٍ بختم القرآن | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الجمعة 10 شوال 1445 هـ الموافق لـ 19 أبريل 2024 م

الفتوى رقم: ١٢٧٨

الصنف: فتاوى القرآن وعلومه

في حكم تخصيصِ شهرِ رجبٍ بختم القرآن

السؤال:

أَرشدَتْ معلِّمةُ القرآن طالباتِها إلى ختم القرآن في شهرِ رجبٍ بخصوصه، متحجِّجةً بأنه شهرٌ له فضلٌ كبيرٌ، فنَوَدُّ توضيحًا بخصوصِ ختمة القرآن في شهر رجب، وهل له مزيَّةٌ على غيره مِنَ الشهور؟ وهل تُضاعَفُ فيه الأجورُ؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فشهرُ رجبٍ هو الشَّهر الرابع مِنَ الأشهُرِ الحُرُم، وهو الشَّهر السَّابع مِنْ شهور السَّنَة ما بَين جُمادى وشَعبان مِنْ جهة التَّرتيبِ، ولم يَصِحَّ في فضلهِ وصيامهِ بخصوصهِ حديثٌ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وإنَّما الأحاديث الواردةُ في فضله وصيامِه دائرةٌ بين ضعيفٍ وموضوعٍ كما قال ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: «وأمَّا الأحاديث الواردةُ في فضلِ رجبٍ، أو فضلِ صيامه أو صيامِ شيءٍ منه صريحةً، فهي على قسمين: ضعيفةٍ، وموضوعةٍ»(١)؛ وقال ـ أيضًا ـ: «لم يَرِدْ في فضلِ شهرِ رجبٍ، ولا في صيامِه ولا في صيامِ شيءٍ منه مُعيِّنٍ، ولا في قيامِ ليلةٍ مخصوصةٍ فيه حديثٌ صحيحٌ يصلح للحُجَّة»(٢)، بل ورَدَتْ آثارٌ عن بعضِ الصَّحابةِ رضي الله عنهم في كراهة تعظيمِ رجبٍ بصيامٍ أو غيرِه؛ والنَّهي عنه، منها حديثُ خَرَشَةَ بنِ الحُرِّ قال: «رَأَيْتُ عُمَرَ يَضْرِبُ أَكُفَّ النَّاسِ فِي رَجَبٍ، حَتَّى يَضَعُوهَا فِي الجِفَانِ، وَيَقُولُ: كُلُوا، فَإِنَّمَا هُوَ شَهْرٌ كَانَ يُعَظِّمُهُ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ»(٣)،  وعن ابنِ عمر رضي الله عنهما أنه كَانَ «إِذَا رَأَى النَّاسَ وَمَا يُعِدُّونَ لِرَجَبٍ كَرِهَ ذَلِكَ»(٤)، كما صحَّ عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه كان «يَنْهَى عَنْ صِيَامِ رَجَبٍ كُلِّهِ لِأَنْ لَا يُتَّخَذَ عِيدًا»(٥)، وقد ثبَتَ عن بعضهم أنَّ تعظيمَ رجبٍ مِنْ عمل أهل الجاهليَّة كما تقدَّم عن عمر رضي الله عنه، فمَنْ عظَّمه فقَدْ تَشبَّه بهم واقتدى.

لذلك كان حريًّا بالمسلم الْتِزامُ شرعِ الله بعدمِ اعتقادِ فضلِ شهرِ رجبٍ أو البَرَكةِ ومضاعفةِ الأجرِ فيه، لعدم انتهاضِ الأحاديثِ الواردة في فضل رجبٍ للاحتجاج، بل يُعَدُّ هذا الشهرُ كسائر شهور السَّنَةِ التي لم يَرِدْ في شأنها تفضيلٌ ولا بَرَكةٌ ولا زيادةُ أجورٍ، كما ينبغي عليه تركُ تعظيمِ شهرِ رجبٍ بتخصيصه بأيِّ عبادةٍ مِنَ العبادات، سواءٌ كانت صلاةً أو صيامًا أو قراءةَ قرآنٍ أو ذِكرًا ونحوَ ذلك، واجتنابُ الأمورِ المُحدَثة فيه، لأنَّ «شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ»(٦).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٠٧ رجب ١٤٤٣ﻫ
المـوافـق ﻟ: ٠٨ فبراير ٢٠٢٢م



(١) «تبيين العجب بما ورَدَ في فضل رجب» لابن حجر (٣٣).

(٢) المرجع السابق (٢٣).

(٣) أخرجه ابنُ أبي شيبة في «المصنَّف» (٢/ ٣٤٥)، وصحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (٤/ ١١٣).

(٤) أخرجه ابنُ أبي شيبة في «المصنَّف» (٢/ ٣٤٥)، وصحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (٤/ ١١٤).

(٥) أخرجه عبد الرزَّاق في «مصنَّفه» (٤/ ٢٩٢)، قال ابنُ حجرٍ في «تبيين العجب»: «وهذا إسنادٌ صحيحٌ».

(٦) أخرجه النَّسائيُّ في «صلاة العيدين» باب: كيف الخُطبةُ؟ (١٥٧٨) مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (١٣٥٣).