في ضمان المُتسبِّب في قتل الخطإ بالقارب | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الجمعة 10 شوال 1445 هـ الموافق لـ 19 أبريل 2024 م

الفتوى رقم: ١٢٩٣

الصنف: فتاوى الحدود والدِّيَات ـ الدِّيَات

في ضمان المُتسبِّب في قتل الخطإ بالقارب

السؤال:

أنا أعمل رُبَّانَ قاربٍ في حرَسِ السَّواحل، وكثيرًا ما نتدخَّل لإيقاف الشباب الذين يهربون إلى بلاد الكفر على متن الزوارق؛ وفي إحدى التَّدخُّلات لإيقافِ بعض الشَّبَبَة، وبعدما تمَّ نُصحُهم مرَّتين ومطالبتُهم بتسليمِ أنفُسِهم، رفضوا ذلك وحاولوا الهروبَ؛ فاضطُرِرْنا إلى المطاردة التي قُمْتُ خلالَها بتَجاوُزِ الزورق؛ الشيءُ الذي أدَّى إلى تَشَكُّل أمواجٍ انقلب الزورقُ بسببها؛ لكون القارب الذي أقوده أكبرَ بكثيرٍ مِنَ الزورق، ثمَّ قُمْنَا بإسعاف الشباب الذين كانوا على بُعدِ أمتارٍ فقط مِنَ القارب، غير أنَّهم أخبرونا ـ بعد صعودهم إلى القارب ـ أنَّه كان معهم شابَّان لا يُتقِنان السِّباحةَ وقد غَرِقَا، فبحَثْنا عنهما ولكِنْ دون جدوَى؛ شيخَنا: هل يترتَّب عليَّ ضمانُ هاتين النفسين؟ مع العلم أنَّ هذا التجاوزَ ـ في الغالب ـ لا يكون خطيرًا، ولكنَّني كنتُ أَعلمُ أنَّ الزورق سينقلب، كما أنَّ مصلحةَ حرَسِ السواحل التي أعمل فيها لا تضمن هذه الحوادثَ، بل تُجرِّم الفارِّين بهذه الكيفيَّة؛ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالظاهر أنَّ صاحِبَ القاربِ مُتسبِّبٌ في قتلِ الخطإ، بِغضِّ النَّظر عن الإثم الذي هو مَنوطٌ بالتَّعمُّد حقيقةً، فإِنْ وُجِد التَّعمُّدُ وُجِدَ الإثمُ وإلَّا فلا؛ والمُتسبِّبُ إنَّما يضمنُ بالتَّعدِّي بخلاف المُباشرِ فإنَّه يضمنُ في كُلِّ الأحوالِ.

هذا، ولو أنَّ سائقَ قاربِ حرَسِ السَّواحل اكتفى بالمطاردةِ فقط دون التَّجاوزِ لَمَا اعتُبِر متعدِّيًا، ولا ضمانَ عليه جريًا على قاعدةِ: «الجوازُ يُنافي الضَّمانَ»، لأنَّ الاعتداء لا يتحقَّقُ مع الجوازِ الشَّرعيِّ، فحيثما وُجِد الجوازُ انتفى الاعتداءُ، فانتفى الضَّمانُ لانتفائه.

ولكنَّه لمَّا تجاوزَ الزَّورقَ وأَحدثَ تلك الأمواجَ التي كانت سببًا لانقلاب الزَّورقِ وموتِ الشَّابَّين بالنَّظر إلى الفرق الشَّاسع بين حجم المركبتين، كان السَّائق مُتعدِّيًا ولَزِمه الضَّمانُ وهو: صيامُ شهرين متتابعين عن كُلِّ نفسٍ أُزهِقَتْ حقًّا لله، والدِّيَةُ لحقِّ العبد.

وأمَّا الدِّيَة فهي ـ في الأصل ـ تجب على مؤسَّسةِ حراسة السَّواحل، فإِنْ كانت هذه الأخيرةُ لا تضمن مِثلَ هذه الحوادثِ لأنَّه يُعَدُّ ـ عندهم ـ سفرًا غيرَ قانونيٍّ، فإنَّ حقَّ الرَّجُلين المَقتولَين خطأً لا يسقط بل يبقى قائمًا، ويدفعه السَّائقُ بنفسِه، بحَسَبِ قُدرتهِ المَاليَّة على ما يَصطلِحُ عليه مع أولياءِ كُلٍّ منهما ـ وهم ورثَتُه ـ فإِنْ عَفَا أولياءُ أحَدِهما أو كِلَيْهما عن الدِّيَةِ سَقطَتْ عنه، أو عن جُزءٍ منها بَرِئت ذِمَّتُه بدفعِ ما يتبقَّى منها يُؤدِّيها إليهم دُفعةً أو مُقسَّطةً ـ  بحَسَبِ حالِه ـ بغير مُماطلةٍ ولا بَخسٍ، ولا إساءةٍ فعليَّةٍ أو قوليَّةٍ، وذلك مِنْ بابِ الإحسانِ: فهل جزاءُ الإحسانِ إليه بالعفوِ عن الدِّيةِ كُلِّيًّا أو جزئيًّا، إلَّا الإحسانُ إليهم بحُسنِ القضاءِ.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٥ جمادى الأولى ١٤٤٣هـ
الموافق ﻟ: ٢٩ ديســــمبـــر ٢٠٢١م