في حكم الصلاة في مسجدٍ بُنِيَ على أرضٍ انْتُزِعَتْ مِن صاحِبِها جبرًا | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الخميس 16 شوال 1445 هـ الموافق لـ 25 أبريل 2024 م

الفتوى رقم: ١٤١

الصنف: فتاوى الصلاة - المساجد

في حكم الصلاة في مسجدٍ
بُنِيَ على أرضٍ انْتُزِعَتْ مِن صاحِبِها جبرًا

السؤال:

هل تصحُّ الصلاةُ في مسجدٍ بُنِيَ على أرضٍ انتُزِعَتْ مِن صاحِبِها جَبْرًا مِن غيرِ رِضاه، عِلْمًا أَنَّ جماعةَ المسجدِ عَوَّضوه بأرضٍ أخرى ومالٍ، لكنَّه أبَى أن يأخذ التعويضَ وأصرَّ على أن يستعيدَ أرضَه؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:

فينبغي أن يُعْلَم أنَّ المالك مُسلَّطٌ على مِلْكه، وله حقُّ التصرُّفِ فيه والانتفاعِ في حدود المشروع؛ ذلك لأنَّ أصول الشريعةِ تحترم الملكيةَ الخاصَّة وتَرْعاها وتَصونُها مِن أيِّ اعتداءٍ، وهذا أمرٌ معلومٌ مِن الدِّين بالضرورة، ولا يخفى أنَّ حِفْظَ المالِ أَحَدُ الضروريات الخمس، ومع ذلك ـ وفي حالةِ تَعَارُضها مع المصلحة العامَّة ـ فإنَّه يجوز نَزْعُ ملكيةِ العَقَار مِن صاحِبِه للنفع العامِّ، وهو ما تشهد له السُّنَّةُ وعَمَلُ الصحابةِ رضي الله عنهم ومَن بَعْدَهم، ولا يُشترط فيه رضا المالك، وإنَّما هو عَقْدٌ جَبْرِيٌّ يُجْرِيه وليُّ الأمرِ أو نائبُه في ذلك المَجال ويُتِمُّه بناءً على الضرورة أو المصلحة العامَّةِ: كتوسيعِ مسجدٍ، أو صلاحيةِ بنائه في ذلك المكان، أو شَقِّ طريقٍ أو توسيعِها، أو إقامةِ جسرٍ، أو توسيعِ مقبرةٍ وما إلى ذلك. على أن يُقابَلَ نَزْعُ الملكيةِ بتعويضٍ فوريٍّ وعادلٍ، وأن لا يُعَجَّلَ نَزْعُ الملكيةِ قبل أوانه، وأن لا يكون مَصِيرُ الملكيةِ المنزوعةِ إلى توظيفها في الاستثمار العامِّ أو الخاصِّ؛ وهذه الشروطُ إن رُوعِيَتْ جاز على ضوئها نَزْعُ الملكيةِ للمنفعة العامَّة، وإلَّا فإنَّ اختلالَ بعضِ الشروط أو كُلِّها يجعله مِن الظُّلم والتعدِّي والغصبِ المحرَّمِ شرعًا؛ وإنَّما جاز ذلك عملًا بالقواعد الشرعيةِ العامَّةِ في رعايةِ المَصالِحِ وتنزيلِ الحاجةِ العامَّةِ منزلةَ الضرورة؛ لأنَّ الأمر إذا دارَ بين ضرَرَيْن أحَدُهما أَشَدُّ مِن الآخَرِ فيُتحمَّل الضررُ الأخفُّ، ولا يُرْتَكب الضررُ الأشدُّ.

وهذه القواعدُ الواردةُ في هذا الشأنِ ـ وإن اختلفَتْ ألفاظُها ـ فهي مُتَّحِدَةٌ في المفهوم والمعنى منها:

ـ قاعدةُ: «يُتَحَمَّلُ الضَّرَرُ الخَاصُّ لِدَفْعِ ضَرَرٍ عَامٍّ».

ـ وقاعدةُ: «إِذَا اجْتَمَعَ ضَرَرَانِ أُسْقِطَ الأَصْغَرُ لِلْأَكْبَرِ».

ـ وقاعدةُ: «الضَّرَرُ الأَشَدُّ يُزَالُ بِالضَّرَرِ الأَخَفِّ».

ـ وقاعدةُ: «يُخْتَارُ أَهْوَنُ الشَّرَّيْنِ، أَوْ أَخَفُّ الضَّرَرَيْنِ».

ـ وقاعدةُ: «يُدْفَعُ الضَّرَرُ الأَعَمُّ بِارْتِكَابِ الضَّرَرِ الأَخَصِّ».

وغيرُها مِن القواعد التي تَصُبُّ في هذا المعنى.

هذا، وإذا تقرَّر جوازُ نَزْعِ الملكية للمصلحة العامَّةِ في حقِّ مَن كان صاحِبَ العَقَارِ ومالِكَه فإنَّ غيرَ المالكِ لا يُسْأَلُ عنه وقولُه مُهْمَلٌ؛ إذ لا حقَّ له في أرضٍ لا يملكها ولا يَسَعُه التصرُّفُ فيها ولا يمكنه الانتفاعُ بها بأيِّ وجهٍ مِن الوجوه، ولو وَضَعَ يدَه عليها ثمَّ مَلَكَها لَجاز نَزْعُ ملكيَّته لها للمصلحةِ العامَّةِ وَفْقَ الشروطِ والضوابطِ الشرعية السالفةِ البيان.

وعليه فإنَّ الصلاة جائزةٌ مِن غيرِ كراهةٍ في المسجد الذي بُنِيَ على أرضٍ مُنْتَزَعةٍ مِن صاحِبِها قَهْرًا للمصلحةِ العامَّةِ المتحقِّقةِ الشروط، وهي أَوْلَى مِن المصلحة الخاصَّة ـ كما تقدَّم ـ.

والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٧ من ذي الحجَّة ١٤٢٢ﻫ
الموافق ﻟ: ١ مارس ٢٠٠٢م