في الفرق بين الرسول والنبيِّ | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الجمعة 10 شوال 1445 هـ الموافق لـ 19 أبريل 2024 م

الفتوى رقم: ٢٦

الصنف: فتاوى العقيدة - أركان الإيمان - الرسل

في الفرق بين الرسول والنبيِّ

السؤال:

قرَأْتُ في كتابٍ أنَّ الرسولَ هو: الذي أُوحِيَ إليه بشرعٍ ولم يُؤْمَرْ بتبليغه، وقرَأْتُ في كتابٍ آخَرَ أنَّ هذا التعريفَ غيرُ صحيحٍ؛ لأنه لو كان صحيحًا لَمَا لام موسى هارونَ عليهما السلام؛ فما هو الفرقُ بين الرسول والنبيِّ؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فإنَّ لفظَ «النبوَّة» و«الرسالة» مُختلِفان في أصل الوضع: فالرسول ـ في اللغة ـ مُشتَقٌّ مِنَ الإرسال، ومعناه: البعثُ والتوجيه والإطلاق والامتداد، يقال: «أرسَلْتُ فلانًا في رسالةٍ» أي: بعَثْتُه، فهو مُرْسَلٌ ورسولٌ، قال تعالى ـ حاكيًا قولَ بلقيس ـ: ﴿وَإِنِّي مُرۡسِلَةٌ إِلَيۡهِم بِهَدِيَّةٖ فَنَاظِرَةُۢ بِمَ يَرۡجِعُ ٱلۡمُرۡسَلُونَ ٣٥[النمل]، ويُجْمَعُ «الرسولُ» على «أَرْسُلٍ» و«رُسُلٍ» و«رُسَلاءَ»، وإنما سُمُّوا بذلك لأنهم موجَّهون مِنَ الله تعالى ومبعوثون برسالةٍ معيَّنةٍ لتبليغِ وحيِه وشرعِه وأوامِرِه لخَلْقِه؛ فهُمْ مكلَّفون بحمل الرسالة وتبليغها ومتابَعتِها، قال تعالى: ﴿لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ[الحديد: ٢٥]، وقال تعالى: ﴿ثُمَّ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا تَتۡرَا[المؤمنون: ٤٤](١).

أمَّا النبِيءُ ـ في اللغة ـ فمُشتَقٌّ مِنَ النبإ وهو الخبرُ، كما قال تعالى: ﴿عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ ١ عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِيمِ ٢[النبأ]، أو هو مُشتَقٌّ مِنَ النَّبْوَة أو النَّبَاوة، وهي الارتفاع عن الأرض، كما يُطْلَقُ النبيُّ ـ بدون همزٍ ـ على الطريق، وكُلُّ هذه المعاني اللغويةِ ـ مِنْ حيث مناسَبتُها ـ مُوافِقةٌ للمعنى الشرعيِّ للنبوَّة؛ لأنها إخبارٌ عن الله تعالى، وهي مَقامٌ رفيعٌ ومكانةٌ عاليةٌ مُنيفةٌ لصاحِبِها، وهي طريقٌ مُوصِلٌ إليه ـ سبحانه وتعالى ـ(٢).

هذا، وقد اختلف أهلُ العلم في الفرق بين الرسول والنبيِّ بسببِ اختلاف ضَبْطِهم للتعريف الاصطلاحيِّ لكُلٍّ منهما، والشائعُ المشتهر ـ عند العلماء ـ: أنَّ الرسول هو: مَنْ أُوحِيَ إليه بشرعٍ وأُمِرَ بتبليغه، والنبيَّ هو: مَنْ أُوحِيَ إليه بشرعٍ ولم يُؤْمَرْ بتبليغه(٣).

والظاهر أنَّ على هذا التعريفِ مآخِذَ منها:

ـ أنَّ مِنَ المعلوم أنَّ كُلًّا مِنَ الرسول والنبيِّ أرسلهما اللهُ تعالى، والإرسالُ يقتضي التبليغَ؛ فالنبيُّ: الذي ينبئه اللهُ وهو ينبئ الناسَ بما أنبأه اللهُ به مِنْ شَرْعِه وأَمْرِه ونهيِه؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٖ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّآ إِذَا تَمَنَّىٰٓ أَلۡقَى ٱلشَّيۡطَٰنُ فِيٓ أُمۡنِيَّتِهِۦ[الحج: ٥٢]؛ ففي الآية: دليلٌ على أنَّ النبيَّ مُرْسَلٌ، ولا يُسمَّى رسولًا عند الإطلاق؛ لأنه يَعمل بشريعةِ مَنْ قَبْله ولم يُرْسَلْ إلى قومٍ بما لا يعرفونه ليبلِّغَ رسالةَ الله إليهم؛ فهو نبيٌّ وليس برسولٍ(٤).

ـ أنَّ النبيَّ مأمورٌ بالبلاغ، ولا يجوز له أَنْ يكتم وحيَ الله تعالى؛ لأنَّ في كتمانِ ما أَنْزَلَ اللهُ مُضادَّةً لأمرِ الله تعالى ومُشاقَّةً له، وتنزيهُ مَقامِ النبيِّ عن ذلك حتمٌ لازمٌ، ويدلُّ على ذلك قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ، وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ»(٥).

وهذا يدلُّ على أنَّ الأنبياء مأمورون بتبليغ الناس ما أنبأهم اللهُ به مِنَ الخبر والأمر والنهي، وهُمْ متفاوِتون في الاستجابة لهم.

قال الشنقيطيُّ ـ رحمه الله ـ ما نصُّه: «وآية الحجِّ هذه تبيِّنُ أنَّ ما اشتهر على ألسنةِ أهل العلم مِنْ «أنَّ النبيَّ هو: مَنْ أُوحِيَ إليه وحيٌ ولم يُؤْمَرْ بتبليغه، وأنَّ الرسول هو: النبيُّ الذي أُوحِيَ إليه وأُمِرَ بتبليغِ ما أُوحِيَ إليه» غيرُ صحيح؛ لأنَّ قوله تعالى: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٖ وَلَا نَبِيٍّ﴾ الآية [الحج:  ٥٢] يدلُّ على أنَّ كُلًّا منهما مُرْسَلٌ، وأنهما ـ مع ذلك ـ بينهما تغايرٌ.

واستظهر بعضُهم أنَّ النبيَّ الذي هو رسولٌ: أُنْزِلَ إليه كتابٌ وشرعٌ مُستقِلٌّ مع المعجزة التي ثبتَتْ بها نُبوَّتُه، وأنَّ النبيَّ المُرْسَلَ الذي هو غيرُ الرسول هو: مَنْ لم ينزل عليه كتابٌ، وإنما أُوحِيَ إليه أَنْ يدعوَ الناسَ إلى شريعةِ رسولٍ قبله كأنبياءِ بني إسرائيل الذين كانوا يُرْسَلون ويُؤْمَرون بالعمل بما في التوراة، كما بيَّنه تعالى بقوله: ﴿يَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسۡلَمُواْ[المائدة: ٤٤]»(٦).

فوجهُ الفرق بينهما ـ إذَنْ ـ هو: أنَّ الرسول: نبيٌّ أُوحِيَ إليه شرعٌ مُستقِلٌّ، والنبيَّ: مُرْسَلٌ بُعِثَ لتقريرِ شرعِ مَنْ قبله؛ فيكون بينهما عمومٌ وخصوصٌ مطلقًا؛ «فالنبوَّةُ داخلةٌ في الرسالة، والرسالةُ أعَمُّ مِنْ جهةِ نفسها وأخَصُّ مِنْ جهةِ أهلها؛ فكُلُّ رسولٍ نبيٌّ وليس كُلُّ نبيٍّ رسولًا؛ فالأنبياءُ أعَمُّ، والنبوَّةُ نفسُها جزءٌ مِنَ الرسالة؛ فالرسالةُ تتناوَلُ النبوَّةَ وغيرَها، بخلاف النبوَّة فإنها لا تتناول الرسالةَ»(٧).

هذا، وهارونُ عليه السلام بَعَثه اللهُ تعالى رسولًا إلى بني إسرائيل، وجَعَله وزيرًا لأخيه موسى عليه السلام؛ ليكون له رِدْءًا ومُعينًا له في تبليغِ دعوته إلى فرعونَ وهامانَ وقارون؛ لِمَا يتمتَّعُ به هارونُ عليه السلام مِنْ فصاحةِ اللسان وقوَّةِ الجَنان وصدقٍ في البيان، كما قال تعالى ـ حكايةً عن قول موسى عليه السلام ـ: ﴿وَٱجۡعَل لِّي وَزِيرٗا مِّنۡ أَهۡلِي ٢٩ هَٰرُونَ أَخِي ٣٠ ٱشۡدُدۡ بِهِۦٓ أَزۡرِي ٣١ وَأَشۡرِكۡهُ فِيٓ أَمۡرِي ٣٢[طه]، وقال تعالى: ﴿وَأَخِي هَٰرُونُ هُوَ أَفۡصَحُ مِنِّي لِسَانٗا فَأَرۡسِلۡهُ مَعِيَ رِدۡءٗا يُصَدِّقُنِيٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ٣٤[القَصص]؛ فاستجاب اللهُ دُعاءَ موسى عليه السلام؛ فوَهَب له هارونَ عليه السلام وأعطاه النبوَّةَ رحمةً مِنَ الله تعالى؛ ﴿وَوَهَبۡنَا لَهُۥ مِن رَّحۡمَتِنَآ أَخَاهُ هَٰرُونَ نَبِيّٗا ٥٣[مريم]، فالحاصلُ أنَّ موسى وهارون عليهما السلام كانا رسولين إلى بني إسرائيل؛ لقوله تعالى: ﴿فَأۡتِيَاهُ فَقُولَآ إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرۡسِلۡ مَعَنَا بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَلَا تُعَذِّبۡهُمۡ[طه: ٤٧]، وبناءً عليه، فإذا ذُكِرَتْ دعوةُ موسى عليه السلام ذُكِرَتْ معها دعوةُ هارون عليه السلام، وإِنْ كان موسى عليه السلام أعظمَ شأنًا وأفضلَ منزلةً مِنْ شقيقه، فهُمَا أُرْسِلَا معًا إلى مَنْ خالف أَمْرَ اللهِ ليُبْلِغاهُ رسالةَ الله إليه؛ فإنَّ هذا هو معنَى الرسولِ المطلق الذي أَمَره اللهُ تعالى بتبليغ رسالته وشرعِه المُستقِلِّ إلى مَنْ خالف اللهَ سبحانه وتعالى.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٥ شعبان ١٤٢٦ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٩ سبتمبر ٢٠٠٥م

 



(١) انظر: «المُفْرَدات» للراغب (٢٠٠)، «لسان العرب» لابن منظور (٥/ ٢١٣)، «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (١٣٠٠).

(٢) انظر: «غريب الحديث» للخطَّابي (٣/ ١٩٣)، «مقاييس اللغة» لابن فارس (٥/ ٣٨٤)، «لسان العرب» لابن منظور (١٤/ ٨).

(٣) انظر: «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العزِّ (١٦٧)، «لوامع الأنوار البهيَّة» للسفاريني (١/ ٤٩).

(٤) انظر: «النبوَّات» لابن تيمية (٢/ ٧١٤).

(٥) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الطبِّ» بابُ مَنِ اكتوى أو كوى غيرَه وفضلِ مَنْ لم يكتوِ (٥٧٠٥)، وبابُ مَنْ لم يَرْقِ (٥٧٥٢)، ومسلمٌ في «الإيمان» (٢٢٠)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

(٦) «أضواء البيان» للشنقيطي (٥/ ٧٣٥).

(٧) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٧/ ١٠)، وانظر: «تفسير الألوسي» (١٧/ ١٥٧)، «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العزِّ (١٦٧)، «لوامع الأنوار» للسفاريني (١/ ٤٩).