في حكم العمل في مؤسَّساتٍ إداريةٍ ذات مَوارِدَ محرَّمة | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
السبت 11 شوال 1445 هـ الموافق لـ 20 أبريل 2024 م



الفتوى رقم: ٤٨٦

الصنف: فتاوى المعاملات المالية - الإجارة

في حكم العمل في مؤسَّساتٍ إداريةٍ ذات مَوارِدَ محرَّمة

السؤال:

ما حكم العمل في المؤسَّسات الإدراية إذا كانت مَوارِدُ ميزانيتها مِن المكوس وغيرِها مِن الأموال المحرَّمة؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:

فالموظَّف في المؤسَّسات الإدارية للدولة أو غيرها التابعة لها يُقدِّم ـ في حدِّ ذاته ـ عملاً مشروعًا ومُباحًا، ومِن هنا كان الفرقُ ظاهرًا مع الموظَّف في مؤسَّساتٍ إداريةٍ كُلُّ مَوارِدِها محرَّمةٌ، أو أصلُ تأسيسها على محرَّمٍ كالإقراض الربويِّ في المؤسَّسات المالية، أعني: البنوك بالدرجة الأولى؛ لأنَّ الموظَّف فيها يُقدِّم عملاًَ محرَّمًا في ذاته، فهو إِنْ لم يكن كاتبًا للرِّبَا يكون شاهدًا عليه، وقد جاء في الحديث: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ»، وقال: «هُمْ سَوَاءٌ»(١)، ويُلْحَقُ بهذا النوع الموظَّفون في الضرائب والمكوس ونحوها، لكنَّ المصدر الماليَّ لهذه المؤسَّسات الحكومية مُخْتَلِطٌ بين الحلال والحرام، لأنَّه عادةً ما تكون أموال الخزينة ممَّا تحصِّلها الدولةُ مِن الضرائب والمكوس والفوائد الربوية والملاهي المحرَّمة والقمار وغيرها، فباذلُ المالِ فيها غيرُ مخصوصٍ؛ لذلك لا يمنع هذا الاختلاطُ مِن استيفاء الديون والتكسُّب الوظيفيِّ؛ إذ لا يُحْكَم على الموظَّف بأنَّه آخِذٌ للمال الحرام بسبب اختلاطه، وقد عُلِمَ في زمن الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم والخلفاءِ الراشدين مِن بعده أنَّ أثمان الخمور ودراهمَ الرِّبَا والغلول المُخْتَلِطَة بأموال الناس قد كانت تُجْعَل في خزانة بيت المال، وقد كان العُمَّالُ يأخذون رواتبهم مِن بيت المال، وقد أدرك الصحابةُ رضي الله عنهم نَهْبَ المدينة في عصر يزيد بنِ معاوية وتصرُّفَ الظَّلَمَة، ولم يقل أحَدٌ بمنع التعامل، ولو فعلوا ذلك لَانْسَدَّ بابُ جميعِ التصرُّفات ولَحَصَلَ للأمَّةِ ضيقٌ شديدٌ وحَرَجٌ عظيمٌ، وما دام أنه مِن المُحال أن تَصْفُوَ خزانةُ الدولة مِن المال الحرام، والمالُ الحرامُ مالٌ عامٌّ؛ فإذا لم يُعلم صاحِبُه فمَآلُه إلى بيت مال المسلمين لينفقه على المَرافِقِ العامَّة، وأهلُ الوظائف بالمَرافِقِ العامَّة يَسْتَحِقُّونها بناءً على مشروعية عَمَلِهم في الأصل. وعليه فلا يَسَعُ القولُ بحرمةِ الرواتب المأخوذة مِن العمل في المؤسَّسات الحكومية ما لم يكن المُباشِرُ فيها يعمل عملاً غيرَ مشروعٍ في ذاته، لثبوت حقِّ الموظَّف في ذمَّةِ الدولة لا في عين المال المحرَّم.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٠ جمادى الثانية ١٤٢٧ﻫ
الموافـق ﻟ: ١٧ جويلية ٢٠٠٦م


(١) أخرجه مسلمٌ في «المساقاة» (١٥٩٨) مِن حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.