في حكم أكل ما يُجلب من مطبخ مؤسَّسةٍ بدون إذن المسئول عنها | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الخميس 9 شوال 1445 هـ الموافق لـ 18 أبريل 2024 م

الفتوى رقم: ٥٢٥

الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأطعمة

في حكم أكل ما يُجلب من مطبخ مؤسَّسةٍ بدون إذن المسئول عنها

السؤال:

أختٌ تسأل عن والدها الذي يعمل في مطبخ مؤسَّسةٍ، ويحضر لهم أكلاً بترخيصٍ من رئيس المطبخ دون علم المدير. فهل يجوز لها أن تأكل ممَّا يحضره أبوها؟

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:

فلا يجوز للمؤتمَن على أموال الغير أن يتصرَّف فيها وفق مصلحته، ومن دون إذن أصحابها؛ لأنَّ ذلك الفعل معدودٌ من أكل أموال الناس بالباطل، وقد ورد في ذلك النهيُ في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [البقرة: ١٨٨]، وقولِه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ»(١)، وقولِه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»(٢)، والأحاديثُ كثيرةٌ تصبُّ في هذا المعنى، وقد ثبت عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ»(٣)، ولا يخفى على علم كلِّ مسلمٍ مطيعٍ أنَّ الأمانة هي من أهمِّ الطاعات، فقد وردت الآياتُ في هذا الشأن منها قولُه تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً [الأحزاب: ٧٢]، وقولُه تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء: ٥٨]، ولا ينبغي لهذا الوليِّ أن يطيع مسئولَه في التعاون معه على الإخلال بالأمانة التي وُكِلَتْ إليه؛ لأنه تعاونٌ على الإثم والعدوان، وإنما يصحُّ له أن يأخذ -من المطعم الذي هو مؤتمَنٌ عليه- الطعامَ المتروك الذي يكون مآلُه القمامةَ إذا صلح أكلُه، ففي هذه الحال يؤجر إذا أخذه أو أطعمه ناسًا محتاجين إليه إذا صَفَتْ نيَّتُه في ذلك؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ينهى عن إضاعة المال، وجحودُ النعمة بإتلافها ليس من شكر المُنْعِمِ، فإن تولَّى أخْذَها قبل أن تُرمى، وأعان بها المحتاجين والجائعين فإنه يُؤجَر على صنيعه هذا، سواءٌ أطعم به أسرتَه أو أُسَرًا أخرى.

هذا، وإذا كان وليُّ أمرِ البنت يأتي بالموادِّ التي لا تزال صالحةً للأكل إلى البيت، فإنه لا يجوز لها أن تأكل ممَّا يجلبه لهم، وتتحرَّى في إطعام نفسها الحلالَ دون الحرام والمشبوه، لكن إذا كانت قارَّةً في بيتها ولم يكن لها في البيت سوى ذلك الطعامُ واحتاجت حاجةً أكيدةً إليه لقِوَامِ بدنها؛ فلا يجوز لها أن تأخذ منه إلاَّ مقدارَ ما تقيم به بدنها عملاً بقاعدة: «الضَّرُورَاتُ تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا».

والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.

 

الجزائر في: ٩ ربيع الأوَّل ١٤٢٧ﻫ
الموافق ﻟ: ٦ أفريل ٢٠٠٦م

 


(١) أخرجه مسلم في «البر والصلة والآداب» (٢٥٦٤) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(٢) أخرجه أحمد (٢٠٦٩٥)، والبيهقي (١١٥٤٥)، من حديث حنيفة الرقاشي رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «صحيح الجامع» (٧٦٦٢).

(٣) أخرجه أبو داود في «الإجارة» بابٌ في الرجل يأخذ حقَّه مَنْ تحت يده (٣٥٣٥)، والترمذي في «البيوع» (١٢٦٤)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال السخاوي في «المقاصد الحسنة» (١/ ١٧): «قال ابن ماجه: وله طرقٌ ستَّةٌ كلُّها ضعيفةٌ، قلت: لكن بانضمامها يقوى الحديث». والحديث صحَّحه الألباني في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (٤٢٣).