فيمَنْ لم يُدْرِكْ صلاةَ الجمعة لعذرٍ | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الخميس 9 شوال 1445 هـ الموافق لـ 18 أبريل 2024 م



الفتوى رقم: ٧٠

الصنف: فتاوى الصلاة - الجمعة

فيمَنْ لم يُدْرِكْ صلاةَ الجمعة لعذرٍ

السؤال:

انقطع التيَّار الكهربائيُّ في مسجدٍ ـ وهُمْ في صلاة الجمعة ـ فلم تسمعِ النساءُ خُطْبةَ الجمعة ولا الصلاةَ، فهل يُصلِّينَها ظهرًا: أربعَ ركعاتٍ، أم ركعتين؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالواجب على مَنْ لم يُدْرِكِ الجمعةَ ـ لعذرٍ ـ أَنْ يُصلِّيَها ظهرًا أربعَ ركعاتٍ ما لم يكن مُسافِرًا وأراد صلاةَ الجمعةِ ولم يُدْرِكها فإنه يصلِّي الظهرَ ركعتين؛ لِمَا ثَبَتَ مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ»(١)؛ فإنه يدلُّ بالمفهوم على أنَّ مَنْ لم يُدْرِكْ ركعةً فقَدْ فاتَتْه الجمعةُ ووَجَبَ ـ في حقِّه ـ الظهرُ، ويُؤيِّدُه قولُ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه: «مَنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَتَانِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا»(٢)، وقولُ ابنِ عمر رضي الله عنهما: «إِذَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ رَكْعَةً صَلَّى إِلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى، فَإِنْ وَجَدَهُمْ جُلُوسًا صَلَّى أَرْبَعًا»(٣)، قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «إنَّ الجمعة لا تُدْرَكُ إلَّا بركعةٍ كما أفتى به أصحابُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، منهم: ابنُ عمر وابنُ مسعودٍ وأنسٌ وغيرُهم، ولا يُعْلَمُ لهم في الصحابة مخالِفٌ، وقد حكى غيرُ واحدٍ أنَّ ذلك إجماعُ الصحابة»(٤).

وهذا الحكمُ يَتعلَّقُ بالمعذور مطلقًا، سواءٌ وَجَبَتْ عليه الجمعةُ أو لم تجب كما هو شأنُ المرأةِ باتِّفاقٍ(٥)، والمسافرِ على الراجح، خلافًا لداودَ الظاهريِّ وأصحابِه(٦).

أمَّا غيرُ المعذور ممَّنْ تجب عليه صلاةُ الجمعة فإنه إِنْ قصَّرَ في أدائها وفوَّتَها بتفريطه فلا يجوز له أَنْ يُصلِّيَ الظهرَ بدلًا منها؛ ذلك لأنَّه فوَّت واجِبَ صلاةِ الجمعة مِنْ غير عذرٍ، وهو ليس مَحَلَّ قضاءٍ، وليس ـ ثَمَّةَ ـ دليلٌ يقضي بجواز صلاتها ظهرًا لغير المعذور؛ لاستقلالِ الجمعة؛ فليسَتْ بدلًا عن الظهر ـ على الصحيح مِنْ أقوال أهل العلم ـ.

ويجدر التنبيهُ إلى أنَّ المرأة مخيَّرةٌ في يوم الجمعة بين صلاة الجمعة وبين الظهر، وعند الجمهور: الجمعةُ أفضلُ خلافًا للحنابلة ومَنْ وافقهم على أنَّ صلاة المرأةِ في بيتها خيرٌ لها مِنْ حضور الجمعة؛ عملًا بعمومِ قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ»(٧).

كما يجدر التنبيهُ ـ أيضًا ـ إلى أنه لا ينبغي الإغلاقُ على النساء وسَدُّ كُلِّ مَنْفَذٍ عليهنَّ بالأسوار والجدران؛ فإنَّ مِثْلَ هذا الورعِ الزائد لم يكن قائمًا في عهد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابِه رضي الله عنهم مع وجود المقتضي لفِعْلِه؛ فلذلك فالجديرُ بأهل المسجد أَنْ يَضَعوا شُبَّاكًا مؤمَّنًا في الجدار ينفذ منه الصوتُ إلى حجرتهنَّ فضلًا عن الضوء والهواء مِنْ جهةٍ، كما تتمكَّنُ المرأةُ ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ مِنَ الاطِّلاع على صلاة الناس في حالِ انقطاع التيَّار الكهربائيِّ.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٣ مِنَ المحرَّم ١٤٢٧
الموافق ﻟ: ١٢ فبراير ٢٠٠٦م

 



(١) أخرجه النسائيُّ في «المواقيت» بابُ مَنْ أدرك ركعةً مِنَ الصلاة (٥٥٧)، وابنُ ماجه في «إقامة الصلاة» بابُ ما جاء فيمَنْ أدرك مِنَ الجمعةِ ركعةً (١١٢٣) مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما. قال الذهبيُّ في [«سِيَر أعلام النُّبَلاء» (١٤/ ١٩٥)]: «صحيحٌ غريبٌ». وقال الألبانيُّ في [«إرواء الغليل» (٣/ ٩٠)]: «وجملةُ القول: أنَّ الحديث بذِكْرِ الجمعة صحيحٌ مِنْ حديثِ ابنِ عمر مرفوعًا وموقوفًا، لا مِنْ حديثِ أبي هريرة».

(٢) أخرجه الطبرانيُّ في «الكبير» (٩٥٤٥) مِنْ حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه موقوفًا. وحسَّنه الهيثميُّ في «مَجْمَع الزوائد» (٢/ ١٩٢وانظر: «تمام المنَّة» للألباني (٣٤٠).

(٣) أخرجه عبد الرزَّاق في «مصنَّفه» (٥٤٧١).

(٤) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٣/ ٣٣٢).

(٥) انظر: «الإجماع» لابن المنذر (٢٦)، «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ١٥٧)، «المغني» لابن قدامة (٢/ ٣٣٨).

(٦) انظر: «المحلَّى» لابن حزم (٥/ ٤٩)، «المجموع» للنووي (٤/ ٤٨٥).

(٧) أخرجه أبو داود في «الصلاة» بابُ ما جاء في خروج النساء إلى المسجد (٥٦٧) مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما. وأوَّلُه في الصحيحين: البخاريِّ (٨٦٥)، ومسلمٍ (٤٤٢). وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٧٤٥٨).