فصل [في الاستدلال بالعكس] | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الجمعة 10 شوال 1445 هـ الموافق لـ 19 أبريل 2024 م



فصل
[في الاستدلال بالعكس]

• قال الباجي -رحمه الله- في [ص ٣١٩]:

«يَصِحُّ الاسْتِدْلاَلُ بالعَكْسِ، وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الإسْفَرَائِينِيُّ: لاَ يَجُوزُ». ثمَّ استدلَّ بالمعقول، وختم الفصل بقوله:

«فَهَذَا اسْتِدْلاَلٌ صَحِيحٌ لأَنَّهُ لَوْ حَلَّتِ الحَيَاةُ الشَّعْرَ، وَجَازَ أَخْذُهُ مِنَ الحَيَوَانِ حَالَ الحَيَاةِ لاَنْتَقَضَتِ العِلَّةُ».

[م] يُعبِّر عنه الأصوليُّون بقياس العكس وهو: «إِثْبَاتُ نَقِيضِ حُكْمِ الأَصْلِ فِي الفَرْعِ لافْتِرَاقِهِمَا فِي العِلَّةِ»(١)، أو هو: «مَا يُسْتَدَلُّ عَلَى نَقِيضِ المَطْلُوبِ، ثُمَّ يبطل فَيَصِحُّ المَطْلُوبُ»(٢)، ومثاله: كالدلالة على طهارة دم السمك بأكله به؛ لأنه لو كان نجسًا لما أكل به كالحيوانات النجسة الدم، ومثاله ـ أيضًا ـ كالاستدلال في قراءة السورة في الأُخْرَيَين لو كانت سُنَّة فيهما لسنَّ الجهر بالقراءة فيهما، كالأُولَيَيْنِ لمن سنَّ ذلك فيهما سنَّ الجهر بالقراءة فيهما(٣). ومثاله ـ أيضًا ـ قولهم: لو كانت الزكاة تجب في إناث الخيل لوجبت في ذكوره، فالإبل والبقر والغنم لما وجبت الزكاة في إناثها وجبت في ذكورها، ولما كانت الزكاة لا تجب في ذكور الخيل دل على أنه لا تجب في إناثها كالحمير والبغال(٤)، ومثاله ـ أيضا ـ: احتجاج الحنفية على عدم وجوب القصاص على القاتل بالمثقَّل بقولهم: لما لم يجب القصاص من صغير المثقَّل لم يجب من كبيره، عكسه المحدَّد: لما وجب من صغيره وجب من كبيره(٥).

وقد استدلَّ به المالكية والحنابلة وهو المشهور عن الشافعية والحنفية، ومنعه طائفة من الأصوليِّين كابن الباقلاني وأبي الخطاب وغيرهم(٦).

والصحيح جواز الاستدلال بقياس العكس نحو قوله تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا[سورة النساء: ٨٢]، فإنه يستدلّ على حقيقة القرآن بإبطال نقيضه، وهو وجود الاختلاف فيه، ولما ثبت في السُّنَّة فيما رواه مسلم من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ» قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللهِ ! أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ ؟» قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ ؟ فَكَذَلِكَ إِذَ وَضَعَهَا فِي الحَلَالِ كَان لَهُ أَجْرٌ»(٧).

والمصنِّف في مثاله احتجَّ بالمعقول على جواز إثبات الأحكام بالاستدلال على الشيء بعكسه؛ لأنَّه في حقيقة الأمر استدلالٌ بقياس المدلول على صِحَّته بالعكس، فإذا جاز الاستدلال بما يدلُّ عليه الطرد، فَلَأَن يجوز بما هو مدلول على صِحَّته بالطرد والعكس أولى.

 



(١) «مفتاح الوصول» للتلمساني (٧٣١).

(٢) «شرح الكوكب المنير» للفتوحي (٤/ ٤٠٠)، وعَرَّفه المحليُّ على «جمع الجوامع» (٢/ ٣٤٢) بقوله: «هو إثبات عكس حكم شيء لمثله لتعاكسهما في العِلة»، وله تعريفات أخرى متقاربة، انظر: المصادر الأصولية المثبتة على هامش «الإشارة» (٣١٩).

(٣) «المسودة» لآل تيمية (٤٢٥)، و«شرح الكوكب المنير» للفتوحي (٤/ ٢١٩).

(٤) «شرح اللمع» للشيرازي (٢/ ٨١٩).

(٥) «مفتاح الوصول» للتلمساني (٧٣٣).

(٦) انظر: المصادر الأصولية المثبتة على هامش «الإشارة» (٣٢٠).

(٧) أخرجه مسلم (٧/ ٩١) في «الزكاة»، باب: بيان اسم الصدقة يقع على كلِّ نوع من المعروف، من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وهو متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

الزوار