فصل [في اقتضاء الأمر المطلق الفور] | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الثلاثاء 7 شوال 1445 هـ الموافق لـ 16 أبريل 2024 م



فصل
[في اقتضاء الأمر المطلق الفور]

• قال الباجي -رحمه الله- في [ص ١٧٠] في مسألة الأمر المطلق هل يقتضي الفور ؟ ما نصّه: «…وَقَالَ أَكْثَرُ المَالِكِيِّينَ مِنَ البَغْدَادِيِّينَ إِنَّهُ يَقْتَضِي الفَوْرَ».

[م] وهذا المذهب هو اختيار ابن قدامة وابن القيم(١) والفتوحي من الحنابلة، واختار المصنِّف مذهب الباقلاني وابن خويز منداد والمغاربة من المالكيين أنَّ الأمر المطلق لا يقتضي الفور، ويظهر من الروايات المختلفة في الأوامر المطلقة عن مالك(٢) -رحمه الله- أنَّ دلالة الأمر ـ عنده ـ تدلُّ على مجرَّد الطلب والامتثال وهو ما قرَّره ابن العربي عنه ورجَّحه بقوله: «واضطربت الروايات عن مالك في مطلقات ذلك، والصحيح ـ عندي ـ من مذهبه أنه لا يحكم فيه بفور ولا تراخ ـ كما تراه ـ وهو الحقُّ»(٣). وهذا المذهب هو اختيار الغزالي(٤) والفخر الرازي والآمدي ونسبه التلمساني لأهل التحقيق(٥)، أمَّا قياس المصنِّف الأمر على الخبر في استدلاله على أنَّ الأمر المطلق لا يقتضي الفور، فأجيب عنه بأنه قياس مع ظهور الفارق بينهما من ناحية أنَّ الخبر يحتمل الصدق والكذب والأمر لا يحتملهما؛ لأنَّه حثٌّ ووجوب واستدعاء، ولأنَّ الخبر لا يوجد إلَّا بعد أن تَيَقَّن الحكيم أن المخبر يكون على ما أخبر فيه فلا يقع الغرر عليه بالتأخير، بخلاف الأمر فإنَّ التأخير في الفعل خطر وغرر فيجهل المأمور مباغتة الموت له قبل الامتثال، فكان إيقاعه للفعل أول الوقت أحوط له، ولأنَّ الآمر لو أراد التأخير لَأَخَّر الأمر بالفعل.

هذا، ويترتَّب على القول بفورية الأمر من عدمه جملة من الآثار منها: في الحجّ، والزكاة عند استكمال شرائطهما، هل يجبان على الفور أم على التراخي ؟ ومنها: في قضاء فوائت رمضان فهل يجب على الفور، ولا يجوز فعل النوافل من الصيام حتى يقضي الواجب، أم يجوز له التأخير بلا إثم كما يجوز له فعل النوافل من الصيام ؟ ومن ذلك أيضًا وجوب الكفارة هل هي على الفور أم على التراخي ؟(٦).

 



(١) هو أبو عبد الله شمس الدِّين محمَّد بن أبي بكر بن أيوب الزُّرعي الدمشقي ابن قيم الجوزية الحنبلي، الفقيه الأصولي، المفسِّر النحوي، أحد كبار العلماء، قال عنه الشوكاني: «برع في جميع العلوم، وفاق الأقران، واشتهر في الآفاق، وتبحَّر في معرفة مذاهب السلف»، له كتب عديدة، منها: «إعلام الموقعين»، و«زاد المعاد»، و«وشفاء العليل»، و«إغاثة اللهفان»، توفي سنة (٧٥١ﻫ).

انظر ترجمته في: «البداية والنهاية» لابن كثير (١٤/ ٢٣٤)، ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب (٢/ ٤٤٧)، «طبقات المفسرين» للداودي (٢/ ٩٣)، «الدرر الكامنة» لابن حجر (٤/ ٢١)، «بغية الوعاة» للسيوطي (٢٥)، «البدر الطالع» للشوكاني (٢/ ١٤٣)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٦/ ١٦٨)، «الفتح المبين» للمراغي (٢/ ١٦٨)، «الفكر السامي» للحجوي (٢/ ٤/ ٣٦٥).

(٢) انظر ترجمته على هامش كتاب «الإشارة» (١٧٤).

(٣) «أحكام القرآن» لابن العربي (١/ ١٨٧).

(٤) هو أبو حامد محمَّد بن محمَّد الغزالي الطوسي الشافعي، الملقب بحجَّة الإسلام، صاحب التصانيف العديدة منها: «المستصفى»، و«المنخول» في الأصول، و«الوسيط»، و«البسيط»، و«الوجيز»، و«الخلاصة» في الفقه، توفي سنة (٥٠٥ﻫ).

انظر ترجمته في: «طبقات الشافعية» للسبكي (٦/ ١٩١)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (٤/ ٢١٦)، «دول الإسلام» (٢/ ٣٤)، «سير أعلام النبلاء» كلاهما للذهبي (١٩/ ٣٢٢)، «مرآة الجنان» لليافعي (٣/ ١٧٧)، «البداية والنهاية» لابن كثير (١٢/ ١٧٣)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٤/ ١٠)، «الأعلام للزركلي» (٧/ ٢٤٧).

(٥) «مفتاح الوصول» للتلمساني (٣٨٣).

(٦) انظر: المصادر المثبتة على هامش «مفتاح الوصول» للتلمساني (٣٨١) بتحقيقنا (ط/ ١).

الزوار