فصل [في تكليف المسافر والمريض] | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الخميس 9 شوال 1445 هـ الموافق لـ 18 أبريل 2024 م



فصل
[في تكليف المسافر والمريض]

• قال المصنِّف -رحمه الله- في [ص ١٧٣ ـ ١٧٤]:

«المُسَافِرُ وَالمَرِيضُ مَأْمُورَانِ بصَوْمِ رَمَضَانَ، مُخَيَّرَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَوْمِ غَيْرِهِ… فَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُخَاطَبٍ بصَوْمِهِ لَمَا أُثِيبَ عَلَيْهِ كَالحَائِضِ لَمَّا لَمْ تُخَاطَبْ بالصَّوْمِ لَمْ تُثَبْ عَلَيْهِ فِي حَالِ حَيْضِهَا».

[م] المسافر والمريض يتعلَّق بهما التكليف لتوفُّر شرط العقل وفهم الخطاب فيهما، وهما من شروط التكليف العائدة على المحكوم عليه وهو: «المكلَّف»، غير أنه رُخِّصَ لهما الإفطار لمظنَّة المشقَّة الحاصلة لهما إذا صاما، فحكمهما ثابت للعذر على خلاف الدليل المعارض لهما والذي يتمثَّل في وجوب صوم رمضان عليهما، هذا عند ظنِّ المشقَّة، أمَّا مع تحقُّقها فإنَّ رخصة الإفطار تصير عزيمة في حقِّهما، فيحرم الصوم حينئذٍ، ويجب فيه الإفطار.

هذا، وإن كان المصنِّف -رحمه الله- يرى أنَّ المسافر والمريض مخيَّران بين صوم رمضان وبين صوم غيره كالنذر والقضاء وهو مذهب أبي حنيفة ومن وافقه فيقع محقِّقًا ما نواه إن كان واجبًا؛ لأنَّه شغل الوقت بالأهمِّ ورخصته متعلِّقة بمطلق السفر وقد وجد، والأعمال بالنيات وأنَّ لكلِّ امرئ ما نوى(١).

فالصحيح مذهب الجمهور من أنه لا يصحُّ أن يصوم رمضان عن غيره بوجه من نذر أو قضاء أو تنفل؛ لأنَّ الفِطر ما دام قد أبيح رخصةً وتخفيفًا للعذر فلا يصحُّ أن يصام عن غيره، فإن كانت فيه المشقَّة فالظاهر وجوب الإفطار، وإن كانت القدرة على الصيام ولم يرد التخفيف عن نفسه لزمه أن يأتي بالأصل وهو: صوم رمضان، وكذلك إن نوى المريض أن يصوم عن واجب آخر(٢). ونية العامل لا تصحِّحُ فسادَ العمل ولو كانت صالحةً أو حسنةً.

هذا، وينبغي التفريق بين ما ثبت حكمه لعذر، وما ثبت لمانع كوجوب ترك الصوم والصلاة للحائض والنفساء، وضابط الفرق بينهما أنَّ مانع الحيض والنفاس يرفع التكليف مع إمكان اجتماعه به عقلًا ولا يجتمع معه شرعًا، بل يمنع وجوده أصلًا، بخلاف العذر فيجتمع مع المشروع كاجتماع السفر والمرض مع الصوم.

هذا، ومن سافر أو مرض في رمضان فأفطر أو حاضت المرأة فيه فأفطرت، فهل صيام هذه الأيام بعد انقضاء رمضان يعدُّ قضاءً أم أداء ؟ الخلاف في هذه المسألة خلاف في تسمية هذا الفعل والتعبير عنه، لِاتِّفاقهم على أنَّ المسافرَ والمريضَ والحائضَ إذا أفطروا في نهار رمضان لمانع الحيض أو لعذر السفر والمرضِ فإنه يجب عليهم صيام تلك الأيام التي تركوها، وما ذهب إليه الجمهور من حيث تسميته قضاء لا أداء أوفق لتطابق حقيقة القضاء عليه وهو: «ما فعل بعد خروج وقته المحدَّد شرعًا مُطلقًا»، ولإجماعهم على أنَّ المسافرَ والمريض والحائضَ بعد انتفاء العذر وزوال المانع يجب في حقِّهم نيَّة القضاء، وما وجبت فيه نية القضاء فهو قضاء، ولما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ»(٣)، فقد ورد في الحديث تسميته بالقضاء، والآمر هو النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فلا يُعدل عنه إلى الأداء لاشتهاره به. والعلم عند الله.

 



(١) «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣١٦).

(٢) «المغني» لابن قدامة (٣/ ١٠٢)، «الإشراف» للقاضي عبد الوهاب (١/ ٤٤٣).

(٣) أخرجه البخاري (١/ ٤٢١) في الحيض، باب لا تقضي الحائض الصلاة، ومسلم (٤/ ٢٦) في الحيض، باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة. وأبو داود (١/ ١٨٠) في الطهارة، باب الحائض لا تقضي الصلاة، والترمذي (١/ ٢٣٤) في أبواب الطهارة، باب ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة، والنسائي (١/ ١٩١) في الحيض والاستحاضة، باب سقوط الصلاة عن الحائض، وابن ماجه (١/ ٢٠٧) في الطهارة باب الحائض لا تقضي الصلاة، وأحمد في مسنده (٦/ ٢٣١) من حديث عائشة رضي الله عنها.

الزوار