Skip to Content
الخميس 18 رمضان 1445 هـ الموافق لـ 28 مارس 2024 م

توجيهاتٌ متعلِّقةٌ بالحاجِّ والمعتمر في سفره

وتتعلَّق هذه التوجيهات بمجموعة آدابٍ شرعيةٍ يلتزمها الحاجُّ أو المعتمر قبل سفره وأثناءَه وعند قُفوله راجعًا إلى بلده، وهي على الترتيب التالي:

· أولا: على الحاجِّ أو المعتمِر أَنْ يتعلَّمَ أحكامَ المناسك ويعرف أعمالَ الحجِّ والعمرة، وما يجب عليه فعلُه وما يُستحَبُّ، ممَّا يجب عليه تجنُّبه وما يُستحَبُّ له تركُه، وعليه أَنْ يدقِّقَ في سؤال أهل العلم؛ لقوله تعالى: ﴿فَسۡ‍َٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ٤٣[النحل: ٤٣؛ الأنبياء: ٧]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «أَلَا سَأَلُوا إذْ لَمْ يَعْلَمُوا؛ فَإنَّمَا شِفَاءُ العِيِّ السُّؤَالُ»(١)، وفي حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما قال: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَقُولُ: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ»»(٢). كما يجب عليه أَنْ يعرف بِدَعَ الحجِّ والعمرة والزيارة ليتجنَّبَها ويحذرَ منها، وسواءٌ تعلَّقَتِ البِدَعُ بالإحرام والتلبية، أو بالطواف والسعي، أو بعَرَفةَ ومُزدلِفةَ، وكذا بِدَع الرمي والذبح والحلق وغيرها، قال ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه: «اتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ، عَلَيْكُمْ بِالأَمْرِ العَتِيقِ»(٣)، كُلُّ ذلك لِيقعَ عملُه خالصًا مِنْ شوائب الشِّرك ومُوافِقًا للسُّنَّة الصحيحة غيرَ مُخالِفٍ لها.

· ثانيا: أَنْ يجتهد في الخروج مِنْ مظالم الخَلْق بالتحلُّل منها أو ردِّها إلى أصحابها أو باسترضاءِ كُلِّ مَنْ قصَّر في حقوقهم؛ خشيةَ أَنْ يكون مُفْلِسًا مِنَ الحسنات يومَ القيامة؛ ذلك لأنَّ السفر مظِنَّةُ الهلاك، فيجتهد في قضاءِ ما أَمكنَه مِنْ ديونه إِنْ كان عليه دَينٌ؛ لأنَّ حقَّ العبد لا يسقط إلَّا بردِّ حقِّه أو عفوه عنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ»(٤)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «أَتَدْرُونَ مَا المُفْلِسُ؟» قَالُوا: «المُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ»، فَقَالَ: «إِنَّ المُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا؛ فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ؛ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ»(٥).

· ثالثًا: أَنْ يكتب وصيَّةً يذكر فيها ما له وما عليه، ويستعجل بها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ»(٦)، وإِنْ كان له مالٌ كثيرٌ فعليه أَنْ يُوصِيَ بنصيبٍ منه لأَقرِبائِه الذين لا يَرِثون أو لعموم الفقراء والمساكين؛ لأنَّ السفر قطعةٌ مِنَ العذاب، ومَظِنَّة الموت والهلاك. ويدلُّ على الوصيَّة قولُه تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ إِن تَرَكَ خَيۡرًا ٱلۡوَصِيَّةُ لِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ١٨٠[البقرة]، غير أنَّ الوصيَّة مشروطةٌ بعدم الزيادة على ثُلُثِ ماله، والأفضلُ أَنْ يكون دونه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لسعد بنِ أبي الوقَّاص رضي الله عنه: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ؛ إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ»(٧)، قال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «لَوْ أَنَّ النَّاسَ غَضُّوا مِنَ الثُّلُثِ إِلَى الرُّبُعِ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ»»(٨).

· رابعا: أَنْ يترك لأهله وأولادِه ومَنْ تجب نفقتُهم عليه لوازمَ العيش وضروريَّاتِ المُؤَن طيلةَ مُدَّةِ غيابه في سفره، مع حثِّهم على التمسُّك بالدِّين وأخلاقِه وآدابه، والمحافظةِ على الصلاة؛ لأنه هو الراعي المسئولُ عنهم، والمكلَّفُ بالحفظ والصيانةِ المالية والدِّينية والخُلُقية وغيرها؛ لقوله تعالى: ﴿وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ[البقرة: ٢٣٣]، وقولِه تعالى: ﴿ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ [النساء: ٣٤]، وقولِه صلى الله عليه وسلم: «وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»(٩).

· خامسا: أَنْ يُعِدَّ زادَه مِنَ الحلال الطيِّب، ويحرصَ على تخليصه مِنْ شوائب الحرام ومُشتبِهاته، مُبتعِدًا عن كُلِّ أنواعِ أكلِ أموال الناس بالباطل ليكون أقربَ إلى الاستجابة وأدعى للقَبول؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ فَقَالَ: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ٥١[المؤمنون: ٥١]، وَقَالَ: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ[البقرة: ١٧٢]، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ؛ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟!»(١٠).

· سادسا: أَنْ يتزوَّد لسفره بالتقوى والعمل الصالح، والالتزام بالآداب الشرعية، وأخذِ ما يكفيه لحوائجه وما يُغنيهِ عن أَذَى الناس بسؤالهم؛ فإنَّ تَرْكَ السؤال مِنَ التقوى؛ لقوله تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ١٩٧[البقرة: ١٩٧]، وعن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «كَانَ أَهْلُ اليَمَنِ يَحُجُّونَ وَلَا يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ المُتَوَكِّلُونَ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ [البقرة: ١٩٧]»(١١).

· سابعا: أَنْ يحرص على تحصيل الرُّفقة الصالحة الدالَّةِ على الخير والمرغِّبة فيه والمُعينةِ عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ»(١٢)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسُّوءِ كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ؛ فَحَامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً؛ وَنَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً»(١٣).

· ثامنا: وألَّا تَقِلَّ هذه الرُّفقةُ الصالحة عن ثلاثةٍ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ، وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ»(١٤)، وقولِه صلى الله عليه وسلم: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ»(١٥).

· تاسعا: إذا كان الحاجُّ أو المُعتمِرُ امرأةً فلا تسافر إلَّا مع زوجٍ أو ذي مَحْرَمٍ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا تُسَافِرِ المَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلْ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ»، فَقَالَ رَجُلٌ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الحَجَّ»، فَقَالَ: «اخْرُجْ مَعَهَا»(١٦).

· عاشرا: هذا، ومِنْ جملة الأذكار والأدعية التي يلتزمها الحاجُّ أو المُعتمِر في سفره مِنْ مغادرته لبلده إلى قُفوله راجعًا إليه:

· أنه يُودِّع أهلَه وأصحابه وإخوانه، فيقول المُقيم: «أَسْتَوْدِعُ اللهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ؛ زَوَّدَكَ اللهُ التَّقْوَى، وَغَفَرَ ذَنْبَكَ، وَيَسَّرَ لَكَ الخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ»، فيجيب الحاجُّ أو المُعتمِر المسافر: «أَسْتَوْدِعُكَ اللهَ الَّذِي لَا تَضِيعُ وَدَائِعُهُ»، وقد كان ابنُ عمر رضي الله عنهما يقول للرَّجل إذا أراد سفرًا: «ادْنُ مِنِّي أُوَدِّعْكَ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُوَدِّعُنَا فَيَقُولُ: «أَسْتَوْدِعُ اللهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ»»(١٧)، وفي حديثِ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه أنه قال: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُرِيدُ سَفَرًا فَزَوِّدْنِي»، قَالَ: «زَوَّدَكَ اللهُ التَّقْوَى»، قَالَ: «زِدْنِي»، قَالَ: «وَغَفَرَ ذَنْبَكَ»، قَالَ: «زِدْني، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي»، قَالَ: «وَيَسَّرَ لَكَ الخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ»»(١٨)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ فَلْيَقُلْ لِمَنْ يُخَلِّفُ: أَسْتَوْدِعُكُمُ اللهَ الَّذِي لَا تَضِيعُ وَدَائِعُهُ»(١٩).

· فإذا وَضَع رِجلَه في الرِّكاب قال: «بِاسْمِ اللهِ»، فإذا استوى على ظهرها قال: «الحَمْدُ للهِ، ﴿سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُۥ مُقۡرِنِينَ١٣ وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ١٤[الزخرف]، الحَمْدُ للهِ ـ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ـ اللهُ أَكْبَرُ ـ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ـ سُبْحَانَكَ، إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ»(٢٠)، وهو ثابتٌ مِنْ حديثِ عليٍّ رضي الله عنه، وله أَنْ يُضيفَ ما ثَبَت مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ العَمَلِ مَا تَرْضَى؛ اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ؛ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ؛ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ المَنْظَرِ، وَسُوءِ المُنْقَلَبِ فِي المَالِ وَالأَهْلِ»(٢١).

· وإذا عَلَا ثنيَّةً كبَّر، وإذا هَبَط سَبَّح، وإذا أَشرفَ على وادٍ هَلَّل وكَبَّر، وإذا نَزَل منزلًا قال: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ»؛ لحديثِ جابر ابنِ عبد الله رضي الله عنهما قال: «كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا، وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا»(٢٢)، ولحديثِ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رَجُلًا قال: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُسَافِرَ فَأَوْصِنِي»، قَالَ: «عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ»(٢٣)، وفي حديثِ أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه قال: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا، ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا؛ إِنَّهُ مَعَكُمْ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ»»(٢٤)، وفي حديثِ خولة بنتِ حكيمٍ رضي الله عنها قالت: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ»لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ»»(٢٥).

وله أَنْ يَدْعُوَ اللهَ تعالى في سفره، ويسأله مِنْ خير الدُّنيا والآخرة؛ لأنَّ الدعاء في السفر مستجابٌ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ المَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ»(٢٦).

· أَنْ يحرص على مراعاة الآداب والأذكار والأدعيةِ الواردةِ في أعمال العمرة والحجِّ الآتية(٢٧)، فإِنْ فَرَغ مِنْ عُمرته أو حَجِّه وأدَّى زيارتَه وقضى حاجَتَه فعليه أَنْ يعجِّل الرجوعَ إلى أهله وبلده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ: يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ؛ فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ(٢٨) فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ»(٢٩)، قال ابنُ حجرٍ رحمه الله: «وفي الحديث: كراهةُ التغرُّب عن الأهل لغير حاجةٍ، واستحبابُ استعجال الرجوع، ولا سيَّما مَنْ يخشى عليهم الضيعةَ بالغَيْبة، ولِمَا في الإقامة في الأهل مِنَ الراحة المُعينةِ على صلاح الدِّين والدُّنيا، ولِمَا في الإقامة مِنْ تحصيل الجماعات والقوَّة على العبادة»(٣٠).

وإذا قَفَل راجعًا مِنْ سفره يُكبِّر على كُلِّ شرفٍ مِنَ الأرض ثلاثًا، ثمَّ يقول: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ؛ صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَه»، لحديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما قال: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَفَلَ مِنَ الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ ـ وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: الغَزْوِ ـ يَقُولُ: كُلَّمَا أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ...»»(٣١)، الحديث، وإذا أَشرفَ على بلده قال: «آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ»، ولا يزال يقولها حتَّى يدخلها؛ لحديثِ أنسٍ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى المَدِينَةِ قَالَ: «آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ»، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُهَا حَتَّى دَخَلَ المَدِينَةَ»(٣٢).

· الحادي عشر: أَنْ يتَّصِل بأهله بوسائل الاتِّصال حتَّى لا يُفاجِئهم بمَقْدَمِه عليهم؛ لحديثِ جابرٍ رضي الله عنه قال: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ طُرُوقًا»(٣٣)، وفي لفظٍ له رضي الله عنه مرفوعًا: «إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الغَيْبَةَ فَلَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا»(٣٤)، والمرادُ بالطروق هو: المجيءُ مِنْ سفرٍ أو مِنْ غيره على غفلةٍ؛ إذ قد يَجِدُ أهلَه على غيرِ أهبةٍ مِنَ التنظُّف والتزيُّن المطلوبين مِنَ المرأة؛ فيكون ذلك سببَ النفرة بينهما(٣٥).

فهذا ما أَمكنَ جمعُه في هذه النصيحة التوجيهية، على أملِ أَنْ يسلك بها الحاجُّ والمعتمِرُ سبيلَ المتَّقين، ويسيرَ على درب الصالحين مِنَ التخلُّص مِنَ الذنوب والمعاصي بالتوبة والاستغفار وردِّ المظالم، والتزوُّد بالتقوى والعمل الصالح، ومجاهدةِ النفس عن السوء والهوى بالْتزام أحكام الشرع، والتحلِّي بأخلاقه وآدابه ومحاسبتها؛ خوفًا مِنْ مَقامِ ربِّه عزَّ وجلَّ؛ قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ٤٠ فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ٤١[النازعات].



(١) أخرجه أبو داود في «الطهارة» بابٌ في المجروح يتيمَّم (٣٣٦) مِنْ حديثِ جابر ابنِ عبد الله رضي الله عنهما. وحسَّنه الألبانيُّ في «تمام المِنَّة» (ص ١٣١) وفي «صحيح سنن أبي داود» (٣٣٦).

(٢) أخرجه مسلمٌ في «الحجِّ» (١٢٩٧)، والبيهقيُّ بلفظِ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» في «السنن الكبرى» (٩٥٢٤)، مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.

(٣) أخرجه الدارميُّ في «سننه» (١/ ٨٠)، والبيهقيُّ في «شُعَب الإيمان» (٢/ ٤٠٧)، والطبرانيُّ في «المُعجَم الكبير» (٩/ ١٥٤)، قال الهيثميُّ في «مَجْمَع الزوائد» (١/ ١٨٦): «رجالُه رجالُ الصحيح»، وصحَّحه الألبانيُّ، انظر: «السلسلة الضعيفة» (٢/ ١٩).

(٤) أخرجه البخاريُّ في «المظالم والغصب» باب: مَنْ كانَتْ له مَظْلَمةٌ عند الرَّجل فحلَّلها له: هل يبيِّن مَظلَمتَه؟ (٢٤٤٩) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(٥) أخرجه مسلمٌ في «البرِّ والصِّلَة والآداب» (٢٥٨١) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(٦) أخرجه مسلمٌ في «الوصيَّة» (١٦٢٧) مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.

(٧) مُتَّفَقٌ عليه: رواه البخاريُّ في «النفقات» بابُ فضل النفقة على الأهل (٥٣٥٤)، ومسلمٌ في «الوصيَّة» (١٦٢٨)، مِنْ حديثِ سعد بنِ أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه.

(٨) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الوصايا» باب الوصيَّة بالثُّلُث (٢٧٤٣)، ومسلمٌ في «الوصيَّة» (١٦٢٩)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

(٩) جزءٌ مِنْ حديثٍ مُتَّفَقٍ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الاستقراض» باب: العبدُ راعٍ في مال سيِّده، ولا يعمل إلَّا بإذنه (٢٤٠٩)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٨٢٩)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.

(١٠) أخرجه مسلمٌ في «الزكاة» (١٠١٥) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(١١) أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» بابُ قول الله تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ ﴾ (١٥٢٣) مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

(١٢) أخرجه أبو داود في «الأدب» بابُ مَنْ يُؤمَر أَنْ يُجالِس (٤٨٣٢)، والترمذيُّ في «الزهد» بابُ ما جاء في صُحبة المؤمن (٢٣٩٥)، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٧٣٤١).

(١٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الذبائح والصيد» باب المِسك (٥٥٣٤)، ومسلمٌ في «البرِّ والصِّلَة والآداب» (٢٦٢٨)، مِنْ حديثِ أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه.

(١٤) أخرجه أبو داود في «الجهاد» بابٌ في الرَّجل يسافر وَحْدَه (٢٦٠٧)، والترمذيُّ في «الجهاد» بابُ ما جاء في كراهِيَةِ أَنْ يُسافِر الرَّجلُ وَحْدَه (١٦٧٤)، مِنْ حديثِ عمرو بنِ شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (١/ ١٣١) رقم: (٦٢).

(١٥) أخرجه البخاريُّ في «الجهاد» باب السَّيْر وَحْدَه (٢٩٩٨) مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.

(١٦) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» بابُ حجِّ النساء (١٨٦٢)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٤١)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

(١٧) أخرجه أبو داود في «الجهاد» بابٌ في الدعاء عند الوداع (٢٦٠٠)، والترمذيُّ في «الدَّعَوات» بابُ ما يقول إذا ودَّع إنسانًا (٣٤٤٣). والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (١/ ٤٨) و«صحيح الجامع» (٤٧٩٥).

(١٨) أخرجه الترمذيُّ في «الدَّعَوات» (٣٤٤٤) مِنْ حديثِ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٣٥٧٩).

(١٩) أخرجه الطبرانيُّ في «الدعاء» (٢/ ١١٨٢)، وبنحوه ابنُ ماجه في «الجهاد» باب تشييع الغُزَاة ووَداعِهم (٢٨٢٥). والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (١/ ٥١)، وانظر: «صحيح الكَلِم الطيِّب» (١٦٧).

(٢٠) أخرجه أبو داود في «الجهاد» بابُ ما يقول الرَّجل إذا رَكِب (٢٦٠٢) مِنْ حديثِ عليِّ ابنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «صحيح سنن أبي داود» (٢/ ٤٩٣).

(٢١) أخرجه مسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٤٢).

(٢٢) أخرجه البخاريُّ في «الجهاد والسِّيَر» باب التسبيح إذا هَبَط واديًا (٢٩٩٣).

(٢٣) أخرجه الترمذيُّ في «الدعوات» (٣٤٤٥)، وابنُ ماجه في «الجهاد» بابُ فضلِ الحرس والتكبيرِ في سبيل الله (٢٧٧١). والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٤/ ٣٠٨) و«صحيح الجامع» (٢٥٤٥).

(٢٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الجهاد والسِّيَر» بابُ ما يُكرَه مِنْ رفع الصوت في التكبير (٢٩٩٢)، ومسلمٌ في «الذِّكر والدعاء والتوبة والاستغفار» (٢٧٠٤).

(٢٥) أخرجه مسلمٌ في «الذِّكر والدعاء والتوبة والاستغفار» (٢٧٠٨).

(٢٦) أخرجه أبو داود في «الصلاة» باب الدعاء بظهر الغيب (١٥٣٦)، والترمذيُّ في «البرِّ والصِّلَة» بابُ ما جاء في دعوة الوالدَيْن (١٩٠٥)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٢/ ١٤٥) رقم: (٥٩٦) و«صحيح الجامع» (٣٠٣٣).

(٢٧) انظر: أعمال العمرة، وأعمال الحج.

(٢٨) النهمة: بلوغ الهِمَّة في الشيء، [انظر: «النهاية» لابن لأثير (٥/ ١٣٨)].

(٢٩) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» باب: السفرُ قطعةٌ مِنَ العذاب (١٨٠٤)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٩٢٧)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(٣٠) «فتح الباري» لابن حجر (٣/ ٦٢٣).

(٣١) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الجهاد والسِّيَر» باب التكبير إذا عَلَا شرفًا (٢٩٩٥)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٤٤).

(٣٢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الجهاد والسِّيَر» بابُ ما يقول إذا رَجَع مِنَ الغزو (٣٠٨٥)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٤٥).

(٣٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «النكاح» باب: لا يَطْرُق أهلَه ليلًا إذا أطال الغَيبةَ مَخافةَ أَنْ يخوِّنهم أو يلتمسَ عَثَراتِهم (٥٢٤٣)، ومسلمٌ في «الإمارة» (٧١٥).

(٣٤) أخرجه البخاريُّ في «النكاح» باب: لا يَطْرُق أهله ليلًا (٥٢٤٤).

(٣٥) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (٩/ ٣٤٠).