أرجو من شيخنا أن يوافيَنَا بتحريرِ مسألةِ حمل المطلق على المقيّد إن كانا نَهيين، فإنه التبس علينا ما ذكرتموه في مسألة حكم إسبال الإزار، من حيث إنّه لا ينطبق على القاعدة السالفة، وبعد مراجعة أكثرَ من أربعةِ مصادرَ .... للمزيد

الفتوى رقم: ٧٠٨

الصنـف: فتاوى اللباس

في تجلية تنزيل قاعدة حمل المطلق على المقيَّد
إن كانا نهيين على مسألة إسبال الإزار

السـؤال:

أرجو من شيخنا أن يوافيَنَا بتحريرِ مسألةِ حمل المطلق على المقيّد إن كانا نَهيين، فإنه التبس علينا ما ذكرتموه في مسألة حكم إسبال الإزار، من حيث إنّه لا ينطبق على القاعدة السالفة، وبعد مراجعة أكثرَ من أربعةِ مصادرَ في الأصول ما وجدتُ لكلامكم -حفظكم الله- وجهًا، فأرجو منكم توضيحَ المسألة؟

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

فقد جاءت روايةُ النهيِ عن الإسبال إلى ما دون الكعبين المتضمّنة للتوعّد بالنار مطلقةً عن تقييدٍ في قوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «مَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ»(١)، ويؤيّد صيغةَ النهيِ حديثُ حذيفةَ رضي الله عنه مرفوعًا: «وَلاَ حَقَّ لِلَكَعْبَيْنِ فِي الإِزَارِ»(٢)، ومن جهة أخرى جاء النهيُ مقيّدًا بالخُيَلاَءِ والبَطَرِ فيما صحَّ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم أنه قال: «لاَ يَنْظُرُ اللهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ»(٣)، وفي حديث: «لاَ يَنْظُرُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا»(٤).

وقد اشترط الآمديُّ وابنُ الحاجبِ أن يكون حَمْلُ المطلقِ على المقيَّد في باب الأوامر والإثبات، أمّا جانب النفي والنهي فلا يصحُّ؛ لأنه يلزم منه الإخلال باللفظ المطلق مع تناول النفي والنهي، وقالا: لا خلافَ في العمل بمدلولهما، والجمع بينهما لعدم التعذّر، فلو قال: لا تَعْتـِقْ مُكاتبًا، ثمّ قال: لا تعتقْ مكاتبًا كافرًا، لم يجزه أن يعتقَ مكاتبًا لا كافرًا ولا مسلمًا. واختار الشوكاني هذا المذهبَ وقال: والحقّ عدم الحمل في النفي والنهي(٥).

قـلت: وقد يكون من قبيل التنصيص على أفراد بعض مدلول العامّ وبه قال الزركشي، فلو قال: «لا تُسبِلْ إزارك» وقال: «لا تسبل إزارك خيلاء» فصار الإسبال خيلاء من قبيل التنصيص على أفراد بعض مدلول العامِّ الذي يؤكّد العامَّ في خصوصه ولا ينافيه أو يعارضه في عمومه، ولا موجب لتخصيص العموم بالمفهوم، ويؤيّد هذا المعنى أنّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم أوضح موضعَ الإزار في حديث عمرو بن فلان الأنصاري، فقال: «يَا عَمْرُو هَذَا مَوْضِعُ الإِزَارِ»(٦)، فإنّه ظاهرٌ في عدم جوازِ تجاوُزِهِ، وهو عامٌّ للخيلاء ولغيره، وهو معنى حديث أبي أمامة رضي الله عنه: «إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ المُسْبِلَ»(٧)، فهو عامٌّ شاملٌ للخيلاء وغيرِه، وإنما يشتدُّ الإثم إن قصد الخيلاء.

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٢ جمادى ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٨ مايو ٢٠٠٧م


(١) أخرجه البخاري في «اللباس»، باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار: (٥٧٨٧)، والنسائي في «الزينة»، باب ما تحت الكعبين من الإزار: (٥٣٤٨)، وأحمد: (٩٥٥٨)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(٢) أخرجه الترمذي في «اللباس»، باب في مبلغ الإزار: (١٧٨٣)، والنسائي في «الزينة»، باب موضع الإزار: (٥٣٢٩)، وابن ماجه في «اللباس»، باب موضع الإزار أين هو: (٣٥٧٢)، وأحمد: (٢٢٨٤٧)، وأبو داود الطيالسي في «مسنده»: (٤٢٥)، قال الألباني في «السلسلة الصحيحة» (٢٣٦٦): معلّقًا على قول الترمذي عن الحديث «حسن صحيح»: «وهو كما قال».

(٣) أخرجه البخاري في «اللباس»: (٥٤٤٦)، ومسلم في «اللباس والزينة»، باب تحريم جر الثوب خيلاء: (٥٤٥٣)، وأبو داود في «اللباس»، باب ما جاء في إسبال الإزار: (٤٠٨٥)، والترمذي في «اللباس»، باب ما جاء في كراهية جر الإزار: (١٧٣٠)، وأحمد: (٦١١٥)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(٤) أخرجه البخاري في «اللباس»، باب من جر ثوبه من الخيلاء: (٥٤٥١)، ومسلم في «اللباس والزينة»، باب تحريم جر الثوب خيلاء وبيان حد ما يجوز: (٥٤٦٣)، ومالك في «الموطإ»: (١٦٢٩)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه أبو داود في «اللباس»، باب في قدر موضع الإزار: (٤٠٩٣)، وابن ماجه في «اللباس»، باب موضع الإزار أين هو: (٣٥٧٣)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(٥) «إرشاد الفحول» للشوكاني: ١٦٦.

(٦) أخرجه أحمد: (١٧٣٢٨)، من حديث عمرو الأنصاري رضي الله تعالى عنه. قال الهيثمي في «مجمع الزوائد»: (٥/ ٢١٦): «رجله ثقات»،  وقال نفس العبارة الحافظ في «الفتح»: (١١/ ٤٢٩)، وحسنه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (٦/ ٤٠٥).

(٧) أخرجه الطبراني في «مسند الشاميين»: (١٢٠٥)، وفي «المعجم الكبير»: (٧٨٣٥)، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه. قال الهيثمي: "رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها ثقات"، وانظر السلسلة الصحيحة: (٦/ ٤٠٦).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)