الفتوى رقم: ٧٤٣

الصنف: فتاوى العقيدة - الولاء والبراء

في تَعداد مُداهَنةِ مَن يطعن في الصحابة
مِن قوادحِ عقيدة الوَلاء والبَراء

السؤال:

أَعْمَلُ مع رجلٍ شِيعيٍّ رافضيٍّ يَسُبُّ أبا بكرٍ وعمر رضي الله عنهما، وأحيانًا أُضاحِكُه وأُجالِسُه؛ فهل يُعَدُّ هذا قَدْحًا في الوَلاء والبَراء ومحبَّةِ أصحاب رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.

الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالواجبُ على المسلم أَنْ يُحِبَّ أصحابَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم وآلَ بيتِهِ لِحُبِّ اللهِ تعالى وحُبِّ رسولِهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم لهم كما أَخْبَرَ اللهُ تعالى عنهم بقوله: ﴿فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمٖ﴾ [المائدة: ٥٤]، وقد أَثْنَى اللهُ عليهم في العديد مِن المَواضِعِ مِن القرآن الكريم فقال تعالى: ﴿مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡ[الفتح: ٢٩]، وقال تعالى: ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰنٖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ١٠٠[التوبة]، وقال صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»(١)، وقال عليه الصلاة والسلام: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ..»(٢).

كما على المسلم أَنْ يعترفَ بمَناقِبِهم ويُقِرَّ بفضائلهم ومَزَاياهُم، وأَنْ يعتقدَ أنَّ أبا بكرٍ الصدِّيقَ رضي الله عنه أَفْضَلُ أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم على الإطلاق؛ لقوله صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي»(٣)، ثمَّ يَليهِ عمرُ وعثمانُ وعليٌّ رضي الله عنهم وأَرْضاهم؛ لقولِ عليٍّ رضي الله عنه: «خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ، وَلَوْ شِئْتُ لَسَمَّيْتُ الثَّالِثَ» ـ يَعْنِي عُثْمَانَ ـ(٤). وقال عبد الله بنُ عمر رضي الله عنهما: «كُنَّا نَقُولُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عَلِيٌّ؛ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنْكِرْهَا»(٥).

والواجبُ على المسلم أَنْ يَكُفَّ عن ذِكْرِ الصحابةِ رضي الله عنهم بسوءٍ، ويَسْكُتَ عن الخلاف الذي شَجَرَ بينهم، ولا يذكرَهم إلَّا بخيرٍ؛ فهذا مِن أصولِ أَهْلِ السُّنَّةِ والجماعة لسلامةِ قلوبِهم مِن الغِلِّ والحِقْدِ والبُغْضِ، وسلامةِ ألسنتِهم مِن الطَّعْنِ واللَّعْنِ والسَّبِّ لأصحاب رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم؛ لاختصاصِهم بصُحْبَتِهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم، وسَبْقِهِمْ في تَحمُّلِ الشريعة عنه وتبليغِها لِمَنْ بَعْدَهُمْ، ولجهادِهم مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم ومُناصَرتِهِم له، وقد وَصَفَهُمُ اللهُ به في قوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ ١٠[الحشر]، وقولِه صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي»(٦) الحديث.

هذا، وموقفُ أهلِ السنَّة والجماعة مِن الصحابةِ الاعتدالُ والوسطُ بين الإفراط والتفريط، ويتبرَّؤون مِن طريقة الروافضِ الذين يُبْغِضُونَ الصحابةَ ويَسُبُّونهم، ومِن طريقة النواصب الَّذين يُؤْذُونَ أهلَ البيتِ بقولٍ أو عملٍ، ومع ذلك لا يعتقدون أنَّ كُلَّ واحدٍ مِن الصحابة معصومٌ عن الإثم، بل تجوز عليهم الذنوبُ في الجُملة، ولهم سوابقُ وفضائلُ ما يُوجِبُ مغفرةَ ما يَصْدُرُ عنهم إِنْ صَدَرَ عنهم، ومَن حقَّقَ النظرَ في سِيرَتهم ومَزايَاهُمْ وفضائِلِهم لا يَنْتَابُهُ شكٌّ أنهم خيرُ الخَلْق بعد الأنبياء.

هذا، ولا تجوز المُداهَنةُ والمُجامَلةُ والمُداراةُ على حساب الدِّين والمُعْتَقَد؛ فإنَّ مِثْلَ هذا الصنيعِ يَطْعَنُ في عقيدة الولاء والبراء، وهي أَوْثَقُ عُرَى الإسلام، وهي ـ أيضًا ـ مِن لوازمِ الشهادتين وشرطٌ مِن شروطِها. قال تعالى: ﴿وَدُّواْ لَوۡ تُدۡهِنُ فَيُدۡهِنُونَ ٩[القلم: ٩]، والواجبُ تُجَاهَهُ نَقْضُ مَقالتِهِ وعَدَمُ الرِّضا بما هو فيه ولا مودَّتِه، ونُصْحُه بالاستقامة في حقِّ الصحابة رضي الله عنهم وغيرِهم، وأَنْ يسعى لردِّه عن ظُلْمِه لقوله صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»، فَقَالَ رَجُلٌ: «يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرهُ؟» قَالَ: «تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ»(٧)، فإِنْ أَصَرَّ على خُبْثِه وفسادِه هُجِرَ مجلسُه وصحبتُه لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ١١٣[هود]، ولقولِه تعالى: ﴿وَقَدۡ نَزَّلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أَنۡ إِذَا سَمِعۡتُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ يُكۡفَرُ بِهَا وَيُسۡتَهۡزَأُ بِهَا فَلَا تَقۡعُدُواْ مَعَهُمۡ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيۡرِهِۦٓ إِنَّكُمۡ إِذٗا مِّثۡلُهُمۡ﴾ [النساء: ١٤٠]، ولقوله صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ»(٨)، وقولِه صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «المُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السَّيِّئَاتِ»(٩).

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٦ ربيع الأوَّل ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ١٤ أبريل ٢٠٠٧م


(١) أخرجه البخاريُّ في «أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم» بابُ قولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «لو كنتُ مُتَّخِذًا خليلًا» (٣٦٧٣)، ومسلمٌ في «فضائل الصحابة» (٢٥٤١)، واللفظُ لأحمد (١١٠٧٩)، مِن حديث أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه.

(٢) أخرجه البخاريُّ في «الشهادات» باب: لا يشهد على شهادةِ جَوْرٍ إذا أُشْهِدَ (٢٦٥٢)، ومسلمٌ في «فضائل الصحابة» (٢٥٣٣)، مِن حديث عبد الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه.

(٣) أخرجه البخاريُّ في «أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم» بابُ قولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «لو كنتُ مُتَّخِذًا خليلًا» (٣٦٥٦) مِن حديث ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. وأخرجه مسلمٌ في «فضائل الصحابة» (٢٣٨٣) مِن حديث عبد الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه.

(٤) أخرجه أحمد في «مسنده» (٨٣٤)، والطبرانيُّ في «الأوسط» (٧٣٨٢)، مِن حديث عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه. والأثر صحَّحه أحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد» (٢/ ١٤٨)، والألبانيُّ في «ظلال الجنَّة» (١٢٠١).

(٥) أخرجه أبو داود في «السنَّة» بابٌ في التفضيل (٤٦٢٨)، والترمذيُّ في «المناقب» (٣٧٠٧)، وزاد الطبرانيُّ في «الكبير» (١٢/ ٢٨٥): «ويَسْمعُ ذلك النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولا يُنْكِرُه». والأثرُ صحَّحه الألبانيُّ في «ظلال الجنَّة» (١١٩٣). وأخرجه البخاريُّ في «أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم» بابُ فضلِ أبي بكرٍ بعد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (٣٦٥٥) بلفظِ: «كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ».

(٦) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ١).

(٧) أخرجه البخاريُّ في «الإكراه» بابُ يمينِ الرجل لصاحِبِه: إنه أخوه إذا خاف عليه القتلَ أو نحوَه (٦٩٥٢) مِن حديث أنسٍ رضي الله عنه.

(٨) أخرجه أبو داود في «الأدب» بابُ مَن يُؤْمَرُ أَنْ يُجالِس (٤٨٣٢)، والترمذيُّ في «الزهد» بابُ ما جاء في صحبة المؤمن (٢٣٩٥)، مِن حديث أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه. والحديث حَسَّنه البَغَويُّ في «شرح السنَّة» (٦/ ٤٦٨)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٧٣٤١).

(٩) أخرجه ابنُ حِبَّان في «صحيحه» (١٩٦) مِن حديث عبد الله بنِ عمرٍو رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في تحقيق كتاب «الإيمان» لابن تيمية (٣).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)