الفتوى رقم: ٩٧

الصنف: فتاوى المعاملات المالية

في حكم مسابقة الدولار الصاروخي

السؤال:

ظهرَتْ في المدَّةِ الأخيرة لعبةُ أموالٍ تُسمَّى: «الدولار الصاروخي» ليسَتْ في صورةِ «يانصيب»، لها شروطٌ ومعلوماتٌ خاصَّةٌ موجودةٌ على البطاقة المُرْسَلةِ إليكم، فالرجاءُ أَنْ تبيِّنوا لنا الحكمَ الشرعيَّ لهذه اللعبة. وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فإذا كانَتْ لعبةُ «الدولار الصاروخي» مِنَ الألعاب التنافسية فإنَّه لا يُشْرَعُ العوضُ فيها؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ»(١)، وإذا كان المقصودُ به المكسبَ والتجارة فلا يَحِلُّ العوضُ فيه ـ أيضًا ـ للاعتبارات التالية:

ـ كسبُ المال بغيرِ مجهودٍ مبذولٍ (وإِنْ بُذِلَ في أوَّلِه فيسيرٌ) حيث يَتسلسلُ كسبُه الماليُّ بيسرٍ دون عناءٍ، اعتمادًا على مجهودِ غيره؛ ولذلك اشتُقَّ الميسرُ مِنَ اليُسر الذي يُؤْخَذُ فيه مالُ الغير بسهولةٍ ويسرٍ مِنْ غيرِ نَصَبٍ ولا كدٍّ ولا تعبٍ.

ـ العملة الورقية والنقد ـ عمومًا ـ ليسَتْ قيمتُه مقصودةً بذاتها، وإنَّما تُعتبَرُ قيمتُها بالنظر إلى كونها وسيلةً إلى السِّلَع وتحصيلِ المَطالِبِ؛ لذلك كان الاتِّجارُ والكسبُ في ذاتها محظورًا، وضِمْنَ هذا المنظورِ يقول أبو حامدٍ الغزَّاليُّ ـ رحمه الله ـ في مَعْرِضِ الحديث عن الدنانير والدراهم ما نصُّه: «لأنهما خُلِقَا لغيرهما لا لنفسهما؛ إذ لا غَرَضَ في عينهما؛ فإذا اتَّجر في عينهما فقَدِ اتَّخذهما مقصودًا على خلافِ وضعِ الحكمة»(٢)، ويُؤكِّد هذا المعنى شيخُ الإسلام ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ بقوله: «فإنَّ المقصود مِنَ الأثمان أَنْ تكون معيارًا للأموال يُتوسَّلُ بها إلى معرفةِ مَقاديرِ الأموالِ ولا يُقصدُ الانتفاعُ بعينها»(٣).  

لذلك فالواجبُ الاتِّجارُ بها لا الاتِّجارُ فيها على ما قرَّره ابنُ القيِّم(٤) ـ رحمه الله ـ لأنَّ النقود لا تَلِدُ نقودًا لكونها غيرَ مقصودةٍ لذاتها، وإنّما هي وسيلةٌ لسَدِّ حاجاتِ النّاس ومُتطلَّباتهم المعيشية، وطريقٌ لأداءِ ما أوجب الشرعُ مِنَ الكفَّارات والوفاءِ بها، وما شَرَعَهُ مِنَ الإعانات في أنواع البرِّ وألوانِ الإحسان؛ وعليه، فإنَّ اتِّخاذ النقود صناعةً ومكسبًا ـ فضلًا عن الاعتماد على مجهودات الغير لتحصيلها، وبغضِّ النظر عن الجهة المروِّجة لها ـ فطريقٌ يأباهُ الشرعُ ويتنافى مع المَقاصِدِ الكُلِّية للتشريع(٥).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا. 

الجزائر: ٢٠ صفر ١٤١٨ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٥ جوان ١٩٩٧م



(١) أخرجه أبو داود في «الجهاد» بابٌ في السَّبَق (٢٥٧٤)، والترمذيُّ في «الجهاد» بابُ ما جاء في الرِّهان والسَّبَق (١٧٠٠)، والنسائيُّ في «الخيل» باب السَّبَق (٣٥٨٦)، وابنُ ماجه في «الجهاد» بابُ السَّبَقِ والرِّهان (٢٨٧٨)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. والحديثُ حسَّنه البغويُّ في «شرح السنَّة» (١٠/ ٣٩٣)، وصحَّحه ابنُ القطَّان في «الوهم والإيهام» (٥/ ٣٨٢)، وأحمد شاكر في تحقيقه ﻟ «مسند أحمد» (١٣/ ٢٣٢)، والألبانيُّ في «الإرواء» (١٥٠٦)، والوادعيُّ في «الصحيح المُسْنَد» (١٤٠٨).

(٢) «إحياء علوم الدين» للغزَّالي (٤/ ٩٢).

(٣) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٩/ ٤٧١).

(٤) «الطُّرُق الحُكْمية» لابن القيِّم (٢/ ٦٢٩).

(٥) انظر الفتوى رقم: (١٠٣) الموسومة ﺑ: «في ضابِطِ المسابقات وحكم الدورات الرياضية بين المساجد»، والفتوى رقم: (١١٣٥) الموسومة ﺑ: «في حكم التسويق الشبكي (الهرمي)» على الموقع الرسميِّ لفضيلة الشيخ أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ.

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)