الفتوى رقم: ٤٠٨

الصنف: فتاوى متنوِّعة - الآداب

في حكم رفعِ الأيدي بالدعاء وقراءةِ الفاتحة جماعةً
بعد الانتهاء مِنَ الأكل

السؤال:

ما حكمُ رفعِ الأيدي في الدعاء وقراءةِ الفاتحة جماعةً بعد الانتهاء مِنَ الأكل؟ وكيف تكون النصيحةُ لمَنْ يقوم بهذا الفعل؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فمِنَ الآداب الشرعية التي يلتزم بها المسلمُ عند انتهائه مِنْ تناوُلِ الطعام هي: أَنْ يختمه بحمد الله تعالى؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ أَكَلَ طَعَامًا فَقَالَ: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ»؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»(١)، وكان صلَّى الله عليه وسلَّم يقول إذا رَفَعَ مائدتَه: «الحَمْدُ للهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ، رَبَّنَا»(٢)، ولم يُعْلَمْ عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنه كان يرفع يدَيْهِ ـ تقصُّدًا للدعاء وقراءةِ الفاتحة منفرِدًا أو جماعةً ـ عند الانتهاء مِنَ الطعام أو مِنْ غيره، ولا يخفى أنَّ كُلَّ ما أُضيفَ إلى حكمٍ شرعيٍّ يحتاج إلى دليلٍ شرعيٍّ؛ لانتفاءِ العبادة إلَّا بما شَرَعَ، وإنما هذا الصنيعُ مأخوذٌ مِنْ عملِ النصارى ومِنْ تقليدِهم في مَشارِبِهم ومآكِلِهم؛ فهو أمرٌ مُحْدَثٌ لم تَرِدْ به السنَّةُ النبوية، قال عليه الصلاةُ والسلام: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»(٣).

والسنَّة هي ختمُ الطعام بالدعاء ـ كما تقدَّم ـ. وإِنْ كان ضيفًا فيكتفي بالدعاء بالبركة لصاحِبِ الطعام مُنفرِدًا بأَنْ يقول: «اللهم بَارِكْ لَهُمْ فِي مَا رَزَقْتَهُمْ، وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ»(٤).

والنصيحة المقدَّمة لمَنْ يقوم بهذا الفعل: أَنْ يلتزم السنَّةَ ويتجنَّب البدعةَ التي حذَّرَنا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم منها ووَصَفها بأنها ضلالةٌ، والمسلمُ المُطيعُ يخشى الوقوعَ في النار بوقوعه في الضلالة، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»(٥).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٠٤ ربيع الأوَّل ١٤٢٧ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٢ أفريل ٢٠٠٦م

 


(١) أخرجه أبو داود في «اللباس» (٤٠٢٣)، والترمذيُّ في «الدَّعَوات» بابُ ما يقول إذا فَرَغَ مِنَ الطعام (٣٤٥٨)، وابنُ ماجه في «الأطعمة» بابُ ما يُقالُ إذا فَرَغَ مِنَ الطعام (٣٢٨٥)، مِنْ حديثِ مُعاذ بنِ أنسٍ الجُهَنيِّ رضي الله عنه. وحسَّنه ابنُ حجرٍ في «الخصال المكفِّرة» (١/ ٧٤)، والألبانيُّ في «إرواء الغليل» (١٩٨٩) وفي «صحيح الجامع» (٦٠٨٦).

(٢) أخرجه البخاريُّ في «الأطعمة» بابُ ما يقول إذا فَرَغَ مِنْ طعامِه (٥٤٥٨) مِنْ حديثِ أبي أمامة الباهليِّ رضي الله عنه.

(٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه ـ بهذا اللفظ ـ مسلمٌ في «الأقضية» (١٧١٨)، والبخاريُّ في «الصلح» باب: إذا اصطلحوا على صُلْحِ جَوْرٍ فالصلحُ مردودٌ (٢٦٩٧) بلفظ: «... مَا لَيْسَ فِيهِ...»، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

(٤) أخرجه مسلمٌ في «الأشربة» (٢٠٤٢) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ بُسْرٍ رضي الله عنه.

(٥) أخرجه أبو داود في «السنَّة» بابٌ في لزوم السنَّة (٤٦٠٧)، والترمذيُّ في «العلم» بابُ ما جاء في الأخذ بالسنَّة واجتنابِ البِدَع (٢٦٧٦)، وابنُ ماجه في «المقدِّمة» بابُ اتِّباعِ سنَّةِ الخلفاء الراشدين المهديِّين (٤٢)، مِنْ حديثِ العرباض بنِ سارية رضي الله عنه. وحسَّنه البغويُّ في «شرح السنَّة» (١/ ١٨١)، والوادعيُّ في «الصحيح المسند» (٩٣٨)، وصحَّحه ابنُ الملقِّن في «البدر المنير» (٩/ ٥٨٢)، وابنُ حجرٍ في «موافقة الخُبْر الخَبَر» (١/ ١٣٦)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٢٥٤٩) وفي «السلسلة الصحيحة» (٢٧٣٥)، وشعيب الأرناؤوط في تحقيقه ﻟ: «مسند أحمد» (٤/ ١٢٦).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)